مفهوم الجندر والتحديات المعاصرة

 تعتبر حرب المصطلحات من أقوى الحروب التي يواجه بها الليبراليون والعلمانيون الإسلام ، حيث يستخدمون مصطلحات براقة في حربهم الإسلام ، مما يضفي على أطروحاتهم مسحة علمية هكذا يرمون ، فينبهر البعض بهذه المصطلحات دون أن يدركوا كنهها ، من هذه المصطلحات الحرية والديمقراطية وتحرير المرأة وحقوق الإنسان , وكذلك مصطلحات غامضة ومبهمة لتمرير مقاصد خبيثة من ذلك مصطلح الجندر Gender والذي يُستدل به على البُعد الاجتماعي لكلمة الجنس (Sex).

وهو مصطلح (مراوغ) لم يتم تعريفه بشكل دقيق يعبر عن حقيقة مضمونه وتطبيقاته حالياً في قضايا المرأة وقضايا الشواذ . وقد كثُر ذكره في الآونة الأخيرة في الوثائق الدولية، فهو أحيانًا يعني النوع (أي الذكر والأنثى)، وأحيانًا أخرى يعني المرأة أو الرجل أو كليهما، ويعطي معنًى مختلفًا في كل مرة من حيث التناول، وحسب موقعه في صياغة الوثائق والاتفاقيات.

وجندر (Gender) كلمة انكليزية تنحدر من أصل لاتيني” Genus ” تعبر عن الاختلاف والتمييز الاجتماعي للجنس، وتصف الأدوار التي تعزى إلى النساء والرجال في المجتمع والتي لا يتم تعيينها بواسطة الحيثيات البيولوجية وإنما بواسطة المعطيات الهيكلية والفردية والقواعد الثقافية ومعاييرها ومحظوراتها، فالأدوار الجنديرية (بحسب هذا التعريف) تتفاوت بين ثقافة أو حضارة وأخرى وهي قابلة للتغيير والتطوير

الجندر والشذوذ :

وقد عرفته وثيقة صادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بأن ” مصطلح النوع الاجتماعي يشير إلى الخواص الاجتماعية والمشاركة في النشاطات الاجتماعية كفرد في جماعة محددة. ولأن هذه الخواص هي سلوك و تصرفات يتم تعلمها ، فهي قابلة للتغير وهي تتغير بالفعل عبر الزمن و تختلف باختلاف الثقافات “

وهذا تعريف في غاية الخطورة لأنة يفيد أن الأنوثة والذكورة بالمعنى العضوي منفصلة عن البنية النفسية والأدوار الاجتماعية للأفراد، وان هذه الأدوار هي مفاهيم اجتماعية مكتسبة وليس لها علاقة بالطبيعة العضوية والفسيولوجية لكلا الجنسين، فالتربية الاجتماعية هي التي تحدد الأدوار الاجتماعية و بالتالي فالمجتمع و التربية هما العاملان الحاسمان في تكوين النفسية الأنثوية أو الذكورية بغض النظر عن الطبيعة العضوية .

تعرفه منظمة “الصحة العالمية” على أنه “المصطلح الذي يفيد استعماله وصف الخصائص التي يحملها الرجل والمرأة كصفات مركبة اجتماعية، لا علاقة لها بالاختلافات العضوية ” ..

ويمكن حسب هذا التعريف أن يكون الرجل امرأة، وأن تكون المرأة زوجًا تتزوج امرأة من نفس جنسها، وبهذا تكون قد غيرت صفاتها الاجتماعية، وهذا الأمر ينطبق على الرجل أيضًا!!

و تعرف الموسوعة البريطانية الهوية الجندرية “Gender Identity” بأنها : شعور الإنسان بنفسه كذكر أو كأنثى، ومن ثم فإذا قام الرجل بوظيفة الأنثى أو قامت الأنثى بوظيفة الذكر، فإنه لن يكون هنالك ذكر أو أنثى وإنما سيكون هنالك (نوع) أي (جندر)، بحيث لا تكون لدينا أسرة تقليدية ولا أبناء ولا رجل ولا امرأة, وتواصل التعريف بقولها: “إن الهوية الجندرية ليست ثابتة بالولادة – ذكر أو أنثى – بل تؤثر فيها العوامل النفسية والاجتماعية بتشكيل نواة الهوية الجندرية، وهي تتغير وتتوسع بتأثير العوامل الاجتماعية كلما نما الطفل .

وتكمن خطورة فلسفة الجندر في وثيقة الطفل فيما يحمله هذا المصطلح من تعليم الطفل أنماطًا جديدةً تتعلق بحياةِ الطفل، مثل: أن يُترك الطفلُ يكتشف نوعه من خلال سلوكه الاجتماعي، سواء كان هذا السلوك متماشيًا مع جنسه وتركيبه الجسماني أو مخالفًا له، وأن يقوم الطفل باكتشافِ سلوكه الجنسي بالممارسة الجنسية. وإذا كان هذا السلوك طبيعيًا أو شاذًا دون أي توجيه أو تدخل من الأبوين فإن هذا – تبعًا لمفهوم الجندر– نابع من طبيعة الطفل التي قد تجعل منه طبيعيًا أو مغايرًا لأقرانه أيْ شاذًا!! ونرى من ذلك خطورة وجود المفهوم في الوثيقة لما يحمله من مضامين الشذوذ والانحلال.

هذا يعني أن الفرد من الذكور إذا تأثر في نشأته بأحد الشواذ جنسياً فإنه قد يميل إلى جنس الذكور لتكوين أسرة بعيداً عن الإناث، ليس على أساس عضوي فسيولوجي، وإنما على أساس التطور الاجتماعي لدوره الجنسي والاجتماعي، وكذلك الأمر بالنسبة للفرد من الإناث؟!

أي أنهم يرون أنه من الممكن أن تتكون هوية جندرية لاحقة أو ثانوية – جنس ثالث مثلا – لتتطور وتطغى على الهوية الجندرية الأساسية ، وطبقا لما جاء في وثائق مؤتمر روما لإنشاء محكمة الجناية الدولية الذي انعقد في (14-18/6 عام 1998م) فقد وردت عبارة:”كل تفرقة أو عقاب على أساس “الجندر” تشكل جريمة ضد الإنسانية” هذا يعني أنه إذا مارس أحدهم الشذوذ الجنسي فعوقب بناء على التشريعات والقوانين الداخلية لتلك الدولة فإن القاضي يعتبر مجرماً بحق الإنسانية ! ،بمعنى أن اختلاف الرجل والمرأة البيولوجي لا علاقة له باختيار النشاط الجنسي الذي يمارسه كل منهما وهنا دعوة صريحة للشذوذ الجنسي.

 وبعد اعتراض الدول العربية تم تغيير كلمة Gender  لكلمة Sex في النسخة العربية وبقي الأصل الإنجليزي، كما هو ، والدعوة بعد مطروحةٌ لدعاةِ الجندرة أن يُعرِّفوها لنا إن كان لهم تعريف يخالف ما ذكرته الموسوعات اللغوية والمنظمات الصحية . .

 

أهم أفكار (الجندر) الخبيثة!

من أهم الأفكار التي ينادي بها مفهوم (الجندر) التشكيك بصحة الدين عن طريق بث الشبهات مثل إن الدين الإسلامي سبب في عدم المساواة في أمور عدة كالقوامة والميراث ونقصان شهادة المرأة وتعدد الزوجات وعدم تعدد الأزواج والحجاب حتى قضايا مثل ذكورة لفظ الجلالة وإشارة القران إلى ضمير المذكر أكثر من ضمير المؤنث لم تسلم من سموم (الجندر).

ومن هنا ظهرت فئة من دعاة المساواة (الإسلاميين) تطلق على نفسها اسم الحداثيين أو المتنورين لصبغ أفكارهم هذه بالشرعية، وكل هذه الدعاوى تنطلق من منطلق المساواة ذلك الستار الذي يختبئ خلفه مروجو (الجندر) .

بدأ مصطلح الجندر وتطبيقاته بالتغلغل في الدول العربية في بداية التسعينات مع تزايد نفوذ مؤسسات التمويل الأجنبي ولجان المرأة ومؤسسات الأمم المتحدة.

وأهم الآليات التي تغلغلت بها مفاهيم الجندر، هي الاتفاقيات الصادرة عن المؤتمرات الدولية وهذه الآلية الدولية فيها طابع من الإلزام للحكومات العربية بما وقعت عليه من اتفاقيات قد يتبع عدم تنفيذها ضغوط سياسية واقتصادية أو إغراءات اقتصادية وسياسية، مثلما هو الحال في محاولات إلغاء عقوبة الإعدام في بعض الدول الإسلامية ، وما تبعه من اتفاقية اقتصادية مع الاتحاد الأوروبي.

ومن هنا، فإن ما يجرى في الدول الإسلامية على صعيد إعادة صياغة المفاهيم والقيم الاجتماعية التي تستهدف الأسرة أو المرأة أو الطفل والمراهق، إنما هو جزء من الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها.

ولابد من الإشارة إلى دور المنظمات الأهلية ومؤسسات التمويل الأجنبي في هذا الجانب، وقد كثرت هذه المنظمات مؤخرا بشكل ملفت في الدول الإسلامية  وتزايد نشاطها في الجوانب الخطيرة من قبيل مواضيع الأسرة وحقوق الطفل والمرأة والمساواة والثقافة الجنسية.

أما الإعلام، فإنه في أغلبه يمارس دورا مشابها في الترويج لمثل مفهوم الجندر فضلا عن لعب الضغوطات الداخلية والخارجية لدور مهم في تغلغل هذه المفاهيم، فقد استحدثت شروط جديدة لانضمام دول ما إلى اتفاقيات الاقتصاد العالمية من أبرزها تمرير مفاهيم المساواة والحقوق.
ووقعت الدول الإسلامية على العديد من الاتفاقيات من بينها اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة . .

إنَّ مصطلح الجندر يضع المجتمعات العربية والإسلامية أمام تحدٍّ بالغ الخطورة؛ لأنه يدخل هذه المجتمعات وهي تعاني من ضعف الوازع الديني وعدم الأخذ بالتشريع الإسلامي؛ مما يجعلها فريسةً سهلةً لهذه المفاهيم والمصطلحات الاجتماعية، إلا إذا تمَّ التنبُّه لها والتصدي لها بالدراسة والتمحيص، ومواجهتها في الوثائق الدولية، والقيام بمشاريع إصلاحية تنهض بالمجتمعات العربية والإسلامية على أساس الدين الإسلامي، آخذين بعين الاعتبار التغيرات الاجتماعية التي تطرأ على هذه المجتمعات.خاصة وأن هذه الوثائق التي تصدرها الأمم المتحدة تصبح بمجرد توقيع الدول الأعضاء عليها ملزمة لتك الدول وجزء من قوانينها الوطنية التي تأخذ بها وتطبقها المحاكم في تلك الدول .

ويعلق الدكتور جمال حبيب في كتابه (عولمة المرأة) على هذا الموضوع قائلاً: “والغرب تبنى هذا الفكر الشيطاني لفرضه على العالم، إنها تعبير عن إرادة لا نقول علمانية وإنما الجادية لتحويل الوجود البشري وجودًا بلا قيمة ولا معنى تنتهي معه العناية من استخلاف الله للإنسان في الأرض”، أما في بكين، فقد رفضت الدول الغربية تعريف “الجندر بالذكر والأنثى، وهذا ما يثبت سوء النية والإصرار الكامل على فرض مفهوم حرية الحياة غير النمطية كسلوك اجتماعي.

وبالتالي تمَّ توقيع كافة الدول العربية على مواثيق مؤتمر بكين الذي كان قبل قرابة العشر سنوات؛ حيث كان يتضمن العديد من الأفكار والمصطلحات ومن ضمنها الجندر، ولا تكتفي الأمم المتحدة بذلك وإنما تعقد مؤتمرات مع الأطراف الحكومية كل سنة، أي هناك آلية دولية لها طابع الفرض والإلزام والمتابعة، ففي مؤتمر بكين +10، والذي تمَّ فيه متابعة الدول العربية وغيرها من الدول في كيفية تطبيق مواثيق مؤتمر بكين، وهذه الآلية يمكن أن تمارس الإرهاب بفرض العقوبات الدولية على الدول التي ترى الأمم المتحدة إنها غير ملتزمة.

ومن ثم فإنَّ ما يجري في مصر أو المغرب أو الأردن أو غيرها بشأن تغيير قوانين الأحوال الشخصية هو جزء من الالتزام بالأجندة الدولية التي وافقت هذه الدول عليها في المؤتمرات الدولية، ويُسمَّى تعبير عن حاجة داخلية لشعوب هذه الدول!!

وبعد، ماذا يمكن للمسلمين فعله كي يحافظوا على تراثهم وعقيدتهم كما هي دون تلويث؟! إنَّ ما يجب فعله هو توعية الجمهور الإسلامي بما يدور حوله يحاك ضده، وأن يوضح له ماهية الحركات الأنثوية الجديدة ومخاطاطاتها، ثم القيام بالمشاركة الفعالة في هذه المؤتمرات من قبل المهنيين والمتخصصين والجمعيات الرسمية وغير الرسمية، والانضمام إلى الائتلاف الإسلامي فيها كي تقوى الشوكة وتعلو الفكرة، وهناك العديد من الأفكار والاقتراحات التي يجب أن يبدأ بتنفيذها كل غيور مهتم بشئون المسلمين، ونعود للقول مرةً أخرى: إنَّ الأسرة هي المضر الأساسي في كل شيء، فلنسعى للتربية الصحيحة والسلمية أولاً.

x