الوجودية فلسفة ام توجه؟ ولماذا
من الصعب علينا ان نتناول الوجودية بوصفها فلسفة , وذلك للرفض الكبير الذي يبديه الكثير من الفلاسفة الوجوديين لتسميتهم بالوجودية , بل قد نرى ان بعضهم يكتفي بالقول بانه باحث في الالهيات عن تسميتهم بالوجوديين , فمن الوجوديين من لا يرضى ان يسمى نفسه فيلسوفاً وهي جملة من الاتجاهات والأفكار المتباينة، وليست نظرية فلسفية واضحة المعالم، ونظرا لهذا الاضطراب والتذبذب لم تستطع إلى الآن أن تأخذ مكانها بين العقائد والأفكار
مبررات الوجود:-بوجود الوجود وجد الصراع فالإنسان أول مايولد في هذ االوجود يأتي وهويحمل في ثنايا بناءه النفسي مشكلتين هما:الخوف من المجهول وهذه هي المشكلةالاولى كونه لم يعد حتى الآن يمتلك معلومات كافية عن هذاالعالم،ومع الخوف من المجهول تتولد لدى الفرد القابلية على الاعتناق وهذه هي المشكلة الثانية ولهذا السبب نجد الناس حتى يتخلصوا من مشكلة الخوف من المجهول يعتنقون ديانة معية
- من ضروريات تنظيم الوجود تشريع قوانين تنظم حيثيات هذا الوجود وهذه القوانين هي
أ-قوانين وضعية ب-قوانين نقلية (تشريعية سماوية)
- في بعض الاحيان للوجود ثقل كبير جدا في حياة الناس لدرجة ان مصالحهم قد تتقاطع مع الشرائع التي جاءت بها الكتب السماوية اي القوانين التشريعية
- ان ولادة جميع القوانين والدساتير انما جاءت لتنظيم هذا الوجود بل انها قابلة للتغير بشكل مستمر بسبب ضروريات التغيير التي يتعرض لها الوجود بشكل مستمر.
- ان قوة وطغيان الوجود في حياة الناس تمثل بوجود صنفين أو نمطين من الناس …اناس متسلطة على رقاب ومقدرات الآخرين واناس خاضعة تابعة…وسبب الطغيان هو الخوف من ان يزعزع الآخرين سلطتهم التي تعني وجودهم.
الوجودية Existentialism
*ان الفكرة الاساسية للوجودية هي ان (الوجود) يسبق (الماهية) , وهي المنطلق الاساسي الذي بنيت حوله التجربة الوجودية , فالوجودية بكل معانيها تتفق على اسبقية الوجود , فماهية الوجود هي ما يحققه الكائن الحي عن طريق وجوده , ولهذا فهو يوجد اولاً , ثم تتحدد ماهيته عن طريق وجوده .”اي ان الانسان يوجد اولا ثم يتعرف الى نفسه او يحتك بالعالم الخارجي فتكون له صفاته ويختار لنفسه اشياء هي التي تحدده فأذا لم يكن للأنسان في بداية حياته صفات محددة فذلك لأنه قد بدأ من الصفر ,بدأ ولم يكن شيئا وهو لن يكون ألا بعد ذلك ولن يكون سوى ماقدره لنفسه”سارتر ص14
* ان الوجود هو في المقام الاول هو وجود انساني, في مقابل الوجود الموضوعي, الذي هو وجود ادوات فحسب “ان الذات عند الفيلسوف الوجودي هي الموجودة في نطاق تواجده الكامل فهو الموجود ليس ذاتا مفكرة فحسب وانما هو الذات التي تأخذ المبادرة في الفعل وتكون مركزا للشعور والوجدان” ماكوري 17,
* والوجودية بالمعنى العام , تعنى ابراز قيمة الوجود الفردي, لذا يمكن القول ان الوجودية تيار فلسفي يميل إلى الحرية التامة في التفكير بدون قيود ويؤكد على تفرد الإنسان، وأنه صاحب تفكير وحرية وإرادة واختيار ولا يحتاج إلى موجه, لذا تركز الفلسفة الوجودية على محاولات الشخص لان يجعل معنى لوجوده ثم يتولى مسؤوليه عن افعاله الخاصة كلما حاول ان يحيا طبقا لقيمه ومبادئه.
* والمرض النفسي عند الوجوديين هو (موقف انفعالي) تجاه الوجود والعدم، وهو بالأحرى ليس مرضاً مستقلاً بل تحولاً وجودياً وكذلك يهتمون بالعلاج بالزمن اي ان ينسى الفرد الماضي ويتطلع إلى المستقبل كحل لمشاكله.
* ان تركيز الفكر الفلسفي ينبغي ان يتعامل ويتناول ظروف وجود الاشخاص وعواطفهم والاجراءات والمسؤوليات والافكار المتعلقة بهم. وقد حافظ الفلاسفة الوجوديون اللاحقون على التركيز على الفرد , ولكنهم اختلفوا , وبدرجات متفاوتة , بشان الكيفية التي يحقق الفرد فيها ذاته وما الذي يشكل حياة مرضية ومشبعة , وماهي العقبات التي ينبغي التغلب عليها.
* ان مفهوم الوجودية هو مفهوم قائم على اطلاق انسانية الانسان كاملة دون اي قيد ديني او اخلاقي وانما يواجه الانسان وجوده بردة فعل مطلقة الحرية والانسان وفق هذه الرؤية ” هو مشروع يعيش بذاته ولذاته “
جذور الفكر الوجودي عبر التاريخ
عند مراجعتنا لتاريخ التفكير الفلسفي نستطيع ان نرى ان هناك الكثير من الافكار والفلسفات التي سبقت ظهور وتبلور الوجودية. والوجودية , بوصفها فلسفة . ذلك الصراع الذي نشأ من وضع (ديكارت) لدليله الانطولوجي على وجود – الله – تعالى وبان الوجود هو كمال من الكمالات , اي انه ماهية من الماهيات”اذا مادام انا موجدود ، فإذن هناك عالم محيط بي ، احس به . وهكذا وضع فلسفته التي تدعى بالاثنينية (المادية والروحية). كان هدفها الاول اثبات وجود الله ، لكن قبل ذلك لا بد من اثبات طريقة تفكير صحيحة لاختيار وغربلة الافكار الصحيحة التي في النهاية تصل الى معرفة الله”اما (كانت) فقد رفض اعتبار ان الوجود صفة من الصفات , وعدم الخلط بين الوجود والفكر, ذلك قد مهد لظهور فلسفة جديدة تعزل ( الماهية ) عن ( الوجود ) او تاتي ان تنقل ( الماهية ) الى الوجود. وقد ادى هذا التعرض فيما بعد الى انبثاق الفلسفة الوجودية بوصفها فلسفة قائمة بحد ذاتها , وفلسفة الوجود هي الفلسفة التي في جوهرها ما هي الا انصراف وتحول عن ( الماهية ) الى ( الوجود ) وتعلق الانسان من حيث هو موجود فردي .وبظهور ( سقراط ) تحول الانتباه الفلسفي الى الانسان تحولاً واضحاً واحتلت الاخلاق مكان الصدارة من التفكير الفلسفي وصار محط الاهتمام بالإنسان. والافكار الوجودية بمعناها المألوف اليوم , كان الفيلسوف ( كير كيجارد ) صاحبها واول من استخدمها , بل انه استخدم عبارات خصمه هيجل , كما ان كارل ماركس استخدم افكار ومنهج استاذه ( هيجل ) فالمذاهب الفلسفية يأخذون بعضهم من بعض , ويعاودون البحث , فيما قد تم بحثه غيرهم من قبل . والوجودية قد ظهرت اخيراً بصورة ادبية قصصية مسرحية فيما كتبه مارسيل وسارتر ودىبرافر وكامو واونا مونو , ظهرت الان هناك مبرراً قوياً لهذا الظهور وهذا المبرر ما يزال قائماً وذلك لطبيعة المجتمع الاشتراكي – الصناعي الذي كان سائداً تلك الفترة , الذي كان قائم على التكتلات والهيئات , لذا فهذا الفرد يجب ان يكون له صوت , ويكون له راي فالفرد يجب ان يكون له راي في الناس منحوله . ولكن حقه ان يعاود النظر في هذا كله. مصطلح الوجودية من اكثر المفاهيم شيوعا واكثرها سوء فهم ايضا فقد شاع مفهوم الوجودية في الدوائر العلمية والادبية واستخدم بطرق كثيرة مختلفة من قبل الفلاسفة وعلماء الدين واللاهوت والروائيين والفنانين وعدد كبير من عامة الناس بشكل تقريبا المعنى الحقيقي للوجودية
أسس علم النفس الوجودي:
1- الوحدة غير القابلة للحل او الذوبان للوعي (INdissoluble) الانساني والعالم, وقد اطلق عليها الوجودين مصطلح (الوجود _ في _ العالم) “Being- in- the- World” فمنذ القرن السابع عشر وحتى يومنا هذا توجه العلم الى الفصل بين الظاهرة الذاتية و الظاهرة الموضوعية . ولقد حاول الفلاسفة الوجوديون الوقوف بالضد من هذا الفكرة, بالمحاججة من ان الحياة الذاتية لا يمكن استثناؤها من اي فرع من فروع المعرفة يهتم بالحياة الانسانية. وانه لا يوجد هناك فصل بين الذاتي والموضوعي . اذا لا يوجد جزء من العالم قابل للمعرفة يكون خارج عن خبرتنا العقلية ولا توجد خبرة عقلية هي ليست خبرة من هذا العالم.
2- الاصالةAuthenticity”” التي يمكن تعريفها بانها ” ذلك الشكل من اشكال السلوك الذي يعده الوجوديون هدفا مثاليا يتضمن محاولة الفرد للممارسة قدراته ووعيه المسئول في اتخاذ القرار. ذلك ان الفكرة الاولى, اي ” الوجود- في- العالم ” تعني من ضمن اشياء العيش باستمرار تحت ضغط توقعات الناس الاخرينمما يدفعه لإنكار جوانب كبيرة من خبراته (((تنقية))) افكاره ورغباته مما يعتقد انها غير مقبولة من ((الوالدين الاصدقاء والمجتمع بشكل عام)) فالاهتمام الاكبر لدى الوجوديين هو نزعة الكائن البشري لأنكار جوانب كبيرة من قبل الوالدين. والاصدقاء والمجتمع بشكل عام ورغم ان هذا يبدو مسلكاً سهلاً, الا انه ينتج عنه في النهاية تقسيم مؤلم للشخصية: ذاتاً كاذبة خارجية تغطي ذاتاً داخلية منعزلة يجري نكرانها ولتجنب هذا الانقسام فانه يجب على الناس ان يكافحوا باستمرار من اجل العيش بأصالة اي ان يحققوا خبرة عقلية بمدياتها الواسعة. وهذا لا يعني تنفيذ كل دافع فاذا ما شعر الفرد بالرغبة في قتل شخص ما فان الوجوديين لا يوصون بالانغماس في هذه الرغبة. فما هو مهم هو الاعتراف بوجودها, اي ادراك الفرد بانه قادر على الرغبات القاتلة ويؤكد الوجوديون اننا لا يمكن ان نقود حياة حقيقية ونصنع خيارات لها معنا الا عندما نكون دارين وعارفين بمشاعرنا وقابلين لها بغض النظر عن عدم قبول الاخرين لها, وانه من خلال العيش بأصالة فأننا ننمو ككائنات بشرية.
3-التوكيد على الحاضر والمستقبل بمواجهة الماضي. ان الحياة- طبقا للوجودية- لا يمكن التنبؤ بما ستؤول اليه على اساس الماضي, انما من خلال “الصيرورة المستمرة بعملية دينامية يومية من خلق الذات”, وهذا يعني في المقام الاول ان الكائنات البشرية مسئولة, وانه لا يمكنهم القاء اللوم على سوء حظهم او فرص اضاعوها في الماضي.
ويعني ثانيا ان العلم يجب ان لا يتعامل مع الكائنات البشرية على اساس انها المحصلات النهائية لنتائج اسباب ماضية, وانه يجب دراستهم في سياق بعد الزمن الذي يحكمه التغيير. ان علم النفس الوجودي كان يجد متعته في الفرد كصاحب وليس كقائم بفعل.
الافتراضات الاساسية :
1.التوجه الظواهري: واحد من الافتراضات الاساسية في علم النفس الانساني والوجودي- الذي يعني انه يتوجب على المعالج النفسي ان يدخل الى عالم المريض التي تعني الاصغاء بأقصى ما يمكن من المشاركة الوجدانية لكل شيء يقوله المريض ويتعلق بخبرته ولتحقيق ذلك فانه يجب على المعالج النفسي ان يتجنب اخذ فقط ما يتساوق مع تحيزاته النظرية وليس بالضرورة ان يحاول ان (يحفر) تحت عبارات المريض من اجل ان يصل الى الحقيقة (الواقعية) فالواجب الاساسي للمعالج النفسي ان يسمع ما يريد سماعه من الحياة العقلية للمريض وعليه ان لا يكيفها الى اية مبادئ اضافية او غير جوهرية.
2- الحرية والمسؤولية: وان الدراية بالذات تسمح للكائن البشري يتجاوز دوافعه الى حيث (يختار) ما يجعله قادرا على تحقيق وجوده وعن طريق هذا يكون قادرا على تحقيق مصيره غير انه مع الحرية تأتي المسئولية , في كيفية خلق الانسان لذاته . فما الوجود الا نتيجة اختياراتنا الحرة . وهذا يعني ان ما يجعلنا راشدين حقيقيين هو تمتعنا بالحرية ومسؤوليتنا تجاه هذه الحرية في نوعية اختياراتنا التي تساعدنا في خلق ذواتنا وقال سارتر (ما نحن الاما نختاره ).
3- التسامي على الذات او الكفاح من اجل الذاتية
ان الانسان منفتح على العالم والبيئة تحوي كل ما يشبع التكوين الغريزي للنوع البايولوجي تلك الخاصية الرئيسية للوجود الانساني تقضي باختراق عقبات البيئةفالأنسان يتوق الى شئ ثم يصل الى العالم وهو عالم مليء بالكيانات الاخرى عليه ان يتواصل معها ومليء بالمعاني التي عليه ان يحققها ,فتحقيق الذات ليس الغاية النهائية للانسان وليس حتى مقصده الاول فاذا حعل من تحقيق الذات غايه في حد ذاته فان ذلك يتعارض مع خاصية التسامي على الذات المميزة للوجود الانساني وبذلك فان تحقيق الذات هو نتيجة غير مقصودة لقصدية الحياة وخاصية الذات ان الانسان يفقد أي اساس لتحقيق الذات اذا وجه اهتمامه المباشر لذلك ويرى فرانكل ان الاهتمام بتحقيق الذات يمكن ان تؤدي اثاره الى احباط المعنى .
4- تفردية الفرد:
لان كل انسان يدرك العالم بطريقة خاصة, ويشارك في (خلق ذاته) الخاصة. فان كل شخص هو كائن متفرد وان اختزال الفرد الى مجموعة معادلات نفسية- دينامية او سلوكية هو. طبقا للمنظور الانساني- الوجودي وليس سوى النظر الى جانب ضيق جدا من وجود هذا الفرد. واذا كان بالإمكان ان تنطبق على سلوك الانسان قواعد معنية. فان هذه القواعد لا يمكن لها قطعا ان تعرف او تشرع الحياة البشرية, لان لكل شخص كينونة خاصة به.
- الامكانية البشرية:
ينظر الانسانيون وكذلك الوجوديين على ان الفرد هو عمليــــة process اكثر منه ناتج Product لان الحياة البشرية هي مسالة نمو من خلال الخبرة على هذا الاساس يضع المنظور الانساني الوجودي توكيدا كبيرا على الامكانية البشرية. اي قدرة الفرد على ان يصبح ما يريد ان يكون عليه, في تحقيق الياته, وان يعيش الحياة التي تليق به.
6 المبادئ الفكرية للفلسفة الوجودية:
- تقديس الحرية, بدون الحرية يفقد الوجود معناه الحقيقي.
- التخلص من القوالب القديمة مهما كانت مصادرها مثل الدين والاخلاق والقيم الاجتماعية فهم يعتقدون بأن الأديانوالنظرياتالفلسفية التي سادت خلال القرون الوسطى والحديثة لم تحل مشكلة الإِنسان.
- حماية رغبة الانسان للاستمتاع بالوجود والقضاء على الشعور بالخيبة والقلق في هذا العالم والاستمرار بالحياة وتشجيعه والشعور بالسعادة والاستمتاع بفرصة امتلاك الحياة والحرية لتحقيقها.
- تسخير كل الطاقات و الامكانيات لصالح تحقيق الذات الفردية دون عطاء اهمية للماهيات والجواهر او الكليات او المجتمع.
- يؤمنون إيماناًمطلقاً بالوجود الإِنساني ويتخذونه منطلقاً لكل فكرة وهو أقدم شيء في الوجود وما قبله كان عدماً وأن وجود الإِنسان سابق لماهيته.
- يقولون إنهم يعملون لإِعادة الاعتبار الكلي للإِنسان ومراعاة تفكيره الشخصي وحريته وغرائزه ومشاعره.
7.يقولون إن على الإِنسان أن يطرح الماضي وينكر كل القيود دينية كانت أم اجتماعية أم فلسفية أم منطقية.
8.لا يؤمنون بوجود قيم ثابتة توجه سلوك الناس وتضبطه إنما كل إنسان يفعل ما يريد وليس لأحد أن يفرض قيماً أو أخلاقاً معينة على الآخرين.
علم النفس الوجودي:
ينظر علم النفس الوجودي الى الشخص كوجود, بيولوجي, نفسي, اجتماعي. مهمته الاساسية البحث عن المعنى وتوكيد هذا المعنى. أي أن الإنسان كفرد يقوم بتكوين جوهر ومعنى لحياته ، لذا تركز الفلسفة الوجودية على محاولات الشخص لان يجعل معنى لوجوده ثم يتولى مسؤوليه عن افعاله الخاصة كلما حاول ان يحيا طبقا لقيمه ومبادئه.ظهر من الفلسفة الاوربية الوجودية.. ويمكن ان نقول عنه انه نتاج:
- ظروف القرن العشرين وما تضمنه من حربين مدمرتين.
2.تطور مدهش في التكنولوجيا ..ولكن اهمال للمشاريع الانسانية.
3.تحلل اخلاقي في المؤسسات الاجتماعية.
4.اهتزاز القيم والمعتقدات الدينية والاسرية والتقليدية.
5.اخذ الانسان يبحث عن اشباع متطلباته المادية من ما توفره التكنولوجيا ترفيه وترف مما ترتب عليه ان انقطعت صلته بالأسرة والمؤسسات الدينية.
6.وفي ظل وجود المجتمع التكنولوجي اللاأخلاقي ترك الناس قيمهم الدينية ليحموا انفسهم ضد مطالب تقتضيها المسايرة الاجتماعية .. فهم ما عادوا يختارون انما يسايرون ويفعلون ما يفعله الآخرون.
- انكار الذات الحقيقية .. التي قادت الى (الاغتراب) وهي نوع من الموت الروحي لان ينتاب الفرد فيها الاحساس بعدم معنى الحياة.
8.ونتيجة لأفكارهم الجديدة والجريئة نالوا شهرة واسعة.
أسباب ظهور الوجودية:
- إن الوجودية جاءت ردة فعل على تسلط الكنيسةوتحكمها في الإِنسان بشكل متعسف باسم الدين.
- تأثرت بالعلمانيةوغيرها من الحركات التي صاحبت النهضة الأوروبية ورفضت الدين والكنيسة.
- تأثرت بسقراطالذي وضع قاعدة “اعرف نفسك بنفسك“.
- تأثروا بالرواقيين الذين فرضوا سيادة النفس.
- الوجوديۃ کحرکۃ جاءت نتيجـۃ لابد منھا ضد التاکيد الذي انصب علی العالم المجھول اللاشخصي او المجرد للطبيعۃ ونظامھا الموضوعي والقوي والجوھر وتناولت الوجوديۃ بدلا من ذلک الانسان بمدرکاتہ الذاتيۃ بافکارہ ومشاعرہ وقراراتہ کنقطۃ لفھم الانسان ۔وبھذا التاکيد علی فھم الوجود کشیء عياني اتخذت الفلسفۃ الوجوديۃ موضوعا متشابھا لما موجود في علم النفس.
الوجوديۃ والشخصيۃ:
تطرح الوجوديۃ نمطين من الاشخاص ھما الشخص الاصيل والشخص غير الاصيل وتری ان :
الشخص الاصيل (يدرک تماما في سلوکہ الافتراضات الوجوديۃ المتعلقۃ بطبيعۃ الانسان فھو يمارس بنشاط وفاعليۃالحاجات السايکلوجيۃ او الوظائف المتعلقۃ بالمنطق الرمزي والخيال واصدار الحکم او الراي ، وھو حين يمارس ھذہ الامور فانھا ستؤثر في خبراتہ الاجتماعيۃ والبايولوجيۃ ۔ و الشخص الاصيل متکامل بشکل جيد ، يبدي الاصالہ والتغيير بشکل واضح وھو بقبولہ لحاضرہ وماضيہ فان توجہه الاساسي یکون باتجاہ المستقبل و بکل مايرتبط بالمجھول او عدم يقين ، وھذا المجھول او عدم اليقين يقودہ الی خبرۃ القلق ولکنه يتقبل ھذا القلق کضرورۃ ملازمة للحياۃ الفاعلۃوتمکنہ الشجاعۃ من ھذا القبول).
اما الشخص غير الاصيل (فيستحوذ عليہ التعبير عن الحاجات السايکلوجيۃ التي تميز الانسان وينظر الی نفسہ کلاعب ادوار اجتماعيۃ مقررۃ سلفا ومجسدا الحاجات البايلوجيۃ ويکون سلوکہ مجزءا غير متکامل ونمطيا وغالبا ما يتضمن استغلالا للاخرينوھو ذو اتجاہ مادي صرف ۔وتسيطر عليہ مشاعر من عدم الجدوی وبفقدان الامن۔انہ يخاف من المستقبل المجھول ،ينکمش منہ وھو يظر الی نفسہ في ضوء ماضيہ او حاضرہ بالرغم من المشاعر الناتجۃ عن الذنب والاسف)
وقد اکد الوجوديين الکیفيۃ التي يستطيع الفرد من خلالھا ان يتحول من نمط غير اصيل الی اصيل وفق منظوريين :احدھما علاجي نفسي ,ولآخر التطوري او التکويني .وھم يرون ان تغيير الشخصيۃ مسالۃ تحدث عبر الحياۃ بکاملھا ،وانہ ينتج عن تفاعل المتغييرات السايکولوجيۃ والاجتماعيۃ والبايولوجيۃ الجسميۃ.
وجهات نظر:
*سورين کيرکجور( 1959- 1968 ) الذي يری ان حياۃ الانسان سلسلۃ من القرارات الضروريۃ وان الانسان عندما يتمعن في اتخاذ قرار باتجاہ معين ۔فان ھذا القرار سيعمل علی تغيير ھذا الانسان وسيضعہ امام مستقبل مجھول ،وسيعيش بالتبعيۃ ۔خبرۃ القلق ،وقد اعتبر الوجوديين ان المثابرۃ والصمود بوجہ القلق واختيار التغيير بغض النظر عن الظروف ھي الطريق الی النمو والتطور ،اما تجنب القلق والقبول بالوضع الراهن فھو الطريق الی الرکود والخمول الذي يصاحبہ تراکم الذنب الذي يقود الی الياس في النھايۃ.
*دافع كلا من ويلم جميس وکارل يسبرز ( 1883- 1969 ) وبول تيليش ( 1886- 1965 ) اشارا الی ان الحياۃ علی انھا کفاح صور جيمس العالم کحالۃ من التشوش الکامل شبيھۃ بحالۃ الکون المختلط قبل تکونہ ۔ وان ھذہ الحالۃ لايمکن للافراد ان يعطوھا اي نظام الا من خلال الافعال التفسيريۃ او التعليليۃ ۔ اکد علی ( المزاج المتقد ).اما يسبرز الانسان بصراعاتہ غير القابلۃ للحل بطرق مالوفۃ ،فالانسان ھو وحدۃ الواقع وھو المکان الذي فيہ ومن خلالہ يوجد کل شيء واقع بالنسبۃ لنا ۔اکد علی ( التجاوز او التخطي )
اکد تيليش علی ان الحياۃ الضرورۃ یتحکم بھا القلق ،وان قدرۃ الانسان تکون ضعيفۃ ازاء السيطرۃ علی الحوادث ۔اکد علی ( الشجاعۃ ), يبدو ان العنصر المشتركبين وجھات النظر ھذہ ھو انہ ما دامت الحياۃ بطبيعتھا ھي حالۃ مشوشۃ وتحمل التھديد فان الشخص يستطيع ان يعيشھا بشکل افضل اذا امن بالتحدي واستجاب دون تردد۔
* ھايدجر 1962 فقد وصف الشروط الاساسيۃ لطبيعۃ الانسان ، واشار الی عدد من الخصائص التي تميز )بين الافراد فميز بين (التقليدي او عقليۃ الدھماء او الجمھور ) وبيننوع الخبرة الذي يعرف بـ Dasein) ويترجمہ البعض ( الوجود – ھنا ) الذي يعني ( القدرۃ علی الوصول الی مستویات عاليۃ من الوعي والتفرد من خلال التامل في الذات والاخرين العالم الطبيعي).
* سارتر فقد اكد على المسائل السايكولوجية كتأكيده على المسائل الفلسفية وانتقد علم النفس الفردي ادلر وكذلك التجليل النفسي لدى فرويد وان الانسان غير محكوم عليه لاباللاشعور ولا بالدوافع الداخلية فسلوك الانسان مقرر ومحكوم بالأهداف الذاتية وهدفه في الحياة من خلال ممارسة الاختيار الذي توصل او اهتدى اليه بفعل مشروعة الاساسي فان الفرد يخلق المعنى والوعي لما هو عليه.
الفلاسفة الوجوديون:
عند دراسة الفلسفة الوجودية نجد انه من الصعب علينا ان نتناول الوجودية بوصفها فلسفة , وذلك للرفض الكبير الذي يبديه الكثير من الفلاسفة الوجوديين لتسميتهم بالوجودية , بل قد نرى ان بعضهم يكتفي بالقول بانه باحث في الالهيات عن تسميتهم بالوجوديين , فمن الوجوديين من لا يرضى ان يسمى نفسه فيلسوفاً – اي فيلسوفاً محترفاً – فكيركيجارد – مثلا ً لا يقبل هذه التسمية عن نفسه ,ويفضل ان يقال عنه انه مجرد باحث في الامور الدينية والالهيات , ويضع الله امامه , فيما بينه وبين نفسه , ويبحث فيه من هذه النظرية الذاتية كموقف عام في الحياة .
ومن ناحية اخرى فان فيلسوفاً مثل ( ياسبرز ) يقول ( انا فيلسوف للوجود , ولكن ارفض لفظة وجودي ) فلفظة ( وجودي ) اصبحت مقصورة في استعمالها على مدرسة باريس الوجودية التي تضم ( جان بول سارتر وستمون دي بوفوار زميرلوبونتي .
وعلى الرغم من وجود تشابه كبيرين عامة بين الفلاسفة الوجوديين في اسلوبهم , فان هناك اختلاف وتباين واضح بنفس المقدار , وذلك كون هذه الفلسفات تكون في بدايتها دائماً عبارة عن حالة او تجربة ذاتية خاصة , بالرغم من صعوبة تحديد هذه الحالة او التجربة لكل فيلسوف .
ولو اننا القينا نظرة على الفلسفات الوجودية جميعاً لوجدنا انها تبدا دائماً من نقطة ذاتية خاصة تعبر عن تجربة حية اوخبرة وجودية , وقد يكون من الصعب احياناً ان تحدد طبيعة تلك التجربة بالنسبة الى كل فيلسوف من الفلاسفة الوجوديين على حده . ولكن ربما كان باستطاعتنا ان نقول ان هذه التجربة قد اتخذت عند ( يسبرز ) صورة شعور حاد بما في الوجود من قابلية للتحطيم , باعتباره حقيقة هشة سريعة الانكسار . واما عند ( هيدجر ) فقد تجلت تلك التجربة الوجودية على شكل وجدان وقلق قوامه الشعور بان الوجود سائر حتما نحو الموت .
ان كثير من الفلاسفة الوجوديين تندمج عناصر من تراثهم الديني او الثقافي في فكرهم الوجودي , او حتى تدفعهم الى هذا النوع من التفلسف .
اما الكتاب الذين يكتبون عن الوجودية فكثيراً ما يشيرون الى تقسيم فلاسفتها الى وجوديين مسيحيين ووجوديين عير متدينين ( ملحدين ) , كدليل على التنوع الذي يمكن ان يوجد في هذا اللون من التفلسف .
وتقسيم ( الوجوديين ) الى مسيحيين وملحديين يفشل في مراعاة حقيقة هامة ان العالقة بين الفيلسوف الوجودي ومسيحيته او إلحاده هي عادة علاقة ذات طابع ينطوي على مفارقة الى اقصى حد . فهي نوع من العلاقة التي تتشابك فيها عناصر الايمان وعدم الايمان .
ولكن ما يعقد الامور هو وجود مدرستين وجوديتين , تختلف الواحدة منها عن الاخرى وبالتالي وجود نوعين من الوجوديين ؛ اولهم : الوجوديين المسيحيون , وفيهم الفيلسوف الالماني المعاصر ( كارل يسبزر ) والفيلسوف الفرنسي ( جابرييل مارسيل ) والاثنان كانوا كاثوليكيان .
والفئة الثانية هي فئة الوجوديين الملحدين وبينهم ( هيدجر والوجوديين الفرنسيين ) وهاتان الفئتان من الوجوديين تلتقيان على صعيد واحد وتتفقان على ( ان الوجود يسبق الجوهر ).
ولا يمكن نسيان ان المذاهب الوجودية وفلاسفتها لم يكونوا مؤمنين بانكار وجود الاله بالصورة البسيطة التي يمكن ان نجدها عند بعض العلمانيين وذلك لاعتبارهم بان الخير والقيم العليا من جهة وجود الله من جهة اخرى هما وجهان لعملة واحدة .
اما الوجودية فانها تعتقد ان انكار وجود الاله عند هؤلاء من الصعوبة بمكان لا تهتم بذلك انما ينكرون وجود الخير والمحض وينكرون وجود عالم القيم في السماء لانهم انكروا وجود الوعي اللامتناهي والكامل ( أي الالهي ) يستطيع ان يتصور هذا العالم.
فرانكل Frankl: البحث عن المعنى:
كان فكتور فرانكل (1905) من تلامذة فرويداحتجزه النازيين 1942-1945ولم يستطيع كما استطاع فرويد ان يهرب من النازيين فأعتقلالطبيب الشاب وعروسه وأمه وابيه في فيينا, واقتيدوا جميعاً إلى معسكر الاعتقال في بوهيما (Bohemia), وقد أدت أحداث التي دارت في هذا المعسكر وفي ثلاث مسكرات أخرى, بالطبيب الشاب أو المسجون رقم 119, و114, لأن يتبين ويدرك أهمية معنى الحياة, واحدى تلك الأحداث المبكرة هي فقدانه للشهادة الطبية لمؤهله للعمل بمهنته, وذلك أثناء ترحيله الى Auschwitz , لقد كان محتفظاً بها في بطانة معطفه, الا أنه أجبر في اللحظة الاخيرة أن يتركها وراه. ولقد أمضى بعدها ليال عديدة وهو يحاو لأن يستعيد صياغتها, في عقله أولاً, ثم على لفافات من الورق المهرب أليه. ولحظة أخرى ذات مغزى كانت أثناء نفير الفجر, ومايعنيه من التوجه للعمل في تمديد قضبان السكك الحديدية: حيث تساءل بتعجب مسجون اخر عن مصير زوجتيهما. وبدأ الطبيب الشاب يفكر بشأن زوجته هو, وأيقن أنها موجودة في داخله.
ومن هذه الاحداث القاسية والمرعبة وضع فرانكل اساسيات نظريته فلقد لاحظ في هذه المعسكرات ان السجناء الذين كانوا قادرين على العيش نفسيا ومقاومة الياس هم اولئك الذين يوجد في معاناتهم شيء من المعنى الروحي لتجاوز المحنة فقادت هذه الملاحظة الى ان يخلص فرانكل لاستنتاج مفاده ان علم النفس التقليدي بتعامله مع الكائن البشري على اساس بيولوجي فقط وابعاد نفسية تقليدية فانه يلغي ان يتجاهل بعدا مهما جدا هو الحياة الروحية.
ان هذا التوكيد على المعنى الروحي هو الخاصية الاساسية في نظرية فرانكل الوجودية. وطبقا لفرانكل فان القوة الدافعة الرئيسية لسلوك الانسان ليست الرغبةبالأحرى (الرغبة في المعنى) اي كفاح الكائن البشري في ان يجد السبب او شيئا من المنطق لمشكلات وجوده وتعقيدات حياته, ولا يمكن ايجاد هذا المعنى الا من خلال خبرة وممارسة القيم، وهذه القيم لا يمكن اكتشافها الا من خلال العمل, وحب الاخرين, والعالم, ومواجهة الفرد لمعاناته الخاصة.
وتجد الاشارة الى ان فرانكل نظر الى عملية سعي الانسان لتحقيق القيم على انها واجب اخلاقي وبالتالي فانه يجب على الانسان ان لا يسال عن المعنى من الحياة, انما بالأحرى يجب ان يدرك بانه هو الذي يسال بعبارة اخرى, ان كل انسان هو مستوجب من قبل الحياة, وانه يستطيع ان يستجيب لها عندما يكون مسئولا. اما اولئك الذين يتجنبون متابعة القيم, فانهم يتجنبون أيضا دور المسئولية الذي اوكلته لهم الحياة الروحية, وبالتالي يبقون عاجزين, ويتعاملون مع المخلوقات البشرية من وجهة نظر العلم غير انه من خلال اكتشاف المعنى سيرتقي الناس فوق اي قوة تحاول ان تسيطر على حياتهم.
وعندما لا يستطيع الناس اكتشاف المعنى, فانهم سيعيشون خبرة الاحباط الوجودي (Existential Frustration) التي تعد من وجهة نظر فرانكل المصدر الرئيس للسلوك الشاذ, ولغرض التعامل مع الاحباط الوجودي هذا فقد ابتكر فرانكل استراتيجية علاجية اطلق عليها (علاج الفكر Logotherapy) تهدف الى مخاطبة المشكلات الروحية بمصطلحات فلسفية مناسبة لتلك المشكلات ويتحدد دور المعالج النفسي بمواجهة المريض بمسئولياته تجاه وجوده, ومساعدته على متابعة تحقيق القيم المتأصلة في الحياة وهذا يتطلب أيضا ان تكون العلاقة بين المعالج والمريض علاقة مودة يستكشفان من خلالها العالم سوية وتصحيح الالتواءات الموجودة في توجه المريض نحو الحياة, وتمكينه من ان يبدا من جديد تحمل المسئولية في السعي نحو تحقيق المعنى من خلال ممارسة خبرة القيم.
فان دين بيرغ Berg: العالم المعاش: (1914)
توضح كتابات المعالج النفسي فان دين بيرغ المبدأ الاساسي في علم النفس الوجودي: (الوجود- في- العالم ) وكذلك اللازمة اخرى التي تقوم بان الناس يمكن فهمهم فقط من خلال التوجه الظواهري حاول بيرغ في كتاباته ان يدفع الى الامام بنظريته القائمة على اساس الوحدة بين عقل الفرد وبيئته وبشكل خاص السياق الاجتماعي الحضاري ومن وجهة نظره: فان تاريخ الفن, والادب, والتربية, والتكنلوجيا, وباختصار.. التعبير البشري, هو دلالة الدينامية عبر العصور في علاقة الفرد بمحيطه الاجتماعي الحضاري. يدعي بيرغ بان هذا ينطبق ايضا على تاريخ الامراض النفسية فالمجتمع عند سماحه او عدم سماحه بالتعبير او عدم التعبير عن امزجة معينة فانه من هذه العملية يعطي الشكل لاستياءاتنا وسخطنا وهكذا فان كل مجتمع في كل حقبة زمنية يغذي فينا خصائصه العصابية ويلمح بيرغ الى ملاحظة هي ضرورة تغيير مصطلح عصاب (Neuroses) الى مصطلح (Socioses) يعني ان مصدر العصاب هو المجتمع بسياقه الحضاري ويرى ان المجتمع قد اتجه في السنوات الاخيرة نحو زيادة التعددية الوظيفية,اي تولي وظيفتين او اكثر في وقت واحد, والتشظي Fragmentation, والفردية بعبارة اخرى, فقدان الروابط بين الجوانب المتنوعة للمجتمع او الاجل المكونة للمجتمع, وكذلك فقدانها أيضا بين الفرد والمجتمع وقد انعكست هذه العملية بالمقابل على النفس الانسانية المعاصرة, حيث نجد اولا (الذات، self) قد تجزأت الى (ذوات، Selves) وثانيا. الاحساس الواضح بالوحدة والعزلة، ولقد تعززت فرضية بيرغ الى درجة معينة بما اطلق عليه في الوقت الحاضر (اضطرابات الشخصية النرجسية والشخصية الحدودية) حيث تتصف هذه الاضطرابات بالإحساس بتشظي الذات وعدم القدرة على تكوين علاقات ثابتة بالأخرين.
وتعد المساهمة الكبيرة لبيرغ في ميدان العلاج النفسي هي وصفة الذي لتوجه الظواهري. فلقد اصر على ان فهم الناس المضطربين يقتضي ان يحصل اولا على وصف صادق وآمين (لعالمهم المعاش) بما فيه وجهة نظره بذواتهم, والموضوعات والناس في عالمهم وانتقالهم من حالة الى اخرى بمرور الوقت .
لانج Lang : الذات المزيفة والذات الحقيقة
اعتمد المعالج النفسي البريطاني لانج, مثل بيرغ, على التوجه الظواهري, مع انه قدم نفسه على انه (ظواهري اجتماعي اجتماعيSocial Phenomenology، ويبدو ان الحقيقة المركزية بالنسبة له بخصوص (وجوده في- العالم) هي علاقاتنا الشخصية وان ما يحدد سلوكنا هو خبرتنا بسلوك اولئك القريبين منا: (ان مهمة الظواهرية الاجتماعية هي ربط خبرتي بسلوك الاخرين وربط خبرة الاخرين بسلوكي انها دراسة العلاقة بين خبره وخبر بحق ميدان الخبرة المتبادلة).
ان الكثير من هذه الخبرة الحادثة على نحو متبادل هي وجهة نظر لانج ليست مشهدا جميل. فالمفهوم الوجودي للعقل على انه وحدة مقسمة حيث هناك ذات مزيفة تغطي ذاتنا داخلية حقيقية غير معبر عنها وهذا هو التوكيد الجوهري لدى لانج. هو يضع اللوم على الانقسام او الانشطار على زيف الاتصال الاجتماعي المعاصر. فالأسرة بشكل خاص تحاصرنا برسائل مزدوجة تفرض علينا مشاعر او احاسيس جامدة او خشنة وتجعلنا نتابع اهدافا لا معنى لها. وتواصل عدم تشجيع السلوك الاصيل لصالح السلوك التقليدي, بحيث نصل بمرور الزمن الى مرحلة الرشد مقطوعين تماما عن ذواتنا، واذا كنا نبدو بالظاهر (اسوياء) فأننا في الواقع متلفون نفسيا مخلوقات نصف Half- Crazedمخبولة متكيفة قليلا او كثيرا الى عالم مجنون).
وهناك افراد معينون حين يواجهون ضغوطا غير عادية في علاقاتهم الشخصية فانهم ربما يضمونها او يوحدونها مع استعداداتهم البايوكيماوية للإصابة بالفصام فيجدون انفسهم غير قادرين على الاستمرار بالذات المزيفة التي فرضها المجتمع عليهم، وعليه فانهم ينسحبون من الواقع ويغطون في عوالمهم الداخلية الخاصة وهذه المناورة تسبب لهم ذلك النوع من السلوك الذي نطلق عليه نحن الفصام (الشيزوفرينيا) وفي الوقت نفسه فان هذه الحالة توفر لهم الفرصة للعودة الى ذواتهم الحقيقية ومعالجة انقسام بين الذات الخارجية والذات الداخلية, وهذا يحملهم بعيدا عن السواء المزيفين اللذين لم يغطسوا ابدا الى حيث الذات الحقيقية.
وهكذا يغدو الفصام طبقا لوجهة نظر لانج كفاحا حقيقيا من اجل … العقل وصحته للوصول الى عيش اصيل. وطبقا لهذا التفسير فان ما يحتاج اليه العصابين هو العلاج النفسي التقليدي اي ذلك النوع من العلاج الذي يهدف الى تدريبهم على اعادة الذات المزيفة اليهم التي يريدها المجتمع، ما يحتاج اليه العصابيون فهو الاسناد والتعاطف لجعلهم سلوك رحلتهم الداخلية مع كل ما تتصف به من عدم تنظيم وسلوك مرضي (في البرنامج العلاجي المصمم من قبل لانج واتباعه يسمح للمريض بالفصام بالصراخ واحيانا يشجع عليه وكذلك تلطيخ الجدران بالقاذورات وما الى ذلك) ومن خلال المرور بالمراحل النكوصية يعتقد ان المريض سيعيد الاكتشاف ويتوصل بالتالي الى مصالحه مع الذات الحقيقية والظهور ثانية الى الواقع مع القدرة على الابداع والسلوك الاصيل الذي ضحى به في عملية خلق الذات المزيفة.
بنز وانكر
- حاول ترجمة المفاهيم الفلسفية الوجودية الى نظرية في الشخصية.
- ان المفاهيم الوجودية يمكن ان تكون مفيدة في تحديد وشفاء الامراض النفسية.
- رفض اعتقاد فرويد المتعلق بعدم القدرة على تغيير الغرائز.
مقارنة بين الانسانية والوجودية
_نقاط التشابه بين المنظورين
*فكلا التوجهين مركزان على العالم كخبرة ممارسة من قبل الفرد واهمية القيم الانسانية, وفردية الناس وتفرداتهم وقدراتهم على النمو وحريتهم على اختيار عيشهم ونوعية حياتهم ومسؤوليتهم ازاء ما يختارون .
*ينظران الى السلوك الشاذ على انه لا يمكن اختزاله الى قوى خارج وعي الانسان (دوافع بيولوجية او تأثيرات بيئية) وكلاهما يفهمان عدم السوء على انها صعوبة الارتباط او العلاقة بالعالم والناس الاخرين.
_نقطة الاختلاف :
أن الانسانيين يميلون الى التوكيد على دور تحقيق الذات بينما يشدد الوجوديون على البحث عن الاصالة والكفاح من اجل تأسيس قيم خاصة بالفرد والعمل طبقا لهذه القيم وهذا الاختلاف في التفسير يقوم الى عدد من الاختلافات الدقيقة بين هذين التوجهين:
ت |
الانسانية |
الوجودية |
1 |
يركز الانسانيون على الفرد- اي حاجات كل شخص وادراكاته واهدافه وان لا يكون اسير القيم الخارجية وهم ينظرون الى (داخل الشخص) هو الذي ينبغي ان يكون الاطار المرجعي |
النظر الى الفرد من داخل سياق الظرف الانساني ويحاولون التعامل مع المسائل الاخلاقية والفلسفية الاكبر المتضمنة في تلك العلاقة. |
2 |
يقصرون مشاركتهم عالم المريض على التعاطف الوجداني معه والاصغاء الى ما يقوله بمشاركة انسانية |
استنباط صورة فعلية لما يبدو عليه العالم بالنسبة للمريض اي رؤية العالم بكل تفاصيله من موقع المريض نفسه |
3 |
هدف العلاج الانساني هو تحرير المريض لإشباع حاجاته البيولوجية والنفسية مسئولية الفرد تكون تجاه نفسه فقط ولأنه يفترض ان كل فرد انساني هو طيب وجيد بطبيعته فانه ما من احد يسبب الاذى للأخرين في مسعاه نحو تحقيق ذاته |
هدف العلاج النفسي الوجودي فهو باتجاه تطوير الحياة الروحية للمريض وهي عملية تتضمن ادراك المريض لمسئولية نحو الاخرين ونحو نفسه في تحقيق صورة مشرفة للحياة الانسانية.
|
4 |
متفائل جدا فجميع الانسانيون يؤكدون على الحرية والامل والامكانية ويرون انه بالإمكان الوصول الى تحقيق الذات |
فهم لا يرون ما يراه الانسانيون من تحقيق امل للذات فالكثير منهم يضع توكيد كبيرة على الاسى والاحباط الموجودة للحياة الفعلية المتمثلة بتهديد الحرية وعدم القدرة على الاختيار ومشكلة للقلق والرعب من الموت واما قبول المسئولية الا نوع من معاهدة سلام مع الظروف الانسانية التي تهدد حرية الفرد وتمسخه من انسانيته. |
نظرية الشخصية في العلاج الوجودي
يعتقد الوجوديون ان الحياة اما ان تكون متألقة ومشرقة , وإما ان تكون ضيقة ومعتمة وذلك تبعاً لسلسلة القرارات التي يتخذها الانسان , فكل الوجوديون يعتقدون اننا نواجه قرارات مهمة وصعبة وان نوعية هذه القرارات محكومة بمعرفتها وبالاطار المرجعي الذي اتخذت فيه تلك القرارات , فيجب ان نقرر ما الحقيقي وما الزائف؟ ما الصحيح وما الخطأ؟ اي الافكار التي يمكن قبولها وايها التي ترفض؟ ما الذي تعلمه والذي لا تعلمه؟ . بالرغم من اهمية هذه القرارات فان الوجوديون يعتقدون انه لا توجد معايير او قوانين موضوعية تحكمنا لدى اتخاذنا القرار ويجب على كل منا ان يحدد المعايير التي يقبلها والمعايير التي يرفضها , ومن وجهة نظر اخرى فان كل منا بحاجة ولديه القدرة على اتخاذ قرارات حاسمة والانسان يفضل ان يعيش في عالم يكون له الحق في ان يتخذ قراراته حتى لو كانت غير صائبة .تهتم المدرسة الوجودية بكيفية اتصال الاشخاص بعالمهم الموضوعي , وبالأشخاص الاخرين , وبإحساسهمبأنفسهم . ويوكد علم النفس الوجودي على اهمية الوقت (الماضي والحاضر والمستقبل) , لكن يركز بشكل خاص على الحاضر في فهم الانسان لنفسه ولعالمه . وتتضمن المواضيع التي يتعامل معها الوجود الانساني الحياة والموت , والحرية والمسؤولية والاختيار والعزلة والحب والمعنى واللامعنى , ويؤثر مدى تعامل الاشخاص مع هذه المواضيع بصدق وبصورة حقيقية , على وجودهم وسوائهم وصحتهم النفسية . العلاج الوجودي علاج خاص للإحباط الوجودي , والفراغ الوجودي او احباط الرغبة في المعنى اذا ادت هذه الحالات الى اعراض عصابية فانها تسمى اعصبة روحية او وجودية . والعلاج الوجودي يتهم بان يصبح الناس واعين بمسؤولياتهم , لان كون الانسان مسؤول يعتبر اساساً ضرورياً للوجود الانساني , والمسؤولية تتضمن الالتزام والتعهد او العهد وهذا الالتزام يمكن فهمه فقط معنى الحياة الانسانية . والسؤال الخاص بالمعنى هو ذاتياً سؤال انساني يظهر عند التعامل مع المرضى الذين يعانون من الاحباط او الصراع الوجودي , فالعلاج الوجودي اذن يهتم بالمشكلات التي تتعلق بالمعنى في مظاهره وجوانبه المتنوعة .
تقويم المنظور الانساني الوجودي:
ربما كان هناك مبررات لظهور فكر الفلسفة للوجودية , وربما كانت الحل الانسب في ذلك الوقت لتخليص الانسان من قيود العبودية المتوارثة , كي تفتح له المجال ان يكشف العالم على حقيقته والتخلص من حالة الكآبة والتشاؤم وشرود الذهن . الا ان القلق والخوف بدا يراود المفكرون من جديد في هذا العصر حول مفاهيم الوجودية نفسها لأنها اصبحت عائق وخطير كبير على مصير الانسانية وان مفاهيمها اصبحت مثل افيون الشعوب بعد ان حلت محل الدين في المجتمعات الغربية من خلال الانحلال الخلقي الذي اصاب بمجتمعهم بسبب فقدان المعيار او المقياس .
فضلا عن ان النقد الحاد الموجة للمنظور الانساني الوجودي هو انه ليس علميا بل انه ضد العلم أيضا. فالمصدر الاساسي للمعلومات في العلاج الانساني على سبيل المثال هو ببساطة ما يعتقده المعالج النفسي بخصوص ما يفكر به المريض حول ما يتعلق بحالته كما ان الوجوديين ببحثهم او تحقيقاتهم الفلسفية ربما كانوا اقل دقة علمية من الانسانيين. ويبدو في بعض الحالات ان هذا المنظور يتجاهل بالفعل الدليل او البنية العلمية فطبقا لما يراه السلوكيون مثلا ان اصرار الانسانيون والوجوديين على الارادة الحرة يتعارض بشكل صريح مع نتائج عملية كثيرة كما ان هناك مسالة اخرى موضع تساؤل هي التوجه الظواهري اذ كيف يستطيع المعالج ان يتبين ويتفحص انه يدرك حقيقة العالم الداخلي للمريض؟ وحتى لو تم له ذلك فهل ان مثل هذا التعاطف قيمة علاجية حقيقة؟
وازاء هذه الموضوعات فان المنظرين الانسانيين والوجوديين يردون على ذلك بان الطرق العلمية التي يطالبهم الاخرون بها هي مستعارة من العلوم الطبيعية وبتالي فأنها غير مناسبة لدراسة السلوك البشري. فهم يرون ان ما يحتاجه علم النفس وهذا ما يحاولون تأسيسه هو علم انساني جديد يأخذ في آليه حسابه مسائل انسانية اساسية من قبيل: الارادة- القيم- الاهداف- المعنى والنمو الشخصي.
ومع كل هذا النقد فان ما ينبغي ان يشار اليه هنا هو ان المنظرين الانسانين والوجوديين تحدثوا عن مشكلات ذات اهمية قصوى للإنسان كائن بشري وان علم النفس يتحمل التقصير اذا ما تجاهلها فحرية الارادة على سبيل المثال. مفهوم يمكن ان يكون موضوعا علميا فمعظم الناس بضمنهم العلماء في حياتهم اليومية يعتقدون بانهم يمتلكون ارادة حرة وبتالي فهم قلقون بخصوص الاختيارات التي يتخذونها ويزداد هذا الموضوع اهمية بعد ان اصبح الناس في المجتمع المعاصر يمتلكون حرية اكبر وقيم صارمة اقل، بحيث اصبح موضوع الاختبار يشغل وجود الانسان كقيمة عليا. وان اصرار المنظور الانساني الوجودي على دراسة هذه الموضوعات يعد فضيلة له بحيث كرست المنظورات الاخرى اهتمامها على(اصلاح) سوء التكيف. فان علم النفس الانساني والوجودي ذهبا الى ابعد من ذلك حيث مساعدة الناس على اكتشاف او خلق الاحساس بالمعنى وتحقيق الذات.
ان على المرء أن ينتبه جيداً أنه لا يمثل ذاته فحسب , بل الطبقة أو الفئة أو الوظيفة التي ينتمي إليها , وسوف ينسب كلامه وسلوكه إلى هذه الفئة. – جان بول سارتر