التعصب : تعريفه وأنواعه وأضراره وحكمه

أولا:تعريف التعصب:

تعريف التعصب لغة:

قال ابن منظور:”التعصب:من العصبية.والعصبية:أن يدعو الرجل إلى نصرة عصبته والتآلب معهم على من يناوئهم ظالمين كانوا أو مظلومين.وقد تعصبوا عليهم إذا تجمعوا فإذا تجمعوا على فريق آخر قيل:تعصبوا..

والعصبة:الأقارب من جهة الأب لأنهم يعصبونه ويعتصب بهم أي يحيطون به ويشتد بهم.وفي الحديث:(ليس منا من دعا إلى عصبية أو قاتل عصبية) 1 .

[و]العصبية والتعصب:المحاماة والمدافعة.وتعصبنا له ومعه:نصرناه” 2 .

تعريف التعصب اصطلاحا:

يمكن تعريف التعصب بأنه شعور داخلي يجعل الإنسان يتشدد فيرى نفسه دائما على حق ويرى الآخر على باطل بلا حجة أو برهان.

ويظهر هذا الشعور بصورة ممارسات ومواقف متزمتة ينطوي عليها احتقار الآخر وعدم الاعتراف بحقوقه وإنسانيته.

ثانيا:أنواع التعصب:

للتعصب أشكال مختلفة، منها:

1 – التعصب الديني أو الطائفي:وقد نفى الله – عز وجل – الإكراه على اعتناق الإسلام بقوله:{لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[البقرة:256].

2 – التعصب العرقي أو القومي أو القبلي:وهو التعصب على أساس النوع البشري، سواء اختلفت الألوان أو اتفقت.

3 – التعصب الفكري: وهو التفكير دائما بصفة أحادية مع إلغاء الرأي الآخر ورفض تقبله ونقاشه. وهو إلغاء العقل، والإسلام دين وسطية وتوازن في تناول الأمور وعند التعامل مع البشر، يقول سبحانه وتعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }[البقرة:143].

4 – التعصب للنوع الاجتماعي:كتعصب النساء للنساء، والرجال للرجال مع إلغاء مبدأ تفضيل الناس على أساس التقوى والكفاءة والموهبة والمهارة كل بحسبه.

5 – التعصب الرياضي:وهو الحب الشديد لفريق أو رياضة دون غيرها وعدم تقبل النقد له. ويكفي في بيان ضرره أنه بلا ثمرة.والألعاب الرياضية وسيلة وليست غاية فكيف يتعصب لمتعاطيها،ولو أن الناس استمتعوا بفوائدها وبقضاء الوقت في مباحها لما وجدنا لها هذا الزخم والتفاعل معها،ولكن ثمت من يستفيد من التعصب لها بكافة فروعها تجاريا وسياسيا.

6 – التعصب الطبقي:وهو ما جعل المشركين يعاندون في دخول الإسلام في عهد النبي الكريم – صلى الله عليه وسلم -،قال تعالى عنهم:{وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}[الزخرف:31]،فرد عليهم الله اعتراضهم بقوله:{أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}[الزخرف:32].

وغير ذلك من أنواع.

ثالثا:أضرار التعصب:

للتعصب أضرار كثيرة يمكن إجمالها فيما يلي:

1 – لا يمكن للمتعصب أن يرى الواقع على حقيقته ؛ لأنه يرى ما يميل إليه، ولا يرى ما يرى غيره، وإن كان ظاهرا للعيان لا يمكن جحوده، وبالتالي فأحكامه لا يمكن أن تكون وفق مقتضي الحكمة والصواب.

2 – يقطع النسيج الاجتماعي،ويوسع هوة الخلاف، ويقلل فرص التوصل لحلول ناجعة.

3 – يحرض على لوي أعناق الحقائق و يزيف الواقع ، وبالتالي يحرمنا من التوصل للقرار السليم ، وأن نخطأ في تقييم الأفراد وأطراف المجتمع.

4 – يفسد الوصول إلى الحق وإلى نتائج البحث العلمي الرصين،ويجعلنا نصل لنتائج غير دقيقة،ويحرم الأفراد والمجتمع من التقدم والرقي.

5 – يذكي النزاعات ويطيل أمد الخلاف والشقاق،مما يسهم في زيادة حدة التوتر والقلق.

رابعا:حكم التعصب في الإسلام:

من الثابت شرعا وعقلا أن التعصب لا يهدي الإنسان إلى سواء السبيل؛لأنه يغلق عليه منافذ المعرفة، والوصول إلى علوم الآخرين ومعارفهم، واكتساب الحكمة أنى كان مصدرها ومنبعها، فالذي لا يستمع القول لا يتبع أحسنه، فقد قال تعالى:{الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الألْبَابِ}[الزمر:18].

وقد جاء الإسلام ليحارب كل أشكال التعصب والانغلاق فكل بني آدم مكرم كما قال تعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء:70]،وقال- عز وجل -:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}[الحجرات:13].

وقال النبي- صلى الله عليه وسلم – ذاما لمن يتعصب لغير الحق -وهو الإسلام- بالدعوة أو القتال:”من قتل تحت راية عمية ٍ يدعو عصبية أو ينصر عصبية ً فقتلة ٌ جاهلية“متفق عليه.

فالتعصب لغير الحق مذموم ؛لأنه من الهوى،والله – تبارك وتعالى – قال عن الهوى:{أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلا}[الفرقان:43]،ولما سبق ذكره من أضرار.

x