لتحول هو الانتقال من حال الى حال، هكذا ببساطة، شرب الماء هو تعريف التحول، وهذا واضح في التحولات الكيميائية والفيزيائية، ولكنه حين يضاف الى الانسان «المجتمع» ونفهم من معنى الانتقال: اختلاف الشيء عما كان عليه.. فهنا لا بد ان نسأل: الانتقال من ماذا؟
نحن نعرف ان المجتمع ذو ابعاد مترامية ومتشابكة، فهو ذو بعد اقتصادي وسياسي وثقافي، وذو قيم بيضاء وسوداء وأبعاد اخرى.. فما الابعاد التي سنغيرها وننتقل منها الى غيرها، أو نطورها؟
هل يكفي، في التحول، تغير أو تغيير بعد واحد؟ كلا، فالمجتمع جسد واحد، اذا نما عضو منه دون الاعضاء الاخرى، اصبح الجسد مشلولا مشوها، وفاقدا لوظائفه، ان العلاقة بين ابعاده علاقة سببية او عضوية، والا عدنا الى استعارة ماركوز لنقول: «المجتمع ذو البعد الواحد».
يقول الدكتور زكي نجيب محمود: «فكرة اننا في تحول تعني: اننا في تغير، وإذن فلا حكم لماض على آت، «…» والصواب ان ننظر الى شجرة الورد، وهي تعمل من باطنها لكي تخلق وردة، وننظر الفرق بينها وبين عابر سبيل يقطفها».
بهذا يوضح الفرق بين ما يسميه «حضارة اللفظ وحضارة الاداء» أي اننا لا نشتري ثوبا ونلبسه ثم نقول: تحولنا، بل لا بد من صنعه بأيدينا.
الخروج من حضارة اللفظ إلى حضارة الاداء، أي «الى العلم المطور للحياة» ليس سهلا، إنه مخاض طويل، وانزياح جبال وتفجر انهار و«الطريق الى السهل هذا الجبل» كما يقول الشاعر مريد البرغوثي، وها نحن من القرن التاسع عشر، والى الآن، ونحن نرى الجبال تزداد علوا وكبرياء، وكأن زمننا مثل ما قال الشاعر العراقي سامي مهدي «زمن ينتهي في مخاض البداية».
لا أريد أن أعيد ما تجتره الاقلام منذ زمن هرم، من ان الحضارة العربية حضارة لفظية او «ظاهرة صوتية» فقد نظر الى ذلك حتى اعمى المتنبي، ولكني اسأل: كيف الخروج من الهاوية؟ الاجابات حتى الآن تدور في حلقة مفرغة، اننا نسمع صليل السيوف في اغمادها.
إن أول ما يتطلبه التحول هو اعتبار الانسان «كائنا قائما بذاته، لا كذات مسخرة او مضافة، لا يكتسب وجودها معنى الا بالاضافة الى عشيرة او مذهب، او الى أي شيء آخر».
لا يمكن انطلاق طاقات المجتمع الابداعية الا بالحرية، لأنها تفتح الروح من اكمامها وهي العوائق دون فتح النوافذ للضوء.