تعد نظرية التبادل الاجتماعي جزءاً من النظرية التفاعلية الرمزية طالما انها تنظر الى طبيعة التفاعل المتبادل بين الافراد والجماعات والمؤسسات والمجتمعات . وقد كان روادها امثال كيلي وثيبوت وجورج هومانز وبيتر بلاو اعضاءاً في النظرية التفاعلية او التفاعلية الرمزية إلا انهم انشقوا عن النظريتين وكونوا نظرية جديدة يطلق عليها نظرية التبادل الاجتماعي (Social Exchange Theory) . ان هذه النظرية تؤمن بأن الحياة الاجتماعية ما هي إلا عملية تفاعلية تبادلية ، بمعنى ان اطراف التفاعل او طرفي التفاعل لا يعطي للطرف الآخر فقط بل يأخذ منه . والأخذ والعطاء بين الطرفين المتفاعلين انما يسبب ديمومة العلاقة التفاعلية وتعميقها . بينما اذا اسند الفرد علاقته التفاعلية على مبدأ الأخذ دون العطاء او العطاء دون الاخذ فأن العلاقة لا بد ان تفتر وتبرد بل تنقطع وتتلاشى عن الانظار.
تأسيس نظرية التبادل الاجتماعي
ظهرت نظرية التبادل الاجتماعي في نهاية عقد الخمسينات من القرن العشرين عندما نشر رائد التبادل الاجتماعي اج. كيلي و جي. ثيبوت كتابهما الموسوم ” علم النفس الاجتماعي للجماعات ” عام 1959 . وعندما نشر العالم جورج هومانز كتابه الموسوم ” السلوك الاجتماعي وأشكاله الاولية ” عام 1959 . وفي هذين الكتابين وضع رواد نظرية التبادل الاجتماعي المبادئ الاساسية للتبادل والمنطلقات الفكرية التي تنطلق منها النظرية . والنظرية هذه كانت رد فعل للنظريات البنيوية والوظيفية والبنيوية الوظيفية ، ذلك انها اي النظرية لا تنطلق في تفسيراتها للظواهر الاجتماعية من مسلمات بنيوية وعوامل وظيفية تتعلق بأجزاء البناء الاجتماعي ووظائفها ، بل تنطلق في تفسيراتها من منطلقات تفاعلية تعتمد على التبادل في الأخذ والعطاء ، اي طرف يأخذ وطرف آخر يعطي .
ونظرية التبادل الاجتماعي كغيرها من النظريات الاجتماعية يمكن استعمالها في تفسير وتحليل جميع الظواهر والعمليات الاجتماعية التي نفكر بها . بمعنى اخر انها ليست نظرية محدودة بل هي نظرية عامة وواسعة يمكن ان تفسر جميع زوايا ومظاهر وعمليات النظام الاجتماعي والحياة الاجتماعية . زد على ذلك ان النظرية لا تفسر الجوانب السلوكية للمجتمع والحياة الاجتماعية فقط ، بل تفسر ايضاً الجوانب الداينميكية والتحولية ايضاً . ان التمرس في دراسة النظرية التبادلية يمكن ان يطبق النظرية على الكثير من الموضوعات ذات المضمون السكوني او الاستاتيكي وذات المضمون التحولي والداينميكي .
وهناك من يتهم النظرية على انها نظرية اقتصادية ومادية بحتة لأنها تتعلق بالمنفعة والكسب والحصول على اكبر كمية من الربح المادي من قبل الشخص او الاشخاص الذين قاموا بعملية التبادل التفاعلي كالعلاقة بين الموظف ودائرته والعلاقة بين الطالب وكليته والعلاقة بين الزوج وزوجته . ان مثل هذا الاتهام للنظرية التبادلية هو اتهام غير مبرر وبعيد كل البعد عن الواقع والحقيقة . والشخص الذي يدعي بأن نظرية التبادل الاجتماعي هي نظرية مادية صرفة غير قادرة على تفسير السلوك والعلاقات تفسيراً انسانياً واجتماعياً فأن ادعاءه هذا يدل على انه لا يفهم النظرية ولا يعرف مبادئها ومنطلقاتها النظرية . ذلك ان النظرية قادرة على تفسير الجوانب المادية للعلاقات التبادلية بين الافراد والجماعات والمؤسسات والمجتمعات وتفسير الجوانب الاعتبارية والقيمية والإنسانية والأخلاقية للعلاقة التبادلية بين هؤلاء .
فمثلاً العلاقة بين الجندي وجيشه لا تقوم على اعتبارات مادية فقط بل تقوم ايضاً على اعتبارات اخلاقية ومعنوية وقيمية . فالجندي لا يخدم في الجيش ويقاتل من اجل المادة ، اي الحصول على راتب او دخل ، بل يقاتل من اجل الحق ضد الباطل ومن اجل حماية الشرف والمقدسات ومن اجل الحفاظ على ارض الاباء والأجداد وحمايتها من ان تدنس من قبل التوسعيين والماديين والجشعين . وهكذا نلاحظ بأن علاقة الجندي بجيشه لا تقوم على اعتبارات مادية فحسب بل تقوم ايضاً على اعتبارات ناجمة عن القيم الانسانية والمثل الاخلاقية والتوجهات الروحية والمثالية .
ان القوة التي تنطلق منها نظرية التبادل الاجتماعي انما تتجسد بضرورة تحقيق الموازنة بين ما يعطيه الفرد للمجتمع وما يعطيه المجتمع للفرد . علماً بأن الموازنة بين الاخذ والعطاء تقود الى العدالة التوزيعية والعدالة التصحيحية . واستتباب العدالة وانتشارها انما يقودان الى تعميق العلاقات الاجتماعية بين البشر واستمرارها وعدم تعكير نماذجها وصيغها .
ومما يجذر النظرية ويعزز قوتها ويرفع شأنها بين النظريات الاجتماعية الاخرى ان مادتها او اطرافها ليس هم الافراد فحسب بل الجماعات والمؤسسات والمجتمعات المحلية والمجتمعات الكبيرة ايضاً . فالنظرية لها القدرة على تفسير العلاقات التفاعلية التبادلية بين البشر وبين الجماعات وبين المجتمعات المحلية او الكبرى .