علاقة ميدان التعلم بميدان تعديل السلوك

   تبدو العلاقة وثيقة ومتبادلة بين كل من المتعلم وتعديل السلوك من حيث مفهوم كل منهما والهدف من كل منهما , أذ يتمثل مفهوم التعلم في أحداث تغير في سلوك الفرد تحت شروط الممارسة والتكرار والخبرة ويمكن تفسير ذلك التغيير بعدد من نظريات التعلم وهي نظريات التعلم الشرطية الكلاسيكية والاجرائية , ونظريات التعلم الاجتماعي , ونظريات التعلم المعرفية , وأن مفهوم تعديل السلوك يكمن في أحداث تغيير في السلوك للفرد , وهو يتمثل في تثبيت أشكال السلوك المرغوب فيها , وخفض معدل حدوث أشكال السلوك غير المرغوب فيها , أو تحويلها الى اشكال السلوك المرغوب فيها على وفق عدد من الاستراتيجيات منها تعديل السلوك الحالي , والسلوك النهائي وتحديد اسلوب / اساليب التعديل التي لا يمكن توظيفها من أجل أحداث التغير في السلوك المطلوب , وهذا يعني أن كلاً من موضوع التعلم وموضوع تعديل السلوك , يدرسان التغير في السلوك الانساني ويهدف كل منهما أحداث التغيير المطلوب في السلوك الانساني اعتماداً على توظيف كل منهما للمفاهيم الاساسية والمبادئ الاستراتيجية التي يتضمنها موضوع التعلم وموضوع تعديل السلوك , أذ يتضمن برنامج تعديل السلوك توظيفاً وتطبيقاً لمبادئ التعلم وقوانينهُ ونظرياتهُ , وخاصةً قوانين التعلم المتمثلة في قوانين الاشراط الكلاسيكي والاجرائي , عند اعداد برامج تعديل السلوك واساليبه . [ الروسان / 2010 ] …

**  مفهوم تعديل السلوك  : –

ظهر هذا المفهوم منذ زمن بعيد وعمل بهِ الآباء والأجداد قبل ظهورهُ بطريقة منظمة , فالثواب والعقاب بأشكالهُ المختلفة ما هو الا تطبيق عملي لأساليب تعديل السلوك , أذ عمل الاباء والأمهات بكل جد على تعديل سلوك أبنائهم وأطفالهم من أجل سلوك مرغوب فيه وإلغاء وترك السلوك غير المرغوب فيه من خلال عملية مهمة هي الثواب والعقاب وكذا المعلمون والمعلمات والهيئات التدريسية كذلك وظهر في الآونة الأخيرة الارشاد النفسي والتربوي والخدمة الاجتماعية من اجل الارشاد والعلاج وعليه ما هو الجديد في موضوع تعديل السلوك في الوقت الحاضر وخاصة بعد ظهور النظريات المختلفة التي حاولت تفسير السلوك الانساني , ويبدو للقارئ أن موضوع تعديل السلوك يتناول أشكال السلوك غير المرغوب فيه التي يتم تعديلها وتحويلها الى أشكال السلوك المرغوب فيها , ولكن موضوع تعديل السلوك يتناول أيضاً السلوك المرغوب فيه فيعمل على تثبتهُ لدى الفرد لتثبيتهُ والمحافظة على استمراريتهُ . عليه فأن النتائج التي نحصل عليها من قبل الأخرين ما هي الا مواقف يقومون بها , فإذا عزز السلوك فأننا نكررهُ , واذا ما عوقب فأننا نهملهُ , وأن أشكال السلوك الانساني معقدة أحياناً ويصعب فهمها , وقد يفشل الآباء والمعلمون والمدرسون أحياناً في تعديل سلوك أبنائهم بسبب صعوبة فهم سلوك أبنائهم وبالتالي الفشل في اختيار التعزيز المناسب أو العقاب المناسب , من هنا طهر الاتجاه السلوكي في علم النفس والذي يعد مرتكزاً مهماً في موضوع تعديل السلوك , أذ يصعب وضع أية استراتيجية لتعديل السلــوك ومـن ثـم اختيـار اسلـوب التعديـل المنـاسب , دون تحـديد ذلـك السلـوك اجرائياً وعلى ذلك يؤكد (( كاز دين /  (( Kazzdin و (( بير اداين / Berdine )) عدداً من الحقائق التي تميز الاتجاه السلوكي (( Behavioral Approach )) ومنها  : –

1 . أن يكون السلوك الانساني قابلاً للملاحظة  : –

وهو يتناول موضوع تعديل السلوك أشكال السلوك , الملاحظة , أو الظاهرة , والتي تصدر عن الفرد على شكل سلوك ولا يتعامل مع أشكال السلوك التي يصعب ملاحظتها , ومن أشكال السلوك القابلة للملاحظة منها :

  • أداء الواجبات المدرسية .
  • الالتزام بمواعيد الحضور الى المدرسة في الوقت المحدد .
  • أداء مهارات الحياة اليومية مثل , تنظيف الأسنان , ارتداء الملابس .
  • أداء مهارات الحياة الاجتماعية مثل , احترام الأخرين .
  • أداء المهارات الاكاديمية والقراءة والكتابة والحساب .
  • سلوك الغش في الامتحانات .
  • السلوك العدواني .
  • العدوان اللفظي .
  • سلوك تشتت الانتباه داخل الصف .
  • النشاط الزائد .
  • السلوك الذي يعبر عن القلق .
  • سلوك التدخين .

**  ومن أشكال السلوك الذي يصعب ملاحظتها وبالتالي تعديلها :

  • الأفكار والمشاعر والتي يصعب التعبير عنها سلوكياً .
  • المخاوف التي يصعب التعبير عنها سلوكياً .
  • الاتجاهات التي يصعب التعبير عنها سلوكياً .

2 . أن يكون السلوك الانساني قابلاً للقياس  : –

ويقصد بذلك أن يتعامل موضوع تعديل السلوك مع أشكال السلوك التي يمكن قياسها والتعبير عنها بطريقة كمية أو رقمية , ويمكن استخدام أدوات القياس المعروفة مثل الملاحظة والاختبارات في قياسها ويصعب على موضوع تعديل السلوك التعامل مع أشكال السلوك التي يصعب قياسها , ففي الأمثلة التي وردت سابقاً يمكن قياس المظاهر الأتية رقمياً أو تحديد أوقات ظهورها وزمن ظهورها :

  • عدد الواجبات المدرسية التي يؤديها الطالب .
  • عدد المرات التي يتأخر بها الطالب عن الحضور الى المدرسة .
  • عدد المرات التي لا ينظف الطالب بها أسنانهُ .
  • عدد المرات التي يظهر فيها الطفل احتراماً للأخرين .
  • عدد المرات التي يغش فيها الطالب .
  • عدد المرات التي يعتدي فيها على الأخرين .
  • عدد المرات أو الزمن الذي يقضيه الطالب في أحلام اليقظة .
  • عدد المرات التي ينطبق فيها الكلمات أو الحروف بطريقة غير صحيحة .
  • مدة حدوث سلوك ما ( دقيقة , 10 دقائق , . . . . الخ ) .
  • عدد الاستجابات التي تصدر عن الفرد ( الصحيحة والخاطئة ) في موقف تعليمي .
  • أداء الطالب التحصيلي المعبر عنهُ رقمياً سواء أكان في المواد الدراسية أو على شكل معدل تراكمي .

3 . أن يكون السلوك الانساني ذا قيمة اجتماعية  : –

{  The Behavior Must Be socially Significant  }

ويقصد بذلك أن يكون السلوك الذي يخضع للتعديل ذا قيمة اجتماعية للأسرة أو المدرسة أو المجتمع بشكل عام , فالسلوك الذي ينطوي على الصدق والأمانة والمحافظة على النظام , والالتزام بالتعليمات في الأسرة أو المدرسة  ….. الخ , يشكل أهمية بالغة للأسرة والمدرسة ويعد هدفاً من أهدافها , وبالمقابل فأن أشكال السلوك غير المرغوب فيها والتي تصدر عن الأطفال في الأسرة والمدرسة , تشكل تهديداً للنظام الأسري أو المدرسي , كما تشكل فشلاً في تحقيق الأهداف المتوقعة للتربية الأسرية أو التربية المدرسية .

4 . أن يكون السلوك الانساني اجرائياً  : – {  The Behavior Must Be Operant    }

 ويقصد بذلك أن يكون السلوك المعدل نابعاً من ذات الفرد تلقائياً ويمكن التحكم به , لا مفروضاً عليه , وتعد معظم أشكال السلوك الانساني اجرائية .

5 . أن يكون السلوك الانساني محدداً  : –  {  The Behavior Must Be Specific  }

ويقصد بذلك أن يكون السلوك المعدل محدداً لا عاماً , فعندما تتعامل مع موضوع تعديل السلوك العدواني المحدد والذي يمكن التعبير عنهُ رقمياً او كمياً أو في مدة زمنيه محدده أو في مكان محدد , فهنا يتم تحديد السلوك العدواني الذي يصدر عن طالب ما بعدد المرات التي يظهر فيها ذلك السلوك ومدة ظهورهُ وتحديد زمان ومكان ظهوره, ولا يتعامل موضوع تعديل السلوك مع السلوك العدواني بشكل عام كالعدوانية في المدرسة تمثل سلوكاً عاماً غير محدد . [ Kazdin  / 2001 ] .

وهنالك بعض التعاريف لتعديل السلوك منها  : –

تعريف (( أهلر )) { Ehler   /  1973 }  : –  ويركز على تغيير سلوك الفرد في الاتجاه المرغوب فيه اجتماعياً .

تعريف (( بير دن )) { Burdines /  1980 }  : –  فيعرف مفهوم تعديل السلوك على أنهُ تنظيم لعدد من الاجراءات التي تهدف الى تحليل وتغيير السلوك .

** أهمية وأهداف تعديل السلوك  : –

     أن أهمية تعديل السلوك هو الطريقة أو الوسيلة التربوية التي تعمل على تحقيق أهداف تربية الأطفال والطلبة وفق أسس ومبادئ تربوية معينة , وعلى ذلك فليس من المستغرب القول بأن معظم مهمات الأسرة والمدرسة التربوية تعتمد على استراتيجيات تعديل السلوك , فإذا كانت الأهداف التربوية والتعليمية تتمركز حول تحقيق أشكال السلوك المرغوب فيها وتثبيتها , والعمل على أزاله أشكال السلوك غير المرغوب فيها , فأن برامج تعديل السلوك هي الطرائق التي يتم من خلالها تحقيق تلك الأهداف خلال مراحل النمو المختلفة , وتهدف برامج تعديل السلوك الى : –

1 . تحقيق الأهداف التربوية بعيدة المدى عند الأطفال .

2 . تقيق الأهداف التربوية قصيرة المدى لدى الأطفال .

3 . تثبيت أشكال السلوك المرغوب فيها لدى الأطفال .

4 . تغير أشكال غير المرغوب فيها وتقليل فرص ظهورها لدى الأطفال .

5 . ضبط سلوك الأطفال بضوابط خارجية أولاً , وبضوابط داخلية فيما بعد .

                                                                                   [ Kazdin  / 2001 ] .

** المفاهيم الخاطئة حول موضوع تعديل السلوك  : –

أن لموضوع تعديل السلوك أهمية بالغة في تثبيت أشكال السلوك المرغوب فيها لدى المتعلم , بالرغم من أهمية ذلك الموضوع في عدد من ميادين الحياة المختلفة , الأسرة , المدرسة , العمل , المؤسسات الاجتماعية والتربوية , حيث لا زالت هنالك بعض المفاهيم والمعتقدات الخاطئة ترتبط بموضوع تعديل السلوك منها  : –

1 . اعتبار المعززات اللفظية والاجتماعية ( رشوة ) تقدم للأفراد للقيام بسلوك ما , وتصحيحاً لذلك المفهوم الخاطئ فأن الفرق كبير بين ( المعززات و الرشوة ) , أذ تقدم المعززات للمتعلم بعد قيامهِ بسلوك مرغوب فيه , وذلك بهدف تشجيعهُ على تكرار ذلك السلوك وبنائهُ فيما بعد , أما الرشوة فأنها مثير مرغوب فيه تقدمهُ للفرد قبل قيامهِ بسلوك غير مرغوب فيه لتشجيعهُ للقيام بذلك السلوك , وعلى ذلك فعلى المربين والقائمين على برامج تعديل السلوك أن يدركوا الفرق بين كل من المعززات والرشوة وهدف كل منهما .

2 . اعتماد المتعلم على المعززات للقيام بالسلوك المرغوب فيه . ويقصد بذلك أن ظهور السلوك المرغوب فيه يعتمد على مدى أو عدد أو نوع المعززات التي تقدم للمتعلم , ورهن ظهور ذلك السلوك بتقديم المعززات الخارجية , وفي الوقت الذي لا تقدم فيه تلك المعززات فلا يظهر السلوك المرغوب فيه , وتصحيحاً لذلك المفهوم الخاطئ , فالمعززات أياً كانت دورها كبير في ظهور السلوك المرغوب فيه وخاصةً في بدايات تعلم ذلك السلوك , وحتى يتم تقليل اعتماد المتعلم على تلك المعززات يجب على القائمين على برامج تعديل السلوك التقليل من تقديم تلك المعززات تدريجياً , والعمل على أيجاد معززات داخلية نابعة من ذات الفرد لتعمل على استمرارية ظهور السلوك المرغوب فيه .

3 . اعتماد برامج تعديل السلوك على اساليب جامدة غير مرنة في أحداث السلوك المرغوب فيه أو تقليل ظهور السلوك غير المرغوب فيه . ويقصد بذلك اعتماد برامج تعديل السلوك على أساليب مؤلمة للفرد أو اعتماد على أساليب مخالفة لرغباته , وتصحيحاً لمثل هذا المفهوم الخاطئ ,فأن برامج تعديل السلوك تعتمد على أساليب قد تكون غير مرغوب فيها لدى المتعلم , ولكن مثل هذه الأساليب تفرض نفسها تبعاً لظروف المتعلم , أذ يضطر القائم على برامج تعديل السلوك من تطبيق أساليب غير مرغوب فيها لدى المتعلم , ولكن توقف مثل هذه الأساليب عند ظهور السلوك المرغوب فيه , ويعني ذلك أن استخدامها مؤقت ومرهون بظهور السلوك المرغوب فيه , وعلى ذلك يعد العقاب على سبيل المثال أسلوباً مؤلماً للمتعلم ولكن لا بد من استخدام مثل هذا الأسلوب لتصحيح السلوك غير المرغوب فيه , وبعدها فلا ضرورة لاستخدامهُ , وهنالك العديد من المعايير والقواعد الأخلاقية التي تنظم برامج تعديل السلوك .

4 . ظهور الاثار الجانبية السلبية على سلوك الأخرين , حيث يقصد بذلك أن لبرامج تعديل السلوك اثار جانبية على الأفراد الأخرين الذين لا يخضعون لبرامج تعديل السلوك فعند تطبيق أسلوب العقاب على بعض الطلبة بسبب من أشكال السلوك الغير مرغوب فيها والتي تصدر عنهم , فأن ذلك يؤثر سلباً على الأفراد الأخرين , وتظهر لديهم اتجاهات سلبيه نحو مصدر العقاب , وتصحيحاً لذلك المفهوم الخاطئ فأن لبرامج تعديل السلوك اثاراً ايجابية وسلبية في الوقت نفسهُ , فعندما يعزز سلوك المتعلم , فأن سلوك الأخرين يتأثر بذلك التعزيز وخاصةً حين يعمل المتعلم على تقليد السلوك المعزز , وفي الوقت نفسهُ فأن السلوك المعاقب , يعمل على تجنب مثل ذلك السلوك من قبل الأخرين , تجنباً للعقاب .

5 . اعتبار موضوع تعديل السلوك موضوعاً قديماً يعرفهُ الجميع . ويقصد بذلك اعتبار أساليب تعديل السلوك أساليب معروفة منذ القدم ويمارسها الأفراد أياً كانت مواقعهم في الأسرة أو المدرسة والعمل والمؤسسات الاجتماعية , وذلك بهدف أحداث أشكال السلوك المرغوب فيها والابتعاد عن أشكال السلوك غير المرغوب فيها , فقد استحدثت المعززات وأساليب العقاب , منذُ أيام الرومان والإغريق وما زالت تستخدم في الوقت الحاضر في تعديل سلوك الأفراد , وتصحيحاً لهذا المفهوم الخاطئ , فأن أساليب المعروفة والمتمثلة في أشكال الثواب والعقاب قد استخدمت من قبل الاباء والمعلمين والمعلمات , ولكنها لم تستخدم بطريقة علمية منظمة , كما تستخدم في الوقت الحاضر , وخاصةً اذا ما أضيفت الى تلك الأساليب أساليب جديدة تتمثل في تقديم أنواع المعززات الايجابية , وطريق تشكيل السلوك , والنمذجة , والضبط الذاتي , وفي تقديم أنواع العقاب , بطرائق تعمل على زيادة فاعلية كل الأساليب ووفق جداول معينة تعمل على زيادة تلك الفاعلية , وتحقيق أهدافها [ الروسان / 2010 ] .

x