العدالة الانتقالية والنوع الاجتماعي

غالباً ما يشكّل العنف المرتكز على النوع الإجتماعي عنصراً مشتركاً بين النزاع والأنظمة السلطويّة. في هذه السياقات، ينتشرُ الإفلات من العقاب على الانتهاكات ضد النساء. وفي الوقت نفسه، غالباً ما تكون النساء غائبة أو ممثلة تمثيلاً ناقصاً في الجهود المبذولة لمعالجة مثل هذه الإساءات.

ومع أن الاهتمام الدولي إلى الأبعاد الجنسانية للصراع قد نَمَى، فإن قضايا عدالة النوع الاجتماعي لم تٌدمج بشكل كاف في مبادرات العدالة الانتقالية. وقد أظهرت الأمثلة الأخيرة لولايات لجان الحقيقة، والآراء القضائية، وبرامج جبر الضرر اعتباراً قليلاً للطبيعة الخاصّة والمعقدة للانتهاكات القائمة على النوع الاجتماعي.

عزّزت التطورات الأخيرة في القانون الدولي حول الإنتهاكات المتّصلة بالنوع الإجتماعي والقرارات الصادرة (مثل قرارات مجلس الأمن في الأمم المتّحدة رقم 1325 و1820 و1888 بشأن المرأة والسلام والأمن التزام المجتمع الدولي بمكافحة هذه الجرائم. ومع ذلك، على الرغم من هذا التقدم، لم يكن هناك سوى نجاح محدود في ملاحقة مرتكبي جرائم العنف القائمة على النوع الاجتماعي على المستوى المحلي أو الدولي.

ما الدور الذي يمكن أن تضطلع به العدالة الإنتقالية؟

آلياتُ العدالة الانتقالية توفر وسيلة لتحقيق العدالة بين الجنسين من خلال الكشف عن أنماط النوع الاجتماعي للانتهاكات، وتعزيز الوصول إلى العدالة، وبناء الزخم من أجل الإصلاح.

يمكنُ لآليات العدالة الانتقالية مساعدة النشطاء في الطعن في الأسباب الهيكلية لعدم المساواة بين الجنسين، من خلال الاعتراف علناً بالعوامل التي جعلت مثل هذه الانتهاكات ممكنة. يمكن للتوصيات الصادرة عن لجان الحقيقة ومبادرات جبر الضرر الطَعن في الممارسات التمييزية التي تساهم في قابلية تعرض النساء للأذى خلال القمع والصراع.

تُقدم آليات العدالة الانتقالية أيضاً فرصاً للنساء للمشاركة في عمليات بناء السلام والتأثير عليها. يمكن تحقيق ذلك من خلال ضمان مشاركة المجموعات الداعمة لحقوق النساء ومجموعات الضحايا في تشكيل ومراقبة عمليات العدالة الانتقالية.

رؤية المركز الدولي للعدالة الانتقالية

هدفُ المركز الدولي للعدالة الانتقالية هو ضمان انخراطُ ضحايا الانتهاكات القائمة على النوع الاجتماعي بشكل فاعل في تدابير العدالة الانتقالية وأن تتصدى هذه التدابير بفعالية للأسباب وعواقب الخبرة القائمة على النوع الاجتماعي للخضوع للانتهاكات.

النهجُ الرئيسي للمركز الدولي للعدالة الانتقالية هو توفير المساعدة التقنية في سياقات معينة، بما في ذلك الشراكة مع النشطاء والمسؤولين على حد سواء لتطوير سياساتٍ وعملياتٍ تراعي الفوارق بين الجنسين. يتضمنُ هذا العملُ على تصميم تدابيرٍ للعدالة الانتقالية تتكيفُ مع احتياجات وأولويات جميع الضحايا وأن يتم تمثيل النساء على نحوٍ ملائم في جميع مؤسسات العدالة الانتقالية والهيئات الحكومية، بما في ذلك القيادة.

على الرغم من أنّ المشاركة أمرٌ بالغ الأهمية، فهي ليست كافية في حد ذاتها. يَعملُ المركز الدولي للعدالة الانتقالية أيضاً على التأكدِ من أن سياسات وتدابير العدالة الانتقالية تُعزز عدالة حقيقية عن الانتهاكات الجنسية والمتصّلة بالنوع الاجتماعي ، وتعالجُ الآثار المتعلقة بأبعاد النوع الاجتماعي من انتهاكات حقوق الإنسان على نطاق واسع، وتخلقُ بشكل استباقي فضاءات آمنة يُمكن الوصول إليها من قبل الفئات الأكثر ضعفاً وتهميشاً من الضحايا .

بالإضافة إلى المساعدة في سياقاتٍ محددة، يُوفر المركز الدولي للعدالة الانتقالية رؤى جديدة عن إمكانية تصدى العدالة الانتقالية لديناميات النوع الاجتماعي للعنف بشكل عام، والمُساهمة في نقاشات السياسة العالمية في هذا الشأن. من خلال الأبحاث الرائدة حول موضوعات حصلت على اهتمام هزيل في كثير من الأحيان، مثل تأثير الإخفاء القسري على النساء أو العنف الجنسي ضد الرجال والفتيان، يسعى المركز الدولي للعدالة الانتقالية لدفع الحدود والتأكد من أن المعايير القائمة وأفضل الممارسات تنسجم على نحو ملائم مع الحقائق اليومية بعد للضحايا.

تعلمتُ أن جبر الضرر هو مفتاح تعافي الضحايا من التجارب المؤلمة، وهناك الكثير من النساء اللواتي تعرضن للعنف الجنسي. أنا لستُ وحيدة، ونحن بحاجة إلى بناء جهودنا معا. “- امرأة ضحية في ورشة عمل للتشاور بشأن التعويضات في كينيا

تأثِير المركز الدولي للعدالة الانتقالية

يشتغلُ المركز الدولي للعدالة الانتقالية مع شركاء محليين لتضمين أصوات النساء في كل جانب من جوانب العدالة الانتقالية. معاً، نسعى للتأكّد من أن النساء وغيرهم من الضحايا المستهدفين لنوعهم الاجتماعي أو هويتهم الجنسية لديهم المهارات والمعارف التي يحتاجونها للمشاركة الفعالة في مبادرات العدالة الانتقالية. نفعلُ ذلك من خلال الدعم الفني للناشطين المحليين والمجتمع المدني والهيئات الحكومية والوكالات الدولية.

عملنا في مختلف الدول

ميزة العدالة الانتقالية هي في حالات مثل منشور 108، حيث لا أدلة لدينا للتوجه للقضاء العادي، وليس لدينا شهوداً. العدالة الانتقالية لديها آليات مختلفة. ظللتُ أشجعُ مختلف النساء لتقديم ملفاتهن، لأنه عندما يكون لديك شهادات مماثلة من أشخاص مختلفين في نفس الفترة، يدعم كل منهما الآخر. فذلك يقول لك أن الانتهاكات كانت مُنظّمة “- مرأة تونسية عضوة في شبكة ” العدالة الانتقالية للنساء أيضاً.”

  • تونس: بعد الإطاحة بالنظام الاستبدادي لزين العابدين بن علي في عام 2011، كان هناك مطلب جماهيري كبير في تونس لوضع آليات العدالة الانتقالية لمعالجة عقود من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. بنجاح شَجع المركز الدولي للعدالة الانتقالية إنشاء لجنة للمرأة ضمن هيئة الحقيقة والكرامة التونسية لدعم النساء الضحايا وإدماج مشاركتهن بشكل كامل في عملية البحث عن الحقيقة. مِنْ ذَلِكَ الحين، قَدّم المركز الدولي للعدالة الانتقالية الدعم الفني المستمر وعَمِل مباشرة لدعم عمل اللجنة.

واعترافاً بأنه تمّ استبعاد النساء والجماعات النسائية من خارج العاصمة تونس من المناقشات، يَسّر المركز الدولي للعدالة الانتقالية تشكيل شبكة تجمع مجموعات النساء الضحايا سُميت ب”العدالة الانتقالية للنساء أيضاً”. لعِبت الشبكة دوراً مركزياً في زيادة التعاون بين المجموعات النسائية، وتمكينهم من المساهمة بفعالية أكبر في تصميم وتنفيذ عمليات العدالة الانتقالية. تشملُ تلك النجاحات:

زيادة تقديم الشهادات من قبل النساء الضحايا إلى الهيئة. في بداية عملية الإدلاء بالشهادات، مثلت النساء 5٪ فقط من الشكاوي. استجابة لهذا العدد المنخفض، اشتغلَ المركز الدولي للعدالة الانتقالية مع الشبكة لاستضافة سلسلة من ورش العمل لبناء قدرات النساء الضحايا لتقديم الشهادات. بحلول النهاية، ارتفعت نسبة الشهادات المُقدمة من قبل النساء خمسة أضعاف تقريباً، إلى 23٪.

تقديم ملف جماعي إلى الهيئة حول كيفية انتهاك “المنشور 108” للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.حَظَرهذا المنشور بشكل فعال على النساء المحجبات الحصول على العمل والتعليم والفرص الهامة الأخرى. عَمل الدولي للعدالة الانتقالية والشبكة معا لتسهيل هذا التقديم، الأمر الذي يجعل الصلة بين المنشور وانتهاك الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للمرأة جلياً.

  • ساحل العاج: بعد أن خسر الرئيس السابق لوران غباغبو إعادة انتخابه في عام 2010، أنشأت الحكومة التالية عدداً من الآليات لمعالجة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي وقعت خلال عنف الانتخابات. انخرط المركز الدولي للعدالة الانتقالية في سلسلة من المشاورات مع الضحايا النساء من المناطق الأكثر تهميشاً ومن ثم تسهيل انخراطهن المباشر مع CONARIV، وهي الوكالة الحكومية المكلفّة بإدارة عملية جبر الضرر للضحايا. ونتيجة لذلك، كانت النساء أكثر تمكناً من المساهمة في المناقشات حول العدالة الانتقالية مع الضحايا والنشطاء الآخرين. كما طالبن بنجاح بمشاركة متساوية في مؤتمر رفيع المستوى حيث قدمن مقترحاتهن لCONARIV، وكن كذلك مشاركات في منصة رسمية جديدة من مجموعات الضحايا تُسهل الحوار مع CONARIV.
  • كولومبيا:: التقرير المشترك للمركز الدولي للعدالة الانتقالية و المنظمة الكولومبية كاسا دي لا موهير( نُريد أن نُسمع)، دَرس العقبات التي حالت دون مشاركة المرأة في الآليات المصممة لمعالجة النزاع المسلح في البلاد. وجد التقرير، من بين أمور أخرى، أن النساء الضحايا واجهن حواجز متزايدة قلصت مشاركتهن في المناقشات العامة حول تدابير العدالة الانتقالية. وأوصى التقرير بأن تعقد” الوحدة الكولومبية للاهتمام وتعويضات شاملة للضحايا” دورات تدريبية محددة مع الضحايا من النساء قبل المحادثات المعروفة باسم “مناقشات المائدة المستديرة التشاركية” لبناء قدراتهن وزيادة ثقتهن في تمثيل العدالة التعويضية لاحتياجتهن. نُفّذت هذه التوصية في وقت لاحق بناءاً على إلحاح من المركز الدولي للعدالة الانتقالية.

دون صوت النساء،الحقيقة ليست كاملة “- نساء من جمعية ASMUM في بوتومايو، كولومبيا، أثناء أداء مسرحي في الشارع

  • ليبيريا: أعان المركز الدولي للعدالة الانتقالية هيئة الحقيقة والمصالحة، التي أُنشئت للتحقيق في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي وقعت بين عامي 1979 و 2003 لصياغة سياستها بشأن النوع الاجتماعي من خلال توفير المساعدة التقنية على أساس الخبرة المقارنة وأفضل الممارسات.
  • جزر سليمان:: لأن هيئة الحقيقة والمصالحة تجاهلت الانتهاكات التي اُرتكبت ضد النساء خلال 1999-2004 الصراع، عمل المركز الدولي للعدالة الانتقالية مع الجماعات النسائية لتوثيق تلك الانتهاكات ونَشَرها في التقرير، وقدمه بعد ذلك إلى الهيئة.
  • أندونيسيا:: اشتغل المركز الدولي للعدالة الانتقالية مع Komnas Perempuan، لجنة حقوق الإنسان الوطنية للمرأة، لتوثيق الانتهاكات التي اُرتكبت ضد النساء خلال انتهاكات حقوق الإنسان التي وقعت على نطاق واسع في عاميّ 1965 و 1966. وكانت هذه أول محاولة لجمع شهادات النساء وربط النتائج بالانتهاكات. التقرير الناتج، الذي قُدّم إلى الحكومة، أرّخ هذه الانتهاكات بطريقة منهجية وقَدم توصيات بشأن التعويضات، ومسؤولية الدولة، وقضايا أخرى.

البحث

  • منذ نشأته، كان المركز الدولي للعدالة الانتقالية في طليعة تطوير الإرشاد الفني حول إمكانية عمليات العدالة الانتقالية وآلياتها لمعالجة أبعاد النوع الاجتماعي على نحو ملائم، بدءا من أول كتيب عملياتي عن المشكلة: لجان الحقيقة والنوع الاجتماعي: المبادئ والسياسات والإجراءات.*
  • قاد المركز الدولي للعدالة الانتقالية الجهود العالمية لزيادة فهم اختلاف السبل التي تؤثر بها انتهاكات حقوق الإنسان على النساء والرجال، بما في ذلك إنتاج بحوث معمقة حول النوع الاجتماعي وجبر الضرر والتشريد وتأثير الإخفاء القسري على النساء، وصلة ذلك بعمليات العدالة الانتقالية.*
  • باشَر المركز الدولي للعدالة الانتقالية مشروعاً لعدة سنوات لتحليل أبعاد النوع الاجتماعي للإخفاء القسري على الضحايا من النساء. نٌشرت ثلاثة تقارير عن تقييم العواقب طويلة المدى على النساء في نيبال ولبنان وعلى الصعيد العالمي. وفّر بحثنا نظرة ثاقبة للإيذاء المستمر نتيجة زيادة الفقر والنزاعات العائلية والصدمات النفسية، وقَدّم توصيات لكيفية تقديم العدالة الانتقالية أفضل دعم لهؤلاء الضحايا.*

كان اليوم يوما علاجياً لأنه كان فرصة لمساعدة نفسي. أعلم ُ أن الاغتصاب ليس شيئا من السهل جدا أن نتحدث عنه، لذلك وجدت هذه مساحة آمنة للحديث عن تجربتي. في الواقع، أحببتُ ذلك. أنا ممتنة أن اليوم كان مخصصاً للضحايا وشعرت حقاً أن أحداً ما يهتم.”- امرأة كينية خلال مشاورات بخصوص جبر الضرر في كينيا

السياسة

  • ساعد المركز الدولي للعدالة الانتقالية وضع إطار معياري بشأن جبر الضرر والعنف الجنسي المرتبط بالصراع من خلال توفير مدخلات مباشرة لتقرير المقرر الخاص للأمم المتحدة حول العنف ضد المرأة.*
  • استضاف المركز الدولي للعدالة الانتقالية وهيئة الأمم المتحدة للمرأة مؤتمراً لمساعدة الفريق العامل المعني بالإخفاء القسري وغير الطوعي لصياغة تعليقها العام المؤثر على “تطبيق منظور النوع الاجتماعي على الإخفاء القسري.” ضَمّ الاجتماع خبراء مختصين من مجموعة متنوعة من السياقات الذين أُدرجت عروضهم ومناقشاتهم ونتائجهم مباشرة في مستند التعليق العام النهائي.*

يجب أن يلتمس الحل لجبر الضرر بشكل شامل. لا نستطيع أن نفعل هذا دون مشاركة ضحية، وهذا هو السبب في أن الأسلوب التشاركي المُستخدم من قِبل المركز الدولي للعدالة الانتقالية مثالي. “- مفوض في CONARIV، ساحل العاج.

x