يعتبر ظهور الفكر العلمي حديث نسبياً بالمقارنة الى العصور الطويلة التي عاشها الانسان في آطار من الغموض والفكر غير العلمي . وذلك عندما تخطى عدة مصاعب وعقبات متنوعة انعكست في محاولات الفكرين والفلاسفة المستمرة عن سؤال ماذا ؟ والتجريب experimentation . للتأكد من صدق الاجابات التي حصلوا عليها . وكانت البداية المتعلقة بدراسة الظواهر الطبيعية والبيولوجية التي انفصلت مبكراً عن الفكر الفلسفي ، ثم جاءت بعدها دراسة الظواهر الاجتماعية والسلوكية الانسانية بأتباع أصول وقواعد المنهج العلمي مع بدايات القرن العشرين . وبذلك اتسعت مجالات التفكير العلمي والتنظير العلمي والبحث العلمي في التخصصات العلمية المختلفة في محاولة العلماء تفسير سلوك الحقائق الطبيعية والبيولوجية والانسانية .
وكان أول دعا استخدام المنهج العلمي في دراسة الظواهر الاجتماعية هو ( عبد الرحمن بن خلدون ) ( 1332ــ 1406 ) ، وايده في ذلك اوجست كونت ( 1798ــ 1857 ) مقترحاً المنهج الوضعي positivism
أي المنهج العلمي في العلوم الاجتماعية . ( صالح 85 ، ص 5 )
البحث العلمي في العصور القديمة
ونقصد بالعصور القديمة .. وفترات التي عاشها البابليون والمصريون القدماء كان أتجاه التفكر فيها اتجاهاً علمياً تطبيقياً لتحقيق غايات نفعية . ولما جاء اليونانيون القدماء ، فقد أحرزوا تقدماً عظيماً في مبادئ البحث واعتمدوا اعتماداً كبيراً على التأمل والنظر العقلي الكبير ، ولعل هذا الاتجاه في عدم الاعتماد على التجربة وتقدير العمل اليدوي ، (بدر ، ص64 )
والذي دعا برتراند اسل غلى القول ((بأن فلسفة اليونان كانت تعبر عن روح العصر وطبيعة المجتمع الذي يعيشون فيه )) . فالمجتمع اليوناني في مرحلة انهياره كان مجتمعاً عبودياً طبقاً ينظر غلى كل عمل يدوي على انه عمل غير دمث . لذلك فكل دراسة تحتاج إلى التجربة كانت في نظرهم سوقية حوشية إلى حد ما . ولعل تمييز افلاطون بين الفلاسفة والعمال ووضعه الفلاسفة ــ في جمهوريته ــ في مكان قيادي يعكس هذا التفكير . اما من ناحية مناهج البحث واسلوب التفكير فقد وضع ارسطو قواعد المنهج القياسي او الاستدلال …
ولكن ارسطو فطن ايضاً للاستقراء ودعا إلى الاستعانة بالملاحظة ، ولكنه لم يفصل خطوات المنهج الاستقرائي وكان الطابع التأملي غالباً على تفكيره . لقد اعتمد اليونان القدماء في بنائهم العلمي جزئياً على الاكتشاف السابقة التي سجلها المصريون والبابليون ، ومن ثم نقب اليونان عن المعلومات التي توصل اليها هؤلاء في الفلك والطب والفيزياء والجغرافيا والهندسة ،كما اهم بعضهم بدراسة الآداب والأخلاق.
أما بالنسبة للتفكير العلمي عند الرومان … فقد كانوا ورثة المعرفة اليونانية وكان اسهامهم يتركز في الممارسة العملية ، أكثر من متابعتهم للمعرفة ذاتها .. لقد كان الرومان صناع قوانين ومهندسين اكثر منهم مفكرين متأملين . وافتقدت اوروبا ــ لفترة من الزمن ــ المعارف وطرق البحث بعد انهيار الامبراطورية الرومانية ، وأفول Decline الحضارة اليونانية الرومانية ولكن العرب كانوا هم حملة مشعل العلم والبحث العلمي إلى اوروبا بعد ذلك . ( بدر ، 67 )
البحث العلمي في العصور الوسطى
ولقد قدم العرب مساهماتهم في هذا المجال ولاسيما في عصور الازدهار الحضارة العربية التي تمتد من القرن الثامن الميلادي حتى القرن السادس عشر حيث اكتشفوا المنهج العلمي الخاص بهم ولذى مكنهم من المشاركة في تطوير العلم والمعرفة وقد ظل اثرهم بارزا في بناء الفكر والمؤسسات الثقافة العربية الى فترة طويلة . ( الكبيسي وآخرون ، ص 26 )
ولذا نجد ان ( فون كريمر ) يصف نشاط العرب العلمي بأنه اعظم نشاط فكرى يبدو لنا جليافي حقل المعرفة التجريبية ضمن دائرة ملاحظتهم واختباراتهم فأنهم كانوا يبدون نشاطاً واجتهاداً ويراقبون ماتعلموه من التجربة . ولو تتبعنا الآثار المتبقات من الجاحظ مثالاً ليكشف لنا عن منهج فكري قائم على الملاحظة والتحليل والمقارنة والنقد . وفي القرن الثالث عشر ادرك ( روجر بيكين ) المستقبل الباهر الذي ينتظر
المنهجية التجريبية في التفكير العلمي ( 82 ، ص26 ) .
وفي القرن السابع عشر تميز المنهج العلمي بعناية المفكرين . حيث صاغ الفيلسوف الانكليزي ( فرنيس كون ) ( Bacon ) وفي كتابه اركوان الجديد ( المنطق الجديد ) قواعد لمنهج التجريبي بكل وضوح .
والذي وصفه (بيفردج ) بأنه اروع ما كتب من المنهج الاستقرائي للعم التجريبي الحديث .
وكان غاليلوا ( 1564 ـ 1642 ) اول من بلور الاسلوب العلمي التجريب بشكله المتكامل ، واول من فند آراء ارسطو تفنيداً علمياً تجريبياً بعد ان كانت تلك الآراء تلقى دعماً من السلطة الساسية.( الكبيسي ،ص 26)