السلوك السوي والسلوك الشاذ

تحديد السلوك غير السوي :-

هنالك العديد من الطرائق التي يمكن الاستعانة بها في تحديد السلوك الشاذ رغم اختلاف الثقافات بين الشعوب ولكن من الممكن استخدام المحطات الأتية  :

1 . قصور النشاط المعرفي : وهي حدوث أعاقة للقدرات العقلية كالاستدلال والأدراك والانتباه والحكم والتذكر والاتصال وتكون هذه الاعاقة شديدة .. من خلالها ممكن وصف السلوك بأنه غير سوي . لذا يقال أن بعض الأفراد غير الأسوياء نفسياً يصابون بإعاقة معرفية أكثر , ويتعرفون بطرائق اجتماعية غير ملائمة وأنهم أقل قدرة في التحكم في انفعالاتهم عن الأفراد الأسوياء . ويجدر الإشارة بأن المختصين لا يتفقون على التمييز بين السلوك غير السوي من حيث الدرجة فقط , أذ يعتقد كثيرون منهم بأن الفرق يكمن في الملامح النوعية فضلاً عن الملامح الكمية , ومجرد كم من الأوهام والصور  …

2 . قصور السلوك الاجتماعي  :  أي أن هنالك مجموعة من التقاليد الاجتماعية التي تنظم السلوك في كل مجتمع , فإذا أنحرف السلوك بدرجة عالية عن مستويات تلك التقاليد فمن المحتمل أن يطلق عليه سلوك (( غير سوي )) , وفي مجتمعاتنا العربية والإسلامية ومن ضمنها (( العراق )) , هنالك منظومة اجتماعية ورسالة قيمة واخلاقية إسلامية هي ( القرآن , والسنة النبوية الشريفة , وسيرة أهل بيت النبوة .عليهم السلام. ) كل من خالفها فيعد سلوكه غير سوي … شاذاً .

لذا فأن التعريفات النفسية للسلوك غير السوي أمر يتوقف على الممارسات الثقافية , فأكل القمامة مثلاً يعد نشاطاً مقبولاً في بعض المناطق مثل (( سيبيريا , الصين , اليابان , المكسيك , والولايات المتحدة )) وقد يكون الدافع وراء هذا السلوك بعض النقائص الغذائية , في حين يعد هذا السلوك نحو أكل القمامة لدى الراشدات غير الحوامل في بعض قبائل غرب أفريقيا ( جماعة السيرير ) سمة على الانحراف الخلقي أو المرض القاتل , فحينما تقر الثقافة مثل هذا السلوك فأن القيام به لا يصحبه شعور النفس بالضيق , أما وسط ( جماعة السيرير ) فهذا السلوك يرتبط بالعار والقلق والانحراف والتعويذات السحرية وأمراض الشحوب والضعف وانتفاخ المعدة وضيق التنفس …

3 . قصور في التحكم الذاتي  :  لا توجد مقدرة للأفراد كاملة في التحكم المطلق في سلوكهم , وعليه فأن الانعدام التام للتحكم في السلوك يوصف بأنه سلوك (( غير سوي )) لذا أعدت سلوكية المساحقة والشذوذ الجنسي في معظم أرجاء العالم الغربي عبر مئات السنين أمراً منافياً للأخلاق ونتيجة للاعتراضات الأخلاقية صنف من يسلك هذا السلوك على أنه مريض كتصنيف طبي , واستبعد هذان المرضان من التصنيف العقلي في أواخر السبعينيات وكان سبب هذا التحول ما أثبته البحث العلمي ,

عليه نخلص الى أن السلوك السوي والسلوك الغير سوي أمران يتوقفان على الثقافة السائدة وتغيرات الزمن ولا يمكن أن نضع مستويات مطلقة بحد ذاتها …

4 . الضيق  :  أن مشاعر الأسى وعدم الارتياح كالقلق والغضب والحزن كلها انفعالات سوية وحتمية ولكن التعبير عن هذه الانفعالات بطريقة غير مناسبة تؤدي الى المعاناة بطريقة حادة وغير مألوفة يعتقد أنها (( غير سوية )) .

وتستخدم المصطلحات الطبية اليوم في وصف المشكلات النفسية فكما يقول عالم النفس (( برنيدان ماهر )) , (( أن السلوك غير السوي قد أصطلح عليه مرضياً ويصنف على أساس زملات الأعراض , وتسمى التصنيفات بالتشخيص , والعمليات المصممة لغرض تعديل السلوك وتغييره تسمى العلاجات وهي تستخدم مع المريض في المصحات العقلية . وعندما يتوقف السلوك المنحرف يوصف المريض بأنه شفى .

ويعتقد الكثيرون من مؤيدي النموذج الطبي أن الاضطرابات الانفعالية مثلها مثل الأمراض العضوية , وكلا النوعين من النماذج الطبية يميل الى طرح الافتراضات الأتية : –

1 . يتكون الاضطراب النفسي – مثله مثل المرض – من مجموعة محددة نسبياً من الأعراض غير السوية التي تختلف نوعياً عن السلوك السوي , ولكل نوع من المشكلات العقلية سبب أو مجموعة من الأسباب .

2 . على المتخصص أن يتعرف على الأسباب الكامنة ويعالجها .

3 . ينظر الى المريض على أنه مستقبل سلبي للعلاج وكل مسؤوليته هي أتباع إرشادات المختص .

ويعد (( توماس زاس )) (( أن المرض العقلي أسطورة وأن المتخصصين في الصحة العقلية لا يهتمون بالأمراض العقلية وعلاجها , فهم يتعاملون في الواقع لمشكلات شخصية واجتماعية وخلقية موجودة في الحياة )) ويطرح التساؤلات الأتية  : –

1 . العوامل التي تشكل السلوك السوي –  كالتفاعلات الاجتماعية والنفسية والبيولوجية هي نفس العوامل التي تشكل السلوك السوي والفارق في الناحية النوعية فقط , فقد تنشأ مشكلات متشابهة بطرائق متعارضة …

2 . لا يستطيع العلاج أن يشفي الاضطرابات العقلية بنفس الطريقة التي تشفى بها الأمراض العضوية , واليوم يزود العلاج النفسي الأفراد بممارسات طبية وعملية لتمكنهم من التحكم في مشكلاتهم وحياتهم .

3 . أن المشاركة الفعالة في جانب المريض في العلاج أمر ضروري , فعلى الفرد المريض أن يتعلم التعامل مع المواقف المختلفة بطريقة مثمرة (( دافيدوف / 1980 )) …

 

 

 

النظرة للسلوك السوي  :-

منذ الولادة وحتى الموت نختار ونتعرف بطريقة كيف نسلك وكيف نتعامل بما يحيط بنا في الأسرة والمجتمع والمدرسة والجامعة وفي كل مكان نتواجد فيه من خلال مفهوم السلوك الكلي (( Total Behavior  )) والسلوك الكلي يركز على أن السلوك يعمل لأربعة عناصر متلازمة معاً وواضحة المعالم …

العمل أو التعرف (( Acting )) , التفكير (( Thinking )) , المشاعر (( Feeling )) , الناحية الجسدية (( Physiology )) …

1 . العمل يشير الى السلوك النشط مثل (( المشي , الحديث , الحركة , السلوكات قد تكون تطوعية أو غير تطوعية …

2 . التفكر : يتضمن كلاً من الأفكار الطوعية والا طوعية ويتضمن أحلام النهار وأحلام الليل …

3 . المشاعر : تتضمن السعادة , الرضا , الرغبة , والكثير من المشاعر الأخرى التي تكون مؤلمة أو سارة …

4 . الناحية الجسدية : تشير الى كل التقنيات الجسمية التطوعية وغير التطوعية من ( العرق ) الى (التبول) …

   أذاً فـ(( جلا سر )) يعرف السلوك بأنه كل ما نعرف , حول كيف نفعل , نفكر , ونشعر والتي يجب أن تترافق مع أعمالنا وتفكيرنا ومشاعرنا .

وركز (( جلا سر )) على الحاجات النفسية ودورها في شعور الفرد بالرضا عن نفسه أذا تم اشباع هاتين الحاجتان الاساسيتان هما الحاجة الى الحب ( أي يحب الأنسان ويكون محبوباً ) , والحاجة الأخرى هي الشعور بالأهمية لأنفسنا وللأخرين , (( الاحساس بالقيمة )) , حيث جمع (( جلا سر )) هاتين الحاجتين في حاجة واحدة سماها الحاجة الى الهوية هذا وقد عدل (( جلا سر )) فيما بعد الحاجات لتشمل خمس حاجات ، ويقول تتطور شخصية الفرد من خلال محاولته للإشباع الحاجات النفسية الأساسية فالأفراد الذين أشبعوا تلك الحاجات ينمون بشكل سليم وسوي ويعدون أنفسهم ذوي هوية ناجحة في حين أن الأفراد الذين لا تلبى حاجاتهم سيصبحون غير مسؤولين ويعدون أنفسهم من ذوي هوية فاشلة ( أبو أسعد / 2012 ) , [ عن الأمام علي .عليه السلام. ] (( من لم يصلح نفسه لم يصلح غيره )) وقال أيضاً (( أفضل العبادة غلَبة العادة )) وقال أيضاً (( بغلبة العادات الوصول الى أشرف المقامات )) وقال أيضاً (( العقل شفاء )) وأيضاً (( العقل داعي الفهم )) وأيضاً (( العقل مصلح كل أمر ))     [ المدرس / 1991 ] .

لذا فأن السلوك ( البكاء ) يعد سلوكاً غير مرغوب به يتطلب التدخل العلاجي , وأن البقاء بعيداً عن الأخرين يعد سلوكاً طبيعياً ولكن أذا أستمر لفترات طويلة أو تكرر مرات عديدة , فضلاً عن عدم ظهور سلوك الحديث مع الأخرين فأن هذا السلوك يعد سلوكاً شاذاً بالمفهوم السلوكي , لذا فأن الأفراد ذوو السلوك السوي تعلموا وطوروا عادات سلوكية سوية ومقبولة ضمن المحيط الاجتماعي , فضلاً عن قدراتهم على التعامل الفعال مع الحياة ومتطلباتها , وبالتالي يعزز قدراتهم على التعامل مع ما يواجههم من ضغوطات نفسية مختلفة , وبهذا يتمتع أصحاب أنماط السلوك الفعال السوي بصحة نفسية إيجابية والعكس صحيح .

   عليه فالسلوك السوي هو الذي يساعد الفرد على التوافق الإيجابي مع ذاتهُ ومحيطهُ الاجتماعي , الأمر الذي يشعرهُ بالسعادة وتحقيق الأهداف . [ دافيدوف / 1980 ] .

x