نظرية التمثيل المسرحي

تعد نظرية التمثيل المسرحي من النظريات الحديثة في علم الاجتماع إذ أنها تأسست في منتصف القرن العشرين, وقبل تأسيسها كانت جزءا أو فرعا من النظرية التفاعلية الرمزية التي انشقت من نظرية الدور في العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين.
 إن هذه النظرية تعتقد بأننا ممثلون ولكوننا ممثلين ندخل إلى الحياة التي هي مسرح كبير من باب ونخرج من المسرح من الباب الآخر. وعندما نمثل على خشبة المسرح نقيم الآخرون والآخرون يقيموننا .

أما المبادئ الأساسية التي ترتكز عليها نظرية التمثيل المسرحي فيمكن إجمالها بعشر نقاط أساسية هي كما يلي : 
 -ن الحياة الاجتماعية التي نعيش فيها ما هي إلا مسرح كبير له باب يدخل من خلالها الممثلون وباب آخر يخرج منه الممثلون بعد الانتهاء من فصول أو مشاهد تمثيلهم .
 والممثلون هنا هم الأفراد الذين يعيشون في المجتمع ويمثلون أدوارهم أمام آخرين سواء كانوا أعلى أو أوطأ منهم .
 أن الأفراد الذين يعيشون في المجتمع أو الحياة الاجتماعية هم عبارة عن ممثلين في هذا المسرح الكبير , إذا أن كل فرد هو ممثل أمام الآخرين .
ولما كان ممثلا فأنه يدخل من باب ويخرج من الباب الآخر للمسرح الذي يمثل فيه. 
 إن الممثلين الذين هم أبناء المجتمع يمثلون أدوارا اجتماعية مختلفة منها ادوار رئاسية وادوار مرؤوسيه وادوار وسطية , ذلك أن الممثل إما يكون رئيسا أو مرؤوسا وان دوره هو الذي يحدد مركزه التمثيلي .   يدخل الفرد إلى المسرح للتمثيل في بدء حياته التمثيلية, أي بدء حياته الاجتماعية ويخرج الفرد من المسرح في نهاية حياته التمثيلية, أي في نهاية حياته الاجتماعية التي يعيشها.
يلعب الفرد أدواره في حياته اليومية كممثل فإذا أجادا لعب الأدوار فانه يلقي الاحترام والتقدير من الآخرين وبخاصة الأعلى منه .وإجادة لعب الأدوار تعني إظهار الجانب الجيد من سلوكه وشخصيته وعلاقاته وإخفاء الجانب السىء .
 إما أخفاق الفرد في لعب الأدوار التي يقوم بتمثيلها في المجتمع فانه يلقي الرفض والاستهجان والتأنيب والمقاطعة من قبل أبناء المجتمع لأنه اظهر لهم الجانب السلبي من شخصيته وأخفى عنهم الجانب الايجابي .
يحاول الفرد عند تفاعله مع الآخرين لا سيما الأفراد الأعلى منه درجة أن يظهر أمامهم الوجه الجيد من شخصيته وإخفاء الوجه السلبي والقبيح , لان إظهار الوجه القبيح إمامهم سيدفعهم إلى استهجانه ومقاطعته والوقوف ضده .
 وهذا ما يسبب فشل الفرد في مهامه وأعماله. لذا فالفرد كلاعب أو ممثل للأدوار غالبا ما يظهر الوجه الجيد والايجابي لشخصيته ويخفي الوجه القبيح والمرفوض املآ في قبوله من لدن المجتمع مع تقييم سلوكه اليومي والتفصيلي .
في بعض الحالات يلعب الفرد دوره أو يمثل دوره بطريقة تظهر أمام المسئولين الجوانب السلبية لذاته , ويخفي وراء المسرح الجوانب الايجابية , أن هذا الشخص لا ينجح في حياته العامة والخاصة لأنه لا يعرف كيف يمثل أدواره أمام الآخرين , أي لا يعرف كيفية تقمصه للشخصية المحببة والمفضلة من المجتمع ولا ينال رضاه وقبوله لأنه لا يعرف كيفية التمثيل أمامهم الآخرين , بل على العكس يجيد عرض ذاته بجوانبها السلبية والمستهجنة والمرفوضة .
 عندما يعرض الفرد خلال فترة التمثيل الجوانب الايجابية عن شخصيته ويخفي الجوانب السلبية فان الآخرين يكونون صورة ذهنية نحو إزاءه , وهو نفسه يكون صورة ذهنية نحو 
ا لآخرين, وهذه الصورة هي التي تحدد تقيمه للآخرين وتقييم الآخرين له. 
 وهذه الحياة الاجتماعية التي نعيشها إذن هي رحلة يدخل فيها الإنسان من باب ويخرج من الباب الآخر , وفي هذه المرحلة يمثل الفرد أدواره أمام الآخرين والآخرون يمثلون أدوارهم أمام الفرد .وهذا التمثيل الذي يقوم به طرف أمام الطرف الآخر هو الذي يكون الصورة النمطية التي يحملها كل طرف نحو الطرف الآخر .
وهذه الصورة النمطية عندما تصل إلى الفرد فانه يقيم نفسه بموجب طبيعتها وشكلها. 
 ويمكن تطبيق نظرية التمثيل المسرحي على عدد من الأبحاث الاجتماعية التي تدور حول العلاقة الإنسانية بين الأفراد والجماعات .
 أن هذه النظرية تعد جزءا من النظرية التفاعلية , والتفاعلية الرمزية ولكنها تبحث الموضوع بطريقة ابعد وأعمق مما تبحثه التفاعلية الرمزية , أنها تبحثه من حيث تفسير النجاح أو الفشل وفقا لجودة الفرد في تمثيله الأدوار المناطة به .
 علما بأن التقييم سواء كان ايجابيا أو سلبيا أنما يعتمد على طبيعة التمثيل الذي نمثله على خشبة المسرح.
وسنتناول في هذا البحث بالدراسة والتحليل نظرية التمثيل المسرحي من جوانب رئيسية :
1-الفصل الأول:
تأسيس نظرية التمثيل المسرحي.
2-الفصل الثاني: 
المبادئ التي ترتكز عليها نظرية التمثيل المسرحي .
3- الفصل الثالث: 
التطبيقات العملية والبحثية لنظرية التمثيل المسرحي . 
تأسيس نظرية التمثيل المسرحي 
ظهرت هذه النظرية عام 1959 م عندما نشر مؤسس النظرية أو المدرسة البروفسور ارفمن كوفمن 
Erving Comann)) مؤلفه الموسوم “عرض الذات في الحياة اليومية” والكتاب يحتوي على ما يتعلق بنظرية التمثيل المسرحي.
 علما بأن البروفسور كوفمن هو كندي الجنسية وسبق أن تلقى دراساته العليا في الولايات المتحدة الأمريكية إذا حصل على الدكتوراه في علم الاجتماع عام 1950م من جامعة شيكاغو الأمريكية ويعد بالأساس من أنصار التفاعلية الرمزية والتي تعد جزأ من نظرية الدور .
 غير أن كوفمن قد عارض التفاعلية الرمزية وانتقدها في دراسات منشورة وانشق عن مؤسسيها أمثال البروفسور جورج هريربرت ميد و أي . دبليو . توماس . وبعد انشقاقه وانتقاده وخروجه من التفاعلية الرمزية أسس مدرسة جديدة وهي مدرسة التمثيل المسرحي التي تعد من المدارس الاجتماعية الحديثة في علم الاجتماع. 
 وعلى الرغم من اعتراضه على التفاعلية الرمزية وخروجه منها إلا انه استمر بالاعتقاد ببعض المبادئ والأطروحات التي تؤمن بها التفاعلية الرمزية وبخاصة ماجا به جارلس كولي زعيم المدرسة التفاعلية .
 ذلك أن كوفمن قبل تأثره بالنظرية التفاعلية سبق أن تأثر بطروحات ومبادئ وأسس النظرية التفاعلية .
 ومن هذا فإن المدرسة التي أسسها كوفمن تختلف كثيرا بأفكارها وأطروحاتها عن ماجاءت به المدرستان التفاعلية والتفاعلية الرمزية من أراء وأفكار ومبادئ . 
 أن الاختلافات الشاخصة بين نظرية التمثيل المسرحي والنظرية التفاعلية والنظرية التفاعلية الرمزية هي أن نظرية التمثيل المسرحي تعتقد بأن تمثيل الإنسان لدوره على المسرح وخشبة المسرح هي أن الحياة الاجتماعية اليومية التي نعيشها يكون بطريقة انه أي تمثيل يظهر الجوانب الايجابية للدور الذي يمثله الفرد أمام مسئوله الكبير كالأب أو المعلم أو رب العمل أو رئيس الدائرة ويخفي الجوانب السلبية وغير المرغوبة عن المسئول . 
 ومثل هذا النوع من التمثيل يجعل المسئول راضيا ومقتنعا بشخصية الممثل أو الذي يعمل تحت إمرته وهنا يكون الأخير ناجحا في حياته ومقيما من المسئول يحمل عن التابع فانه يقيم نفسه عاليا , أي ينظر إلى نفسه في المرأة نظرة مليئة بالرضا والقناعة والفخر . 
 أما التفاعلية فتختلف بأفكارها عن التمثيل المسرحي والاختلاف هنا هو أن التفاعلية لا تنظر إلى الدور الذي يمثله الفرد في الحياة اليومية أمام الآخرين , بل تنظر إلى عملية التفاعل بين الفرد والآخرين . فهذا التفاعل ينتهي بتقييم الفرد من قبل الأفراد الذين تفاعلوا معه عبر فترة من الزمن , والتقييم قد يكون ايجابيا أو سلبياً .
 فإذا كان ايجابيا فان الفرد يقيم نفسه بصورة ايجابية , أي ينظر إلى ذاته في المرآة واعكس هو الصحيح إذا كان تقييم المجتمع له سلبياً. 
 والتفاعلية الرمزية تختلف عن التمثيل المسرحي بجوانب كثيرة منها أنها لا تنظر إلى الدور الذي يمثله الفرد على خشبة المسرح أو المجتمع بل تنظر إلى التفاعل الذي يحدث بين الأفراد لفترة من الزمن , وبعد التفاعل تبدأ الجماعة المتفاعلة بتقييم كل فرد فيها على أنه رمز , وهذا الرمز قد يكون محببا ومستهجنا بناء على الصورة الذهنية التي كونها كل شخص في الجماعة نحو الشخص الآخر .
 وعندما يصل التقييم الرمزي الى الشخص المعني فانه يقيم نفسه بموجب التقييم الذي حصل عليه من أعضاء الجماعة الين تفاعل معهم . 
 وهكذا يمكن تحديد أوجه الشبه والاختلاف بين نظرية التمثيل المسرحي والنظرية التفاعلية والتفاعلية الرمزية.
 تعد نظرية التمثيل المسرحي من النظريات المهمة التي تضيف إلى ميدان الميكروسسيولوجي لأنها تهتم بدراسة العلاقة بين شخصين أحدهما يختل مكانه رفيعة والآخر يحتل مكانه أدنى . 
 والنظرية تضيف إلى ميدان علم النفس الاجتماعي لأنها تتطرق إلى دراسة المواقف داخل الجماعات الصغيرة , وأنها تحلل الحياة الاجتماعية وفقا للأدوار التي يمثلها الفرد في الحياة الاجتماعية اليومية , أي يمثل أدواره في المسرح , أي الحياة الاجتماعية التي نعيشها .
علما بأن هذه الحياة تشهد نوعين من الأفراد: 
 النوع الأول يتكون من أفراد ناجحين , والنوع الثاني يتكون من أفراد فاشلين لا يعرفون كيفية تمثيل أدوارهم مع الكبار والمسئولين والمدراء. 
 فالفرد الناجح في الحياة هو الذي يجيد تمثيله لدوره أمام الكبار إذ يحصل على رضاهم واستحسانهم , بينما الفرد الفاشل في الحياة هو الذي لا يعرف كيفية تمثيل دوره أمام مسئوليه. 
فتمثيله الفاشل يثير خط واستهجان مسئولية له , وبالتاي إخفاقه في الحياة وعدم تقدمه في مجالاتها . 
 

x
Scroll to Top