نظام الحكم وانعكاس تأثيره على التركيب الاجتماعي / ج2

ثانياً : الطبقة المحكومة : نقصد بالطبقة المحكومة مجموعة الناس التي تكون بعيدة عن المساهمة في اتخاذ القرارات المتعلقة بممارسة السلطة السياسية ، والتي تجد نفسها على العكس من ذلك أمام واجب الإذعان للقرارات من قبل السلطة ، وكانت الطبقة المحكومة في مجتمع وادي الرافدين قديماً تنقسم الى فئتين أساسيتين هما فئة الأحرار ، وفئة العبيد .

فئة الأحرار : يُقصد بفئة الأحرار ، تلك الفئة التي كان أعضاؤها لا يخضعون لأي شكل من أشكال التبعية للغير والتي من شأنها ان تنتقص من حريتهم الإنسانية . ولكنهم مع ذلك يظلون خاضعين لما يمكن ان نسميه بـ ( العبودية المعممة ) . بحكم كونهم يجدون أنفسهم دوماً ملزمين بالخضوع الى نظام السخرة ، ودفع الجزية .

وتنص القوانين البابلية القديمة ان فئة الأحرار هذه كانت تشتمل على صنفين من الناس : ( الأميلوم ) و ( الموشكينوم ) .

ويقصد بـ ( الأميلوم ) أفراد الصنف الأعلى من الناس ، سواءً كان مركز الفرد ضمن العائلة أو ضمن المجتمع . أما ( الموشكينوم ) فيقصد بهم أفراد الصنف الأدنى من الأحرار.

ويبدو ان التمايز بين صنفي ( الأميلوم ) و ( الموشكينوم ) كان يقوم في الأصل على أساس التمايز في الحقوق . فإذا كان ( الموشكينوم ) يجد نفسه ما بين العبيد و ( الأميلوم ) ، فإنه كان باستطاعته ان يقتني العبيد ، وهو بهذا يشبه ( الأميلوم ) تماماً ، إنما يتميز عن الأخير فيما يتعلق ببعض الحقوق المدنية ، حيث ان مضمونها لم يكن واحداً بالنسبة للمجموعتين . فـ ( الموشكينوم ) كان يملك الحق في ان يطلق امرأته ، على ان يعطيها ( ثلث مين ) من الفضة ، بينما ( الاميلوم ) كان إذا طلق امرأته فعليه ان يعطيها ( ميناً) كاملاً من الفضة . كما انه إذا ما فقئت عين ( الموشكينوم ) أو كسرت ذراعه ، فإن على المعتدي ان يدفع له ( ميناً) من الفضة . أما في حالة وقوع الاعتداء على ( الاميلوم ) فإن هذا الأخير يملك الحق في ان يُنزل بالمعتدي عقاباً مماثلاً .

وهكذا نجد ان ( الموشكينوم ) كان يحتل مرتبة واطئة في سلّم التدرج الاجتماعي بالقياس الى ( الاميلوم ) ، مما يؤكد وجود التمايز الاجتماعي في العهد البابلي . ويبدو ان مثل هذا التمايز كان موجوداً في العهد الآشوري أيضاً .

هـ – فئة العبيد : عرف المجتمع العراقي القديم نظام الاستعباد ، وكان الحصول على العبيد يتم من خلال مصادر متعددة ، مثل الحروب والغزوات ، أو الاتجار ، أو الدين . ولقد تحددت استخدامات هؤلاء العبيد بوجه عام في الأعمال الخدمية .

مما يلاحظ ان العبيد في المجتمع الرافديني – العراقي كانوا يسمون بأسماء أسيادهم أو مالكيهم ، مما يترتب عليه افتقادهم للكثير من الحقوق التي يتمتع بها ( الأميلوم ) و ( الموشكينوم ) . ولكن على الرغم من كل ذلك ، كان العبيد يتمتعون في ظل هذا المجتمع بحقوق كثيرة . فقد كان بإمكان العبيد ان يدخلوا في معاملات تجارية ، وان يستدينوا النقود لشراء حريتهم ، وإذا تزوج عبد أو أمة ( أي – المرأة المستعبدة ) شخصاً حراً كان الأبناء أحراراً . وكانوا يمنحون من قبل الأغنياء أراضي لهم الحق في تأجيرها ، وكان لهم حق استئجار أشخاص أحرار للعمل لصالحهم كعمال أو وكلاء  . والى جانب ذلك كله كانت لهم أسرة خاصة .

ان تمتع العبيد بمثل هذه الحقوق الواسعة ، التي تعد من جملة حقوق الإنسان الحر في مقام البشر وليس مجرد أشياء أو أدوات كما كان الحال بالنسبة للعبيد الاعتياديين الذين وجدوا في المجتمع اليوناني أو المجتمع الروماني . مما يعني ان يفقدهم إنسانيتهم وتبعاً لذلك يمكننا القول ان العبيد في المجتمع العراقي القديم لم يكونوا عبيداً بالمعنى التقليدي وإنما كانوا أشباه عبيد .