الفرضية التجريبية خصائصها ومصادر اشتقاقها

ذكرنا في بنود كثيرة سابقة أن التجربة النفسية تصمم لاختبار فرضيات حول أثر شروط علاجية مختلفة على السلوك، ويمكن تعريف الفرضية على أنها تفسير مؤقت للحدث أو السلوك أو هي رأي علمي لم يثبت بعد وهي الفكرة الرئيسة للتجربة وتمثل نهاية التفكير الطويل الذي يستبعد التفسيرات غير المحتملة ويرسو على افتراض معين يبدو مقبولاً أو أكثر قبولاً.

تتم صياغة الفرضية وتكوينها بطرق عديدة وبعد صوغها يعمل الباحث على اختبارها بإجراءات تجريبية مختلفة سنتعرف عليها جميعاً في هذه المحاضرة.

صيغ وخصائص الفرضية التجريبية:

  1. الصيغة التركيبية: هي تضييق نطاق الاحتمالات او الافتراضات فالأشياء غير المتعلقة ببعضها والبعيدة لا يمكن أن تكون لها علاقة سببية لذا لا يمكن عدها افتراضاً، إليك المثال الآتي:

نفترض أنك أعددت قائمة بالأسباب التي تحول دون قراءتك هذه المحاضرة على الإنترنت؟ وكتبت الأسباب الآتية:

  1. ليس لدي أنترنت في البيت.
  2. أنا لا أفهم عند قراءتي.
  3. لأن أبي يأكل السمك كثيرًا.
  4. لأني أحب شراء الملابس.

سنقوم الآن بتضييق نطاق الاحتمالات بناءً على المنطق ونستبعد الأشياء غير المتعلقة التي لا يمكن أن تكون سبباً في عدم قراءة المحاضرة على الأنترنت بالتأكيد سنحذف احتمال (لأن أبي يأكل السمك كثيرًا) واحتمال (لأني أحب شراء الملابس). لأن الاحتمالين الأخيرين لا علاقة منطقية لهما بأسباب عدم قراءة المحاضرة.

إذن إن تشذيب وتنحية العوامل والاحتمالات التي لا تؤثر في عدم قراءتك هي المفتاح لصياغة الفرضية وهذه الصيغة تسمى الصيغة التركيبية للفرضية  وهي تحتمل الصواب والخطأ أي أما تكون صحيحة أو خاطئة.

2.الصيغة التحليلية للفرضية: هي الصيغة التي تكون فيها الفرضية دائماً صحيحة طالما أنها تغطي كل الاحتمالات كأن تقول (أنا في كربلاء أو أنا لستُ في كربلاء).

  1. الصيغة المتناقضة للفرضية: هي التي تكون فيها الفرضية دائماً خاطئة كأن تقول (أنا لدي أخ وليس لدي أخ) وهكذا.

ونحن ان افترضنا فرضيات في الصيغ التحليلية أو المتناقضة فأن تجاربنا لن توفر لنا أي معلومات، بالتالي لسنا بحاجة للقيام بتجربة وفحص تلك الفرضيات، فالفرضية التجريبية يجب أن تكون بصيغة تركيبية بحيث تعطي بعض الفرص لأن تكون صحيحة وبعض الفرض لأن تكون خاطئة.

أخيرًا تصاغ الفرضية التركيبية متضمنة ب “إذا.. إذن” إذا كان..إذن سيكون” مثال” إذا كانت الإضاءة جيدة. إذن أستطيع القراءة.. حينها سنقيس في التجربة سلوك القراءة لمعرفة صحة الفرضية أو خطئها وهكذا بالنسبة لباقي الفرضيات التركيبية، مثال آخر: إذا واجهتك ظروفاً صعبة إذن ستكون شخصيتك قوية، فالمثالين الأخيرين يمكن اثبات صحتهما أو خطأهما بالتجربة.

من الصيغ السابقة نستنتج إن الفرضية التجريبية الجيدة يجب أن تكون تركيبية خالية من التناقضات والتحيز وهذه أهم معايير وخصائص وصفات الفرضية التجريبية كما يجب أن تكون قابلة للاختبار ومتصفة بالدقة والبساطة والوضوح إضافة لأن تكون خصبة تولّد دراسات وبحوث جديدة، وهنا أشير أن جميع النظريات العلمية هي وليدة افتراضات وهنا قيمة البحث والفرضية.

يقول برتراندرسل 1945، كقاعدة “إن صياغة الفرضيات هي أصعب جزء في العمل العلمي وجزء يستلزم قابلية عظيمة وحتى الآن لا توجد طريقة تجعل ابتكار الفرضيات ممكنة وفقاً لقاعدة ما”

الطرائق العامة في صياغة الفرضيات

  1. النمط أو النموذج الاستقرائي: يدعى بأسلوب أرسطو لصياغة الفرضيات وهو عملية استنباط مبادئ عامة من حالات فردية أو جزئية محدودة. وغالباً ما يستخدم في العلوم والرياضيات تمكننا هذه الطريقة من اختبار امثلة وشواهد جزئية يمكن ان نبني قاعدة عامة تنضوي تحتها تلك الشواهد وتعطي وصفاً عامَّاً لها، إليك المثال الآتي:-

الحديد معدن يتمدد بالحرارة ــــــــــــــ حالة جزئية

الفضة معدن يتمدد بالحرارة ــــــــــــــ حالة جزئية

إذن المعادن تتمدد بالحرارة ــــــــــــــ القاعدة العامة التي استنبطت من الحالات الجزئية وهكذا بالنسبة للطريقة الاستقرائية في صياغة الفرضية.

مثال آخر/

وأنت في حفلة مع أصدقائك جاء شخص لا تعرفه وقال لك: “أنت من مواليد برج الميزان وأنا يمكن أن أقول ذلك من ملابسك الجميلة والأنيقة اعتنائك الزائد بهندامك وهيأتك ومن الخاتم الذي تلبسهُ”. إن هذا الشخص الغريب أجهد نفسه نوعاً ما في الاستقراء حيث اعتمد على ملاحظات جزئية محددة عنك ( طريقة لبسك، اعتنائك الزائد بهندامك وهيأتك الخاتم الذي تلبسه) ووضع هذه الحقائق الجزئية وبوبها وفق نظام عام وهو (نظام الأبراج) فوجد انها علامات شخص من مواليد برج الميزان يعتني بأناقته وهندامه ويحب الخاتم الخ. فالاستقراء إذن من حالات جزئية يمكننا صوغ قاعدة عامة.

  1. النمط أو النموذج الاستنتاجي” الاستدلالي”:

يدعى بأسلوب غاليلو لصياغة الفرضية وهو عكس الطريقة الاستقرائية فالاستدلال هو عملية استنتاج تنبؤات وحالات جزئية من المبادئ العامة أي يمكن استخراج نتائج جديدة من مقدمات معروفة أو مبدأ عام. كما في مثال المعادن السابق.

المعادن تتمدد بالحرارة ـــــــــــــــــ نظرية عامة

الفضة تتمدد بالحرارة ـــــــــــــــــــ حالة جزئية استنتجت من الحالة العامة الأولى إن جميع المعادن تتمدد بالحرارة.. وهكذا بالنسبة لبقية المعادن.

أخيرًا لقد نظرنا إلى الاستنتاج والاستقراء كطريقتين منفصلتين لصياغة الفرضية وفي الواقع أنهما ليسا منفصلين، فالاستقراء والاستنتاج كلاهما طريقتان مهمتان في البحث وكلاهما مفيدان لصياغة فرضيات لأجل الدراسة.

مصادر الفرضية:

  1. التجارب الشخصية.
  2. الحدس والتخمين.
  3. النظريات العلمية
  4. البحوث والدراسات السابقة.
  5. الصدفة أو الاكتشاف العرضي.
x