مفهوم النسيان

يعد النسيان – الذي يعرف بأنه: فقد المادة المحفوظة في الذاكرة – واحداً من المفاهيم الهامة ي مجال سيكولوجية التعلم التي لا يمكن قياسها بصورة مباشرة، ويقاس النسيان عن طريق تحديد الفرق بين أقصى درجة ممكنة للحفظ ، ودرجة الحفظ الفعلية المقاسة ، حيث يفترض أن ما لم يحفظ قد طواه النسيان (ويتنج ، ص209 ، 1981) .

 

النظريات الرئيسة في النسيان :

لقد قدمت العديد من النظريات والتفسيرات لعملية النسيان وسوف نتحدث عن بعض التفسيرات لهذه الظاهرة ، ومنها نظرية الإعفاء (التلاشي التدريجي) ونظرية (التداخل) ونظرية (الاسترجاع) .

 

1- نظرية الإعفاء (التلاشي التدريجي) :

إن أبسط نظرية وضعها علماء النفس عن النسيان هي أن مجرد مرور الزمن يؤدي بآثار الذاكرة إلى أن تذوب فتتلاشى آثار المعلومات المكتسبة ببطء ، وهناك أدلة كثيرة على خطأ هذه النظرية ومنها أن الكثير من الانطباعات والآثار العصبية التي سجلت في ذاكرة المرء تبقى محفوظة مدة طويلة جداً دون أن تتآكل رغم عدم استعمالها ، فكيف تفسر نظرية الإعفاء مثلاً السبب في أن الناس لا ينسون السباحة بالرغم من أنهم يمكن أن يكونوا قد ظلوا دون تدريب سنوات عديدة ، والتفسير هنا : أنه بالرغم من أن مرور الزمن قد يسبب بعض التغيرات التي تؤدي إلى النسيان ، فالزمن وحده لا يفسر كل ما نعرفه عن النسيان ، إن الوقت في ذاته لا يمكن أن يتسبب في النسيان أكثر مما يتسبب في تآكل الخشب لهذا ظهرت نظريات أخرى محاولة سد الثغرات (ويتنج ،ص209 ، 1981) .

 

2- نظرية التداخل أو الإقحام :

سادت نظرية التدخل أو الإقحام (Interference) في العقود الأخيرة كنظرية لتفسير النسيان ، وبينما يشكل عامل مرور الزمن أساس نظرية التآكل أو الضمور فإن العمليات التي تحدث للتعلم والذاكرة مع مرور الزمن تشكل أساس نظرية التدخل أو الإقحام .

إن فشل المرء في استدعاء أو تذكر معلومات سبق له أن تعلمها يرجع إلى تعلم معلومات أو بيانات أخرى ، بشكل يؤدي إلى عرقلة التذكر ، وهذا يعني أن تعلم (س) يتدخل في تذكر (ص) أي إن التعلم الجديد يعرقل استدعاء التعلم الأقدم منه .

وتعتبر التجارب التي أجراها جنكنز وزميله دلنباخ سنة 1924م أول اختبار لنظرية تفسير النسيان على أساس التدخل الفاعل أو التفاعل بين التعلم الجديد والتعلم السابق ، وفي هذه التجارب قام جنكنز ورفيقه (Jenkins and Dallenback) بتجربتهم لتقرير ما إذا كان مرور الزمن (وهو المتغير المستقل بالنسبة لنظرية التآكل) أم التدخل هو السبب في النسيان .

وهل يمكن إعطاء المزيد من المعلومات حول هذه التجارب ؟

طبعاً ، فلقد كلف الباحثان مجموعة من الناس حفظ قوائم من كلمات ومقاطع لا معنى لها واختبروا قدرتهم على تذكرها بعد فترات زمنية طولها ثماني ساعات بعد زمن التعلم أو الحفظ وقسموا المجربين إلى مجموعتين متكافئتين ذهبت إحداهما للنوم مباشرة بعد الحفظ وتابعت المجموعة الأخرى عملها الاعتيادي بعد ذلك ، وعندما اختبر الباحثان قدرة كل من أفراد المجموعتين على تذكر ما حفظ وجد أن القدرة على التذكر كانت أقل بعد فترة العمل اليقظ وأن التذكر ازداد ضعفاً مع مرور المزيد من الزمن ، أما بالنسبة للمجموعة الأخرى التي نامت بعد الحفظ فقد وجدا أن التعلم لم يضمر وأن أفراد المجموعة استطاعوا تذكر المقاطع التي تعلموها رغم مرور نفس الفترات الزمنية على حفظ المادة التي مر بها اليقظون .

 

ونستنتج من هذه التجربة أن المسئول عن عملية النسيان لم يكن عامل مرور الزمن كما ادعت نظرية التآكل ،  بل عامل الإقحام أو التدخل أي أن ما تعرض له المجربون من خبرات ونشاطات وتعلم في فترة اليقظة تدخل ليعيق عملية التذكر وأدى إلى نسيان ما حفظ قبل ذلك مباشرة (بلقيس ومرعي ، ص265 – 267 ، 1982).

 

3- نظرية الاسترجاع Retrieval theory :

وهي تنص على أن النسيان عندما يحدث ، لا يعني بالضرورة أن المعلومات فقدت من الذاكرة تماماً ، بل أنها لم تجد المثيرات أو التلميحات (المفاتيح) (Clues/cues) الكافية لتسمح باسترجاعها ، وهذا يعني ، أن درجة التذكر تتوقف على توافر المفاتيح المناسبة لاسترجاع المعلومات المخزونة .

ولقد حاول تلفنغ وسوتكا (Tulving and Psotka) إيضاح أهمية المفاتيح التذكيرية على التذكر والاستدعاء فزودوا عدداً من الأشخاص بقوائم تحتوي كل منها على 24 كلمة مصنفة في 6 مجموعات لكل مجموعة منها اسم يدل عليها ، وبعد حفظها من قبل مجتمع التجربة اختبرت ذاكرة الأفراد بنوعين من الاختبارات: إحداهما باستخدام المفاتيح التذكيرية والأخرى بدونها ، وأشارت النتائج النهائية إلى حدوث قدر كبير من النسيان في حالة عدم استخدام التلميحات التذكيرية وحدوث قدر أكبر من الاحتفاظ والاسترجاع عند استخدام تلك المفاتيح .

وأشار الرسم البياني الذي مثل نتائج التجربة إلى عملية كف رجعي قوي في الحالة الأولى وإلى عدم وجود هذا الأثر في الحالة الثانية .

 

وتعول نظرية الاسترجاع لتفسير النسيان على عملية التعلم وطريقة تخزين المعلومات كأساس لقوة التذكر أو ضعفه ، ويعتقد أصحاب هذه النظرية أن قابلية المادة للاسترجاع يعتمد على الأثر في ذلك ؛ فإذا كانت الصيغة التي اختزنت بها المعلومات غير مناسبة كان استرجاعها ضعيفاً (بلقيس ومرعي، ص268 – 269 ، 1982).

 

أسباب النسيان :

يمكن القول بصفة إجمالية أن هذه العوامل قد ترجع إلى إحدى المراحل التي تتكون منها الذاكرة ، فقد يكون سبب النسيان خطأ في أسلوب التعلم والمذاكرة ، وقد يكون سببه ظروفاً خاصة تعرض لها المتعلم إبان فترة الحفظ كما قد يكون سبب النسيان خطأ في طريقة التذكر ، وهذه العوامل هي :

  • النسيان بسبب مرور الزمن : وهو العامل الرئيس الذي حاول ابنجهاوس وغيره إثباته “خط النسيان ” .
  • النسيان بسبب ضعف الذاكرة : فالتعلم إذا كان ناقصاً مبتوراً كان ذلك سبباً في سرعة نسيان المادة والمذاكرة تتكون من :
  • مذاكرة مناسبة : وهي المذاكرة التي يمكن للشخص بعدها أن يسترجع المادة مباشرة مرة أو مرتين بدقة .
  • مذاكرة ناقصة : وهي التي لم تستكمل أصولها فإذا اختبر المتعلم فقد يعجز عن استرجاعها صحيحة أو يسترجعها بطريقة مشوشة .
  • ذاكرة كافية : وهي التي تستمر حتى بعد استرجاع المادة مرة أو مرتين ، فآثار الذاكرة التي تخلقها المذاكرة الكافية أبعد غوراً وأصلب عوداً وأقل تأثراً بعوامل النسيان الأخرى .
  • نسيان بسبب خطأ في أسلوب التعلم: فالمذاكرة الكلية مثلاً لها الأفضلية عن المذاكرة الجزئية في أكثر الحالات والمذاكرة الموزعة خير من المذاكرة المستمرة.

كما أن سرعة التعلم لها أثرها في هذه الناحية ، فالذي يقرأ المادة بسرعة شديدة أكثر مما تدعو إليه الضرورة يكون عمله عرضة للنسيان من المتمهل ، فضلاً عن ذلك درجة اليقظة والانتباه أثناء التعلم ومبلغ الرغبة الشخصية ومدى تشويق المادة للمتعلم .. كل هذا له أثره . ومن أسباب النسيان أسلوب المذاكرة الانتقال إلى مادة جديدة مشابهة بعد الانتهاء من المادة الأولى مباشرة بحيث يصبح خطراً على تثبيتها قيما عرف ” بالكبت العكسي ”  .

  • النسيان بسبب العوامل الشخصية : وتبدو في المظاهر البسيطة كالأخطاء غير المقصودة ويرجع السبب فيها إلى رغبة الشخص اللاشعورية إلى كبت بعض الحوادث المتصلة بسبب ما تثيره في نفسه من الآلام فيفضل التخلص منها بالنسيان (عطية الله ، ص232-233 ، 1980) .

 

x