قراءة في كتاب”روح الفلسفة المسيحية في العصر الوسيط” لإتين جلسون – يوسف المرابط

قراءة في كتاب"روح الفلسفة المسيحية في العصر الوسيط" لإتين جلسون - يوسف المرابط


قراءة في كتاب“روح الفلسفة المسيحية في العصر الوسيط لإتين جلسون

ترجمة وتعليق إمام عبد الفتاح امام،الناشر مكتبة مدبولى،
الطبعة الثالثة،1994م.

   تشكل لحظة
العصر الوسيط  لحظة أساسية من لحظات تاريخ
الفلسفة، ونظرا لمحاولة التوفيق  بين
الفلسفة والدين في هذه الفترة، فان الأمر خلق لنا جدالا واسعا بين المؤرخين
والفلاسفة حول أحقية تسمية فلسفة هذا العصر بالفلسفة المسيحية،مما أدى بالباحث
الفرنسي “اتين جلسون” إلى كتابة كتاب بعنوان “روح الفلسفة
المسيحية” لإعادة الاعتبار لهذه الفلسفة وليكشف عن التعديلات والإضافات والأفكار
الجديدة للفلاسفة المسيحيين وهذا ما يدفعنا إلى طرح الإشكالات التالية:هل
الفلسفة المسيحية مجرد ترديد لأقوال اليونان آم أنها فلسفة جديدة في الساحة
الفكرية؟وما هي أهم الأفكار والإضافات التي جاءت بها هذه الفلسفة؟وإلى أي حد تستحق
أن يكون لها مكان في تاريخ الفلسفة وفي تطور الفكر النظري؟وهل هناك روابط بين المسيحية
والفلسفة؟وما الذي يبرر أقوال الفلاسفة المسيحيين عن أن تكون مجرد تشويه للفكر
الخالص بالمقولات الدينية؟

         لقد
جاءت الفلسفة المسيحية بمجموعة من الأفكار لم تكن عند اليونان، ومن بينها فكرة الإله
الواحد، لأنه إذا عدنا إلى  أفلاطون سنجده
يستبعد إلهة الأفلاك في محاورة طيماوس ويرى بان الألوهية توجد في المثل الأزلية والأبدية،
كذلك أرسطو ترك وصية يوصي فيها بان توضع صورة أمه في معبد دميتر، وأوصى أيضا بان
يتم تشييد تمثالا من الرخام في استاجيرا احدهما لزيوس كبير الالهة والاخر للالهة
أثينا، وحتى المحرك الأول عنده لا يمكن أن يكون هو الله الواحد لأنه محرك تندرج
تحته 49 محرك أزلي مفارق  أخر.هذا كله يوضح
مدى جدة فكرة الله الواحد.

 هناك أفكار أخرى
جديدة من بينها فكرة الموجودات الحادثة أي المخلوقة التي لم تكن عند اليونان، فهذه
الموجودات خلقت من عدم عكس ما كان عند اليونان الذين يعتبرون بان لا شيء يولد من
عدم، وذلك حسب مبدئهم الذي يقول “اللاشيء من اللاشيء”،وحتى إذا أراد أن
يقول قائلا بان هذا الإله هو ذلك الصانع عند أفلاطون فان الأمر غير ذلك، لان الله
المسيحي يخلق من عدم والصانع الأفلاطوني يصنع من مادة.كل هذه الأفكار وأخرى سنشرع
في تقريبها أكثر في الفصول أسفله كما قدمها اتين جلسون.

الفصل الأول: مشكلة الفلسفة

تتمثل المشكلة هنا في السؤال التالي: هل هناك
معنى حقيقي لتعبير الفلسفة المسيحية؟ وهل يمكن الجمع بين الفلسفة والدين دون
الوقوع في التناقض؟

هناك ثلاث فئات تثير الشك في إمكانية وجود
فلسفة مسيحية:

أولا:المؤرخين الذين
يقررون العصور الوسطى كواقعة تاريخية لم تكن لها فلسفة، وكل ما هناك شذرات متفرقات
من الفكر اليوناني اريد لها أن تتفق بشكل مفتعل مع اللا متناهي المسيحي.

ثانيا:الفلاسفة الذين
يبررون ما يقوله المؤرخون وفي رأيهم أن فكرة الفلسفة المسيحية فكرة متناقضة
ومستحيلة لأن العقل (الفلسفة) له ميدانه الذي يختلف تمام الاختلاف عن ميدان النقل
(الوحي أو الدين). وكما انه لا يوجد لا علم طبيعة مسيحي ولا علم رياضة مسيحي، فإنه
لا توجد أيضا فلسفة مسيحية.

ثالثا:الاسكولائيين
المحدثين الذين كانوا يعتقدون أن ميدان الفلسفة هو العقل وهي تابعة للاهوت، ولذلك
اعتبروا بان تيار الاوغستينية يبدأ من الإيمان الذي ينشد التعقل وهذا فيه تدمير
للفلسفة، فهذا التيار(الاوغسطينية) كان قد ثار في جميع العصور ضد التوماوية التي
تبدأ من العقل، واعتبروها وثنية مثل فلسفة أفلاطون وأرسطو.

المدرسيون المحدثون: يعتبرون بان
الفلسفة تبدأ من مقدمات عقلية خالصة لكنها تابعة للاهوت، والفلسفة تتفق مع الإيمان
لأن العقل يؤدي إلى حقائق، والوحي مجموعة من الحقائق، والحقيقة لا تناقض الحقيقة.

حجة المؤرخين على القول الذي يفيد عدم وجود الفلسفة
المسيحية تتمثل في كون المسيحية عملية، وبالتالي فهي تخلو من كل عنصر نظري، لكنها
حجة خاطئة فلو أخذنا بها يجب أن ننكر كل الاناجيل، وان ننكر ارتباط المسيحية
باليهودية، وكذلك الأفكار الموجودة في التوراة على الله والإنسان والعالم. وعلينا أيضا
أن نحذف الكثير من الأمور من الفلسفة الحديثة التي أتتها من العصر الوسيط ومنها
براهين روني ديكارت على وجود الله وخلود النفس، وفكرته عن الإله الذي خلق الأشياء
من العدم، وان نزيل أفكار مالبرانش الذي يلوم العصور الوسطى لأنها لم تعلي من قدرة
الله بما فيه الكفاية، وكذلك علينا أن ننكر فلسفات كل من تأثر بالعصر الوسيط
المسيحي ومنهم باسكال وليبنز وكانط.

الفصل الثاني:فكرة الفلسفة المسيحية

يبدأ هذا الفصل بالسؤال التالي:ما الذي يجنيه
الفلاسفة من اتجاههم نحو المسيحية؟ للإجابة عن هذا السؤال حسن جلسون سنعود إلى
واحد من أوائل الفلاسفة المسيحيين وهو القديس بولس الذي لم يكن ينظر للمسيحية على
انها فلسفة، بل انها دين وطريق للخلاص، ويرى بان من يمتلك حكمة الدين يمتلك كذلك
حكمة العلم والفن والفلسفة، أي أن الدين يمتلك في جوفه على حكمة لكن هذا دون دليل،
وبالتالي سنعود إلى القديس جوستين، فهو بدأ من الوثنية وانتهى إلى القول بان
المسيحية هي الفلسفة الحقيقية، وانه حينما أصبح مسيحيا أصبح فيلسوفا، فقد أعجب بأفلوطين
وظن بأنه وجد لديه الحقيقة الكاملة فأمن بالمسيحية، انتقل من مذهب فلسفي إلى أخر
اعتقادا منه أن كل مذهب لديه شيء من الحقيقة (مشائية، فيتاغورية).ويقول فيلوا
اليهودي بهذا الصدد بان الفلاسفة اخذوا الحقيقة من التوراة ومزقوها في مذاهب
متضاربة.

الاختلاف هنا كان حول التسمية بين الاتجاه
الذي يعتمد العقل وحده ،وينكر إمكانية وجود الفلسفة المسيحية، واتجاه أخر يقول بان
الإيمان يمكن أن يقوم بدور المبدأ الداخلي الذي ينظم المذهب.لكن يبقى الأساسي عند
الفلسفة المسيحية هو الوحي لأنه ضروري ليتمكنوا الفلاسفة من بلوغ الحقائق،
فالفلسفة الحقة هي تعاون بين العقل والوحي، ومعرفة الله ومعرفة النفس تلك هي
الحكمة الحقيقية.

تعريف الفلسفة المسيحية:هي الفلسفة التي
تعتبر الوحي المسيحي عاملا مساعدا ضروريا للعقل رغم انها تجعل العقل والوحي
منفصلين صوريا. ومن سمات الفيلسوف المسيحي انه يختار مشكلات معينة يدرسها من بين
المشكلات الفلسفية، اما بقية المشكلات فهي لا تثير عند سوى حب الاستطلاع.

الفصل الثالث:الوجود وضرورته

يعترف كوندرسيه العدو اللذوذ للعصور
الوسطى بفضها في إضفاء الدقة على الأفكار الميتافيزيقية، حيث كان حجر الزاوية في الميتافيزيقا
هو الوجود الضروري أو الله أو الوجود الأسمى، كلها تسميات للاسم المناسب للوجود الذي
هو الله، لكن هذا الإله وجوده فريد لا ينطبق على أي وجود أخر، معنى ذلك أن الله
واحد لا شريك له.

فكرة التوحيد لم يعرفها اليونان ( زينوفون
امباذوقليس) حتى أفلاطون كان يؤمن بتعدد الآلهة، والتقريب بين الصانع الأفلاطوني و
الله المسيحي تقريب خاطئ، ونفس الشيء مع أرسطو حيث كان يوصي بان توضع أيقونة لامه
في معبد الاله دميتر، وبان يشيد تمثالان لزيوس وأثينا إلهة الحكمة، وفكرة المحرك
الذي لا يتحرك لا تنطبق أبدا مع الفكرة المسيحية عن الله، لان هناك 49 محركا أو 55
كلها مفارقة لا تتحرك، فلم يكن عند اليونان فكرة واضحة عن طبيعة الله ولهذا امنوا
بتعدد الألهة. تصور افلاطون بصدد ماهية (الله) الصانع يتجلى في فكرته عن تناسب
الالوهية مع الوجود، والوجود الكلي في محاورة السوفسطائي ليس هو الله. فعند
افلاطون هناك درجات الالوهية أما في المسيحية فليس ثمة سوى الله الذي لا شريك له.
كما أن الموجودات لا يمكن أن تكون على درجة كبيرة آو صغيرة من الالوهية، والفارق الأساسي
يتجلى في كون  أفلاطون لم يطلق كلمة الوجود
على الله وحده، ذلك أن الإله الصانع ليس هو الوجود والالوهية المنتشرة في موجودات
كثيرة، كذلك أرسطو كان الضروري عنده هو الجمع عكس المسيحية الذي كان هو المفرد،
وبالتالي لا يمكن ان يقول بالإله كالإله المسيحي فهو يؤمن بتعدد الآلهة، ووجود
الوجود عند أرسطو لا يعتمد على وجود الله لان العالم أزلي(المحرك الأول).

الصانع عند افلاطون والمحرك الأول عند أرسطو
لا يتصفان بصفة الخلق التي كانت عند الفكر المسيحي، لكن كانت لديهم فكرة الحدوث
والعرضية، فالكثير يصدر عن الواحد عند أفلاطون، والموجودات عرضية بالنسبة للمحرك الأول
عند أرسطو. ومن ثم فان الحركة هي فعل ناقص يتجه إلى الكمال عند المسيحيين، وحركة الأشياء
تعني نقصها أي حدوثها أو عرضيتها، معنى ذلك أن كل شيء باستثناء الله يمكن ألا
يوجد.

كلمة الوجود عند المسيحية تدل على ماهية الله
وذلك يعني أن الماهية والوجود متحدان في الله، وصفات هذا الوجود هما الكمال
واللاتناهي، وكل صفة تتضمن الأخرى وهو مكتفي بذاته. وخاصية الإله المسيحي
الوحدانية، وهذه الفكرة لا توجد بمعزل عن طبيعة الله.الفلسفة المسيحية إذن تؤكد الأولوية
الميتافيزيقية للوجود وتوحد بين الماهية والوجود في الله، وهذا الأخير هو الوجود
الكلي الشامل وهو الوجود الحقيقي الذي لا يتغير، وكل شيء أخر لا يستحق اسم الوجود
وهذا ما يشبه المثل الأفلاطوني. هكذا فان الكون في المسيحية مخلوق من عدم وهو يتجه
باستمرار إلى السقوط في العدم لولا فعل العطاء المتصل الذي يحفظه.

الفلاسفة المسيحيين يشقون طرق مختلفة للبرهنة
على وجود الله:

الطريق الأول:الوضوح العقلي لفكرة الله التي
تعني أن الوجود الحقيقي لابد أن يقابل وجود فعلي.

الطريق الثاني:يبدأ من فكرة في النفس البشرية
نحو وجودها، يعني أن هناك كائنا هو الذي وضعها.

الطريق الثالث:هو المنهج التوماوي  الذي سيظهر فيما بعد.

اللفصل الرابع: الموجودات وحدوثها

تغيرت نظرة الإنسان إلى علاقة الله بالعالم
هي التي نتجت عنها تعدد البراهين على وجود الله، فنجد عند القديس بولس البرهنة على
وجود الله من خلال أعماله، وكذلك نجد بان هناك من برهن عليه من خلال النظام، ثم نجد
ايضا من برهن على ذلك من خلال الحركة ، وهذه البراهين كلها اجمعها توما الاكويني
في خمسة براهين (برهان الحركة؛ برهان العلة الفاعلة؛ برهان الممكن والواجب؛ برهان
التدرج في الكمال، برهان النظام). وبرهان العلة الفاعلة قائم على الخلق آما عند أرسطو
فهو قائم على التسلسل السببي.

واهم الاختلافات التي يمكن استخلاصها من هذه المقارنة
بين اليونان والمسيحيين تتمثل في كون اليونان ينظرون إلى “الإله” على
انه علة كل شيء ما عدا الوجود، واعتبروا بان العالم تشكل وتحرك منذ الأزل، وبان
هناك غائية داخل الأشياء.أما المسيحيين فيعتبرون بان الله هو علة الوجود وهو
الوجود نفسه وعلته هي ذاته، وان العالم حادث ومخلوق، كما اعتبوا بان هناك غائية
مفارقة فالغائية الإلهية هي التي ترسم غائية الأشياء.

الفصل الخامس: العلية والمماثلة والغائية

فكرة العلية عند الفلاسفة المسيحيين تعتمد أساسا
على فكرة الوجود، فإذا قلنا إن الله هو الوجود الضروري، وان الأشياء موجودة أيضا
لكنها عابرة أو حادثة، ويمكن أن توجد أو لا توجد، لكن اذا كان الله هو الوجود
الكامل الحقيقي الخالص:ألا يكون من المستحيل أن نتخيل وجود أخر غيره؟ هذه المشكلة هي
مشكلة مسيحية محضة، فهي لم تظهر عند اليونان فالعالم مع أفلاطون وأرسطو موجود مع الآلهة
منذ الأزل.

العلية في هذا العصر إذن تعني أن الموجودات
ليس لها علة كافية سوى الله.ويمكن القول بأنها وجود شيئين ينتقل شيء ما من الأول إلى
الثاني، وهنا علاقة عميقة بين العلة والوجود بحيث قبل أن تكون علة لابد لها من أن
توجد. فالإنسان يمارس العلية على أنحاء ثلاثة: الأولى لجسم مادي؛ الثانية لجسم
عضوي؛ الثالثة كموجود عاقل. وهذه الأخيرة هي التي تميز العلية الأصلية البشرية
والتي تعني النشاط الذي يوجهه العقل، أي النشاط الذي نعرف مقدما نتائجه، ومن هنا
ظهرت فكرة الإنسان الصانع، فلكي يكون الإنسان علة لابد له من أن يوجد أولا، ولكي
يوجد لابد له أن يؤثر أي أن يكون علة. والعلل أنواع والعلة الأولى هي الله،
والثانية هي الإنسان، والثالثة هي الموجودات الطبيعية، والعلة لأولى أساسية باقية أما
بقية العلل فهي ثانوية.ذلك لان الله هو الذي يهب الأشياء الوجود فهو يخلقها من
عدم. والعلية تنقلنا إلى فكرة المماثلة لأنه إذا كانت العلية تعني انتقال جزء من أ
إلى ب، فان ذلك يعني أن المعلول ب لابد أن يكون مماثلا للعلة أ وهذه الفكرة موجودة
في الحس كما هي موجودة في العقل، فالنبات ينبت نباتا والحيوان ينسل حيوانا مثله.

ما هي الغاية من فعل الخلق مادام الله يمنح
لكل الأشياء وجودها؟ الرب خلق الكل لغرضه، فالغاية هي الذات الإلهية التي هي
المبتدأ والخبر، البداية والنهاية، وهناك مراتب للغائية، فنجد الإنسان ثم الحيوان
ثم عالم المعادن لكن كل الأشياء تظل من حيث الأساس بقايا خلفها الخلق الإلهي مهما
تغيرت نظرتنا للكون.

الفصل السادس: التفاؤل المسيحي

هناك من اعتبر بان المسيحية تشاؤمية تدعوا إلى
اليأس من العالم، وهذا الأخير مفعم بالخطيئة وهو فاسد من جذوره وهذا واضح عند
القديس بطرس دمياني والقديس برنار.ومن ثم فهل المسيحية كانت تشاؤمية فعلا؟

نجد في سفر التكوين(الكتاب المقدس) الأساس الأول
في التفاؤل المسيحي حين يقول “كل ما خلقه الله حسن جدا” واعتبرت الفرق
الغنوصية بان الشر الموجود في العالم من نصيب شريك أخر يوجد مع الله، وقامت بهذا
من اجل إعفاء الله من الشر. ذلك لان الله عند المسيحيين هو الوجود الرسمي وهو
الخير، إذن ضده هو العدم وهو الشر، وهكذا تكشف المسيحية عن الطابع السلبي العرضي
للشر وتعطينا الأمل في إمكان التغلب عليه. وتقول بأن الأشياء تتفاوت في مراتب
الخيرية وهذا التفاوت يمكن أن يكون بمعنى ما شر. كما تعتبر بان الروح هي التي أدخلت
الشر إلى العالم بعصيانها لله فجعلت الجسد يموت.

مشكلة الشر عذبت اوغسطين في شبابه فاعتنق
المانوية تسع سنين، ثم تركها واعتنق الافلاطونية الجديدة التي فسرت الشر بانه مصدر
المادة لكن ذلك ليس حلا لان اله افلوطين ليس خالقا واختزال المادة إلى حدها الأدنى
لا يجعلها شرا لأنها لا تكون عدما بل وجود، فهي إذن خير.

مشكلة الشر الأخلاقي (معاناة البشر وعذابهم)
تحل عن طريق حرية الإرادة، فالإنسان موجود عاقل ذو إرادة(حر)، وإساءة استعمال هذه الإرادة
الحرة جلب الشر الأخلاقي إلى العالم حين وقع الإنسان في الخطيئة الأولى، وسمى
خطيئة لان الإنسان جلب الاضطراب إلى النظام الإلهي أما عند اليونان كان الشر هو
انحراف الإنسان عن طبيعته العاقلة، إذن الشر تمرد على الله وتفضيل للنفس الإنسانية
عن الله، وبالتالي تحرم هذه النفس بعد ذلك من السعادة ويتم الحكم عليها بالشقاء.إذن
فالإرادة الحرة هي سبب الشر كما يعتبر اوغستين.

الفصل السابع: مجد الله

الفلاسفة المسيحيين لهم مبدأ أساسي وهو لا
شيء يوجد مستقل عن الله، فالأشياء لا توجد إلا بفضله وتستمر في الوجود بفضله لكن
الموجودات مع ذلك فإنها تملك وجودا خاصا بها وتستمتع بجميع الصفات المترتبة على
الوجود ومن بينها الفاعلية والسببية.

في كتاب الاعترافات لاوغستين يبدو مجد الله
واضحا: ولأن الله حسبه جميل كانت الأشياء جميلة، ولأنه خير كانت خيرة، ولأنه موجود
كانت موجودة.هكذا يرى عظمة الخلق. كذلك توما الاكويني يعتبر بان الكون خير لأنه
جاء من الوجود الخير (الله). فالأوغسطينية والتوماوية تعبران معا عن مجد الله، وان
هبة الوجود هي أساس كل الهبات، وهذا المجد هو غاية الأشياء وهي مبدأها أيضا. نجد
أيضا القديس بولس يرى بأننا شركاء الله في العمل أي أعوانه وهذا لا ينقص من عظمته.

الفصل الثامن: العناية الإلهية.

فكرة العناية الإلهية قديمة بقدم أفلاطون،
حيث كان يعتبر هذا الأخير بان هناك آلهة تعنى بشؤون البشر ومن المستحيل رشوتها أو
شراء إرادتها الخيرة،، فمن التناقض وجود آلهة لا تكترث بشؤون البشر، لأن الإهمال
والكسل والتراخي رذائل لا تنسب للآلهة.

العالم عند اوغسطين ليس من صنع قدر أعمى لكنه
من خلق حكمة عليا، ومن ثم فان كل ما هو موجود 
لا يوجد إلا بفضل صورته، والله هو الصورة العليا الساكنة، وهو العناية الإلهية
لأنه هو الذي خلق الأشياء وهو الذي يحفظها.

الحقيقة هي العلم الإلهي، والعلم الإلهي لا
يمكن أن يقف عند حدود الكليات، فالله خلق الأشياء ونظمها، ورتبها وفق غاية معينة
وهذه الغاية هي الله نفسه وهو المبدأ آو النهاية. والله لا يمكن ان يهتم بالكليات
دون الجزئيات، ومن ثم فلا شيء يحرم من العناية الإلهية، فالحيوان يوجه نحو خيره
الخاص، والإنسان يختلف عن ذلك لأنه عاقل حر ولهذا يوجه نفسه.

الفصل التاسع: الانثروبولوجيا المسيحية

إن الإنسان موجود بين غيره من الموجودات لكنه
يمتاز عنها لكونه يشبه الله من حيث الفاعلية 
والعلية.والتصور الذي كان لديهم للإنسان هو تصور روحاني، لان هذا الأخير في
اعتقاد المسيحيين لا يشارك الله ولا يعبده إلا من حيث الروح، لكن كان هناك من اهتم
في الفكر المسيحي بالجسد، ومن بين المفكرين الذين قاموا بذلك نجد بونافنتير وتوما
الاكويني ودانز سكوت إلى جنب اهتمامهم بالروح أيضا.ومن هنا يمكن التساؤل هل الإنسان
نفس فقط أم مركب من روح وجسد؟ هذه المشكلة عرفها الفكر اليوناني، والإجابة التي
يقدمها الكتاب المقدس لهذا السؤال هي أن الإنسان مركب من النفس والبدن، وقيامة
المسيح دليل على قيامة البشر جسدا وروحا، أي بعث الإنسان كله. وقد اعتبر توما
الاكويني بان الإنسان هو النفس التي تستخدم جسما وبالتالي فهو وحدة من النفس
والجسد وهذا ينقلنا إلى الشخصية، ومن ثم فالنفس عند المسيحية خالدة.

الفصل العاشر: الشخصية المسيحية

تجاوزت الفلسفة المسيحية مجال الأخلاق  في اهتمامها بالفرد إلى مجال الميتافيزيقا، لكن
أفلاطون وأرسطو لم يهتما بالفرد، فالأول عند المثل الأبدية والثابتة، والثاني له
طغيان “الكلي”وهو النوع أما الأفراد عنده فتختفي وتزول. أما الفرد عند
توما الاكويني هو الوجود المنفصل عن جميع الموجودات الأخرى، لكنه هو نفسه لا يمكن أن
ينقسم لا هو النفس ولا هو البدن وإنما هو المركب منهما، وجوهرية المركب ترجع إلى
النفس لا إلى البدن، فالنفس هي مبدأ الوحدة في الإنسان وتحطيمها يعني تحطيم الإنسان.
ومن هنا كانت الغاية من خلق الإنسان هي أن يتأمل كمال الله وهو هدف يتم على الأرض
وخلال البعث كذلك، وهذا الأخير يكون للنفس والجسد معا، أي للفرد بأكمله.

التساؤل عن فردية النفس لا يكون جوابه ممكنا إلا
بالارتفاع إلى مستوى الشخصية، وهذه الأخيرة لا تقال إلا على الفرد البشري،
فالحيوان أفراد لكنها ليست أشخاص، والسبب في ذلك وجود العقل في الإنسان، والعقل هو
مبدأ حريته، بمعنى أن ماهية الشخصية هي نفسها ماهية الحرية.فالشخصية والحرية تؤدي
بنا إلى الأخلاق والحياة الداخلية للإنسان المسيحي، ومن هنا فان القديس توما يعلي
من شأن الشخصية ويمدها إلى الله، فهي قمة الكمال التي يصل إليها الموجود الفرد،
وهي تقوم على ميتافيزيقا سفر الخروج- نحن نشارك شخصية الله كما نشارك في وجوده
وكماله.

الفصل الحادي عشر:معرفة الذات والسقراطية
المسيحية

الإنسان عند الفيلسوف المسيحي صورة الله ،
والخاصية الأولى لهذه الصورة هي أنها كلية والمقصود بالكلية هنا الماهية، وبما أن الإنسان
له السيطرة والغلبة مثل الله على أشياء كثيرة فهو حر، والحرية والفكر إذن صورة
الله فينا، وهذه الصورة هي النفس بمقدار ما تتجه إلى الله. ومن ثم نجد توما
الاكويني يعتبر بان النفس هي أعلى نقطة في الإنسان وهي القمة لأنها صورة الله. فان
رأى فلاسفة العصر الوسيط في النفس كان لها أثرها في الفلسفة الحديثة عند ديكارت
ومالبرانش وغيرهم. ذلك أن النفس أو صورة الله أو النور الإلهي هي مصدر فكرتنا عن
اللا متناهي عند ديكارت، وهكذا يقوم الكوجيطو الديكارتي على أسس مسيحية. ومن ثم
فان العنصر المشترك بين سقراطية سقراط والسقراطية المسيحية وهو عداؤهما المشترك
للطبيعة، ذلك أن العلم الحقيقي هو علم الإنسان وليس علم الطبيعة، فليس حكيما من لم
يكن حكيما لنفسه،

الفصل الثاني عشر: معرفة الاشياء

هناك ثلاث تصورات خلال العصر الوسيط في معرفة
الأشياء:

1-التصور الاول: الحقيقة ضرورية وثابتة، والأشياء
الحسية متغيرة فليس فيها إذن حقيقة، واقتربوا من المذهب المثالي (الاوغسطينيون)
تأثروا في ذلك بأفلاطون.

2-هناك تصور ثاني يقول بان اليقين يأتي من الإشراق
الالهي، ومعنى ذلك أن نظرية المعرفة عنده تبدأ من مذهب شكي إلى مذهب إيماني.

3-التصور الثالث: هو أن نرد للعالم الحسي
اعتباره وقيمته وهذا ما فعله دانز سكوت.

الحقيقة تتجلى اذن في تأكيد العقل هل الأشياء
موجودة آم غير موجودة، ومن ثم فالحقيقة توجد  في العقل البشري لكنها توجد بمعنى ما في الأشياء
أيضا، والنظرية المسيحية من الخلق تقتضي أن تكون الأشياء حقيقة واقعية وهي حقيقة
مخلوقة. أضف إلى ذلك أن المثالية الأفلاطونية وجدت مكانا كبيرا لدى المسيحيين
لأنها تتبنى فكرة أن هذا العالم الذي نعيش فيه هو نقطة الانطلاق إلى المثل (الله).

الفصل الثالث عشر: العقل وموضوعه

هناك من فلاسفة العصر الوسيط من ساروا مع الأفلاطونية
وجعلوا الموضوع الطبيعي للعقل هو إدراك المثل. لكن توما الاكويني يرفض هذا التصور
ويتفق مع أرسطو على التجربة، فهو يرى أن هناك علاقة طبيعية بين العقل البشري والأشياء
المادية، فلا يمكن تكوين التصورات دون الأشياء المحسوسة، ولا نستطيع الوصول إلى
الجواهر المعقولة التي تجاوز التجربة الحسية بدون المحسوسات، وما يقال عن الجواهر المحسوسة
يقال عن الله.

 يميل
العقل ميلا طبيعيا نحو الأشياء المحسوسة ومن ثم لا يكون الله هو الموضوع المناسب
للعقل البشري، وهذه النتيجة يتفق عليها كذلك دانز سكوت حيث يرى أن العقل لا يمكن أن
يكون التصورات إلا بالاتجاه إلى الحس، فالإحساس هو الذي يعطي للعقل الدفعة الأولى،
ويؤكد أيضا بان الطبيعة الإلهية تسبق جميع الطبائع الأخرى، والله هو الذي يعرف
ماهيته العقلية، ومعرفة الممكنات ليست على نفس الدرجة، لان رؤية الأحداث العارضة
بالنسبة لله، لاشيء عرضي يمكن أن يكون موضوعا طبيعيا وضروريا للعقل الإلهي، ولا
يمكن أن يكون الله موضوعا لمعرفتنا بفضل قرار الهي حر.

رؤية الماهية الإلهية عند توما وسكوت هي خاصة
بالله ولا يرتفع إليها العقل البشري إلا بعون من الله، إذن فالله لا هو الموضوع الأول
لعقلنا ولا هو الموضوع الطبيعي لهذا العقل.اما القديس بولس فيرى بان معرفة الله
تبدأ من معرفة المخلوقات، فإذا بدأنا بالمحسوسات وصلنا إلى أن الله علة العالم،
لكن العقل البشري لا ينفذ إلى الماهية الإلهية بما هي كذلك هناك هوة بين الله
والعقل، الله وحده هو الذي يستطيع أن يتخطاها، لكن العقل  البشري مهما بلغ ضعفه فهو قادر على التمثل.

الفصل الرابع عشر:الحب وموضوعه

المسيحية تدعو إلى الزهد وهذا ايجابي وله
مقابل أي له الجزاء، فنفور الإنسان من كل خير جزئي يعني الاشتياق إلى الخير الكلي
الكامل، والزهد هنا هو السعي إلى الله عكس الزهد اليوناني فهو سلبي ومن دون هذه
السمات المذكورة للزهد المسيحي. ومن ثم ففشل الإشباع الجزئي يعني الانتصار أي
الوصول إلى الخير الكلي الذي هو الله.

الحب البشري رغم كل شيء هو مشاركة متناهية في
حب الله لنفسه، وغاية هذا الحب هي أيضا علته وسببه، أي أن الله هو سبب الحب وغايته
أيضا.محبة الله غامرة فهي تفيض علينا ومنها نستمد محبتنا. إذن فالمحبة يحدثها الله
في الآخرين فتندفع الموجودات نحوه فهي تحبه.إن الله هو الوجود المطلق وهو الخير
المطلق وهو الحب المطلق وهذه التعريفات لم يعرفها لا أفلاطون ولا أسطو، ذلك أن الكون
المسيحي هو كون تدين فيه الموجودات بوجودها لله، أو لفعل من أفعال الحب، والحب ذو
المصلحة هو رغبة وليس حبا، فالحب دائما نزيه، لكن له مكافأة هي المتعة أي متعة
امتلاك الموضوع الذي يحبه.

الفصل الخامس عشر:حرية الارادة والحرية المسيحية

مع بداية الفكر المسيحي ظهرت مصطلحات كثيرة،
ونظر إلى الإنسان على انه عاقل وهو بذلك قادر على الاختيار، وهذا يعني غياب القهر،
ومن هنا نستخلص مجموعة من المفاهيم التي جاء بها هذا العصر والتي تتمثل في الحرية،
العقل، الاختيار. فالله خلق الإنسان حرا لأنه مسؤول على اختيار الطريق ، ونجد أرسطو
يتحدث عن الاختيار لكن لم يتحدث عن حرية الإرادة، والإرادة الحرة هي تعبير مسيحي
يعني أن تريد هو أن تكون حرا، فأساس الحرية هو الإرادة وهي تعارض الضرورة، والأخطاء
التي نقترفها بصفة عامة دليل على حرية الإرادة. لذلك كان رأى القديس توما يتمثل في
كون نظام الطبائع هو نظام الضرورة، ونظام الإرادات هو نظام الحرية، وهذه الإرادة
تستند إلى العقل وليست إلى التلقائية كما عند الحيوان.وهذا هو نفس الأمر الذي يحضر
عند اوغسطين، فكلما قدم العقل موضوعات كثيرة للإرادة كان لديها حرية الاختيار.

الفصل السادس عشر:الاخلاق والقانون المسيحي

هناك توحيد بين الخير والجمال عند اليونان
والرومان والمسيحيون يضيفون غاية للعقل الأخلاقي في تصور واحد هو تصور الخير. لكن
عند المسيحيين الفعل الأخلاقي يتحدد وفق مبدأ الخطيئة والفضيلة، فالأولى هي الرذيلة
والثانية هي الفعل الأخلاقي، لأن الفضيلة هي عادة السلوك وفقا لطبيعة الإنسان
العاقلة، وما يقابلها هو الخطيئة والخبث والرذيلة، فالفضيلة هي الاتفاق مع الطبيعة
والرذيلة هي عصيانها، والطبيعة المقصودة هنا هي الطبيعة البشرية التي هي النفس
العاقلة، إذن الفضيلة هي ما يتفق مع العقل. ففي المسيحية الله هو مصدر كل تشريع أخلاقي
أو طبيعي أو اجتماعي، والقانون الإلهي مكتوب في قلوبنا أي هو الضمير.

يعرف اوغسطين الرذيلة بأنها هي السلوك (قولا أو
فعلا) الذي يكون ضد القانون الأبدي، والفضيلة هي الاتفاق مع القانون الإلهي. في
حين أن أرسطو لم يقوم بهذا فهو لم يرتفع إلى أعلى من العقل البشري كما فعلت
المسيحية، وكانت الفضيلة عنده هي العلم أما الرذيلة فهي الجهل، وما يحكم ذلك هو
قانون إنساني.

الفصل السابع عشر: النية؛ الضمير؛ الإلزام

اله الكتاب المقدس له حق التشريع الأخلاقي
كله، فالإنجيل لا يحرم الفعل الشرير فحسب، بل يحرم حتى الرغبة فيه، فالله خلق كل
شيء وعالم بكل شيء حتى خفايا القلوب.

 إن الحركة
الحقيقية للإرادة التي تتجه نحو غاية ما هي النية فنية الإرادة هي التي تحدد
اختيار الوسائل، وبالتالي فالأخلاق المسيحية هي أخلاق النية. إن هناك ارتباط وثيق
بين النية والضمير، فهذا الأخير عنصر خاص بين مبادئ العقل العامة وأحكامه الجزئية،
والضمير حين يستهجن فعلا نسميه تأنيب الضمير، وكل تعليمات الضمير ملزمة للإرادة، وأصبح
للإرادة كيف عن طريق الموضوع كما تصوره العقل. إذن يمكن القول بأن الفلسفة الوسيطية
هي التي ابتكرت فكرة الإلزام الخلقي.

الفصل الثامن عشر:العصور الوسطى والطبيعة

النظام الموجود في الطبيعة مبدأه هو الله، وكل
شيء يحدث في الكون المسيحي يحدث باسم النظام العقلي، ذلك لأن المسيحية تستبعد
الغرائب والعجائب، اعني الظواهر التي توضع في نظام اللامعقول، لكن المعجزة
المسيحية ليست ظاهرة وليست غريبة لأنها نابعة من الإرادة الإلهية.

الفصل التاسع عشر: العصور الوسطى والتاريخ

لا يجب أن ننظر إلى التاريخ في هذا العصر
بمنظور العصر الحديث، فإذا أحسنا النظر إليها سيتبدى لنا بأنه كان هناك حس تاريخي،
لكن لا يمكن فهم ذلك إلا بفهم غاية الإنسان، وهذه الغاية هي الوصول إلى الله وتأمل
ذاته، والتقدم البشري يقاس بالعناية السامية وهي تحقيق مدينة الله. إن تاريخ
العالم لا يعني تاريخا للانهيار المستمر وإنما يؤكد تقدما جماعيا للبشرية هذه
الفكرة لم يعرفها لا أفلاطون ولا أرسطو ولا الرواقيينن لكن العصور الوسطى لم تكن
تؤمن بان التقدم يستمر إلى ما لا نهاية، ونهاية التاريخ عندهم هي مدينة الله. من
هنا يتضح لنا بأنهم كانوا ورثة الفكر اليوناني، لكنهم أضافوا عليه ونقلوه إلى
الفكر الحديث فقد سهروا على حراسة الحضارة القديمة والمحافظة عليها. كما ساهمت هذه
العصور في ميلاد فلسفة التاريخ، لان المفكرون المسيحيون امنوا بقصة الخلق والتبشير
بمملكة الله، وقد كانت لديهم الجرأة على عمل مركب للتاريخ الكلي. إن تاريخ العالم في
نظر اوغسطين وأتباعه هو قصيدة عظيمة تكتمل حين تعرف بدايتها ونهايتها.

الفصل العشرون:العصور الوسطى والفلسفة

لا تكون الأفكار عقلية لمجرد أن العقليين
قالوا بها، فإذا كان العصر الوسيط مستبعد لأنه اعتمد على أفكار دينية، فإن
الميتافيزيقا الكلاسيكية منذ القرن 17م يجب استبعادها من مجال الفلسفة، فالفكرة لا
تكون عقلية بمجرد أنها قطعت الصلة مع جذورها الدينية. لو رفضنا هذه الفلسفة وما
قامت بإضافته إلى مجال الفكر والمعرفة إذن فلابد من رفض كل الفلسفات الحديثة التي
قامت على فلسفة العصور الوسطى.

   
نخلص إلى أن الفيلسوف الفرنسي اتين جلسون كان يحاول في هذا الكتاب أن يجيب
عن سؤال هام مفاده: هل كانت هناك فلسفة مسيحية خلال العصور الوسطى آم أن الأمر
مجرد ترديد لما قاله أفلاطون وأرسطو؟ وقد أجاب بالإيجاب لكن ليس بطريقة سردية
ميكانيكية إنشائية، وإنما قام بذلك وفق منهج البحث الأكاديمي، فيعرض علينا الأفكار
المسيحية الجديدة الأصلية التي تميزت بها فلسفة العصور الوسطى والتي لا وجود لها
عند اليونان ومن بينها كما ذكرنا فكرة التوحيد والإله الخالق…لكن ما يجب ان لا
نغفله هو ان القراءة الإبستيمولوجية للفكر الفلسفي خلال عصرنا هذا لم تعد تنظر إلى
الفلسفة من زاوية جمعاتية محلية، وإنما من زاوية كونية عالمية تتعلق بتناول
المفاهيم وفق سياقاتها النظرية.

x