السلوك

تعريفهُ //

يعرف السلوك الانساني بأنه أي نشاط يصدر عن الأنسان سواء كان أفعالاً يمكن ملاحظتها وقياسها كالنشاطات الفسيولوجية والحركية , أو نشاطات تتم على نحو غير ملحوظ كالتفكير والتذكر والوسواس وغيرها …….. الخ .

   وقد يكون السلوك مرغوباً فيه بحيث يؤدي الى نتائج إيجابية للفرد والناس الذين يتعامل معهم , أو قد يكون غير مرغوب فيه ولا يستريح له الفرد ويؤدي الى نتائج سلبية لهُ وللأخرين .

  والسلوك قد يحدث بصورة لا إرادية  وعلى نحو ألي ودون رغبتنا مثل التنفس , سيلان اللعاب , السعال , رمش العين , …. الخ , وقد يحدث بصورة ارادية واعية وعندها يكون بشكل قصدي وواعي ويصدر عن رغبتنا ويثير اهتمامنا وهذا السلوك يمكن تعلمه ويتأثر بعوامل البيئة والمحيط الذي يعيش فيه الفرد . [ دافيدوف / 1983 ] …

** السلوك الانساني المتعلم  : –

فالسلوك الانساني متعلم يكتسبهُ الفرد من محيطهُ سواء كان السلوك سوياً أو مضطرباً وبما أنه متعلم أذ يمكن تعديله وتغييره , ليصبح سلوكاً مرغوباً فيه ومقبولاُ . [ أبو أسعد / 2012 ] …

** السلوك الاستجابي  : –

هو أفعال تستثار بواسطة أحداث تسبقهُ مباشرة , ويعرف الحدث المثير لفعل ما من هذه الأفعال بالمثير المحدث للاستجابة { Eliciting Stimulus } وتسمى العلاقة بين المثيرات القبلية المنبهة لها المستجره بالانعكاسات مثل اغماض جفن العين عند تعرضها لنفخة هواء , ونزول دموع العين عند تقطيع شرائح البصل , ورجفة الركبة عند الطرق عليها طرقاً خفيفاً , وإفراز اللعاب عند رؤية الطعام , أن مثل هذه الأنماط تمثل نسبة قليلة من أنماط السلوك الانساني .

   ويتضمن السلوك الاستجابي انعكاسات هيكلية { Skeletal Reflexes } مثل الإجفال , سحب اليد عن موقــد النــار , وردود أفعــال مباشــرة مثل ( الغضـب , الخـوف , الفـرح ) واستجابات أخرى مثل ( الغثيان وإفراز اللعاب ) . [ دافيدوف / 1983 ] …

وعليه ماذا يعني كل من : –

1 . المثيـــر – ( مثير غير شرطي {طبيعي} , ومثير شرطي ) .

2 . الاستجابة – استجابة غير شرطية ( استجابة شرطية ) .

**  المثيـــر  : –   أي حدث أو ظرف أو تغيير محدد في البيئة وينقسم المثير الى قسمين :

أ . مثير غير شرطي ( طبيعي [ م ط ] ) – ذلك المثير الذي لا يحتاج الى الخبرة والتعلم لمعرفة أثره ودوره في السلوك فهو يستجر الاستجابة مثال ذلك ( رائحة أو منظر الطعام في مثيرات شرطية يستجر أجابه غير شرطية ( غير متعلمة ) وهي سيلان اللعاب ) …

ب . المثير الشرطي [ م ش ] – يعرف باسم المثير غير الطبيعي وهو في الأصل مثير محايد وهو المثير الذي نتعلم أثره في السلوك من خلال عملية الاقتران التي تحدث عندما يقترن مثيراً ما مع مثير غير شرطي مثال ذلك ( دق الجرس ثم جلب الطعام ) …

**  الاستجابـــة  : –   هي أي نشاط يصدر عن العضوية سواء كان ارادياً أو غير ارادي , أذن الاستجابة والسلوك هما نفس النشاط ولكن قد يتألف السلوك من عدد من الاستجابات وتنقسم الاستجابة الى نوعين هما : –

 أ . استجابة غير شرطية ( ارادية غير متعلمة ) – وهي تلك التي تكون جزءاً من رد الفعل المنعكس والتي تستجرها المثيرات غير الشرطية كما هو الحال في الاشراط الكلاسيكي [ م . غ . ش ] , الصوت العالي [ س . غ . ش ] الحفلة , أعراض الخوف , الطعام – سيلان اللعاب , وخز اليد – بدبوس سحب اليد , تسليط الضوء على العين – غلق الجفون …. الخ .

ب . استجابة شرطية ( ارادية متعلمة ) – استجابة متعلمة للمثير الشرطي تنتج بعد اقتران المثير الشرطي بمثير غير الشرطي مثال ذلك ( وضع بافلوف كلياً في غرفة مظلمة وربطه بشكل محكم ثم قام بتوجيه الضوء عليه ثم وضع مسحوق الطعام في فمه مثيراً بذلك سيلان اللعاب لديه وكرر هذه العملية عدة مرات ثم لاحظ أن الضوء تمكن من أثارة استجابة سيلان اللعاب عندما تم تقديمه لوحده [ أبو غزال / 2006 ].

***  اشراط السلوك الأستجابي  : –

يمكن أن ينتقل السلوك الأستجابي من موقف لأخر بواسطة أجراء يطلق عليــه ( الاشراط الأستجابي ) { Respondent Conditioning } أو الاشراط الكلاسيكي { Classical  Conditioning } على سبيل المثال استجابة الإجفال تصدر بصورة متكررة عند حدوث الرعد , وتنتقل بسهولة الى رؤية البرق الذي يسبق عادة حدوث الرعد , وكذلك فأن الشعور بالغثيان , وهو شعور استجابي أخر يمكن أن ينتقل بسهولة من تناول طعام مسمم أو حدوث مرض وعندما نقول ( أنتقل { Transferred } ) فأننا نعني أن مثيراً جديداً اكتسب القدرة على اصدار الاستجابة مع بقاء فعالية المثير القديم المحدث للاستجابة . [ دافيدوف / 1980 ]

** السلـــوك الاجرائـــي  : –

هو السلوك الذي يتحدد بفعل العوامل البيئية مثل العوامل الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والدينية والجغرافية وغيرها , بحيث يدخل تعديل على البيئة التي يعيش فيها الفرد وليس عن طريق مثيرات قبلية تستجره , أذ ليس هناك في الواقع مثيرات قبلية تستجر السلوك الاجرائي , بل هنالك مثيرات تهيء الفرصة لظهوره , وتسمى مثل هذه المثيرات بالمثيرات التمييزية , فقيادة السيارة أو ركوب الدراجة أو المشي على الأقدام بهدف الوصول الى مكانٍ ما , هي سلوكات اجرائية وتصدر دون حاجة لاقتراض مثير , ويمثل السلوك الاجرائي معظم أنماط السلوك الانساني , والسلوك الاجرائي لا يحدث من تلقاء نفسه , بل أن الكائن الحي ذاته هو الذي يتسبب في حدوثه من هذا المنطلق فأن الكائن الحي يكون نشطاً في بيئته وبالتالي فهو لا يدافع هنا وهناك في هذه البيئة مسلوب الارادة[ صالح / 1980 ]

    في حين نرى في رسالتنا الاسلامية في كتاب الله تعالى ( القرآن الكريم ) أذ قال متكرماً سبحانهُ وتعالى {{ هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلو من رزقهِ وأليه النشور }} [ الملك / 15 ] .

وذلك يعني لم يكن هنالك مثيراً وإنما سخر الأرض للإنسان وجعلها ساكنة تعملون فيها ما تشاؤون وتشتهون في طرقها وفجاجها وقيل في جبالها , أي أباح المشي فيها لطلب المنافع في التجارات ثم كلوا مما أنبت الله تعالى في الأرض والجبال من الزرع والأشجار حلالاً ثم وأليه النشور أي والى حكمهِ المرجع [ الطبرسي / 1425 هـ ] .

لذلك نرى أن رسالتنا الإسلامية هي التي وضعت منهج السلوك الاجرائي قبل ( 1400 سنة ) ولكن المنهجية التي نلجأ أليها هي تقوم على أساس فلسفة النظريات الحديثة دون الرجوع الى المنهج العظيم في رسالتنا العظيمة .

   وعليه يرى بعض العلماء والباحثين أن أول من وضع منهجية السلوك الاجرائي في العصر الحديث هو المنظر الأمريكي الأصل ( سكنر .  B.F ) أذ يقول أن السلوك الاجرائي في مجمله يقوم على قاعدة رئيسية هي أن السلوك حصيلة ما يؤدى له من نتائج وأثار , للإشارة الى أن تقوية جوانب معينة من السلوك تتوقف على ما يتبع هذا السلوك من نتائج ايجابية كالتعزيز أو مكافئة أو سلبية كالعقاب , واذا استجاب الكائن الحي مرات أكثر بسبب ما يترتب على استجابة من نتائج فأننا نقول أن الاستجابة قد تعززت , أما أذا استجاب الكائن الحي بدرجة أقل بسبب ما يترتب على استجابته من نتائج فأنه يقال أن الاستجابة قد عوقبت . [ أبو غزال / 2006 ] .

  عن الأمام علي ( عليــه الســلام ) في هذا المجال قال { كل امرئٍ مسؤولٌ عما ملكت يمينهُ وعياله }

** الاشراط الاجرائي  : – أو اشتراط السلوك الاجرائي ولكن ما هو السلوك الاجرائي ؟ وكيف يتم اشراطه ؟ …

  السلـــوك الاجرائـــي : هو أفعال تلقائية تبادر بها العضوية من تلقاء نفسها ومن الأفعال الاجرائية الانسانية الشائعة ( المشي , الرقص , الابتسام , التقبيل , كتابة الشعر , شرب المثلجات , مشاهدة التلفزيون , نشر الإشاعات , ولكنها تتأثر بقدر كبير بعواقبها أو توابعها .

** اشراط السلـــوك الاجرائــي  : –

يحدث الاشراط الاجرائي أو الوسيلي { Instrumental } كلما كانت التوابع الناجحة عن فعل اجرائي ما تزيد أو تقلل من احتمال أو تقلل من احتمال صدور هذا الفعل في موقف مشابه , بمعنى أخر أثناء الاشتراط الاجرائي يتغير تكرار حدوث فعل ما ( الفعل الاجرائي ) مثلاً أذا تكررت حدوث فعل اجرائي ما متبوعاً بنتائج سارة بالنسبة للمتعلم فأن احتمال حدوث هذا الفعل يزيد عادة في ظل ظروف مماثلة أو حدوث عواقب السلوك غير سارة فأنه من المحتمل أن يتكرر حدوثه بصورة أقل في ظروف مشابهة وفي أثناء حياتنا اليومية , يتم اشراط الافعال الاجرائية بصورة مستمرة , وعادةً ما يتم ذلك دون وعينا مثال ذلك ( لو كنت تشعر بمشاعر صادقة حقيقية تجاه صديق ما فأن العلاقة بينكما تصبح حميمية وأكثر إمتاعاً ومميزات تلك العلاقة تكون حقيقية لدرجة أنك تستمر في التحدث معه عن تلك الصداقة وعن العلاقات المقبلة ونفترض أنك أتبعت طريقة جديدة للمذاكرة أدت الى حصولك على درجة متميزة (ممتازة) , فأنك من المحتمل أن تستمر في استخدامك لتلك الطريقة , عليه أن احتمال حدوث سلوك اجرائي معين في موقف معين يتغير وفقاً لعواقبهُ وسلبياتهُ وأيجابياته . [ دافيدوف / 1983 ] .

   لذا أن أكثر النتائج أهمية المرتبطة بالبحث في الاشراط الاجرائي أنه قد أدى الى تكنيك جيد للتعلم غالباً ما يسمى بتعديل السلوك { Behavior Modification } ويستخدم هذا التكنيك في العالم بواسطة علماء النفس , المعلمين , الاباء , وأخرين في مواقع عمل مختلفة , ويهدف تعديل السلوك الى :

1 . هدف تعديل السلوك هو التخفيف والتلطيف من مشكلات الأنسان .

2 . هدف تعديل السلوك بذل جهد ما لإعادة التعلم .

3 . اشتقت التكنيكيات من البحوث النفسية أو هي متسقة معها .

4 . يتم تقويم النتائج بطريقة منتظمة . [ المصدر السابق ] .

   لذا لا يطلق على الاشراط الاجرائي أنه يؤكد على الاستجابات التي تؤثر على الفرد , أي أن التعلم يحدث أذا عقب السلوك حدث في البيئة يؤدي الى اشباع حاجة الفرد واحتمال تكرار السلوك المشبع في المستقبل وهكذا تحدث الاستجابة ويحدث التعلم أي أن النتيجة التي تؤدي الى تعلم السلوك وليس المثير , ويرتبط التعلم الاجرائي في اسلوب التعزيز الذي يصاحب التعلم وصاحب هذا الاجراء هو الاجراء أذا كان وجود النتيجة يتوقف على الاستجابة , ولهذا الاجراء استخدامات كثيرة في مجال التوجيه والارشاد والعلاج السلوكي وتعديل سلوكيات الأطفال والراشدين في المدارس ورياض الأطفال والمستشفيات والعيادات ولها استخداماتها في التعلم والتدريب والإدارة والعلاقات العامة [ باترسون / 1995 ] .

   لذا أن هذا الاجراء متفق عليه بين علما العلاج النفسي السلوكي , أي أن كثيراً من جوانب الشذوذ في سلوك الطفل يمكن تفسيرها في ضوء هذا الجانب الاجرائي فالاستجابة للطفل كلما صرخ وأجهش في البكاء بالعناق والتقبيل , ستؤدي في أغلب الاحيان الى أن يصبح البكاء والصراخ اسلوباً معتاداً لهذا الطفل كلما أحتاج الى تحقيق رغبة معينة أو الى أثارة الانتباه , فضلاً عن ذلك فأن التدعيم الخاطئ والانتباه الزائد وإظهار الاهتمام عندما تصدر عن الأطفال مشكلات سلوكية معينة كالسباب والتهجم على الأخرين – ستؤدي الى تقوية الجوانب المرضية من السلوك وليس الى اختفائها , لذا يجب الانتباه والاهتمام بالنواحي الايجابية في السلوك بدلاً من الاهتمام بالجوانب الخاطئة والمرضية فقط , فأنهُ يتحول ويساعد على تقوية كثير من الجوانب الصحية والحقيقية لمساعدة أبنائنا وتلامذتنا وطلابنا للعمل في السلوك الانساني الصحيح .

x