بيئة الفساد واسباب انتشاره

تتعد الاسباب الكامنة وراء بروز ظاهرة الفساد وتفشيها في المجتمعات بالرغم من وجود شبه اجماع على كون هذه الظاهرة سلوك انساني تحركه المصلحة الذاتية ، فهناك مجموعة من الاسباب العامة لهذه الظاهرة التي تشكل في مجملها ما يسمى ( بمنظومة الفساد ) الا انه ينبغي الملاحظة بان هذه الاسباب وان كانت متواجدة بشكل او بآخر في كل المجتمعات الا انها تتدرج وتختلف في الاهمية بين مجتمع وآخر ، فقد يكون لاحد الاسباب الاهمية الاولى في انتشار الفساد بينما يكون في مجتمع آخر سبباً ثانوياً .

وبشكل عام يمكن ملاحظة ملازمة الفساد للبيئة التي تنتعش فيها الظواهر الاتية :

  1. انتشار الفقر والجهل ، ونقص المعرفة بالحقوق الفردية لكل شخص والتي يجب توفيرها من قبل الدولة ، وسيادة القيم التقليدية والروابط القائمة على النسب والقرابة .
  2. عدم الالتزام بمبدأ الفصل المتوازن بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية في النظام السياسي وطغيان السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية والقضائية وهو ما يؤدي الى الاخلال بمبدأ الرقابة المتبادلة بين هذه السلطات .
  3. زيادة فرص ممارسة الفساد في المراحل الانتقالية التي تشهد ظروفاً خاصة سواء كانت سياسية مثل الانتقال من مرحلة الاحتلال الى مرحلة الدولة او ظروفاً اقتصادية مثل التحول من نظام اقتصادي الى آخر او ظروف اجتماعية والتي تتأثر بالظروف السياسية بشكل كبير ، ويساعد على ذلك حداثة او عدم اكتمال بناء المؤسسات الوطنية والقوانين التي توفر بيئة مناسبة للفاسدين مستغلين ضعف الجهاز الرقابي على القيام بعمله في الرقابة في اعمال الموظفين في هذه المراحل الانتقالية .
  4. ضعف الارادة والنية الصادقة لدى القيادة السياسية لمكافحة الفساد ، وعدم اتخاذها اجراءات صارمة وقائية او عقابية بحق عناصر الفساد بسبب انغماس نفسها او بعض اطرافها في الفساد .
  5. ضعف اجهزة الرقابة في الدولة وعدم استقلاليتها .
  6. ضعف وانحسار المرافق والخدمات والمؤسسات العامة التي تخدم المواطنين ، مما يشجع على التنافس بين العامة للحصول عليها ويعزز من استعدادهم لسلوك طرق غير مستقيمة للحصول عليها ويشجع بعض المتمكنين من ممارسة الواسطة والمحسوبية والمحاباة وتقبل الرشوة ، مثل التنافس غير العادل للحصول على المنح التعليمية او العلاج .
  7. تدني رواتب العاملين في القطاع وارتفاع مستوى المعيشة مما يشكل بيئة ملائمة لقيام بعض العاملين بالبحث عن مصادر مالية اخرى حتى لو كان من خلال الرشوة .
  8. عدم وجود قوانين وتعليمات وارشادات مكتوبة للموظفين ( مدونات السلوك ) تبين الحقوق والواجبات لكل منهم في المعاملات الرسمية ، مما يفتح الباب لممارسة الفساد تحت باب الادعاء بعدم المعرفة .
  9. غياب حرية الاعلام وعدم السماح للصحفيين والمواطنين بالاطلاع على المعلومات والسجلات التي توضح طبيعة العمل والتجاوزات الحاصلة فيه .
  10. ضعف دور مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الخاصة بمحاربة الفساد اي المؤسسات الاهلية الخاصة مقل الجمعيات الخيرية والمهنية ومؤسسات البحوث المتخصصة في المشاركة في الرقابة على اعمال الحكومة .
  11. عدم وجود تشريعات وانظمة وقوانين وتعليمات تساعد على مكافحة الفساد ، وتفرض عقوبات رادعة بحق من يمارسونه .

 

ثالثا : انواع واشكال الفساد :

يختلف شكل الفساد حسب الجهات التي تقوم به ، او المصالح التي يهدف الى تحقيقها من يقوم الفساد ، فقد يمارسه فرد او مؤسسة خاصة او مؤسسة حكومية او اهلية ، وقد يكون الهدف من وراءه مصالح مادية او مصالح سياسية حزبية او مكاسب اجتماعية .

وقد تتم ممارسة الفساد من قبل فرد واحد دون التنسيق مع الاخرين ( فساد صغير ) ، وينتشر هذا النوع من الفساد لدى الموظفين الصغار في المؤسسات ويكون بأخذ رشوة عن أية خدمة يقدمونها للمواطنين ، وقد يقوم بالفساد كبار الموظفين والمسؤولين ( فساد كبير ) بهدف تحقيق مصالح مادية او اجتماعية كبيرة وليس مجرد رشوة صغيرة ، وقد يمارس الفساد مجموعة بشكل منظم ومنسق ، ويمثل ذلك اخطر انواع الفساد لانه اعم واشمل ويسبب الضر للمجتمع في جميع الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية .

ويمكن تحديد مجموعة من صور واشكال الفساد كما يأتي :

  1. استغلال المنصب او المركز من قبل الاشخاص المهمين مثل الوزراء ونواب الوزراء والمستشارين للحصول على العمولات المالية من اشخاص اخرين لهم مصالح معينة مقابل تسهيل حصولهم على امتيازات خاصة مثل مشاريع الخدمات العامة والبنية التحتية للدولة ( مشاريع الطرق ، والماء والكهرباء ، والصرف الصحي ، وبناء المدارس والجامعات والمستشفيات وغيرها ) ، او الحصول على رخص استيراد المواد الاساسية مثل المواد الغذائية او المحروقات دون التزامهم بالشروط الخاصة بذلك لاسيما ما يتصل بوجود المنافسة الحقيقية وتكافؤ الفرص مع الاخرين ، كذلك استخدام المنصب العام الحكومي لتحقيق مصالح شخصية سياسية او غيرها مثل تزوير الانتخابات او شراء اصوات الناخبين او تمويل الحملات الانتخابية من اموال الدولة الخاصة ، او التأثير على قرارات المحاكم من خلال دفع رشوة للقاضي الفاسد .
  2. غياب النزاهة والشفافية اي الصدق والمساواة والعدالة والوضوح في طرح العطاءات الحكومية اي المشاريع التي تحتاج الحكومة لتنفيذها لمصلحة البلد مقابل اجر مادي للشركات والمؤسسات القادرة على تنفيذ هذه المشاريع سواء من داخل البلد او من خارجه ، مثل اعطاء عطاء حكومي لشركة لها علاقة بمسؤول معين ، او من افراد عائلته ، او عدم اتباع الاجراءات والتعليمات القانونية عند طرح العطاء مثل الاعلان في الصحف للجميع او فتح المجال للمنافسة للجميع .
  3. وجود المحسوبية والمحاباة والواسطة في التعيينات الحكومية مثل تعيين احد المسؤولين اشخاصاً في الوظائف الحكومية لانهم من اقربائه او من حزبه ، على عدم حساب الكفاءة والمساواة والعدالة في فرص التوظيف ، او قيام احد المسؤولين بتوزيع المساعدات العينية او المبالغ المالية من المال العام على فئات معينة تخصه ، او مناطق جغرافية معينة لتحقيق اهداف سياسية مثل الفوز في الانتخابات للمجلس التشريعي مثلاً .
  4. اهدار المال العام ، كأن يقوم باعفاء الشركات او الموظفين من الضرائب او الجمارك المستحقة عليهم دون وجه حق ، او اعفائهم من دفع الرسوم التي تفرضها الدولة مقابل الحصول على رخصة لممارسة مهنة معينة ، بهدف كسب رضا شخصيات معينة في السلطة الحاكمة ، او من اجل تحقيق مصالح شخصية متبادلة او مقابل رشاوى ، مما يؤدي الى حرمان خزينة الدولة من ايرادات يتم انفاقها على خدمات لا تنفع المواطنين .
  5. سرقة الاموال والممتلكات العامة الواقعة تحت سيطرة الشخص المسؤول الفاسد ، مثل سرقة اموال الضرائب او توزيع اموال على خدمات ومؤسسات وهمية يقوم هذا الشخص بتشكيلها وتكون غير حقيقية وغير موجودة بشكل فعلي للحصول على هذه الاموال .

x