المقدمة :
من العمليات ذات التأثير الفعال في عملية التعلم ، عمليتان هامتان هما التذكر والنسيان (Remembering and Forgetting) ، فبعد حدوث التعلم واكتساب المتعلم للمعلومات أو المهارات أو العادات الجديدة التي تعلمها ، يقوم المتعلم بعمليات ضرورية حتى يتمكن من الاستفادة مما تعلمه في ظروف ومواقف تعليمية جديدة .
فيبدأ بالاحتفاظ بهذه المادة المتعلمة ثم تخزينها في الذاكرة ، ويتم استرجاعها أو تذكرها عند الحاجة ، وبالتالي فالمتعلم يسعى للاحتفاظ بالمادة المتعلمة أطول مدة ممكنة حتى يتمكن من تطبيق آثار أو نتائج هذا التعلم في المواقف التعليمية .
ويواجه المتعلم صعوبات مختلفة في الاحتفاظ بالمادة المتعلمة لفترة من الزمن وبمستوى ثابت من الأداء ، مما يعني أن جانباً كبيراً مما يتعلمه سوف ينسى .
ومع ذلك يبقى هدف المعلم والمتعلم – على السواء – وهو الحد من مقدار النسيان للمادة المتعلمة والتقليل من آثار عوامل النسيان عليها ، سواء أثناء تعلمها أو بعد تعلمها وتخزينها في الذاكرة .
مفهوم التذكر :
يعرف التذكر بانه : ” قدرة المرء على استدعاء أو إعادة مادة تعلمها والاحتفاظ بها في حفيظته أو ذاكرته ، أو قدرة المرء على التعرف إلى حدث أو شيء سبق له أن تعلمه أو عرفه وتمييزه عن غيره ، ويعبر المرء عن عملية التذكر لفظاً بإعادة الألفاظ والكلمات والعبارات التي كان قد حفظها حركة أو أداءً بإعادة القيام بالعمل المتذكر بنفس الطريقة التي كان قد تعلمه بها ، أو تمييزاً بالإشارة إلى الشيء أو الأمر الذي تذكره فتعرف إليه فميزه وحدده وعزله عن غيره ” (بلقيس ومرعي ، ص258 ، 1982) .
مثيرات التذكر :
يمكن تقسيم مثيرات التذكر كما يلي :
- المعنى الإجمالي للموضوع يصبح مؤثراً في تذكر أجزائه ، وهذا ما يحدث في الامتحانات حيث يطلب الممتحن تفصيل موضوع من موضوعات أو توضيح حقيقة من الحقائق كأن يطلب شرح قانون من القوانين ، فالمعنى الإجمالي يحدد تفكير الطالب فيما له ارتباط بالمسألة المعروضة أمامه .
- العنوان : يعتبر العنوان نوعاً من المعنى الإجمالي ، لهذا فإن ذكر عنوان الموضوع ولو في صيغة سؤال كافٍ لتذكره ، لهذا درج بعض الممتحنين على استخدام العنوان وحده للاختبار ، كأن يوضع السؤال في الصيغة الآتية: اذكر ما تعرفه عن : نهاوند – محكمة التفتيش ، الوحدة الجرمانية الخ .
وهذا ما يحدث كذلك في دروس الإنشاء حيث يعرض على الطالب عنوان موضوع أدبي أو بحث من البحوث ، فيكفي ذلك لاستثارة ما سبق للطالب معرفته عنه ، ويختلف ذلك باختلاف ثقافته أو اطلاعه .
- المعنى الجزئي : يكفي أن تمر بنا حقيقة من الحقائق لنتذكر حقيقة أخرى مرتبطة بها كنتيجة حتمية لها أو لتسلسلها منها ، ويحدث هذا عادةً عندما نبتدئ في استرجاع موضوع من الموضوعات، فالصعوبة تعترض الطالب في تذكر موضوع جديد ترجع إلى الصعوبة في اكتشاف الحلقة الأولى من سلسلة الحقائق التي يحتويها ، لهذا كان من اليسير بعد اكتشاف هذه الحلقة أن يتذكر بقية أجزاء الموضوع، لأن كل جزء يصبح بعد تذكره مؤثراً جديداً لتذكر نقطة تالية وهكذا.
- تداعي المعاني : ليس من الضروري أن يستدعي معنى معين اللفظ الذي يدل عليه هذا المعنى كما سبق ذكره بل إن المعنى قد يدعو بطبيعة ارتباطاته السابقة معنى آخر وهذا معنى ثالث وهكذا .
- الارتباط الزماني والمكاني : ويعتبر هذا الارتباط مؤثراً قوياً في كثير من العادات المكتسبة عند الإنسان يسترجعها تحت تأثير الارتباط الزمني كالاستيقاظ في ساعة معينة .
فمما سبق نلاحظ أن قوانين الترابط المختلفة واضحة الأثر كعوامل فعلية على التذكر ، فالكل يعتبر مؤثراً لتذكر الجزء الذي يحتويه ، والشبيه شبيهه ، والشيء ضده وهكذا (عطية الله ، ص190-193 ، 1980) .
العوامل المؤثرة في عملية التذكر :
إن هناك عدداً من العوامل التي يمكن أن تؤثر في عملية التذكر ويمكن حصرها في عوامل ثلاث هي (قطامي ، ص113 – 115 ، 1989) :
1- عوامل خاصة بالمتعلم نفسه :
من استعراض الأدب التربوي في ذلك أمكن القول أن النضج والعمر الزمني واستعدادات ، وقدرات المتعلم بالإضافة إلى ميوله ودوافعه وخبراته السابقة ، وخصائصه الانفعالية والعاطفية ونظام توقعاته ، كل هذه العوامل مجتمعة أو معظمها يمكن أن تؤثر في نوعية الخبرات التي تم تذكرها واسترجاعها ، ويمكن أن توضع هذه العوامل بالصورة التالية : (خير الله ، ص213، 1974) .
2- عوامل خاصة بالخبرات المراد تعلمها :
وتتضمن وضوح الهدف ، ودرجة وجود علاقات بين الخبرات ، ودرجة ارتباط الخبرة – موضوع التعلم – بميول الفرد واتجاهاته ، ويمكن تمثيل ذلك بالمخطط التالي :
3- عوامل خاصة بطريقة التعلم :
ويمكن تمثيلها باتجاهات التعلم السائدة ، وخصائصها في تعلم الخبرة ، حيث خصائص اتجاه تنعكس على طبيعة الخبرات التي تم تعلمها وخزنها وأن هذه الاتجاهات يمكن تمثيلها في المخطط التالي :
4- عوائق التذكر :
هناك عوامل تعسر الإرجاع هي ما نعرفها بعوائق التذكر وهي أنواع
(عطية الله ، ص198 ، 1980) :
- الحالة الانفعالية : الانفعال هو حالة اضطرابية خاصة عند الشخص تؤثر في وظائفه الجسمية ، كما تؤثر في تفكيره ، فالمتعلم تحت تأثير انفعال خاص كالغضب أو الخوف يعجز عن تذكر كثير من الحقائق التي سبق له أن تعلمها ، بل إنه في حالة الفزع أو الخوف الشديد ينسى المرء أبسط الأسماء وأعمها استعمالاً ، والحالة الانفعالية لها أثرها في الامتحانات ولاسيما الشفهية فالحيرة والارتباك والقلق والفزع الذي يساور الطالب يفقده كثيراً من معرفته . لهذا رأى بعض علماء التربية أن الامتحانات بأساليبها الراهنة لا تعتبر مقياساً أكيداً لمستوى الطالب لاسيما في حالة رسوبه لأن ذلك نعزوه إلى أثر الخوف .
- الشعور الذاتي : يكون إحساس الفرد المفرط بشخصه ووجوده عائقاً له عند التذكر ، وهذا يحدث عادةً إذا وجد في وسط يحسب له حسابه كتلعثم الخطباء أمام الجماهير الغفيرة .
- تشتيت الانتباه : إذا لم يكن انتباه المتعلم مركزاً في موضوع تفكيره فإن التشتيت يصبح عائقاً عن التذكر الصحيح .
قواعد تيسر التذكر :
ترجع الصعوبة التي تنشا في عملية التذكر إلى جملة أسباب ، أهمها خطأ في طريقة التعلم أو المذاكرة ووجود بعض العوائق التي سبق ذكرها ، ومن الصعوبة ، ومن الأمور التي تيسر عملية التذكر ما يلي :
- يجب أن يعطي المتعلم للمؤثر الذي يستخدمه فرصة كافية لكي يستثير جميع الاحتمالات المرتبطة به .
- القضاء على عدم الثقة بالنفس ، فلا يترك الخطيب مثلاً لنفسه الفرصة لنقد رأيه أثناء الكلام أو إلى ملاحظة المستمعين وتتبع أثر أسلوبه أو وجهة نظره فيهم.
- القضاء على كل انفعال نفسي كالغضب أو القلق أو الخوف أو اليأس أو الفتور.
- الرجوع إلى الظرف المكاني والزماني الذي جرت فيه المذاكرة كمكان الكلمة المنسية في صفحة الكتاب الذي قرأت فيه .
- ترك الموضوع جانباً بعض الوقت والرجوع إليه من جديد حتى يتخلص المتعلم من آثار الكلمات الخطأ التي تلاحقه بسبب تكرارها أثناء التذكر (عطية الله ، ص210 ، 1980) .