كتاب النظرية التربوية الإسلامية – النسق التكويني الكلي

النظرية التربوية الإسلامية – النسق التكويني الكلي

 

كتاب النظرية التربوية الإسلامية - النسق التكويني الكلي

 

 

 

 

تأليف : عدنان خطاطبة

دار العلم والإيمان

2020
 
 
 
 

مقدمة الكتاب

هذا الكتاب، بحجمه الكبير، متخصص بتنفيذ مشروع بناء النظرية التربوية الإسلامية الذي قام الباحث بتصميمه خلال سنوات عدة من البحث المعمق والمراجعة العلمية والميدانية الشمولية، وقد أودع تصوره لهذا المشروع في كتاب سابق من الحجم المتوسط يحمل مرسوم مشروع بناء وتصميم النظرية التربوية الإسلامية.
 
وفي هذا الكتاب، يقدم الباحث ما يمكن أن يطلق عليه “الجسم” المشكل للنظرية التربوية الإسلامية، أو “الجهاز” المكون للنظرية التربوية الإسلامية . بحيث تبدو نظرية تربوية إسلامية واقفة لها كيانها، وقائمة لها شخصيتها المتكاملة، بها يقدم صورة واضحة عن معالمها وطبيعتها وتكويناتها وعملياتها ووظائفها، ويترك المرونة مفتوحة للتطبيقات والوظائف المعاصرة والمستجدة.
 
ويمكن القول، إن الاشتغال ببناء النظرية التربوية الإسلامية وتصميمها في العصر الحديث، يعد أعلى مستوى تنظيري يمكن القيام به في حقل التربية الإسلامية، ويعد “أم” الحاجات البحثية فيه كذلك؛ لأنه باستقرار النموذج الذي يمثل النظرية التربوية الإسلامية، يمكن القول بأن التربية الإسلامية قد أصبح لها جهازها المركزي الذي ترتبط به جميع تفريعاتها ومجالاتها ومساراتها النظرية والعملية، وتصدر عنه، وترجع إليه، لكونه يشكل الدليل والمعيار لها.
 
وتعد النظرية التربوية الإسلامية نوعا من الهندسة المنهجية والتنظيمية والمعرفية لحقل التربية الإسلامية، وميلادا لوجودها المنظم، وهيكلها البنيوي، ولشخصيتها المستقلة، ولهويتها الخاصة، ولدورها الفاعل، وحركتها المرنة. 
 
من هنا، يحتاج التنظير في ميدان النظرية التربوية الإسلامية إلى الخطاب التأسيسي المركز على ما يشكل بنيتها الكلية، ومفاصلها الرئيسة، وحلقاتها الجامعة، بعيدا عن الذهاب في التفصيلات والفرعيات والتشتت والعشوائيات، بل لا بد أن تكون كل مراحل التنظير آخذة “بحجز” بعضها بعضا، بحيث يؤدي أي ارتجاج علمي أو خلل بحثي في جنباتها إلى حدوث تصدع منهجي في كل كيان النظرية التربوية الإسلامية.
 
والحقيقة، أن عملية تصميم النظرية التربوية الإسلامية، والانتقال إلى خطوة بنائها، لم يكن بالعمل السهل مطلقا، فقد استغرق ذلك من الباحث سنوات من التفكير والتأمل والاجتهاد، والبحث وإعادة النظر، والمشاورة والمداولة والقراءات المطولة والمراجعات المستمرة حتى خرج بمقاربة تنظيرية تمثل التصور العلمي للنظرية التربوية الإسلامية، تمت بناء على اتباع منهجية علمية صارمة، وواضحة المسارات البحثية، ومقننة في عملية الانتقال من کیان إلى كيان آخر، وبطريقة منسجمة مترابطة، بحيث يبنى اللاحق على قاعدة السابق، ويظهر أثر السابق في اللاحق.
 
ولا يمكن بحال أن نصف عملا ما بأنه يمثل النظرية التربوية الإسلامية إلا بأن يكون هذا العمل يقدم تصورا نسقيا إبنية النظرية التربوية الإسلامية، بحيث تظهر کیاناتها كاملة بشكل منتظم، وتتم تفاعلاتها الميدانية بناء على تكويناتها التأسيسية، وتلتزم بأطرها المرجعية المعتبرة في كل ذلك.
 
وفي هذا الكتاب، يقدم الباحث النظرية التربوية الإسلامية، ضمن بنية من التكوينات، تشكلت في كيانات أربعة، ذات أرضية موحدة، ونسقية جامعة. بحيث بدت هذه التكوينات الأربعة كقطعة واحدة، رغم اختصاص كل كيان منها بلون علمي ووظائفي مميز له، وتشكل في مجموعها بناء النظرية التربوية الإسلامية. وهذا ما يميز طبيعة التنظير المنهجي للنظرية التربوية.
 
وإنه لمن المهم الإدراك لطبيعة الكتابة في النظرية التربوية ومستواه ونمطه العام. ذلك أن الكتابة في النظرية التربوية الإسلامية يرجع إلى تفهمنا وتصورنا للنظرية وموقعها في المنظومة التربوية. فالنظرية التربوية تأتي في قمة المواقع المشكلة لمنظومات ومكونات التربية، فهي الإطار التربوي التصوري الجامع، والذي يشكل النظرة التربوية الكلية، ومنه تنبثق بقية الكيانات والمجالات التربوية وتقع في منطقة دونه.
 
فالنظرية التربوية أعلى موقعا وأجمع تصورا من أصول التربية والمناهج التربوية والعلمية التعليمية والنظام التربوية وغيرها من مفاهيم ومكونات التربية. وبناء على ما تقدم، فإن طبيعة الكتابة في النظرية التربوية الإسلامية ومستواها، أي التنظير للنظرية التربوية الإسلامية لا بد أن يكون في مستوى من الخطاب التربوي الذي يركز على الكليات والأساسيات والخطوط الجامعة والمفاهيم الرئيسة والأطر الناظمة، التي تؤدي إلى قنوات تطبيقية ميدانية واسعة.
 
ويرجو الباحث، أن يفتح هذا الكتاب المجال أمام عشرات من الدراسات العلمية التي يمكن أن تتناول أيا من الكيانات الأربعة المشكلة لبنية النظرية التربية الإسلامية أو إحدى حقائقها المعرفية ثم تتوسع فيه بحثا نظريا وميدانيا. وهذا ما تسمح به طبيعة التنظير المقدم في هذا الكتاب. فهو يشكل مرحلة قابلة الأن تتبعها مراحل وحلقات عديدة.
 
لقد أخذ إنجاز هذا العمل العلمي جهدا بدنيا كبيرا، وإجهادا عقليا شديدا، ووقتا غير مستقطع مستمرا، كل ذلك؛ رجاء خدمة حقل التربية الإسلامية، وبناء علومها الأكثر إلحاحا وحاجة، ذلك لأن التربية الإسلامية لمتحظ بها حظيت به علوم الشريعة الأخرى في حضارتنا الإسلامية، حيث كان الاهتمام أكثر بالتنظير لعلوم أصول الدين والفقه وأصوله. ولا يمكن بحال أن نرى الغرب يتقدم عن المسلمين، وتتقدم جامعات وكلياته التربوية مسافات هائلة في الحقل التربوي، وتقدم نظرياتها التربوية والنفسية المختلفة، دونما أن تكون لنا بصمة ممثلى في هذا الميدان الإنساني والمجتمعي الكبير.
 
وقد يجد القارئ لهذا الكتاب في مواضع عدة، أن المؤلف في كتابته العشرات الصفحات لا يرجع فيها لمراجع أخرى. وذلك بسبب أن هذا العمل جديد، وقائم على تأسيس وتقديم المعلومات و معارف تمثل رؤية إسلامية تربوية أصيلة. والله، صاحب الفضل، يعلم الجهد المبذول، وطاقة التفكير المعتصرة.

رابط الكتاب

x
Scroll to Top