عندما نتحدث عن ظروف مجتمع ما ، فان هذا المعنى يقودنا ــ بلا ادنى شك ــ الى اقرار حالة اقرت سابقا ، وهي ان ثقافة المجتمع ، ايا كان هذا المجتمع ، تعطي طابعا مخصصا لنمط اداري او بيروقراطي معين . وفي هذا السياق ، فان البيروقراطية في العراق لها خصوصياتها المحلية خلافا لما موجود في تنظيمات اخرى وفي جغرافيات مختلفة من العالم . ان التنظيمات في العراق تعطي للمراقب والباحث انطباعا بانها عرضة باستمرار لتداخل القيم والتقاليد الريفية ـ الحضرية ، وهي بهذا المعنى لا تخلو من اشكالية يترتب عليها الاجحاف بحق العميل ، الذي ينتظر خدمة حيادية تقدم له.
وعند هذا الحد ، يصبح العملاء او (المراجعين) من الافراد رهن التقاربات الجغرافية / العائلية / العشائرية ، مما يحيل العمل الاداري الى مفاوضات ومساومات وجدانية وعاطفية ، تقوم استنادا الى المحسوبية والمنسوبية والمحاباة . مع ذلك لا يقف الحديث عند هذا الحد ، وانما يتخطاه ، ليقدم لنا اشكاليات اخرى ، هي نفسها ممكن ان نطلق عليها بـ (الفوضى التنظيمية) و (العلاقات الطفيلية والانتهازية بين الاقسام الادارية والوحدات ورئاساتها العليا “مراكز القوة”).
وهنا يصبح الكلام ـ مرة اخرى ـ عن فساد مبطن لا يدركه الا القائمون انفسهم من الموظفين في مؤسسات الدولة المختلفة ، واذا ما اراد احدنا اكلاف نفسه عناء البحث ويمعن نظره في اعماق عمل المؤسسات ، فانه سيجد تراكمات من العلاقات الادارية تدور في حلقة ليست بمفرغة ، ونما تقدم باستمرار حزمة من السخافات والحماقات التي ترتكب باستمرار ، وتبرر عبر قواعد التنظيم نفسه مرورا بالموظف وانتهاءً برئيسه في المراكز العليا .
وهذا يعني ان تلك الحلقة المملؤة بالتناقضات تحقق رغبات واشباعات المرؤوسين والرئيس معا ، دون ذكر لطرف اخر يفترض له الظهور في المعادلة (العراقية) ، وهو العميل او (المراجع) ، او حتى من يهمهم الشأن ، لاسيما في بعض المؤسسات ذات الطابع التعليمي كالجامعات مثلا ، من قبيل (الطلبة والكادر التدريسي) .