النظرية الظاهراتية

تعرض علم الاجتماع بصفة عامة و النظرية الاجتماعية بصفة خاصة إلى الكثير من الشك و النقد من جانب الشباب من دارسي علم الاجتماع ، الذين لم يقتنعوا بما درسوه عن الوضعية و الوظيفية ، خاصة مع التغيرات العميقة التي حدثت في المجتمعات الغربية بعد الحرب العالمية الثانية و الأزمات التي مر بها العالم الرأسمالي.
و قد اتخذت هذه المقاومة لقيم المجتمع الرأسمالي الصناعي أشكالاً متعددة، فعلى المستوى السلوكي لجأ الكثير من الشباب إلى رفض هذه القيم و ما يرتبط بها من تصرفات و انسحبوا من المجتمع انسحاباً سلبياً دون أن يحاولوا إحداث تغيير جذري فيه و استبدلوا هذه القيم بقيم أخرى تتمركز في معظمها حول الغوص في الذات و التعبير عنها بحرية فكانت حركات الهيبز و جماعات العقاقير المخدرة و سواها من الجماعات.
أما على المستوى الفكري فقد لجأ الشباب المثقف و بخاصة من المتخصصين في العلوم الاجتماعية إلى رفض الاهتمام بدراسة أو فهم الواقع الموضوعي و ارتدوا مثل جماعات الهيبز إلى الاهتمام بالذات من الداخل وكانت الفلسفة الظاهراتية خير معين لهم على ذلك.
و على ذلك فإن الاتجاه الفينومولوجي يمكن النظر إليه باعتباره رد فعل محافظ لفشل الوضعية و الوظيفية مقابل الاتجاهات الراديكالية التي تعتبر رد فعل ثوري لفشل هذه الاتجاهات السابقة الذكر، و يشبه هذا الموقف ذلك الموقف القديم الذي نشأ كرد فعل لفشل الفلسفات الميتافزيقية إبان عصر التنوير .
إذاً فقد بدأ علماء الاجتماع يتشككون في قدرة المناهج الوضعية والأمبيريقية على فهم الواقع الاجتماعي فهماً عميقاً مما دفعهم إلى طرح بعض البدائل المنهجية كالفهم الفينومينولوجي والتحليل الأثنوميثودولوجي وحينما حققت هذه البدائل المنهجية قدراً من الذيوع والشهرة، بدأ علم الاجتماع الحديث يشهد تنوعاً لم يعرفه من قبل،
ويحاول الاتجاه الفينومينولوجي في علم الاجتماع إعادة النظر في كثير من المسلمات النظرية والمنهجية الشائعة في الفكر السوسيولوجي الحديث وهي:
– تأكيد الفارق الهام بين الظواهر الطبيعية والظواهر الاجتماعية.
– يرفض اعتبار العلوم الطبيعية نموذج يمكن أن تحاكيه العلوم الاجتماعية.
– الظواهر الطبيعية لا تعبر عن بناء خارجي من المعاني وبالتالي يتيح للباحث حرية الملاحظة وتفسير الظواهر التي يدرسها تفسيراً خارجياً مستقلاً.
– يدرس الباحث في العلوم الاجتماعية عالم يتشكل من خلال المعاني التي تمثل بالنسبة له وسيلة لفهم الواقع كما أن الظواهر الاجتماعية تكتسب معاني خاصة بالنسبة للأفراد الذي يعيشون في إطار ثقافي معين ومن هنا يتضح مدى الاختلاف بين دور عالم الاجتماع في فهم الواقع الاجتماعي ودور العالم الطبيعي في دراسة العالم المادي فالعالم الطبيعي يدرس ظواهر لا تتخذ بناء معرفي مسبق وبالتالي فهي لا تعرف القصد أو الإرادة، وعلى الرغم من أن العالم الطبيعي يدرس ظواهر طبيعية توجد في إطار اجتماعي إلا أن علاقته بهذه الظواهر هي علاقة خارجية تختلف تمام الاختلاف عن علاقة العالم الاجتماعي بالظواهر الاجتماعية التي يدرسها.
ويتعارض الاتجاه الفينومينولوجي مع النزعة الوضعية، فيؤكد الفينومينولوجيون صعوبة الفصل بين العالم الاجتماعي من ناحية وأساليب تفسيره وفهمه من ناحية أخرى.
وقد انتقد هوسرل 1859 – 1939علم الاجتماع بسبب ميله إلى محاكاة العلوم الطبيعية عند النظر إلى الواقع الاجتماعي لقد افتقد بذلك علماء الاجتماع القدرة على الإحساس بظواهر الوعي.
والواقع أن الملاحظات النقدية التي سجلها هوسرل لا تنطبق فقط على الموضوعات التي يهتم بها علماء الاجتماع بل تنطبق أيضاً على المناهج التي يستخدمونها في دراسة الواقع الاجتماعي.
ويستطيع هؤلاء العلماء إنقاذ علمهم من السطحية إذا ما حاولوا العودة إلى ظواهر الوعي باستخدام الفهم الفينومينولوجي، فالفينومينولوجيا هي جهد موظف لوصف الظواهر كما تتبدى لنا من خلال وعينا بها. وبذلك يصبح الوعي وسيلة وهدفاً للفينومينولوجيا. .

x