التأثير المباشر للضبط على الأفراد

ويتمثل في الضغوط التي تمارسها أجهزة البيئة المحيطة بالأفراد، بطريقة غير مباشرة، بمعنى أن هناك قوى اجتماعية خارجة عن ذوات الأفراد، ترسم لهم مخططات السلوك وقوالب التفكير والعمل، وتتخذ من الأجهزة ما تراه محققاً لذلك، وفي مثل هذه المخططات لا يتأثر الفرد بتدخل مباشر من فرد آخر، وإنما تقوم بوظيفة الضبط الاجتماعي تلك القوى غير المنظورة التي تتمثل في قوانين ولوائح وهيئات ومؤسسات لها شخصيتها، وقد يبدو للشخص العادي أنه طالما يخضع لإلزام مباشر، أو أنه غير منقاد لإنسان آخر مزود بسلطات معينة فهو حر، ويسير في حياته بلا ضوابط بينما هو في الواقع أسير لها وقد قام كثير من علماء الاجتماع بتقسيم وسائل الضبط الاجتماعي إلى ضوابط رسمية وأخرى غير رسمية، وقد عرفها (كلارك) في دراسة للضبط الاجتماعي في ميدان علاقات العمل على النحو الآتي:

أ- الضوابط الرسمية: (القانون)

هي تلك الضوابط التي تعمل بوساطة الجهاز الرسمي للحكومة من خلال القوانين، فالمجتمع يتميز بوحداته الكبيرة المعقدة، والعلاقات الاجتماعية فيه علاقات عرضية وغير مباشرة، وقد استلزم ذلك وجود ضبط اجتماعي رسمي، ولهذا زادت القوانين واللوائح التي تم تشريعها وأصبحت معظم أفعال الأفراد تقع في ظل هذه القوانين ويتم تنفيذها عن طريق المحاكم وأقسام الشرطة ، وبذلك أصبحت ممارسة الضبط الاجتماعي عن طريق منظمات متخصصة، وللقانون أهمية بالغة يمكن أن نلخصها في النقاط الآتية:

يعد القانون من أقوى وسائل الضبط الاجتماعي؛ لأنه ضرورة اجتماعية لازمة لحياة الجماعة، وتدعيم واستقرار النظم الاجتماعية في المجتمع. فبدون قانون لا يمكن أن نتصور وجود نظام يحكم سلوك الأفراد ويحدد علاقات بعضهم ببعض، حسب المصطلحات والنظم الموضوعة، لأن نمط العلاقات المنظمة يعتبر شرطا أساسيا للحياة الاجتماعية في المجتمع فهو ملزم لجميع الأفراد على السواء، ولا يسمح بالخروج عن هذه النصوص التي يتم تشريعها، لأن الدولة تسن القوانين والتشريعات، وتسهر على تنفيذها وتعاقب كل من يخرج عليها بعقوبات محددة.

القانون يعبر عن الرقابة المنظمة للجماعة وهو يتكون من عدة قواعد تنظيم العلاقة بين الأفراد، وهذه القواعد تلزم الأفراد، ومن يخرج عليها يلاقِ عقابه من الدولة. وهذا يبين الفرق الجوهري بين القاعدة القانونية والقاعدة الأخلاقية، إذ أن الخروج على القاعدة الأخيرة لا يعرض الخارج للعقاب من جانب الجماعة فحسب، بل يجعله محل سخرية واحتقار من جانب من يعرف الشخص الخارج ومن لا يعرفه، كما أن عقاب الخارج على القانون محدد تحديدا دقيقا، وذلك بخلاف الخروج على القواعد الأخلاقية.

القانون يعكس شدة التضامن الاجتماعي والتمسك الجماعي، فكلما كانت الحياة الاجتماعية مركزة، أي كلما زادت العلاقات بين الناس زادت القوانين التي تنظم هذه العلاقات، وبالعكس إذا قلّت الصلات التي توجد بين الأفراد، أو إذا قلّ تضامنهم وتماسكهم الاجتماعي فإن كثرة القوانين ليست ضرورية، بل يكفي أقلها في هذه الحالة لتنظيم العلاقات بين الناس.

القانون يمثل جزءاً مهماً من العرف الأخلاقي للمجتمعات، فهو لم يظهر إلا عندما عاش الأفراد في النظام المدني، أي عندما ألِفوا الحياة في المدينة ومارسوا الأشكال المختلفة للحياة الاجتماعية التي تقدمت وتطورت فأصبح القانون في المجتمعات الحديثة الوسيلة الفعالة لعملية الضبط الاجتماعي، فهو قوة لها تأثيرها وفعاليتها في سائر نواحي النشاط الاجتماعي؛ لأنه يتدخل في سائر النظم الحديثة، بل إن هذه النظم من عائلية واقتصادية ودينية سميت نظاما؛ لأن القانون هو العنصر الأساسي الذي ينظم الحياة المشتركة للأفراد في هذه الهيئات المختلفة.

x