من المعروف أن لكل مجتمع من المجتمعات – أيا ما تكون درجة بساطته أو تخلفه- مجموعة من القواعد التي تقوم بوظيفة تدعيم الأمن وتحقيق الاستقرار، والتي يتوافر فيها عنصر القهر والقسر، والتي يمكن اعتبارها على هذا الأساس نظاماً قانونياً خاصاً بهذا المجتمع، وأن ذلك “النظام القانوني” يتضمن الوسائل والإجراءات التي يمكن اللجوء إليها ضد الخروج على قواعد السلوك المتفق عليها في المجتمع، ولتحقيق الأمن بين الأفراد والجماعات وبقول آخر –حسب تعبير راد كليف براون- فإن كل مجتمع به مجموعة من الالتزامات التي يحددها العرف والتقاليد التى تفرض على أعضاء المجتمع والتي تؤلف بذلك ما يعرف باسم القانون العرفي Customary law فاذا ما حاول الفرد في المجتمع القبلي (علي سبيل المثال) أن يتنكر لما يقضي به هذا العرف فان ثمة عقاباً رادعاً من الجماعة القبلية سوف يلحق به، بل إن العرف يظهر تأثيره في حالات تبدو لنا نحن في مجتمعنا بسيطة أو قليلة الأهمية، نخلص من هذا إلي أن العرف إنما هو بمثابة الاتفاق علي اتباع خطة معينة في مختلف ألوان النشاط الاجتماعي مع الشعور بإحساسهم بضرورة اتباع هذه الخطة كقاعدة قانونية فالقاعدة العرفية لا تصدر عن السلطة الحاكمة، و إنما تستخلص من واقع حياة الجماعة، فهي خطة أو عادة ألفها الناس في تعاملهم بعضهم مع بعض وجروا عليها حتي تكون في أنفسهم إحساس بضرورة اتباعها.
وينبغي أن نشير منذ البداية إلى أن قوة القانون العرفي في كل المجتمعات الانقسامية تعتمد على ما يمكن تسميته بمبدأ المحافظة علي التوازن التقليدي بين الوحدات الاجتماعية المختلفة، فالتنظيم الانقسامي نفسه يتضمن بطبيعته عناصر الاستقرار، ويحمل بين ثناياه أداة الضبط الاجتماعي اللازم. وهذا هو أساس العملية القضائية داخل المجتمعات القبلية، والذي يتمثل في أن العواقل والمشايخ وكبار السن يعملون من أجل حل المنازعات والوصول إلى قرار يقبله الطرفان، ويصبح له صفة الإلزام، على اعتبار أن الموافقة على القرارات التي اتخذت، إنما تعني في واقع الأمر شيوعها في المجتمع المحلي والالتزام بها.
فالقاعدة العرفية هي التي تحدد واجب الفرد وحدوده، كما أنها هي التي تعين طبيعة العلاقات وصور التفاعل، وهي تستهدف في النهاية تحقيق التوازن الاجتماعي، وكفالة الأمن والطمأنينة بين الأفراد والجماعات، بما تضع من طرق عامة للسلوك مقبولة اجتماعياً لمواجهة أنماط السلوك الانحرافي ووضع الجزاءات المناسبة، وهي في معظمها تعويضية وتختلف هذه الجزاءات من حيث شدتها فتصل في أعنف صورها إلى الطرد أو الإبعاد والمقصود به أن تتخلص القبيلة من التزامها ومسئوليتها تجاه أحد أفرادها فتعلن تبرئتها منه.