افلاطون وافكاره الاجتماعية

وربما يكون أفلاطون(428 ق.م347 ق.م) أقدم فيلسوف كتب عن المدينة الفاضلة في’ محاورة الجمهورية’, ويري فيها أنه يجب أن لا تملك طبقة الحكام عقارا خاصا, ولايكون لأحدهم مال أو مخزن, ولا يكون للرجال زوجات لأنهم يجب أن يتحرروا من الأنانية, ويجب أن تكون النساء بلا استثناء أزواجا مشاعا فلا يعرف الابن أباه! ومن الواضح أن أفكاره عن اشتراكية النساء والأولاد والأموال لا تتفق مع الأديان السماوية, وتصدم ضمير الإنسان الحر. فضلا عن مخالفتها للفطرة الإنسانية. واهتم نفر من الفلاسفة بعد أفلاطون بفكرة( اليوتوبيا) أو المدينة الفاضلة, مثل الروماني شيشرون, والقديس أوغسطين في كتابه’مدينة الله’.

وليست فكرة المدينة الفاضلة فكرة غربية خالصة, بل هي فكرة لها تاريخ في الفلسفة الإسلامية, لا سيما مع الفارابي في القرن الرابع الهجري وكتابه’آراءالمدينة الفاضلة’ الذي طرح فيه فكرته عن المعمورة الفاضلة كأعلي أشكال الاجتماع الإنساني, وقد ناظر بين البناء الميتافيزيقي للوجود ككل والبناء السياسي للدولة علي نحو بدت معه فلسفته السياسية كفلسفة ذات نزعة كونية; فالله علي رأس الوجود, والنبي أو الرئيس علي رأس البناء السياسي. ومن ثم يوجد انسجام تام بين ميتافيزيقاه ورؤيته السياسية.

وتجاوز الفارابي أفلاطون الذي اقتصرت رؤيته علي تنظيم مدينة ضيقة كأثينا وإسبرطة. فيما حلم هو باتحاد الأمم كلها. وقد يأخذ الاجتماع أشكالا كاملة, وأشكالا غير كاملة. والأشكال الكاملة ثلاثة: المعمورة كلها, الدولة الأمة, المدينة. أما الأشكال غير الكاملة فأربعة: القرية, المحلة, السكة, المنزل. إن قول الفارابي بالدولة العالمية الفاضلة, يتسق مع طبيعة العقيدة الإسلامية في مفهومها عن الله رب العالمين; فمفهوم الإله رب العالمين ينسجم مع مفهوم الإنسانية الواحدة, وهذا يستلزم منطقيا علي المستوي السياسي مفهوم الدولة العالمية.

وإذا كانت المعمورة الفاضلة تسعي للسعادة الحقيقية, وهي السعادة الأخروية, فإن كل المدن غير الفاضلة تسعي للسعادة الدنيوية الزائفة,’مثل الثروة واللذات أو الكرامة وغير ذلك مما ينتمي إلي( الرئاسة الجاهلية)..’فأساس تقسيمه للمدن الفاضلة وغير الفاضلة يقوم علي التمييز بين نوعين من الرئاسة: الرئاسة الفاضلة والرئاسة الجاهلية. ويحصر الفارابي المدن غير الفاضلة في’ آراء أهل المدينة الفاضلة’ في أربع وهي:1- المدينة الجاهلية2.- المدينة الفاسقة.3- المدينة المتبدلة( التي تحولت من فاضلة إلي غير فاضلة).4- المدينة الضالة.

والرئيس الأول نبي عالمي, موحي إليه من الله. ولذا فإن’ الله تعالي هو المدبر للمدينة الفاضلة كما هو المدبر للعالم, وأن تدبيره تعالي للعالم بوجه وتدبيره للمدينة الفاضلة بوجه آخر, غير أن بين التدبيرين تناسب’. ويحكم الرئيس الأول مجموعة من الأمم بوحي إلهي- وفي هذا يكمن أحد الفروق الجوهرية بين الفارابي وأفلاطون- حيث ينزل الوحي من الإله’ رتبة رتبة إلي الرئيس الأول, فيدبر الرئيس الأول المدينة والأمة والأمم بما يأتي به الوحي من الله تعالي, فينفذ التدبير أيضا من الرئيس الأول إلي كل قسم من أقسام المدينة أيضا علي ترتيب إلي أن ينتهي إلي الأقسام الأخيرة’.

وفي القرن السادس عشر كتب الإنجليزي توماس مور كتاب’ يوتوبيا’ باللاتينية وتصور فيه مدينة خيالية تسودها العدالة والمساواة لكل المواطنين. والجزء الأول يذكرني بمصر; فهو ينقد فيه الحياة الاجتماعية في إنجلترا في بداية القرن السادس عشر حيث شيوع الفساد, والبطالة, والجريمة. وفي الجزء الثاني يقدم تصوره لمجتمع مثالي في مكان خيالي يخلو من الاستبداد والملكية الخاصة, ويستند إلي العمل اليدوي كأعظم قيمة في الدولة.وتلاه الفيلسوف الإنجليزي فرنسيس بيكون(1561-1626) في’أطلانطس الجديدة’. ثم الفيلسوف الإيطالي كامبانيلا(1568-1639 م.) في كتابه’ مدينةالشمس’.

وكلها أحلام فلاسفة غير ممكنة التحقيق إلا في الجنة السماوية! ليس لأن الفلاسفة واهمون; وإنما لفساد الطبيعة الإنسانية. وعلي الفلاسفة قبل التحدث عن المدينة الفاضلة أن يحلوا أولا إشكاليات الخطايا السبع المميتة في الإنسان:’ الرغبة’ و’الشراهة’ و’الجشع’ و’الكسل’ و’الغضب’ و’الحسد’, و’الغرور’. وثانيا يطرحوا حلولا عملية لجذور الصراع في المجتمع:’ تضارب المصالح’, و’صراع الطبقات’, و’ازدواج المعايير’.

x