منهج البحث الوصفي

          يعتبر البحث الوصفي أحد أشكال البحوث الشائعة التي اشتغل بها العديد من الباحثين المتعلمين. ويسعى إلى تحديد الوضع الحالي لظاهرة معينة ، ومن ثم يعمل على وصفها ، وبالتالي ، فهو يعتمد على دراسة الواقع أو الظاهرة كما توجد في الواقع ، ويهتم بوصفها وصفا دقيقا .

          وتبرز أهمية الأسلوب الوصفي في البحث من كونه يعتبر ركنا أساسيا من أركان البحث العلمي، ويعتبر الأسلوب الوحيد الممكن في نظر العديد من الباحثين لدراسة الكثير من المجالات الإنسانية . فإذا أردت أن تدرس مشكلة تتعلق بسلوك الأطفال الجانحين ، فإنك لا تتمكن من إجراء تجارب في مثل هذه الموضوعات مما يعتبر الأسلوب الوصفي في مثل هذه الحالة وسيلة مناسبة لا يمكن الاستغناء عنها لدراسة الموضوعات الإنسانية هذه . (ملحم ، 2007 ، 369)

          إن البحث الوصفي لا يقف عند حدود وصف الظاهرة، وإنما يذهب إلى أبعد من ذلك، فيحلل ويفسر ويقارن ويقيم، بقصد الوصول إلى تقييمات ذات معنى بقصد التبصر بتلك الظواهر، فضلاً عن الأبحاث الوصفية ، لا تقتصر على التنبؤ بالمستقبل بل أنها تنفذ من الحاضر إلى الماضي كي تزداد تبصرا بالحاضر . (الفتلي ، 2014 ، 143)

          والمنهج الوصفي “يصف ويفسر ما هو كائن، فهو يُعنى بالظروف والعلاقات الموجودة والممارسات الشائعة والآراء والمعتقدات والعمليات الجارية والآثار التي تحدث، أو الاتجاهات (وهي تعني بالدرجة الأولى بالحاضر) .

          كما أن البحث الوصفي أو المنهج الوصفي هو البحث الذي يهدف إلى وصف الظاهرة كما هي في الواقع ، أو وصف الأوضاع القائمة فعلاً . (خندقجي ، ومحمد ، 2012 ، 194)

          وهناك تعريف شامل (دراسة الظاهرة كما توجد في الواقع ويهتم بوصفها وصفاً دقيقاً ويعبّر عنها كيفياً وكمياً ، فالتعبير الكيفي يصف لنا الظاهرة ويوّضح خصائصها ، أما التعبير الكمي فيعطيها وصفاً رقمياً يوضّح مقدار هذه الظاهرة أو حجمها أو درجة ارتباطها مع الظواهر الأخرى . (الدليمي، 2014 ، 190)

أهداف الأسلوب الوصفي في البحث :

          إن من أهم أهداف الأسلوب الوصفي في البحث هو فهم الحاضر من أجل توجيه المستقبل ، فالبحث الوصفي يوفر بياناته وحقائقه واستنتاجاته الواقعية باعتبارها خطوات تمهيدية لتحولات تعتبر ضرورية نحو الأفضل . ويمكن إجمال اهداف الأسلوب الوصفي في البحث بالنقاط الرئيسة التالية :

  1. جمع بيانات حقيقية ومفصلة لظاهرة أو مشكلة موجودة فعلا لدى مجتمع معين .
  2. تحديد المشكلات الموجودة وتوضيحها .
  3. إجراء مقارنات لبعض الظواهر أو المشكلات وتقويمها ، وإيجاد العلاقات بين تلك الظواهر أو المشكلات .
  4. تحديد ما يفعله الأفراد في مشكلة أو ظاهرة ما ، والاستفادة من آرائهم وخبراتهم في وضع تصور وخطط مستقبلية ، واتخاذ القرارات المناسبة لمواقف متشابهة مستقبلاً . (ملحم ، 2007، 370)

خطوات إجراء منهج البحث الوصفي

          يعتمد المنهج الوصفي في دراسة الظواهر الإنسانية والطبيعية على الطريقة العلمية في البحث والخطوات التي تتضمنها ، وبذلك يمكن تحديد خطوات تطبيق هذا المنهج البحثي في الآتي :

  • الشعور بالمشكلة وجمع المعلومات والبيانات عنها .
  • تحديد المشكلة بشكل دقيق وواضح وصياغتها بصورة تقريرية أو بشكل سؤال بحثي أو عدة أسئلة بحثية .
  • صياغة الفرضيات البحثية كتفسيرات أولية محتملة لمشكلة البحث . وترتبط هذه الفرضيات على افتراضات أو ادعاءات يحاول الباحث اعتمادها كموجهات للدراسة .
  • تحديد مجتمع الدراسة وعينتها ، وبيان كيفية أخذ العينة وحجمها ودرجة تمثيلها لخصائص المجتمع الذي أخذت منه .
  • تحديد أدوات الدراسة التي تستخدم في جمع البيانات والمعلومات المطلوبة للإجابة عن أسئلة البحث ، وتشمل هذه الأدوات الاستبانة وبطاقة الملاحظة والمقابلة والاختبار ومقاييس التقدير.
  • التأكد من خصائص أدوات الدراسة التي تتعلق بصدقها وثباتها وموضوعيتها وإمكانية تطبيقها … الخ .
  • جمع المعلومات والبيانات المطلوبة من عينة الدراسة وتوفير معايير الدقة والموضوعية في تدوينها .
  • تنظيم البينات وتصنيفها بغية عرضها في جداول خاصة .
  • تحليل النتائج إحصائياً ومن ثم تفسيرها لاستخلاص تعميمات منها .
  • تقديم التوصيات والمقترحات . (الجابري ، وأبو حلو ، 2009 ، 198 – 199).

        ويرى الباحثون أن البحوث الوصفية ترتكز على خمسة أسس رئيسة تتمثل في الآتي :

  • يمكن الاستعانة بمختلف الأدوات المستخدمة للحصول على البيانات بشكل دقيق وواضح كاستخدام الملاحظة والمقابلة والاستبانة وتحليل الوثائق والسجلات .
  • أن البحوث الوصفية يسعى البعض منهل إلى مجرد وصف الظاهرة وصفاً كمياً أو كيفياً دون دراسة الأسباب التي أدت إلى ظهور المشكلة أو الظاهرة موضوع البحث ، بينما يقوم البعض الآخر إلى التعرف على الأسباب المؤدية للظاهرة ، ويلجأ البعض الثالث إلى البحث عما يمكن عمله من أجل إحداث تعديل في موقف عينة البحث .
  • تعتمد الدراسات الوصفية على اختيار عينات ممثلة للمجتمع الذي تؤخذ منه ، وذلك توفيرا للجهد والوقت ولغيرها من تكاليف البحث .
  • لابد من اصطناع التجريد خلال البحوث الوصفية حتى يمكن تمييز سمات الظاهرة موضوع البحث وخصائصها .
  • ولما كان التعميم مطلبا ضروريا للدراسات الوصفية حتى يمكن من خلاله استخلاص أحكام تصدق على مختلف الفئات المكونة للظاهرة موضوع البحث ، فإنه لابد من تصنيف الأشياء أو الوقائع أو الظواهر على أساس معيار محدد باعتباره السبيل الوحيد لاستخلاص الاقدم منها ، ومن ثم التعميم . (ملحم ، 2007 ، 371 – 372)

خصائص ، سمات ، مميزات ، المنهج الوصفي ؟

  • كثيراً ما يستخدم الطريقة المنطقية (الاستقرائية ، الاستنتاجية) للتوصل إلى قاعدة عامة .
  • يصف النماذج المختلفة والإجراءات بصورة دقيقة قدر الإمكان لتكون مفيدة للباحثين فيما بعد.
  • يُعّد الأسلوب الأكثر شيوعاً في العلوم الإنسانية .
  • يقدم المعلومات والحقائق عن أمر واقع .
  • يوّضح العلاقة بين الظواهر المختلفة .
  • يقدم تفسير للظاهرة والعوامل التي تؤثر فيها .
  • يساعد في التنبؤ بمستقبل الظاهرة نفسها . (الدليمي ، 2014 ، 191 – 192)

أما عيوبه :

          من أبرز العيوب التي توجه المنهج الوصفي والتي أقرها بعض النُقّاد هي :

  • الاعتماد على معلومات خاطئة .
  • تحيز الباحث في جمع المعلومات من مصادر معينة .
  • قدرة الدراسات الوصفية على التنبؤ تبقى محدودة وذلك لصعوبة الظاهرة الاجتماعية وسرعة تغيّرها . (نفس المصدر السابق ، 193)
  • ارتفاع تكاليف استخدامه وتطبيقه ، وفي حاجة إلى فترة زمنية طويلة وجهد .
  • صعوبة القياس والتجريب الدقيقين . (خندقجي ، ومحمد ، 2012 ، 214)

أنماط الدراسات الوصفية (أنواعها) :

          بالرغم من عدم اتفاق الباحثين على أشكال ونماذج محددة للدراسات الوصفية ، إلا أنه يمكن تحديد بعض الأنماط التالية للدراسات الوصفية كما يوضحها الشكل التالي :

شكل رقم (1)

أنماط الدراسات الوصفية

المنهج الوصفي (1) الدراسات المسحية (أ)

المسح المدرسي

(ب)

المسح الاجتماعي

(ج)

دراسات الرأي العام

(ء)

دراسات تحليل العمل

(هـ)

دراسات تحليل المضمون

(2)

دراسات العلاقات المتبادلة

(أ)

دراسة الحالة

  (ب)

الدراسات العليا المقارنة

  (ج)

الدراسات الارتباطية

(3)

الدراسات النمائية

  (أ)

دراسات النمو

  (ب)

دراسات الاتجاه

 

(ملحم ، 2007 ، 371 – 372)

الدراسات المسحية Survey Studies

          تعتبر الدراسات المسحية من أكثر أساليب المنهج الوصفي انتشاراً ، فمن خلالها يتم الكشف عن آراء واتجاهات ومعتقدات وواقع وقيم أفراد المجتمع تجاه قضية أو موضوع ما ، أو حدوث معين، كما أن بواسطتها يمكن الكشف عن ظاهرة ما بعد تحديد عوامل حدوثها وجوانبها قوتها وضعفها .(عبد العزيز ، 2010 ، 172)

          والدراسة المسحية هي بحث أو استقصاء مشكلةٍ ما باستخدام الأساليب العلمية لاختيار العينات وأساليب السؤال (مثل استخدام الاستبانات والمقابلات) والملاحظة المخططة لها تخطيطاً دقيقاً والسجلات الميسرة ، ويعتمد هذا النوع من الدراسات في عملية تجميع البيانات على اختيار عينة من الأفراد ، يفترض أنها ممثلة للأصل الذي اشتقت منه وسؤالها أو ملاحظتها لعمل استدلالات عن ذلك الأصل فيما يتعلق بالسمة أو السمات موضع الدراسة . (عطيفة ، 2012 ، 102)

          ويمكن تعريفها وهي الدراسات التي تتم من خلال جمع معلومات وبيانات عن ظاهرة ما ، بهدف التعرف إلى تلك الظاهرة وتحديد الوضع الحالي لها ، والتعرف إلى جوانب القوة والضعف فيها ، ويستخدم في الدراسات المسحية أدوات ، مثل : الاستبيان ، والمقابلة ، والملاحظة ، والاختبار .

          والمسح هو محاولة لتحليل واقع الحال للأفراد وتفسيره وعرضه في مؤسسة كبيرة أو لمجموعة كبيرة نسبياً من الأفراد في منطقة معينة ، من أجل توجيه العمل في الوقت الحاضر والمستقبل القريب . (عباس وآخرون ، 2009 ، 75)

المسح المدرسي :

          ترجع بدايات المسح المدرسي إلى عام 1910 حينما طلب مفتشي المدارس في الولايات المتحدة الأميركية أن يقدموا تقديراً عن المستوى العلمي للطلبة والمعلمين والأبنية المدرسية .

          ويهتم هذا النوع من الدراسات بمعالجة الجوانب المادية والتنظيمية والقانونية والإدارية والمالية الخاصة بالتعليم ، فضلاًَ عن معالجة أحوال التلاميذ والعاملين وخصائصهم والمناهج وطرائق التدريس وغالباً ما يستخدم الباحثون عند التصدي لمثل هذا النوع من الأبحاث العلمية عدداً من الأدوات العلمية (الاستبيان ، المقابلات وغيرها من الأدوات المناسبة الأخرى) . (الكبيسي والجنابي ، 1987 ، 34)

تعريف المسح المدرسي :

          نعني بالمسح المدرسي : دراسة المشكلات المتعلقة بالميدان التربوي بأبعاده المختلفة ، مثل : المعلمون ، والطلبة ، ووسائل التعليم ، وأهداف التربية ، والمناهج الدراسية ، وغير ذلك . (ملحم ، 2007 ، 375) ، لرفع مستواهم وزيادة كفايتهم ، عن طريق القيام بمسح عام عن التعليم أو بعض جوانبه ، للتعرف على مدى التقدم فيه وتشخيص بعض مشكلاته ، وهو أوسع أنواع البحوث . (الفعلي ، 2014 ، 144)

          ويمكن أن تُصنف الدراسات المسحية المتعلقة بالبرنامج التربوي إلى  ثلاثة أنواع هي الدراسة المسحية الشاملة ، والدراسة المسحية التربوية للبرنامج التعليمي للمدرسة ، ومسح المباني التعليمية ويندر القيام بالدراسات المسحية الشاملة للمعوقات الميدانية العديدة التي تحد من إمكانية تنفيذها ، وهي تتناول عادة الجوانب التالية : (الدليمي ، 2014 ، 200)

  • الأهداف ، والنتائج ، وتحصيل التلميذ ، والمنهج والطريقة والمعينات التعليمية .
  • المشكلات والإجراءات الإدارية للمدراس .
  • السياسات والإجراءات المالية .
  • إدارة المبنى المدرسي والمحافظة عليه .
  • نقل التلاميذ (المواصلات) .
  • هيئة التدريس والإدارة .
  • مبنى المدرسة والعوامل المتصلة به .

الدراسة المسحية التربوية البرنامج التعليمي للمدرسة وما يتصل به من نشاطات وسياسات وإجراءات تلك التي تؤثر في فاعلية البرنامج التعليمي والدراسة المسحية التربوية إذا أضيف إليها دراسة مسحية للمبنى تصبح دراسة مسحية شاملة .

وأكثر الأنواع الثلاثة شيوعا هو مسح المباني وتبحث عادة البيئة المحلية التي توجد فيها المدرسة ، وموقع المدرسة ، وتقدير أعداد المتقدمين للمدرسة في المستقبل وتخطيط بنائها ، ونظام نقل التلاميذ ومواصلاتهم ، والموارد المالية المتوافرة لمواجهة احتياجات الأبنية المدرسية .

ويفضل أن تقوم دراسة المسح على تعاون هيئة المدرسة ومجموعة من الخبراء ولهذه الطريقة مميزات ، وينبغي أن يُصبح باستخدامها لأنها وبهذه الطريقة تكون تكلفة الدراسة أقل ، كما أن إسهام أعضاء هيئة التدريس في مسح نواحي القوة ونواحي الضعف في النظام المدرسي يزيد استعدادهم لتقبل التغيير والأخذ بأساليب التطوير التي تنبثق كمقترحات للدراسة المسحية . (جابر وكاظم ، 140 – 142)

المحاور الرئيسة للدراسات المسحية في الحقل التربوي :

  • الظروف الفيزيقية (الطبيعية) المتصلة بالتعلم : يمكن قياس خصائص كثيرة للبيئة المادية كمساحة الأرضية بالنسبة لكل تلميذ في المدراس المختلفة ، وعدد الكتب في المكتبة بالنسبة لكل تلميذ ، وعدد التلاميذ بالنسبة لعدد المعلمين داخل المدرسة، وتهتم كثير من المدراس بهذه الدراسات المسحية .
  • العلاقة بين سلوك المعلمين والتعلم ، هناك تفاعل بين خصائص المعلم وخصائص التلاميذ ، وهذا التفاعل يحتاج لمزيد من الدراسات حول خصائص المعلم ، وتأثيرها على تعلم المتعلم .
  • نتائج تعلم التلاميذ ، أو قدرتهم على التعلم يمكن القيام بدراسات مسحية لمستوى التلاميذ القرائي ، أو تحصيلهم في مهارات علمية أو رياضية ، ويمكن القيام بدراسات مسحية لمعلومات التلاميذ كأن تحاول المدرسة تحديد ما يعرفه التلاميذ وما لا يعرفه عن بيئتهم المحلية ، والبيانات الناتجة عن مثل هذه الدراسات يمكن أن تساهم في تطوير البرنامج التربوي والتعليمي للتلاميذ . (الدليمي ، 2014 ، 201 – 202) .

ومن إيجابيات هذا النوع من البحوث :

  • أنه شامل ويغطي مساحات واسعة .
  • يلقى النظر على كثير من المشكلات التربوية .
  • لا يقتصر على وصف الواقع ، وإنما يطمح أحياناً إلى تقييمه وتطويره .
  • التركيز على جوهر العملية التربوية والعوامل الهامة التي تؤثر فيها .

ولكن هذا النوع من البحوث رغم أهميته ودقته فأنه لا يخلو من عيوب منها :

  • سعة وشمول هذا النوع من البحوث ، يكون على حساب دقة البيانات التي يحصل عليها الباحث .
  • المعالجات تكون غير كافية ، مما ينعكس سلبا على التعمق في الدراسة ، مما يجعلها أقرب إلى السطحية . (الفتلي ، 2014 ، 144 – 145)
x