معايير السلوك السوي والشاذ

    أن صعوبة الحكم على السلوك الشاذ بوصفه سلوكاً شاذاً وذلك لتعدد الآراء أو المفاهيم حول السلوك , عليه هنالك مجموعة من المعايير التي يمكن توظيفها لتصنيف السلوك والحكم عليه بصفة السواء أو الا سواء  : –

1 . المعيار الذاتي ( Personal Criteria )  :-

     أن هذا المعيار يستند على الآراء الشخصية أو الذاتية بالحكم على السلوك الشخصي أو سلوك الأخرين , ونعتقد بأننا نستخدم هذا المعيار بشكل متكرر في حياتنا اليومية مثال ( لا يجوز , عيب , أنت مخطئ ) تدلل على أننا نحكم على السلوك من خلال زاوية الحكم الشخصي , فكل سلوك يتناسب مع قيمنا الشخصية هو سلوك سوي , وقيمنا الشخصية هي تلك القيم التي تستند على منظومتنا الاجتماعية والقيمية والأخلاقية ألا وهي (( القرآن الكريم السنة والسيرة النبوية الطاهرة , وما جاء به أهل البيت عليهم السلام )) أما أذا كان غير ذلك فهو سلوك شاذ كما عبرنا سابقاً .

   لذا فأن الاعتماد على هذا المعيار بالحكم على السلوك له عيوبه المتمثلة في اختلافاتنا في القيم والمعتقدات الشخصية , قد نتفق على بعض القيم ونختلف على بعض القيم على وفق ديننا الإسلامي الحنيف وما هو سوي في مجتمع من المجتمعات الغربية ( أوربا الغربية والشرقية , الولايات المتحدة , وغيرها من المجتمعات ) قد يكون غير سوي في مجتمعنا العربي , أذ بعض الباحثين والمختصين يرون صعوبة التمييز أو الوصول الى معيار علمي مقبول وواضح بين أنماط السلوك المختلفة , لكن من الممكن أن نصل الى معايير علمية وواقعية للحكم على السلوك الشاذ والسلوك السوي منطلقين بذلك من ديننا الاسلامي الحنيف فالجميع قد واجه مع الأخرين اختلافات معهم حول السلوك الصحيح أو الخطأ .

2 . المعيار الاجتماعي ( Social Criteria ) : –

يعتمد هذا المعيار بالحكم على السلوك السوي والشاذ ما يسود المجتمع من قيم وعادات وتقاليد , فكل سلوك غير متوافق مع تلك العادات والتقاليد الاجتماعية يكون سلوكاً شاذاً , فالسلوك السوي هو السلوك القادر على التوافق مع ثقافة المجتمع والتناغم معه , لكن هنالك صعوبات تواجه هذا المعيار , هو اختلاف الثقافات ما بين المجتمعات اعتماداً على الاختلاف في القيم والتقاليد , وهذا ما سيؤدي الى الاختلاف على السلوك بوصفه شاذاً أو سوياً عبر الثقافات المختلفة . فالعلاقات ما بين الجنسين قد تكون مقبولة ومشجعه في المجتمعات الغربية , ألا أن اقامة هذه العلاقات في المجتمعات العربية والاسلامية يعد سلوكاً شاذاً , لا بد من تعديله ومقاومته , فضلاً عن المجتمع نفسهُ قد يعاني من اختلافات ثقافية ضمن قطاعاته المختلفة , فسلوك عمل المرأة في المدينة قد يكون سلوكاً سوياً في المدن ألا أنه قد يكون شاذاً في القرى والأرياف والبادية .

   وهناك من يعتمد بصعوبة الاعتماد على المعيار الاجتماعي في الحكم على السلوك الشاذ , بسبب وجود طبقات اجتماعية مختلفة عن بعضها البعض مثل ( الكبار , الصغار , الأغنياء , الفقراء , المثقفين , غير المثقفين ) فضلاً عن الخطأ في بعض القيم الاجتماعية وعدم صحتها , الأمر الذي يؤدي الى اعتبار أنماط سلوكي سوية بطبيعتها بأنها شاذه مثلاً سلوك ضرب الزوجات من قبل الأزواج هناك قيم اجتماعية تعزز وتشجع ثقافة العنف الأسري أذ يلقى سلوك ضرب الزوج لزوجته قبولاً واستحساناً اجتماعياً واسعاً , ولهذه العيوب لابد من الاعتماد على معايير أخرى للحكم على السلوك , وفي هذا السياق نحن لا ندعو للتخلي عن المعيار الاجتماعي ألا أننا ندعو الى عدم الاعتماد عليه وحده بالحكم على السلوك بوصفه سوياً أو شاذاً .

3 . المعيار الإحصائي ( Statistical Criteria: –

   يستند هذا المعيار على نتائج البحوث الإحصائية في التوزيع الطبيعي , ويعتمد هذا المعيار بالحكم على السلوك على مبدأ الشيوع والتكرار , فالسلوك المتكرر والأكثر شيوعاً يعد سلوكاً طبيعياً , أما السلوك النادر الحدوث فهو شاذاً .

     أن المعيار قد يكون صالحاً للحكم عن متغيرات معينة مثل ( الطول , الذكاء , التحصيل ) أو غيرها من المتغيرات حيث أن معظم الناس في الوسط والأقلية قد تكون على طرفي المنحنى الطبيعي .

وكما موضح بالشكل لاحقاً ( شكل رقم ( 1 ) ) المنحنى الطبيعي .

                          [  شكل رقم 1 . المنحنى الطبيعي أو التوزيع الاعتدالي ]

وفي الوقت الذي يمكننا فيه استخدام هذا المعيار في الحكم على مدى توزيع صفة معينة ما بين الناس مثل الذكاء نجد صعوبة استخدامه للحكم على السلوك . فهناك العديد من أنماط السلوك تنتشر بكثرة , الا أن استخدام هذا المعيار بشكل كبير سيؤدي بنا الى اعتبار بعض الصفات الايجابية بأنها شاذة مثل الذكاء المرتفع أذ المعيار الاحصائي لا يميز بين أنماط السلوك أو الصفات التي تقع في أطراف المنحنى , فالأبداع سيعد شاذاً شأنه شأن التخلف العقلي .

4 . المعيار النفسي الموضوعي ( التوافق النفسي )  :-

يعد المعيار النفسي الموضوعي من أكثر المعايير موضوعية وعلمية , أذ أنه يحكم على السلوك بشكل مستقل عن الحدوث الاحصائي أو القيم الاجتماعية أو الشخصية وضمن هذا المعيار المعتمد من قبل المعالجين النفسيين أو الاخصائيين السلوكيين يكون السلوك الشاذ عبارة عن اضطراب في السلوك ووظيفته أذ يبتعد السلوك عن الصحة النفسية والتي تشير الى فهم الفرد لذاته ولعالمه وقدرته على التوافق مع واقعه الذي يعيش فيه , ومن أهم نقاط الضعف في هذا المعيار هي تلك المتمثلة بالصعوبة بالوصول الى مرحلة الصحة النفسية المثالية , فضلاً عن الانحراف قليلاً عن بعض مظاهر الصحة النفسية بالسلوك أو التفكير أو الانفعال قد يعد شذوذاً يستدعي التدخل العلاجي ( حمدي وأخرون / 1990 ) .

       أن هذا المعيار يستدعي عمليات تحليل عميقة ومستمرة للتعرف على حدود الاضطراب النفسي , وذلك للتعرف على مقدار الأثر أو الضرر النفسي الذي حدث في الوظائف الحياتية المختلفة . فالعديد منا

يواجه صعوبات في النوم مثلاً , ولكن أذا استمرت المشكلة وأصبحت تؤثر على حياة الفرد المهنية والأسرية والشخصية نجد بأننا أمام مشكلة لابد من التدخل العلاجي لحلها أو معالجتها .

5 . المعيار المثالي ( Idealistic Criterion )  : –

ينظر الى الشخص السوي المتمتع بالصحة النفسية هو الكامل أو المثالي ( الكمال لله سبحانه وتعالى ) أو ما يقرب منه في كل شيء , وأن الشخص غير العادي أو الشاذ هو من ينحرف عن الكمال أو المثل العليا , أي أن الصحة النفسية يتم النظر أليها على وفق هذا المعيار على أساس أنها هدف مثالي يسعى الجميع الى تحقيقه ولكن من الناحية العملية لا يمكن ذلك كونه يعيد المنال [ الأنصاري / 2007 / ص 36 ] .

    وأن كل فرد يعمل على تحقيقه بشكل نسبي أن قوة الأبصار السوية ليست المتوسطة بل المتكاملة لذلك فأن المحللون النفسانيون يقولون أنه ليست هنالك شخصية سوية ( خالية من الاضطرابات النفسية والعقلية ) وأن هذا المعيار قد لا يكون له أي وجود على الأطلاق من الناحية الاحصائية في نواحي الجمال والقوة والذكاء . أن وجهة النظر المثالية تعطي للسواء معنى أكثر وضوحاً ودقة وهو مدى أقراب الشخص من الكمال بالنسبة للسمة أو الخاصية المعينة ومدى بعده عن الضعف أو الخلل بالنسبة لهذه السمة أو الخاصية . فمثلاً قد نختار للعمل المعين أكفأ الناس للقيام به قبل أن نختار متوسط الكفاءة كما أننا نصف الشخص بأنه سوي الأبصار أذا كان أبصاره قوياً وليس أبصاره متوسطاً وهكذا . ومما يلاحظ على هذا المعيار أنه على الرغم من مثاليته الظاهرية ألا أنه يعد معياراً نسبياً أيضاً , أذ يمكن القول بأن ما يعد مثالياً في مجتمع ما قد لا يكون كذلك في مجتمع أخر ( القذافي / 1998 / ص 51 )

6 . المعيار الباثولوجي أو الطبي ( Pathological Criterion )  : –

أن السلوك الغير السوي أو الحالة الغير اعتيادية من وجهة النظر الباثولوجيا هي التي تتسم بأعراض إكلينيكياً ( سريرية ) معينة كالمخاوف الشاذة التي لا أساس لها والوسواس والأفكار التسلطية وارتفاع مستوى القلق عند المصابين والهلاوس والهذاءات واضطراب اللغة والتفكير , والاضطراب الوجداني والانسحاب الاجتماعي والانفعالات والنزاعات الاجرامية والانحرافات الجنسية عند الشخصية السايكوباثيه , ويشير هذا المعيار الى أن الصحة النفسية تعني الخلو من هذه الأمراض النفسية أو العقلية . ولهذا المعيار العديد من العيوب والمساوئ منها ( عدم تحديد الدرجة التي ينبغي أن يصل أليها الانحراف في السلوك أو الاضطرابات النفسية والعقلية حتى يمكن اعتبارها حالات غير سوية ( شاذة ) . أذ لا يمكن في بعض الأحيان التمييز بين السواء وغير السواء كونها متداخله مع بعضها [ طه / 1986 / ص 38 ] .

    أي يعتمد هذا المحك على الأعراض المرضية للاضطرابات النفسية والعقلية كأساس لتصنيف الناس الى اعتياديين وشواذ ومنحرفين والاعتراض الأخر هو أن حالة الفرد النفسية تكون على شكل خط

متصل يبدأ بالسواء وينتهي بالا سواء أي أن الفرق بين السوي والا سوي هو فرق بالدرجة وليس في النوع [ الجبوري , 2014 ] .

7 . محك الموائمة بين الفرد ومصلحة الجماعة  : –

يعتمد هذا المحك على مدى ما يوفره هذا السلوك من نمو وتحقيق لإمكانيات الفرد والجماعة فأن أدت المسايرة الاجتماعية الى مزيد من النمو للفرد والجماعة , عد سلوكاً اعتياديا , أما أذا لم تؤدي الى مزيد من النمو وتحقيق امكانات كل من الفرد والجماعة عدت سلوكاً مرضياً [ عبد السلام / 1976 / ص 65 ] و [ كفافي / 1990 / ص 50- 51 ] .

8 . محك الطابع الأجرائي  : –

   يعتمد هذا المحك على قيام الباحث بتحديد مؤشرات أو مظاهر خاصة بالصحة النفسية يمكن ملاحظتها في سلوك الفرد باعتماد مقاييس أو أي أداة لقياس الدرجة التي بموجبها يعد الفرد سوياً أو غير سوياً .

9 . المحك الطبي النفسي  : –

   يرى هذا المحك أن الفرد يعد شاذاً أذا كان يتلقى علاجاً نفسياً على يد متخصصاً من أي نوع من الاضطرابات النفسية , أذ يعد طلب العلاج مؤشراً على وجود مشكلة تحتاج الى علاج ويمكن أن يكون اصطحاب المريض من أهل الفرد وذويه الى الطبيب النفسي دليل على وجود مشكلة تحتاج الى علاج .

      ولكن يؤخذ على هذا المحك أن الاتجاهات الحديثة تشجع على مراجعة الطبيب للتأكد من وجود الصحة بدلاً من العمل على استعادتها , أو الوقاية من المرض بدلاً من علاجه , وقد تكون زيارة الطبيب لغرض توضيح أهداف الحياة أو لأثبات الحالة العقلية لأمور قضائية , ولكن بشكل عام أن المراجعة للعيادات أو المستشفيات مؤشر على وجود اضطراب ما [ عثمان / 2002 / ص40 – 41 ] .

10 . المعيار الطبيعي  : –

    في ضوء هذا المعيار يسمى كل ما هو طبيعياً سوياً أي أن السواء يأتي من خلال كل تصرف أو سلوك طبيعي يصدر من ذلك الشخص فمثلاً يعد سوياً أن كان الذكور مسيطرين والإناث خاضعات في أغلب المجتمعات العربية والاسلامية وقد ترى العكس في مجتمعات أخرى , وأن تكون الجنسية الغيرية سوية بينما تكون الجنسية المثلية شاذة , أي أن الطبيعة البيولوجية خلقت الرجال والنساء ليتصرفوا بطرائق معينة وبالتالي فأن السلوك الذي يتفق مع هذه الأهداف يعد سوياً على حين أن السلوك الذي يتناقض معها يعد شاذاً ( غير سوي ) [ طه / 1986 / ص 44 ] .

x