الفلسفة المثالية والتربية

       اهتم الفلاسفة المثاليون بالتربية اهتماماً بالغاً وافردوا لها فصولاً وابواباً في كتبهم وتركوا بحوثا عدة ، فيها يحكم ان التربية هي الوسيلة الاساسية لتحقيق اهدافها وتنفيذ منهجيتها ، وهذا ما نجده في كتب افلاطون وهيجل وغيرهما من الفلاسفة التربويين المثاليين ، مثل بستالوزي (1746-1827م) وفرويل (1782-1852م).

       والتربية المثالية نابعة من الفلسفة المثالية التي ارتكزت في مبادئ خمسة هي:

  1. العالم المادي ليس واقعاً مطلقاً .
  2. العقل او الروح جوهر العالم .
  3. الغائبة ، القائلة بغرضية كل الظواهر الطبيعية .
  4. المعرفة مستقلة عن الخبرة الحسية .

وتعني التربية عند المثاليين كما عرفها هرمان هورن 1927 ان ( التربية ) هي العملية التي يتوافق فيها الانسان الحر الواعي ، الناضج جسمياً وعقلياً مع الله سبحانه وتعالى … ومثل هذا التوافق يعبر عنه في بيئة الانسان العقلية والانفعالية ، والمنفصلة بارداته .

       وترى المدرسة المثالية ان وظيفة المعلم هي شحذ عقول التلاميذ وتزويدهم بالمادة الدراسية الراقية الممثلة في خلاصة الفكر البشري .

       ويقتصر التعليم على الصفوة القادرة عقلياً ، والمعلم قدوة اخلاقية وعقلية والتلميذ (المثالي) كائن روحي غايته في الحياة التعبير عن طبيعته الخاصة ، وهدف التربية هو مساعدته على القيام بذلك ، ويجب ان ينمو وفقاً لامكانياته الفطرية ، وبما ان التلميذ عقل وجسم ، وان العقل ارقى من الجسم وجب التركيز في النشاط العقلي ، ولتحقيق غايته الروحية يجب تعلم احترام القيم الروحية او مقام الناس الاخرين ، واحترام وطنه والمجتمع ، وان يدرك المقومات الثقافية للامة ويدرس البيئة المحلية ، وان ينمي في نفسه احساساً قوياً بالولاء للمثل العليا السياسية لامته ومجتمعه .

       وأكد الفلاسفة المثاليون اهمية الشخصية الفردية ، وحدوداً ما يجب ان يتعلمه التلميذ المثالي من قيم دائمة تجعله في انسجام مع الكل الروحي الذي ينتمي اليه ، وان يفهم ان هناك افعالاً معينة تليق به ، وان يدرك ان الشر يؤذي شخصه او المجتمع او الانسانية ككل بل يؤذي ايضاً روح الكون .

       واكدت المثالية اهمية التزام التلميذ المثالي بالنظام والتوجيه الاخلاقي الصارم والا استحق العقاب وفقاً للمبادئ الخلقية التي تضمنتها الثقافة الشعبية او الدينية عبر اجيال كثيرة .

       ولتحقيق غايات التربية المثالية في بناء الانسان وضعت وصفاً( للمعلم المثالي ) القادر على تنفيذ منهجها فينبغي ان يكون المعلم شخصاً يليق بان يقلده التلميذ ، فهو قدوة اخلاقية وعقلية ، ونموذج فكري وسلوكي يمثل بالفعل قوة ثقافية وعلمية تمكنه من انزاع المعرفة من التلميذ لان المعرفة في افضل صورها تنتزع من التلميذ لا ان تسكب فيه كما يعتقد المدرس المثالي (كانت) .

       وينبغي على المعلم المثالي ان يشرف على توطيد الافكار ، ولا يعدها اشياء خارجة عن نطاق التلميذ بل امكانيات في دخيلته بحاجة الى ان تتحقق بالفعل ، وان ينشد ايقاظ طاقاته الكامنة في نطاقه وان لا يتوقع من التلميذ ان ينضج على وفق قواعد النمو التي حددها الاخرون اي النظريات التربوية الاخرى .

       اما الاهداف التربوية المنبثقة للفلسفة التربوية المثالية فقد اتسمت بالثبات وعدم التغير ، لان الطبيعة الانسانية ثابتة ، واي تغير هو امر طارئ يجب مقاومته.

لا تنبع الاهداف التربوية من داخل الجسم او من حقيقة تكوينه ، وانما هي خارجة عنه لانها وضعت لتوجيه الروح والعقل ، ولقمع الجسم والمادة .

والاهداف التربوية من وجهة نظر المثالية مطلقة وليست نسبية ، فالطبيعة الانسانية واحدة لا تختلف باختلاف ( الزمكانية ) او الافراد ، ومن ثم فهي غير قابلة للطواعية والمرونة والاستجابة لتطورات الاحداث .

وتتخذ الاهداف من الوسائل ما يحقق اغراضها وان كانت مناهضة لطبيعة الانسان ، فالوسائل ليست جزء منها ولا مرحلة من مراحلها .

يضم المنهج المثالي لنقل التراث الثقافي وتقدم المواد الدراسية بصورة منطقية مرتبة زمانياً وتقسم المنهج على وفق المراحل الدراسية ، ويفضل بين التربية المهنية والتربية الاكاديمية.

ويصمم المنهج ، لتدريب العقل ، ويركز في الرياضيات بحسبانها ارقى درجات التفكير الانساني كما يقول افلاطون ، ويركز في اللغة وقواعدها لانها تفتح المجال للاطلاع على افاق فكرية جديدة .

وللتربية المثالية طرقها الخاصة بالتدريس ، وعدت الطريقة جزءاً لازماً متمماً للمنهج ، فاعتمدت : طريقة الحوار ، وطريقة الحفظ والتكرار ، وطريقة التمثيل .

فمثل ما تصاغ الاهداف التربوية ، ومثل ما يصمم المنهج ، تصميم طرائق التدريس .

x