تجربة حرب تموز أنموذجا
تحاول الكاتبة من خلال الكتاب الدراسة أن تجيب عن سؤال إلى أي مدى تركت حرب تموز 2006 آثاراً سلبية على الطفل اللبناني؟ تقول في ظل ضآلة الدراسات التي تناولت آثار صدمة الحروب عند الأطفال، وما تتطلب هذه الدراسات من جهود وأموال وإعداد لوجستي، كان الرسم الحر والتعبير الكتابي كتقنيات بحثية وتشخيصية، بسيطة وغير مكلفة، قد تساعد الأطفال على ترميم جراحهم النفسية وتنمية مواهبهم الفنية .
قبل الغوص في الإجابة عن السؤال الأساسي . تعود الباحثة لتطرح تساؤلات عدة، لعل أهمها إلى أي حد سوف تستمر الآثار السلبية لحرب تموز في الأطفال؟ هنا تأتي الدراسة التي أجريت بعد تسعة أشهر من توقّف الحرب، لتكشف عمّا خلفته هذه الحرب من آثار سلبية على الأطفال، في الصف الخامس الأساسي في مدارس الضاحية الجنوبية (لتعرّض هذه المنطقة للقصف الجوّي الإسرائيلي)، بالمقارنة بأطفال بيروت بشقّيها الشرقي والغربي .
عن حدود الدراسة تقول جورية فواز وقع الاختيار على هذه المرحلة العمرية (يصل متوسط أعمارهم إلى تسع سنوات) لأنه باستطاعة هؤلاء التلاميذ التعبير عن أفكارهم ومشاعرهم بشكل عفوي وصادق، ما يساعد على معرفة ردّة فعلهم ومدى تأثرهم بالحرب وتشخيص حالاتهم للوصول إلى فهم أفضل لآثار الحروب فيهم . وقد وصل عدد التلاميذ إلى 269 طفلاً (111 في بعض مدارس بيروت الجنوبية و158 في بيروت بشقيّها الشرقي والغربي) . أما أدوات البحث فتمثلت في مقابلة الأطفال والملاحظة واختبار التعبير الكتابي ومفهوم الحرب والسلام والرسم الحر .
وتضم الدراسة مقاربتين (مقاربة نظرية وأخرى ميدانية) . تقوم المقاربة النظرية على فصلين، الأول يتناول قلق الصدمة أو اضطراب ضغوط ما بعد الصدمة وآثار الحرب في الأطفال . وفي الفصل الثاني تتناول الرسم الحر للكشف عمّا يجري في داخل الأطفال من مشاعر وانفعالات، إضافة إلى لمحة بسيطة عن التعبير الكتابي كتقنية تشخيصية مساعدة . أما الباب الثاني يتضمن فصلين، فالأول يتناول الكشف عن العوامل المؤثرة في الأطفال وردّة فعلهم سواء أكانت سلبية أم إيجابية، وتتطلب دراسة هذه الآثار بحثاً علمياً يحدّد المشاكل الناجمة عن الحرب وانعكاساتها النفسية والتربوية . وهناك الفصل الثاني الميداني المخصص لمناقشة النتائج وتفسيرها .
ما الأثر الذي يتركه اضطراب ضغوط ما بعد الصدمة؟ تخلص الباحثة إلى القول هذا الاضطراب هو الأرضية العامة التي قد يتولّد منها الكثير من مشكلات التكيّف واضطراب السلوك وتدنّي التحصيل المدرسي . تتابع بالقول إنّ ردات فعل الطفل تختلف من منطقة إلى أخرى، ومن مرحلة نمو إلى أخرى، فمثلاً بعض الأطفال قد يصبح مفرط الحركة، وبعضهم الآخر قد يبكي ويخاف، ومنهم من يهرب باستمرار من المدرسة أو يعبّر عن معاناته باللعب المفرط أو الثرثرة . فلا بد أن نترك للولد فرصة لتأخذ ردّه فعله مداها، والأهم من ذلك يجب أن يتعلم الطفل كيف يتكيّف مع الظروف لكي يعي أن ألمه مرئي ومسموع . وأنّ الراشد جاهز لفهم ما يشعر به الطفل، لأنه إذا ما أحسّ بالأمان فإنه قد يهدأ ويبدأ بالتعبير عن الحادث . هذا الأمر قد يساعد على المدى الطويل في السيطرة على الأزمة وتجاوزها بخلاف النظرة التي تقول بأن نبعد الطفل عن صدمات الواقع .
هنا يأتي البحث عن دور تقنيتي الرسم الحرّ والتعبير الكتابي في الكشف عن تلك الآثار، حيث تشرح الباحثة بإسهاب أهمية الرسم الحر في العملية التربوية، باعتباره من أهم الوسائل التشخيصية والتفريغية التي تساعد على تحديد معاناة الطفل وفهم ما لديه من مشاعر مؤلمة، كذلك في التعبير الكتابي العفوي من خلال النص، فإن الطفل يعبّر عن معاناته ومشاعره مثل قلق الصدمة وعلاقته بالحرب . فالطفل يسقط مشاعره وأفكاره في الرسم وفي الكتابة .
وفي الباب الثاني من الكتاب تتناول الباحثة المقاربة الميدانية من خلال عرض نتائج الاختبارات التي تمثلت في الرسم الحر والتعبير الكتابي، والسعي لإيجاد الحلول المناسبة والمرتبطة بواقع الطفل المعيش .
وتذكر الباحثة أن الرسوم تضمنت آلات حربية ومواقع قصفت إلى جانب المنازل المدمرة والجثث والقتلى، وأبرز الأشخاص الذين ظهروا في رسوم الحرب هم الأطفال أنفسهم، حيث رسموا أنفسهم وعبّروا عن معاناتهم في الحرب . كما تبين من خلال نتائج الدراسة . أما في التعبير الكتابي، فأظهرت النتائج وجود فروقات دالة بين المناطق، وذلك لأمنية الأطفال بين الفئات الثلاث وهي أن تتوقف الحروب، أن يعمّ السلام في كل العالم لدى أطفال الفئتين الثانية والثالثة . بالمقابل هم يخافون من حرب جديدة بنسبة مرتفعة، وهذا مؤشر إلى الأثر النفسي السلبي لصدمة الحرب واستمرار الخوف والقلق . وأما بالنسبة إلى مفهوم السلام، فكانت أفكارهم تتمثّل في اتحاد الأديان والطوائف والوحدة الوطنية والتكاتف الاجتماعي والحق في اللعب .
وتخلص الباحثة في الخاتمة العامة للكتاب إلى استنتاج مفاده بروز أعراض شبيهة لدى الأطفال شبيهة باضطراب ضغوط ما بعد الصدمة، كالقلق واستمرار الخوف والبكاء والدعاء لوقف الحرب واضطراب النوم، إضافة إلى التأخّر في التحصيل الدراسي .