البدايات الأولى للفكر الاجتماعي

يقوم المجتمع الإنساني على وجود الإنسان الذي يرتكز على تفكيره المتفاعل مع بيئته الاجتماعية ومناخ منطقته الجغرافية مكوناً نظماً اجتماعية عاكسة لهذا التفاعل . لذا سوف نرى ان نظم مجتمع بلاد الرافدين تختلف في بعض الوجوه عن نظم المجتمع المصري . مثال ذلك كان ملك المجتمع الأول عبارة عن وسيط بين الأرض والسماء ، أي بين المجتمع والاله . بينما كان ملك المجتمع الثاني الإله نفسه . دون واسطة وهذه الظاهرة أثرت كثيراً على طبيعة حكم المجتمع ونظمه الاجتماعية والدينية فأضحى المجتمع الأول متصفاً بالصفة الجمعية في مقرراته وقيمه الاجتماعية ، بينما أصبح الثاني متصفاً بالصفة الفردية في قراراته وقيمه .

 

1- وادي النيل :

لمحة تاريخية :

ان بداية المجتمع المصري القديم كانت مع الأسرة الأولى حوالي عام 3200 قبل الميلاد وامتدت نهايته مقترنة ببداية فتح الاسكندر الأكبر لمصر وفقدانها استقلالها عام 332 قبل الميلاد ، فهي نهاية حقبة من الزمن امتدت على حياة مصر حوالي ثلاثين قرناً .

وقد اختلف المؤرخون حول تحديد تاريخ مصر قبل عهد الأسرات . فالعالم البلجيكي ( جاك بيرين ) يقول بأن الجماعات المصرية القديمة كانت عبر العصر الحجري القديم عبارة عن جماعات رحل ، وانها كانت تعيش من الناحية الجنسية في حالة إباحية ، ثم جاء العصر الحجري الحديث لتستقر هذه القافلة الحائرة وتتخذ الجماعة طريقها صوب نظام الأسرة وكانت السيادة للأسرة الأبوية . ويأتي رأي ثان ينكر هذه المرحلة من مراحل الشيوعية الجنسية وينادي مع التطور بسادة نظام الأسرة الامومية . ويأتي رأي ثالث هنا ليقر بوجود النظامين معاً . ويأتي العالم الأثري ( موريه )   والعالم الاجتماعي ( دافي ) ليقرر بأن تلك الجماعات كانت عبارة عن عشائر توتمية ( معقدة ) بأنها تولدت من توتم تعده بمثابة الجد الأعلى لها ، والتوتم عبارة عن حيوان تعبده الجماعة وتتخذ منه رمزاً لها لما يرجى منه الخير ويخشى منه الشر .

التفكير في الشؤون الاجتماعية في ظل حضارة وادي النيل

تأثير العقيدة على المجتمع على مر الأزمان مال المصريون القدامى الذين نشأوا على الفطرة الى عبادة قوى الطبيعة وظواهرها من جماد ونبات وحيوان ، وكذلك من جذب اهتمامهم من الأجداد وذلك بدافع من ما استشعروه من قوة هذه الأشياء أو بسبب الخوف منها . والواقع ان الأقوام الأولى من المصريين كانوا يمجدون ألهتهم لأحد أسباب ثلاث : أما لفائدة ترجى ، أو خوف من شرير يراد اتقاؤه ، أو الإعجاب بعظمة لا يمكن إدراكها . أما حب المعبود لذاته لم يتحقق إلا بعد تطورات عميقة في لفكر الديني المصري .

وتبعاً لذلك يمكن القول ، انه من جملة مقومات تكوين الدولة المصرية – كمؤسسة اجتماعية في المجتمع المصري – هي العقيدة الدينية ، التي لعبت دوراً رئيسياً في تكييف نظام الحكم ، وان لم تظهر ملامحها في بداية العهد الفرعوني ، إلا انها تأكدت فيما بعد ، حينما تولى الحكم في مصر فراعنة اتخذوا ( الدين ) أساساً لحكمهم . ومن هنا اصطبغت الدولة معهم بالصبغة الدينية .

x