حسب الدراسات الطبية والنفسية والعصبية هناك مجموعة من العوامل التي تؤثر في ذاكرة الإنسان وفي عملية النسيان , من أهمها :
1- العوامل الصحية والعضوية والنفسية التي تؤثر في حياة الإنسان وفي قدرته على التعلم والانتباه والفهم والحفظ , مثل إصابات الدماغ وإصابات الحواس , والأمراض النفسية كالقلق والتوتر والاكتئاب , والمخاوف بأنواعها 00
2- مستوى التعلم والإتقان للمادة التي يتعلمها الإنسان ومستوى التدريب العملي إلى جانب التعلم النظري , وكذلك التعلم على مراحل منتظمة ( مقابل التعلم المكثف ) . يتخللها استراحة عقلية ونفسية مناسبة , مع وجود اهتمام ودافعية لعملية التعلم أو لاكتساب الخبرات , فالأمور التي تهم الإنسان تثبت في ذاكرته اكثر من الأمور التي لا تهمه والتي سرعان ما ينساها .
3- مدى استعمال الخبرات خلال حياة الإنسان , فقد ثبت بأنه كلما استعمل الإنسان خبراته على فترات زمنية غير متباعدة كلما أدى ذلك إلى مستوى احتفاظ مرتفع وذاكرة قوية , وكلما قاوم عملية النسيان .
4- درجة المعنى أو الفهم لخبرات الإنسان أو لما يتعلمه في الحياة , فقد ثبت أن الخبرة ذات المعنى والمترابطة في عناصرها والمفهومة بشكل واضح تسهل عملية الاحتفاظ في الذاكرة كما تسهل عملية التذكر .
5- وهناك ما يسمى بعامل الكف حيث تؤثر المعلومات المتعلمة ( أو المكتسبة) الجديدة أو اللاحقة على المعلومات المتعلمة والخبرات السابقة لدى الفرد , ويحدث بينهما تداخل وتفاعل يؤدي إلى ترك أو نسيان المعلومات التي لم تعد تفيد الإنسان في حياته .
6- وبشكل عام إن الذاكرة والنسيان تتأثر بعدة عوامل وأوضاع يمر بها الفرد , مثل قدرات الفرد العقلية الأسرية والاجتماعية والتعليمية , وعوامل الكبت , الحرمان , وكذلك عمر الفرد ومرحلة نموه والإدمان على الكحول والمخدرات وغير ذلك .
هل يوجد نسيان تام للمعلومات , وهل النسيان يزداد حدّه كلما طال الزمن أو تقدم الإنسان في عمره ؟
الدراسات العملية تؤكد بأنه لا يوجد نسيان تام لأي خبرات أو معلومات مضى عليها سنوات طويلة قد تتجاوز الخمسين , أو الستين , أو السبعين عاماً ( شريطة أن يكون الفرد عادياً ولم يتعرض إلى إصابة دماغية أو عصبية أو نفسية تؤثر في وظائفه العقلية أو عملية الاحتفاظ والتذكر لديه ) .
وقد أجرى العالم الألماني إبنجهاوس (Epinghous ) مجموعة دراسات حول عملية النسيان , ووجد بأن النسيان يحدث بسرعة كبيرة بعد عملية التعلم أو التدريب ثم يأخذ بالتباطؤ مع الزمن . إلى أن تأخذ عملية النسيان شكل الخط المستقيم دون أن تصبح صفراً وانتهى هذا العالم إلى أن النسيان لا يكون تاماً , والفرد قد يكون غير قادر نهائياً على تذكر خبرات سابقة أو جزء منها , ولكن هذا الفرد إذا استعاد تعلم هذه الخبرات ( التي كان قد تعملها سابقاً ونسيها تماماً في الوقت الحاضر) نجده يتعلمها من جديد بوقت أسرع وجهد أقل , مما يشير إلى أن هناك أثراً متبقياً في ذاكرة الفرد لهذه الخبرات التي تعلمها قبل سنوات طويلة , وأن هذا الأثر هو الذي وفّر الوقت والجهد في عملية التعلم الجديدة , وهذا ما يسمى بطريقة .ونحن نعلم بأن الفرد بإمكانه عن طريق الأحلام , أو في بعض حالات التخدير , أو أثناء جلسات التحليل النفسي , وعمليات التداعي الفكري أو التنويم المغناطيسي, أن يتذكر أحداثا وخبرات حدثت معه قبل سنوات طويلة أو من الطفولة ولم يتمكن من تذكرها , وأنه نسيها تماماً .
هل المعلومات التي يتذكرها الإنسان , ( أو الصور والانطباعات الفكرية ) يتذكرها كما كانت عليه في السابق قبل أشهر أو سنوات 000 أم تتعرض إلى تغيير وتحوير ؟
إن الذاكرة تضعف تدريجياً مع مرور الزمن وتقدم العمر , مما يعرض المرء إلى بطء عملية التذكر أو الاستدعاء , وقد ثبت بأن الخبرات والمعلومات التي يتذكرها الإنسان بعد فترة من الزمن لا تبقى على حالها كما كانت عليه في السابق , بل تتعرض إلى التشويه distortion وإلى التحليل العام , وهذه الذكريات قد تتعرض إلى عمليات الحذف والإضافة , أي إضافة صفات لم تكن موجودة في الأصل أو اختزال صفات كانت موجودة في أصل الخبرات .
كيف يتم تخزين المعلومات والخبرات أو الذكريات في دماغ لإنسان ؟
لقد كانت هناك دراسات حول الذاكرة والوراثة, وقد ثبت أن هناك فروقاً بين الأفراد من حيث الذاكرة والبنية الدماغية والوظائف العقلية ترجع الى عوامل وراثية 00 ثم تتالت الدراسات العصبية حول الذاكرة وافترضت هذه الدراسات المبكرة أن الخبرات التي يحصل عيها الإنسان تتوضع داخل المراكز العصبية على شكل شبكات أو دارات عصبية , وعند الحاجة يتمكن الفرد من استدعاء هذه الخبرات 00وفسّر علماء الأعصاب ذلك بأن عملية التعلم أو اكتساب الخبرات تعمل على تنشيط المراكز العصبية في الدماغ وبالتالي على الاحتفاظ بهذه الخبرات . ولاحظ علماء الأعصاب بأن الحوادث التي تصيب الفص الصدغي في المخ يصحبها اضطراب في الذاكرة , وأيد ذلك عالم الأعصاب ( بنفلد ) الذي قام بتنبيه بعض المراكز العصبية في الفص الصدغي بواسطة منبه كهربائي وتمكن من إثارة ذكريات خاصة بالفرد .
كما تبين من بعض الدراسات العصبية بأن تنبيه بعض المراكز العصبية في المخ تؤدي إلى حدوث النسيان , مثل تنبيه الجزء الخلفي من الفص الصدغي 00 وأجريت عدة دراسات ( على الحيوان ثم على الإنسان ) تبين من خلالها بأن أهم المراكز العصبية في الدماغ للذاكرة هي :
1- المنطقة الصدغية من القشرة الدماغية (temporal area ) .
2- الأجسام الحلمية في منطقة الهيبوتلاموس ( Mamillary )
3- الجهاز الطرفي أو الحافي (Limbicsystem) .
يضاف إلى ذلك دور التكوين الشبكي في الدماغ (reticular formation ) , وقد ثبت بأن الجهاز الطرفي ( وأبرز الأجزاء فيه المسمى بحصان البحرHippocampus ) هو أهم جزء عصبي يقوم بوظيفة الذاكرة . وفي عملية انتقال المعلومات من الذاكرة القربية ( أو قصيرة المدى) إلى الذاكرة طويلة المدى . كما ثبت بأن القشرة المخية الجبهية تلعب دوراً هاما في الذاكرة , وأن إصابة هذه القشرة المخية الجبهية يؤدي إلى نسيان المعلومات الآنية .
وفي عام (1959 ) بدأت دراسات عصبية حيوية حول الذاكرة على يد هايدن (R. Hyden ) وايجيهاذي (E.Egyhazi ) عام (1963 ) أجريت على الفئران , وتم التوصل إلى دور الحمض ( RNA ) في عملية التذكر , وأكد بعد ذلك كل من مكونل (McConnell ) وزلمان (Zelman ) عام (1967 ) على هذه النتيجة السابقة واعتبر هؤلاء بأن الحمض (RNA ) يعمل كوسيط للذاكرة .
وفي دراسات اخرى تبين بأن المضادات الحيوية لها خاصية إعاقة التركيب البروتيني للحمضين (RNA ) DNA وبالتالي لها تأثير سلبي على الذاكرة , كما توصلت هذه الدراسات إلى دور مادة ( الأستيل كولين) في عملية التعلم والذاكرة .
وفي المعهد الوطني للصحة العقلية في أمريكا أجري كل من دافيد فردمان (D.Friedman ) عام (1985 ) وشنايدر (J. schnider ) عام ( 1986 ) دراسات حول ما يسمى بذاكرة الحواس , وتم الكشف عن موضع ذاكرة اللمس في السطح الداخلي للفص الدماغي الصدغي في نصفي كرة المخ وفي موضعين هما حصان البحر , وما يسمى باللوزة (Amygdala ) , وأثبتت المداخلات الجراحية العصبية صحة هذه النتيجة , حيث تؤدي إلى إزالة اللوزة لدى حيوانات التجربة تؤدي إلى عدم التذكر , خاصة للخبرات البصرية والحسية , أما إزالة اللوزة وحصان البحر معاً فإنها تؤدي إلى زوال تام أو شاكل للذاكرة بكافة أبعادها , وقد لوحظ بأن معظم اضطرابات الذاكرة كما في متلازمة كورساكوف وحالات الأورام وأعراض مرض الزهايمر وغيرها , تكون بسبب إصابة هذه الأجزاء من الدماغ .
وفي مجال الدراسات الحيوية (biochemical ) أكدت الدراسات التي أجراها آري روتنبرغ Routenberg في جامعة نورثوسترن بأن إضافة زمرة فوسفات إلى بروتين دماغي يعرف بـ (F1 ) يزيد من القدرة على اختزان الذكريات .