مفهوم النظرية العلمية

إنّ اصطلاح نظرية من المصطلحات الغامضة التي يصعب على العالم استعماله استعمالاً دقيقاً وصحيحاً في كتاباته وبحوثه فقد يشير الاصطلاح إلى النظام التجريدي الذي يجمع الأفكار ويوحدها ويضعها في قالب يجسد معنى مفاهيم محددة يطرحها العالم في سياق أبحاثه الأكاديمية , أما معنى النظرية الاجتماعية فقد كان متعلقاً بالدراسات الفلسفية والسياسية فقد استعمل مصطلح النظرية الاجتماعية لأول مرة للتعبير عن نظرية الدولة تلك التي اهتمت بدراسات أصل نشوء الدولة الحديثة مع التبريرات الفلسفية والعلمية  للأشكال التي تتخذها . وهناك مجموعة من المؤلفات والكتابات الأدبية التي يمكن أن توضع تحت عنوان النظرية الاجتماعية او تحت عنوان تاريخ الفكر . ولكن لما كانت هذه المؤلفات والكتابات تدور حول طبيعة العلاقات الانسانية والمجتمع البشري فمن المستحسن استعمال اصطلاح النظرية الاجتماعية لوصفها وتحليلها والتعبير عنها ، فمثلاً كتاب ” من التاريخ الى علم الاجتماع ” الذي هو دراسة في تبديل الفكر التاريخي الالماني لمؤلفه كارلو انتوني ، وكتاب ” الوعي والمجتمع ” لمؤلفه د.هيوز هي كتب تتعلق بالنظرية الاجتماعية (Social Theory) وذلك لقرب مواضيعها من مواضيع النظرية السوسيولوجية (Sociological Theory) علماً بأن النظرية الاخيرة يمكن تمييزها عن النظرية الاجتماعية من حيث تركيزها على الطرق المنهجية المتعلقة بدراسات البنيات والأنظمة والعلاقات الاجتماعية .

لكن الباحث يكّون النظرية العلمية ليستعملها في تفسير ظواهر وتفاعلات وملابسات الموضوع الذي ينوي دراسته وفحصه . والنظرية العلمية هي نظرية نسبية قابلة للتعديل والتغيير . فكم من نظرية علمية قُبل بصحتها واستمرت كذلك قائمة فترة طويلة وصلت لقرون احياناً ، ثم ثبت خطأها بعد اجراء المزيد من الدراسة خصوصاً بعد ظهور اكتشافات جديدة غيرت من وجهات النظر القائمة . وألقت ضوءاً على جوانب لم تكن واضحة عند الدراسة الاولى للموضوع . ويجب ان ننتبه الى ان اي تقدم علمي في ميدان من ميادين المعرفة كثيراً ما يغير من النظريات القائمة في ميدان اخر . ذلك ان الافكار الانسانية مهما تشعبت وتفرعت الى ميادين انما تؤلف كلاً متكاملاً يعكس تكامل الحياة وترابطها . ومن الجدير بالإشارة في هذا المجال ان النظرية العلمية الحديثة تعتبر الكثير من النظريات القديمة مجرد فروض علمية كنظرية بطليموس في تفسيره للأجرام السماوية ، والتي ظلت قروناً عديدة مرجعاً لدارسي الفلك حتى ثبت خطأها . ونظرية نيوتن في الذرة والتي اعتمد عليها العلماء من بعده فترة طويلة في تفسير كثير من الظواهر الفيزيائية والنووية ثم ثبت خطأها ايضاً . ان النظرية العلمية لا تقتصر على مجرد الانسجام والاتساق المنطقي بين حجمها وبياناتها وإنما تتعدى ذلك الى التحقيق العلمي الناتج من اختبار ادلتها وافتراضاتها اختبارا يعتمد على التجربة والقياس وغيرها من وسائل البحث العلمي . لكن النظرية تأتي نتيجة بحث علمي متكامل متوفر فيه جميع شروط البحث العلمي ، ومن ثم تكون قادرة على الكشف عن العلاقات الوظيفية بين ظواهر معينة وتفسيرها وتوضيح المبادئ والقوانين المنظمة لها .

ويستطيع علم الاحصاء مساعدتنا في اجراء الدراسات العلمية التي تهدف الى برهان الفرضيات وتحويلها الى نظريات علمية . فالباحث الاجتماعي مثلاً يستطيع برهان الفرضية التي تدعي بأن حجم العائلة يعتمد على خلفيتها الاجتماعية والطبقية وذلك من خلال اجراء دراسة ميدانية عن الموضوع . والدراسة هذه تتوخى اختبار صحة الفرضية وتحويلها الى نظرية بعد جمع الادلة والبراهين الكافية عنها من الميدان الاجتماعي . فالدراسة قد تختار عينات من عوائل المجتمع وتصمم ورقة استبيانية تطرح فيها مجموعة من الاسئلة تدور حول اثر الخلفية الاجتماعية والطبقية في حجم العائلة . وبعد مقابلة عائلات العينة مقابلة رسمية وغير رسمية تبوب المعلومات الاحصائية وتكون منها الجداول التي تحلل معلوماتها تحليلاً علمياً وعقلانياً يساعد الباحث على الوصول الى النتائج النهائية للبحث . وهذه النتائج قد تشير الى ان حجم العائلة يعتمد على خلفيتها الاجتماعية والطبقية او يعتمد على عوامل اخرى . فإذا كانت نتائج البحث تشير الى ان عامل الخلفية الاجتماعية والطبقية هو من العوامل المهمة والأساسية التي تحدد حجم العائلة فأن الفرضية تتحول الى نظرية علمية . اما اذا كانت النتائج تشير الى عكس ذلك فلا يمكن هنا تحويل الفرضية الى نظرية مطلقاً . فالنظرية اذن هي مجموعة من الافكار والحقائق العقلانية والنظامية التي تم برهانها واثباتها علمياً بعد اجراء الدراسة الاكاديمية او الميدانية .

x