نظرية بارسونز

 نطلقت نظرية “بارسونز” T.Parsons”1902-1979″ في الضبط الاجتماعي من نقطة مرجعية هي إطار الفعل الاجتماعيSocial Action ، لذا لا يمكن فهم نظريته هذه إلاّ بالرجوع إلى نظرية الفعل الاجتماعيSocial Action theory ، وقد وجدنا من المناسب عرض النقاط الجوهرية في نظرية الفعل الاجتماعي وعلى النحو التالي:

1- إن الأفعال التي يقوم بها الفاعل لا تتحدد إلاّ عن طريق أهدافه.

2- تكون لدى الفاعل بعض المعايير والقيم التي تحكم اختياره للأهداف وتنظيمه لها في مخطط محدد للأولويات.

3- تكون لدى الفاعل بعض الأفكار التي تتعلق بطبيعة أهدافه وإمكانية تحقيقها.

وبناءً على ذلك فإن الفعل Action الذي يقوم به الفاعل Actor يكون محكوماً بعدة عوامل منها: أفكاره ومشاعره وانطباعاته ومعاييره وقيمه، وهذه العوامل لا تحكم أفعاله فقط، وإنما تحكم أفعال الآخرين الذين يشتركون معه في الفعل. لذلك فإن الفعل يبنى على توقع الشخص لما يجب أن يفعله وما يفعله الأشخاص الآخرون. أي يبنى على تكامل التوقعات فالشخص يمكن أن يحقق أهدافه إذا امتثل لتوقعات الآخرين، كذلك يتوقف على إرادة الآخرين في أن يفعلوا ما هو متوقع منهم. ومعنى ذلك أن إشباع حاجات الأنا أو تحقيق أهدافه، يتوقف على إرادة الآخر في أن يفعل ما هو متوقع منه، والعكس صحيح، أي أن مسايرة أو امتثال الأنا لتوقعات الآخر يعد شرطاً لتحقيق هدف الأنا، ومن ثم فإن مسايرة توقعات الآخر تعد وسيلة الأنا لتحقيق امتثال أو مسايرة الآخر مع توقعات الأنا. وقد أطلق “بارسونز” على تلك العلاقة بين الأنا والآخر مصطلح “نسق التفاعل الثابت” الذي يحتاج إلى تكوين مستمر وتدعيم ثابت وبدون هذا التدعيم يظهر الميل نحو الانحراف عن هذا النسق.(70) ولأجل ذلك وضع “بارسونز” نمطين من الميكانزمات لتدعيم نسق التفاعل الثابت، ويتمثل النمط الأول في ميكانيزم التنشئة الاجتماعيةSocialization الذي يعمل على تكوين الدافعية نحو تحقيق توقعات الدور. أمّا النمط الثاني فهو الضبط الاجتماعيSocial Control وهو الميكانيزم الذي يعمل على تدعيم الدافعية نحو تحقيق كل توقعات الدور، ويرى “بارسونز” أن تلك الدافعية نحو تحقيق التوقعات ليست فطرية بل مكتسبة عن طريق التعلم. وهذا هو دور عملية التنشئة الاجتماعية فهي تعلم الفرد ما يريده من الآخرين. إلاّ أن عملية التنشئة الاجتماعية لا تكفي وحدها لمواجهة جميع الاتجاهات االانحرافية التي تدفع الفاعل إلى الخروج عن مسايرة المعايير التي يشترك بها المتفاعلون، ومن هنا فإن الانحرافات تؤشر فشلاً في عملية تدعيم الدافعية نحو تحقيق توقعات الدور، من هنا لابد لها من رديف يدعمها ويحول دون عدم المسايرة ويشجع في الوقت ذاته على الامتثال من أجل تدعيم التفاعل القائم، وهو ميكانزم الضبط الاجتماعي، فالضبط الاجتماعي في نظر”بارسونز”عملية دافعية تواجه الدوافع التي تنحرف عن تحقيق توقعات الدور، وتبعاً لذلك فهو يمثل عملية لإعادة التوازن. ويشمل ميكانيزم الضبط الاجتماعي ذاته على عدة ميكانيزمات وهي:

1- الصمود والثباتSupport :

وهو رد الفعل من جانب الأنا تجاه الضغط الذي ينجم عن علاقته الآخر، والهدف هو توفير الأمن لـ “الأنا” ومثال ذلك ثبات اتجاهات الحب لدى الأم في التنشئة الاجتماعية رغم الصعوبات والمشكلات التي تواجهها يعد نموذجاً أساسياً للصمود. فالصمود هنا يعد ميكانيزماً يضبط العلاقة بين الأم والابن ويعمل على تدعيمها، وهناك مثال آخر هو الاستعداد الدائم لدى المعالج لمساعدة المريض ولتفهم حالته ويعد نموذجاً آخر للصمود.

التسامحPermissiveness :

لا يمكن للصمود أن يكون فعّالاً كميكانيزم للضبط إلاّ إذا توفر التسامح وبذلك يؤدي هذان العاملان إلى إعادة التوازن في نسق التفاعل. وتكمن أهمية التسامح في أننا نتوقع من الناس الذين يقعون تحت ضغط معين أن ينحرفوا بطرق محدودة وفي مدى معين قد لا يسمح بها في الظروف العادية.

3- التقييد أو التضييقRestriction :

تحديد أو تضييق حدود العلاقة إذا تطلب الأمر لكي يستطيع الفرد موازنة حركته بين العديد من الأدوار والمراكز التي يشغلها، الأمر الذي يؤدي إلى تخفيف التوترات والابتعاد عن السلوك المتضارب أو الانحرافي. ويضيف “بارسونز” إلى ذلك ما اسماه “ضوابط العلاقات” وهو يميز بين نوعين من هذه الضوابط هما:

الأول: العلاج النفسي.. فعندما تفشل عملية التنشئة الاجتماعية أو يثبت قصورها في القيام بوظيفتها فإنه يمكن للمعالج النفسي أن يقوم بدفع الفرد مرة أخرى إلى مسايرة معايير المجتمع.

الثاني: التنظيم أو عملية التكوين النظامي.. غالباً ما يرتبط الفرد بأنشطة متعددة، وبناءً على ذلك تكون له علاقات اجتماعية بعدد كبير من الناس ويستطيع الفرد أن يمارس نشاطاته تلك بنجاح ضمن إطار تلك العلاقات حينما يقوم بإعداد جدول أعمال زمني لمختلف المهام ويحدد اولوياتها بذلك لا يتداخل نشاطه مع واجبات الآخرين.

وبالإضافة إلى هذه الضوابط أو الميكانيزمات الضابطة يرى “بارسونز” أن النسق الاجتماعي يشتمل على مكونات معينة يمتثل لها الناس وتعد بمثابة ضغوط اجتماعية خاصة، وميّز بين نوعين منها: الأول: هو نمط المواقفSituations ، حيث أن التعرض للضغط غير العادي يدفع الفرد إلى مسايرة معايير ومستويات معينة في النسق الاجتماعي، مثال ذلك عدم إحساس الفرد بالأمن يمكن أن يدفعه إلى إتباع الطقوس الدينية أو السحرية، فردود الفعل التي تثيرها هذه الضغوط تتميّز بخاصية الضبط. والنمط الثاني كميكانيزم للضبط الاجتماعي هو ما أسماه “بارسونز” بالنظام الثانويSecondary Institution كفئة الشباب التي تعد نظاماً مكملاً للنظام التربوي الأساسي وصمام أمان في المجتمع. ويضيف ميكانيزماً آخر له أهميته في ضبط العلاقة بين الأنساق الفرعية للمجتمع الكبير وفي ضبط العلاقات الشخصية وهو ميكانيزم العزل، ففي مجال العلاقات الشخصية مثلاً تعتبر اللباقة ميكانيزماً عازلاً.

x