التنشئة الاجتماعية مفهومها وخصائها وأهدافها

أولاً: مفهوم التنشئة الاجتماعية:

حَظِيَ مفهوم التنشئة الاجتماعية باهتمام كبير في مختلف مجالات المعرفة ( علم الاجتماع، الانثربولوجيا، علم النفس) وفي المعاجم والقواميس، فضلاً عن الأبحاث والدراسات الاجتماعية والنفسية والتربوية، وعليه يمكن القول إنه لا يمكن استيعاب مفاهيم التنشئة الاجتماعية في مبحث أو  في مقال ، وما سنذكره هنا لا يعني سوى قليل من كثير وغيض من فيض.

ويلاحظ أنه لا يوجد تعريف جامع مانع لهذه العملية لأنها إحدى عمليات العلوم الاجتماعية التي تتسم بالنسبية والتغير عبر الزمان والمكان، فهي أصلا عملية تتعلق بالإنسان في سياقه الاجتماعي، وفيما يلي نماذج لبعض مفاهيم التنشئة الاجتماعية.

يرى زين العابدين، أن التنشئة الاجتماعية تعني عملية إكساب الفرد الخصائص الأساسية للمجتمع الذي يعيش فيه ممثله في القيم والاتجاهات والأعراف السائدة في مجتمعه ومعايير السلوك الاجتماعي المرغوب في هذا المجتمع، وهي عملية مستمرة عبر زمن متصل تبدأ من اللحظات الأولى من حياة الفرد إلى وفاته ([1]).

ويرى عالم الاجتماع الأمريكي ( بارسونز ) أن التنشئة الاجتماعية: عملية تعلم تعتمد على التقليد والمحاكاة والتوحد مع الأنماط العقلية والعاطفية والأخلاقية عند الطفل والراشد، وهي عملية تهدف إلى إدماج عناصر الثقافة في النسق الشخصية، وهي عملية مستمرة تبدأ من الميلاد داخل الأسرة وتستمر في المدرسة وتتأثر بجماعات الرفاق ([2]).

ويعرف أميل دور كايم التنشئة الاجتماعية بأنها عملية استبدال الجانب البيولوجي بأبعاد اجتماعية وثقافية لتصبح هي الموجهات الأساسية لسلوك الفرد في المجتمع ([3]).

كما يعرف قاموس علم الاجتماع التنشئة الاجتماعية بأنها “العملية التي يتعلم الطفل عن طريقها كيف يتكيف مع الجماعة عند اكتسابه السلوك الاجتماعي الذي توافق عليه هذه الجماعة“([4])، أما معجم علم النفس والطب النفسي، فإنه يعرف التنشئة الاجتماعية بأنها العملية التي يكتسب الفرد من خلالها المعرفة والمهارات الاجتماعية التي تمكنه من أن يتكامل مع المجتمع ويسلك سلوكا تكيفيًا فيه، وهي أيضا عملية اكتساب الفرد للأدوار والسلوك والاتجاهات التي يتوقع منه في المجتمع([5]).

ويرى آخرون أن التنشئة الاجتماعية هي عملية تشكيل السلوك الإنساني للفرد وأنها عملية تحويل الكائن البيولوجي إلى كائن اجتماعي، وأنها العملية التي تتعلق بتعليم أفراد المجتمع من الجيل الجديد كيف يسلكون في المواقف الاجتماعية المختلفة على أساس ما يتوقعه منهم المجتمع الذي ينشئون فيه، كما أنها عملية إكساب الفرد ثقافة المجتمع([6])، وهي أيضًا العمليات الاجتماعية التي يستطيع بها الوليد البشري المزود بإمكانات سلوكية فطرية أن يتطور وينمو نسبيًا واجتماعيًا بحيث يصبح في النهاية شخصية اجتماعية تعمل وفقا لأحكام جماعتها ومعاييرها وثقافتها ([7]).

ويرى آخرون أن التنشئة الاجتماعية عملية تعلم وتعليم وتربية تقوم على التفاعل الاجتماعي، وتهدف إلى إكساب الفرد سلوكًا ومعايير واتجاهات مناسبة لأدوار اجتماعية معينة، تمكنه من مسايرة جماعته والتوافق الاجتماعي معها، وتكسبه الطابع الاجتماعي وتيسر له الاندماج في الحياة الاجتماعية.

يرى ( كلوزين Clausen ) أن التنشئة الاجتماعية هي العملية التي عن طريقها يوجه الطفل كي يسير على نهج حياة أسرته والجماعات الاجتماعية الأخرى التي يجب أن ينتمي إليها ويسلك في غمارها بصورة ملائمة، وذلك كي يصبح في النهاية مؤهلًا وجديرًا بدور الراشد الناضج ([8]).

بينما ترى (ابتسام مصطفى) أن التنشئة الاجتماعية عملية تفاعل اجتماعي تتم بين الطفل والقائمين على رعايته من خلال مجموعة من الأساليب يتشربها الطفل ويتأثر بها وتهدف تلك العملية إلى تربية هذا الطفل ومساعدته على أن ينمو نموًا طبيعيًا في حدود أقصى ما تؤهله له قدراته في الناحية العقلية والجسمية والعاطفية والاجتماعية والروحية ([9]).

ويرى البعض أن التنشئة الاجتماعية هي عملية التفاعل المركب التي من خلالها يتعلم الفرد العادات والمهارات والمعتقدات ومستويات الحكم الضرورية لمشاركته الفعالة في الجماعات والمجتمعات المحلية ([10]) .

في حين عرفها آخرون، بأنها العملية التي يصبح من خلالها الفرد واعيا ومستجيبا للمؤثرات الاجتماعية بما تشمل عليه من ضغوط وما تفرضه من واجبات حتى يعرف كيف يعيش مع الآخرين، كما أنها العملية التي تحول الفرد إلى إنسان اجتماعي يمثل المجتمع الذي يعيش فيه وهي ممتدة بامتداد الحياة، كما أنها عملية دينامية تتضمن التفاعل والتغير حيث يكون الفرد في تفاعله مع الأفراد، دائم التأثير بالمعايير والأدوار الاجتماعية والاتجاهات النفسية والشخصية الناتجة في النهاية هي نتيجة لهذا التفاعل ([11]).

أما معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية فيعرفها على أنها “العملية التي يتم بها انتقال الثقافة من جيل إلى جيل، والطريقة التي يتم من خلالها تشكيل الأفراد منذ طفولتهم حتى يمكنهم المعيشة في مجتمع ذي ثقافة معينة، ويدخل في ذلك ما يلقنه الآباء والمدرسة والمجتمع للأفراد من لغة ودين وتقاليد وقيم ومعلومات ومهارات … الخ”([12])

بينما يرى (محمد حسن الشناوي) بأن التنشئة الاجتماعية عبارة عن عملية تربية وتعليم هدفها تشكيل شخصية الفرد من جميع الجوانب سواء الروحية، أوالعقلية، أوالجسمية أو المعرفية أو السلوكية ونحوها وفقًا لمعتقدات المجتمع وعاداته وتقاليده وأعرافه ونظم تفكيره، أو هي العملية التي يتعلم بها الفرد من خلال علاقاته بالآخرين وتفاعله معهم كيفية أداء السلوك المقبول من جماعته والابتعاد عن السلوك غير المقبول، ونتيجة لهذا التفاعل ينمو الفرد ويصبح عضوًا فعالًا في المجتمع ([13]).

يتضح من العرض السابق أن عملية التنشئة الاجتماعية عملية معقدة متشعبة، تتضمن من جهة كائنًا بيولوجيًا له تكوينه الخاص واستعداداته المختلفة، ومن جهة أخرى شبكة من العلاقات والتفاعلات الاجتماعية التي تحدث داخل إطار معين من المعايير والقيم، ومن جهة ثالثة تفاعلاً ديناميكيًا مستمرًا بين التنشئة والفرد يؤدي إلى نمو ذات الفرد تدريجيًا.

كما يتضح من العرض أيضًا أن معظم التفسيرات التي تناولت التنشئة الاجتماعية تنصب في ناحية كونها التفاعل الاجتماعي التي يكتسب الأفراد من خلالها شخصيتهم ويتعلمون في نطاقها طريقة الحياة في مجتمعهم.

وتتفق أغلب التعريفات حول الهدف الأساسي من التنشئة الاجتماعية والذي يتمثل في تشكيل الكائن البيولوجي وتحويله إلى كائن اجتماعي.

ويلاحظ في التعريفات السابقة لعملية التنشئة الاجتماعية أن لتلك العملية لها جانبين، جانب تحول وجانب تعلم، كما يلاحظ أن بعض التعريفات جاءت موجزة ( مثل تعريف اميل دوركايم) بينما جاءت تعريفات أخرى طويلة ( مثل تعريف مصطلحات العلوم الاجتماعية)، وبالرغم من هذا التفاوت بين التعاريف من حيث الإيجاز والإسهاب فإنها تتشابه في جوهرها حول معنى المفهوم، والاختلاف بينها ليس كبيرًا، ويرجع الإسهاب لدى البعض إلى محاولة توضيح الآلية التي تحدث بها العملية أو لضرب الأمثلة.

ويلاحظ كذلك أن أغلب التعريفات تركز على تنشئة الطفل، بينما لا تهتم بتنشئة المراهق أو الراشد، وربما يرجع ذلك – في رأي الباحث- إلى احتياج الطفل إلى تنشئة بصورة أكبر  من احتياج المراهق والراشد.

x