الإتجاهات في علم النفس الاجتماعي


تستعمل كلمة الاتجاه لأكثر من معنى في مجالات العلم والحياة اليومية، ومثال ذلك استعمال الكلمة في الدلالة على وجهة الرياح أو الطائرة، ووجهة الارتفاع أو الانخفاض في الدراسة العلمية لسعر عملة ما، والمنحى الذي تأخذه الدولة في مواجهة أمر عام يتصل بسياستها الداخلية أو الخارجية.

أما في علم النفس فيعبر الاتجاه attitude عن حالة نفسية، وله مكوناته ووظائفه وخصائصه، ويعد من أهم جوانب الشخصية. وتقع دراسة الاتجاهات، موضوع هذا البحث، في مقدمة موضوعات علم النفس الاجتماعي. ثم إن كثرة الاتجاهات لدى الفرد، والترابط القائم بينهما، يعدان معاً المسوغ الرئيس في إيثار الكثير من البحوث النفسية المعنية بالاتجاه اعتماد لغة الجمع، أي الاتجاهات، في الدراسة. وفي اللغة العربية يصادف القارئ أحياناً مصطلح «الموقف» وقد استعمل في التعبير عن الاتجاه في دراسة ما نفسية أو تربوية.

ويصعب تعريف الاتجاه بدقة في علم النفس شأنه في ذلك شأن الشخصية. ومع ذلك فإن البحوث التي تتناوله بالدراسة تورد تعريفات عدة. وبين التعريفات التي يتكرر ذكرها قول ألبورت Allport إن الاتجاه حالة استعداد عقلي أو عصبي نُظِّمت عن طريق الخبرات الشخصية تعمل على توجيه استجابات الفرد لكل تلك الأشياء والمواقف التي تتعلق بهذا الاستعداد. وبين التعريفات التي يتكرر ذكرها كذلك قول غيلفورد Guilford «إن الاتجاه تهيؤ أو استعداد لأن نفضل أو لا نفضل نوعاً من الأمور أو الأعمال الاجتماعية، وإنه، من الناحية النفسية، ينطوي على اعتقادات كما ينطوي على مشاعر، وإن هذه الخاصة الأخيرة هي التي تميزه من الميل».

على أن من الممكن الانطلاق من تحليل عدد من الاتجاهات لدى عدد من الأفراد والوصول من ذلك إلى تعريف يغلب عليه أنه وصفي ويذكر أن الاتجاه تهيؤ أو نزوع متعلَّم، وثابت نسبياً، لدى الشخص لاستجابة تفضيل أو عدم تفضيل موضوعها الأفراد أو الجماعات أو المؤسسات أو الأفكار وذلك في مجال يستثير تلك الاستجابة، مع العلم أن موضوع الاتجاه يغلب عليه أنه موضوع تهتم به الجماعة.

وتشير المراجع المتصلة بدراسات الاتجاه إلى أن ظهور مصطلح الاتجاه في علم النفس بدأ مع الأعمال العلمية الأولى في علم النفس التجريبي في الربع الأخير من القرن التاسع عشر،ولكن الكلام عنه كان آنئذ مرتبطاً بالحديث عن اتجاه العقل حين يناقش أموراً تهمه. إلا أن البحوث الخاصة بالاتجاهات غدت أكثر اتساعاً وانتشاراً مع الربع الثاني من القرن العشرين ولاسيما ما يتصل من هذه البحوث بقياس الاتجاهات وبآثارها في سلوك الشخص وآرائه.

خصائص الاتجاهات

جعلت خصائص الاتجاهات موضوعاً لكثير من الدراسات، ولكن نتائج هذه الدراسات لم تكن متفقة في كل ما تذكره. واعتماداً على ما تبرزه هذه الدراسات يمكن ذكر الخصائص التالية:

الاتجاه حادث نفسي لا يخضع للملاحظة مباشرة، شأنه في ذلك شأن الذكاء والشخصية، ولكنه يمكن أن يدرس عن طريق ما يؤدي إليه أي عن طريق السلوك الذي يظهره والذي يمكن أن يكون موضوع ملاحظة مباشرة. ومن هذه الزاوية كثيراً ما يقال إن الاتجاه افتراضي ويجري التحقق من وجوده ووجهته عن طريق دراسة أنماط السلوك المنبئة عنه.

والاتجاه تهيؤ، إنه يبدو على شكل استعداد أو نزوع للقيام بفعل ينطوي على علاقة بين الشخص وموضوع الاتجاه، ومن هذه الزاوية يكون اختلافه عن السمات التي يذكر وجودها في الشخصية والتي تكون لاصقة بها وتميزها من حيث هي «كل».

الاتجاه محوري، أي إنه مستقطب، وله محوران: مع أو ضد، تفضيل أو لا تفضيل، تحبيذ أو رفض. ومن هذه الزاوية يقال عن الاتجاه إنه ينطوي على نوع من التحيز الشخصي، وإن فيه تقويماً أي منح قيمة من الشخص لموضوع الاتجاه. وقد تكون القيمة (أي التفضيل) عالية وقد تكون دون ذلك. ومن هذه الزاوية ينظر إلى الاتجاهات على أنها يمكن أن تختلف من حيث شدتها أكانت «مع» أم كانت «ضد».

الاتجاهات متعلَّمة، أي إنها لا تكون لدى الشخص لعامل وراثي بل هي مكتسبة وتأتي من تفاعل الشخص (بكل ما عنده) مع محيطه (بكل ما فيه) ومن الخبرات الناجمة عن هذا التفاعل، ويدخل في هذه الخبرات المشاعر الانفعالية التي ترافقها وتكون جزءاً منها. ومن هذه الزاوية يكون النظر إلى تكوّن الاتجاهات لدى الشخص مع نموه والنظر إلى التفاوت بين الأفراد في اتجاهاتهم، وإن كان موضوع الاتجاه واحداً.

الاتجاه متخصص، أي إن لكل اتجاه موضوعه الخاص به، ومثال ذلك الاتجاه لدى الأشخاص نحو عمل المرأة في القوات المسلحة أو الاتجاه نحو النظام الرأسمالي أو نحو الحرية. فإذا قيل ولكن اتجاه الشخص الإيجابي مثلاً نحو عمل المرأة في القوات المسلحة يظهر في أنماط السلوك المتصلة بهذا الموضوع والصادرة عن ذلك الشخص، وفيها أقواله وأفعاله، قيل، في شرح ذلك، إن تلك الأنماط من السلوك مترابطة ومتجهة نحو موضوع واحد في الأصل ولذلك يقال إن الاتجاه يعبر عن نظام تأتلف فيه أنماط من السلوك وتقدم مجتمعة دلالة على وجهة التفضيل في الاتجاه.

الاتجاه متغير أو متحول، أي إنه ينطوي على درجات، وقد يهتم قياس الاتجاه بثلاث درجات من الشدة وقد يتناول عدداً من الدرجات يفوق ذلك. وفي كل الحالات تشمل الدرجات في دراسة الاتجاهات درجات في شدة التفضيل الإيجابي ودرجات في عدم التفضيل أي التفضيل السلبي.

الاتجاه عقلي عاطفي، أي إنه ينطوي على تفاعل بين جانب عقلي لدى الأشخاص وجانب عاطفي أو انفعالي، ولكن الغلبة في الاتجاهات للجانب العقلي، ومع ذلك يجب الانتباه إلى تفاوت الأشخاص في قوة الجانب العقلي وقوة الجانب العاطفي.

الاتجاه ثابت نسبياً، ويبدو هذا الثبات في استمرارية الاتجاه لدى الشخص لسنوات من حياته بعد تكوّن الاتجاه، ويظهر هذا الثبات واضحاً في أعمال ذلك الشخص المتصلة بموضوع الاتجاه وفي إدراكه للعالم حوله.

الاتجاه ثلاثي الأبعاد، ففيه بعد الماضي من حيث تكونه (أي تكون الاتجاه) واستمراريته حتى الحاضر والعوامل فيه، وفيه بعد المستقبل، ويبدو ذلك واضحاً في استمراره مستقبلاً وفي إجراءات اعتماد الاتجاهات للتنبؤ بما يمكن أن يفعله صاحبها إذا واجهته ظروف تتصل بموضوع تلك الاتجاهات، وفيه بعد الحاضر ويبدو في ظهور الاتجاه حاضراً، عن طريق أنماط السلوك المعبرة عنه، حين وجود استثارة معينة ترتبط بموضوعه أو حين تدعو حاجة حاضرة إلى ذلك.

مضامين الاتجاه وتكونه

يتناول الحديث عن المضامين أو المكونات العناصر الأساس العاملة في بنية الاتجاهات. أما الحديث عن التكون فيهتم بموضوعين: تكون الاتجاهات مع نمو الشخص ونضجه والعوامل المؤثرة في ذلك، وتعديل الاتجاه بعد أن يكون موجوداً بحيث يتغير في شدته أو نطاق موضوعه ويحل محله اتجاه آخر يخالفه في وجهته.

مضامين الاتجاه: في الاتجاه ثلاث فئات من المضامين: العقلية والعاطفية والإجرائية. تتألف المضامين أو المكونات العقلية من مجموعة الأفكار والقناعات والاعتقادات لدى صاحب الاتجاه المتعلقة بموضوع اتجاهه، وتظهر واضحة فيما يورده صاحب الاتجاه حين يدفع إلى تسويغ اتجاهه. وتتألف المضامين العاطفية أو الانفعالية من مجموعة العواطف والمشاعر التي تظهر لدى صاحب الاتجاه في تعامله مع موضوع الاتجاه: إنها تظهر في حبه ذلك الموضوع من درجة ما أو في نفوره منه- من درجة ما كذلك. أما المضامين أو المكونات الإجرائية فتتمثل في نزوع صاحب الاتجاه إلى القيام بأنماط من السلوك تتصل بموضوع الاتجاه وذلك حين تدعو الحاجة إلى مثل ذلك الإجراء أو يتوافر الموقف أو المجال الذي يقع فيه الشخص وموضوع اتجاهه.

إن هذه الفئات الثلاث من المكونات متفاعلة، وهي قابلة لأن يصل إليها الباحث مباشرة أو بطريقة غير مباشرة، إلا أن مكانة فئة المكونات العقلية أعظم من مكانة المكونات العاطفية وذلك في بنية الاتجاه.

تكوّن الاتجاهات: تتكون الاتجاهات لدى الفرد مع نموه ونضجه وتكون نتيجة لخبراته الناجمة عن التفاعل بينه وبين المحيطين الاجتماعي والمادي حوله. وفي جملة ما تضمه هذه الخبرات تأثير الآخرين في الشخص حين يكون ناشئاً يعيش داخل الأسرة ويتلقى التربية التي توفرها له ويتفاعل معها، وحين يكون موضوع تفاعل مع الآخرين خارج محيط الأسرى وتفاعل مع البيئة المادية وما فيها من مؤثرات الطبيعة ومن مؤثرات صنعها الإنسان. وكذلك حيث يكون متفاعلاً مع شروط مؤسسات اجتماعية متعددة بينها المدرسة والنادي ومؤسسات العمل والمؤسسات الدينية والسياسية وغيرها، وأن يكون متفاعلاً مع وسائل الإعلام والأتراب والآخرين في محيطه الاجتماعي خارج الأسرة أو داخلها. ولعل مما يساعد في فهم الأثر الذي تتركه في الشخص، الطفل والشاب والكهل، ظروف البيت والمدرسة والمجتمع الخارجي، فحص ما تنطوي عليه توجهات الأسرة باستمرار، وفحص ما تنطوي عليه أهداف التعليم في مراحله المتعددة، والأهداف التي تعمل من أجلها المؤسسات السياسية وغيرها ووسائل الإعلام، وما توحي به شروط العمل والمهنة.

على أن من اللازم الإشارة هنا إلى مكانة قدرات الشخص العقلية ومعارفه وبناء شخصيته في تكون الاتجاهات لديه. إن لهذه القدرات والمعارف الشخصية مكانتها في التفاعل بين الفرد ومحيطه، في مستوى محاكماته وفهمه للأمور حوله، وفي محاولاته الوصول إلى الكشف والإبداع والإسهام، إذ إن تكوّن اتجاه ما يعتمد اعتماداً عميقاً على المعارف التي تنطوي عليها خبراته، وعلى قناعاته واعتقاداته وعلى مستوى تقبله الإيحاء والتلقين والنصائح، وعلى أخذه بأسلوب المناقشة الشخصية المستفيضة أو من دونها في أمر ما يقبله.

تعديل الاتجاهات وتغييرها: إن الاتجاهات التي يكتسبها الفرد في حياته، ولا سيما في مراحل ما قبل الشيخوخة، والتي يقال عنها إنها ثابتة نسبياً، يمكن أن تخضع للتعديل والتغيير. فقد ينال الاتجاه بعض التعديل في مدى مضمونه أو شدته، وقد يتغير الاتجاه ويأخذ منحى جديداً مختلفاً اختلافاً واضحاً عن السابق. وبسبب من هذه الحال يكون القول بالثبات النسبي في الاتجاهات.

وقد يتم التغيير أو التعديل ضمن شروط أو ظروف متنوعة. فقد يحدث التغيير لدى الفرد بتأثير خبرات جديدة وعميقة الأثر تتكون لدى الشخص. وقد يحدث بعد تكوّن معارف جديدة لدى الفرد تتصل به وبشخصيته وبموضوع الاتجاه ولا تكون متوافرة لديه من قبل، وكثيراً ما يحدث هذا التغيير ضمن هذه الظروف في حال اتجاه سياسي أو اقتصادي أو اتجاه من زعيم. وقد يكون العامل الرئيس في حدوث التغيير عمل منظم تقوم به وسائل الإعلام أو مؤسسة خاصة وذلك حين يخضع الشخص لآثار تلك الوسائل أو المؤسسة الخاصة.

ثم إن العامل الرئيس في التغيير قد يأتي من تغير في حاجات الفرد، ومثال ذلك أثر حاجة الفرد الشديدة والجديدة إلى الانتماء إلى كتلة سياسية أو فريق لعبة رياضية.

ويحتمل أن يأتي العامل من الحاجة إلى الدفاع عن النفس ولاسيما حين يدعو بقاء الشخص في مجتمع ما إلى تعديل في قناعات لديه لا تتفق وشروط الحياة في ذلك المجتمع، ثم يلحق بذلك تغير عنده في اتجاه أو أكثر، ويقدم هنا المهاجرون إلى مجتمع جديد أمثلة على هذا التعديل حين تستدعي حياتهم الجديدة تغييراً في اتجاهاتهم نحو حرية سلوك الأولاد ولاسيما الإناث منهم.

وإن تعديل الاتجاه كثيراً ما كان موضع دراسات تجريبية تمكَّن فيها برنامج معد من قبل، ونفذ في حال مجموعة من الأفراد من الطلاب أو العمال، من إحداث تغيير ملحوظ في اتجاه أفراد تلك المجموعة نحو نوع من الدراسة أو العمل: نحو نوع من الدراسات العلمية ونحو نوع من الأعمال اليدوية كانت مجموعة الأفراد لا تفضلها.

وظائف الاتجاهات

تعد الاتجاهات من المكونات الأساسية للشخصية، ويحقق وجودها لدى الشخص مجموعة من الوظائف أهمها ما يلي:

وظيفة إرضاء الحاجات أو إشباعها: يكشف فحص تكوّن الاتجاهات عن أنها ترتبط بمكافآت أو عقوبات رافقت استجابات لدى الشخص بدت في قوله أو فعله مما يتصل بشخص أو فكرة أو مؤسسة أو موضوع اجتماعي،وحين ينال التعزيز دعم استجابته، أي قوله أو فعله أو الأمرين معاً، فإن تكوّن الاتجاه يستمر ويتعمق. فقد غدا يلبي حاجة لدى الفرد، أي غدا له نفع خاص. ويبدو النفع أحياناً في وصول الفرد إلى أهداف عن طريق إظهار اتجاهه، كما يبدو في مساعدة الفرد، أحياناً أخرى، على التكيف مع أوضاع حياتية. ويسمح النفع بالقول عن الاتجاه إنه نفعي، كما تسمح الخدمة التي يقيمها الاتجاه في تكيف صاحبه مع ظروف طارئة بالقول إنه- أي الاتجاه- تكيفي، وظهور السلوك المعبر عن الاتجاه، في الحالين، هو دليل على أن السلوك يلبي أو يشبع حاجة أو حاجات لدى الفرد. ومثال ذلك الاتجاه الإيجابي القوي الذي ظهر عند طالب نحو الرياضيات، على صورة تفضيل مرتفع الشدة، والذي بدأ يتكون بعد حصوله على علامات عالية في امتحانات الرياضيات، وبعد تعزيز جاء من ثناء صدر عن المعلم. ومثال ذلك أيضاً تفضيل عامل ما حزباً سياسياً بعد أن عرف أن ذلك الحزب يناضل في سبيل مصلحة الإنسان العامل.

الوظيفة التقويمية: تظهر الوظيفة التقويمية للاتجاه من ناحيتين: الأولى متضمنة في تفضيل الاتجاه أمراً -أو عدم تفضيله- مما يدل على أن لذلك الأمر قيمة ما لدى صاحب الاتجاه (قيمة إيجابية أو قيمة سلبية). من هذه الزاوية فإن الفرد الذي يكون اتجاهه نحو الديمقراطية اتجاه تفضيل، وهو يعبر عن حسنات الديمقراطية اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً وغير ذلك، يرى أن في تفضيله تعبيراً عن تقويم عال للديمقراطية. أما الناحية الثانية فتكون في دلالة الاتجاه على قيم معينة لدى الشخص، أو نظام قيم، ويبدو الشخص في اتجاهه كأنه يقول معتزاً: هذا أنا، والمثال على هذه الناحية الثانية الاتجاه الظاهر لدى الشخص نحو المساواة بين الرجل والمرأة والذي يكشف فحصه (أي فحص الاتجاه) أنه موجود لدى شخص تكون العدالة في مكان عال بين قيمه ويكون احترامه لإنجازات المرأة في الأسرة واقتصاد الأسرة في المجتمع وفئاته احتراماً يقع في الصدارة في قيمه.

وظيفة الدفاع عن «الأنا»: الأصل في الاتجاه أنه نظام يظهر في أنماط من السلوك بينها تناسق وفيها مستوى مقبول من الثبات، وذلك على الرغم من وجود اختلاف في الظروف التي يمكن أن يظهر فيها موضوع الاتجاه. ومثال هذه الحال اتجاه شاب نحو مهنة التعليم وكيف يبدو هذا الاتجاه في مناقشة يسهم بها هذا الشاب وفي تعامله مع المعلمين وفي سلوكه المعبر عن اختيار المهنة. إن هذه الوظيفة يؤديها الاتجاه في توفير التناسق بين مكونات «الأنا»، الذي يتعامل مع الواقع لدى صاحب الاتجاه، وفي دعم تقرير الذات لدى هذا الشخص وهو يدافع عن نفسه أمام ظروف الحياة ولاسيما حين يكون هذا الاتجاه الحجة التي بها يواجه الشخص ظروف الواقع وحين يقول: «هذا أنا».

الوظيفة المعرفية: تساعد الاتجاهات صاحبها في فهم عالمه فهماً يسهم في تكوين الاطمئنان لديه، وفي جعل حوادث هذا العالم ذات معنى خاص. إنها توفر للشخص نوعاً من الثبات والوضوح في رؤية العالم وتفسير حوادثه. إن هذا القول لا يعني أن الاتجاهات تقدم صورة صحيحة عن العالم، بل يعني أن الصورة ذات معنى لمن يدرك العالم بوساطة اتجاهاته. وأن هذه الصورة تقدم نوعاً من الإطار أو الأساس لمعارف جديدة يصل إليها صاحب الاتجاه ويسعى إلى إدخالها في نظام اتجاهاته أو قناعاته. أي أن يضمها ضم تنسيق إلى ما كان لديه من قبل. من هذه الزاوية يؤدي الاتجاه الإيجابي لدى الشخص نحو العمل اليدوي خدمة في الوصول إلى مجموعة غنية من المعارف عن قيمة العمل اليدوي في الدخل القومي وفي خدمة مجتمعه وخدمة الإنسانية، ومن هذه الزاوية كذلك يمكن فهم سعي صاحب الاتجاه نحو نظام اقتصادي ما إلى الحصول على مزيد من المعارف عن ذلك النظام.

وظيفة الانتماء والتوحد مع الآخرين: يربط الاتجاه بين الفرد ومجتمعه، أو فئة من ذلك المجتمع، ويدعم شعور ذلك الفرد بالانتماء إلى ذلك المجتمع أو تلك الفئة وشعوره بأنه مثل الآخرين ويؤلف وحدة معهم، بهذه الصورة يمكن فهم وظيفة الاتجاه الإيجابي نحو القومية الموجود لدى الشخص في توحده مع الآخرين في مجتمع ساده الفكر القومي، كما يمكن فهم وظيفة الاتجاه الإيجابي نحو حكومة الخدمات في مجتمع يغلب على مظاهر حياته الأخذ بسياسة حكومة الخدمات. وحين يراجع الباحث ما جاء في دراسات الشخصية من أن الانتماء حاجة عميقة من حاجات الشخص، فإنه يدرك أهمية هذه الوظيفة التي يقوم بها الاتجاه في خدمة صاحبه.

x