مؤسسات التنشئة الاجتماعية

اذ كانت عملية التنشئة الاجتماعية تبدا مع بداية الحياة , وتنتهي بنهايتها فذلك يعني ان حدودها لا تقف عند الاسرة , بل تغطي عددا كبيرا من المؤسسات الاجتماعية الاخرى : مثل المدرسة ,  وجماعة الاقران , واماكن العبادة , والجماعات المهنية , ووسائل الاعلام لان اهمية التنشئة الاجتماعية تتزايد كلما تدرج الطفل في نموه من مرحلة الى اخرى , وتتباين عدد المؤسسات بتباين مستوى تطوره الاجتماعي والحضاري , ومن اهم مؤسساتها هي :

اولا – الاسرة 

وهي المؤسسة التربوية الأولى التي تعد من اهم مؤسسات التنشئة الاجتماعية واخطرها في حياة الافراد , كما تعد أول جماعة يحتك بها الطفل و يشعر بالانتماء إليها، إذ هي الأداة الأساسية التي تنقل للطفل أغلب المعارف والمهارات و الاتجاهات و القيم التي تسود المجتمع بعد أن تترجمها إلى أساليب عملية التنشئة الاجتماعية بما يتناسب و متطلبات ثقافة المجتمع من جهة و ما يتناسب مع متطلبات الأسرة ووسطها الاجتماعي الخاص من جهة أخرى.

فالطفل يكتسب معالم شخصيته وخبراته الاساسية في احضان الاسرة وذلك حين يتعلم اول درس له في الحب والكراهية , وتنبع اهمية الاسرة من المرحلة الطفولة الاولى , حيث يؤكد خبراء علم النفس ان المرحلة الاولى من الطفولة ولاسيما السنوات الحمسة الاولى هي المرحلة الاكثر اهمية على مستوى نمو الطفل الجسمي , والانفعالي , والاجتماعي , والمعرفي عند الاطفال ,ومن العوامل التي تؤثر في عملية التنشئة الاجتماعية في اطار الاسرة يمكن الاشارة الى مركز الطفل بين اخوته مثلا كان يكون الولد البكر او الوسط او الاصغر , واعمار الاباء والامهات : يتلقى الاطفال الذين يكون اباؤهم متقدمين في السن تربية تختلف عن اطفال الاباء في مرحلة الصبا والشباب , وتتأثر التنشئة الاجتماعية بالظروف الاجتماعية والاقتصادية والمادية والثقافية التي تعيش الاسرة في وسطها , كما يؤثر النمط الذي يتبعه الاباء في معاملة الاطفال , واسلوب التنشئة الاجتماعية الذي يسود الاسرة .

ثانيا – المدرسة

 تأخذ المدرسة المرتبة الثانية من حيث الأهمية في سلم التنشئة الاجتماعية للأطفال وهي تتولى جانب مهم في تربية الاطفال معرفيا , وسلوكيا ,و مهنيا، وتعد المدرسة البنية القاعدية للمجتمع و أحد أعمدته الرئيسية إذ هي التي تقوم بتربية الأبناء وتنشئتهم.

أما وظيفة المدرسة الأساسية فهي تكمن في تأسيس الجيل الصاعد على أسس رسمها و كرسها المجتمع فهي بالتالي الأداة و الألة و المكان الدي بواسطته ينتقل الفرد من حياة التمركز حول الذات إلى حياة التمركز حول الجماعة اي إنها الوسيلة التي يصبح من خلالها الفرد إنسانا اجتماعيا و عضوا كاملا، فاعلا في المجتمع حيث تلعب المدرسة دورا بارزا في عملية التنشئة الاجتماعية للطفل من خلال تزويده بالمعلومات والمعارف والخبرات والمهارات اللازمة وتعليمه كيفية توظيفها في حياته العملية وكيفية استخدامها في حل مشكلته كذلك تعمل على تهيئة الطفل تهيئة اجتماعية من خلال نقل ثقافة المجتمع وتبسيطها وتفسيرها له بعد أن تعمل على تنقيحها من العناصر التي يمكن أن تضره وتعلم المدرسة الطفل الانضباط في السلوك واحترام الوقت وينجم عن هذا اتباع الطفل لجدول زمني مدرسي محدد وإخضاعه لقواعد وتعليمات ولوائح لم تكن موجودة في المنزل , وهكذا تصبح المدرسة : هي تلك المؤسسة التي انشأها المجتمع لتكون قيمة على الحضارة الانسانية والثقافية الخاصة به , لتتولى تربية نشئه ,وتكيفه مع الحياة من حوله .او تعرف المدرسة ايضا بانها مؤسسة اجتماعية  انشأها المجتمع لتقابل حاجة من حاجاته الاساسية , وهي تطبيع افراده تطبيعا اجتماعيا يجعل منهم اعضاء صالحين .

ثالثا -جماعة الرفاق والأقران

تعد جماعة الرفاق من أهم المؤسسات التي تتح للطفل حرية واسعة في مجال تحقيق الهوية الاجتماعية و اكتشاف الذات,وما يؤكده علماء الاجتماع على أهمية الدور التربوي الدي تلعبه جماعة الرفاق في إعداد الأطفال و تنشئتهم فكريا و انفعاليا ,و اجتماعيا.

لقد بدا علماء الاجتماع التربوي ينظرون الى جماعة الاقران بوصفها منظومة تربوية تسعى الى تحقيق وظائف تربوية بالغة الاهمية والحيوية , فهذه الجماعات تتيح للأطفال فرص التفاعل الاجتماعي الذي يتم بين اطفال يستطيعون الانفلات من ضغوط الرقابة التي تمارس في اطار الاسرة والمدرسة , اي ان هذه الجماعات تسعى الى اشباع ميول ورغبات الاطفال الاساسية التي تتصل بنموهم الاجتماعي والتي لا يمكن اشباعها في اطار الاسرة , ومن اهم العمليات التي تتم في اطار هذه الجماعات هي اللعب الذي يتيح للأطفال تمثل ادوار اجتماعية مختلفة وتعلمها مثل دور المعلم او القائد او اللص او الشرطي …الخ .

وتبدا جماعة الاقران بالتكون في السنوات الاولى ( الثالثة والرابعة من العمر ) تتيح للأطفال عملية التفاعل الاجتماعي وبناء صداقات اجتماعية ومن سمات جماعة الاقران انها تستمر في حياة الفرد من مرحلة الطفولة الاولى الى مرحلة المراهقة ومن ثم الى مراحل الحياة في الجامعة , والتي تختلف باختلاف المراحل العمرية مثل مرحلة المراهقين ورفاق المرحلة الجامعية , ورفاق العمل او تأخذ اشكال اخرى مثل جماعات النادي او الجماعات الرياضية او العلمية وجميعها تسهم في اعداد الفرد وتعلمه ونموه عبر مراحل زمنية متلاحقة ومختلفة .

وتعرف جماعة الاقران بانها كل جماعة تتكون من اشخاص متساوين بالاستناد الى معايير متجانسة في العمر والسمات الشخصية والجنس والوضع الاقتصادي والاجتماعي .

رابعا – وسائل الإعلام و الاتصال

نقصد بوسائل الإعلام كل المؤسسات الرسمية التي تنشر الثقافة و تعرف الفرد بالتراث القديم و الحديث ، و تفتح أبوابها على الثقافات الأخرى و التي تمارس دورا بارزا كوسيلة من وسائل الترويح وتشمل على ما هو مطبوع من كتب ومجلات وصحف , كما تنطوي على وسائل الاعلام المسموعة والمرئية كالراديو والتلفزيون , ويأخذ الحاسب اليوم مكانة هامة ومتزايدة بين وسائل الاعلام الحديثة ولاسيما في مجال الفعاليات المعلوماتية المتمثلة بالأنترنت .

تلعب وسائل الاعلام دورا بارزا في عملية التنشئة الاجتماعية للطفل وفي تكوين شخصية الطفل وتشكيلها وفي تطبيعه الاجتماعي على أنماط سلوكية معينة وفي تثقيفه وتعليمه وأيضا في كونها أداة فعالة وقوية في إرساء القواعد الخلقية والدينية وإكسابه الاتجاهات والقيم ومعايير السلوك السوية , والتلفزيون كأحد أهم وسائل الإعلام له فعالية متميزة لأنه من الوسائل التي تعتمد على حاستي السمع و البصر , وهي الوسيلة التي تستحوذ على أكبر قدر من الاهتمام لدى الأطفال مما يعطيها تأثيرا و دورا هاما في تنشئتهم الاجتماعية و إكسابهم القيم و المعايير الصحيحة, ومن أثار التلفزيون على التنشئة الاجتماعية للطفل وتكوين شخصيته اي أنه يعزز مدركات الطفل الثقافية ويعمل على تنميتها ويثري قاموسه اللغوي والمعرفي، ويثري خياله وتصوراته ويقدم له الأنماط السلوكية المناسبة والنماذج المثالية ويساعده في اختيار هواياته وتعزيز ميوله، ويدربه على الالتزام بدقة الوقت من خلال الالتزام بمواعيد محددة في بث البرامج، ويكسب الأدوار الاجتماعية والتربوية الايجابية عن طريق التقليد والتقمص الشخصيات المعروضة، ويعمق انتماءه لمجتمعه ووطنه هو نفس الشيء بالنسبة لباقي الوسائل الإعلامية الأخرى كالإذاعة والصحافة والسينما، فجميعها تلعب دورا هاما في تنشئة الطفل وتزويده بمجموعة من الاتجاهات والقيم، دون أن ننسى أهم وسيلة من وسائل المعلومات في وقتنا هذا، وهي شبكة الانترنت وهي الأكثر استعمالا على الإطلاق ,  فيشير كثير من الباحثين أن دورها في تربية الطفل قد بدأ يتفوق على الدور الذي تقوم به المصادر المعلوماتية والإعلامية الأخرى لما تحتويه هذه الشبكة من معلومات وثائقية في مختلف الموضوعات، كما تزيد من قدرته على الاتصال بأصدقائه وحتى بتكوين صداقات جديدة .

ومن المعايير التي تعتمد في النظر الى الاعلام كمؤسسة للتنشئة الاجتماعية هي المدة الطويلة التي يقضيها الاطفال والناشئة في مشاهد برامج التلفزيون ,والتاثير الكبير الذي تمارسه هذه الوسائل في عقول اطفال وعلى جوانب حياتهم الانفعالية والاجتماعية , ويمكن الاشارة الى ان التلفزيون يستطيع ان يمارس دورا تربويا متكاملا عندما يحقق بعض الشروط التربوية :

1-     نوعية البرامج والافلام ومضمون هذه البرامج .

2-     اساليب وكيفيات استهلاك المادة التلفزيونية .

3-     وعي الاسر التربوي بأهمية ومخاطر الصورة التلفزيونية .

x