الفكر الاجتماعي لبعض الفلاسفة المسلمين

1-الفارابي 

أبو نصر محمد الفارابي هو أبو نصر محمد بن محمد بن أوزلغ بن طرخان الفارابي . ولد عام 260 هـ/874 م في فاراب في اقليم تركستان وتوفي عام 339 هـ/950م . فيلسوفمسلم[2][3] اشتهر بإتقان العلوم الحكمية وكانت له قوة في صناعة الطب.

ولد الفارابي في مدينة فاراب، ولهذا اشتهر باسمه. نسبة إلى المدينة التي عاش فيها . كان أبوه قائد جيش، وكان ببغداد مدة ثم انتقل إلى سوريا وتجول بين البلدان وعاد إلى مدينةدمشق واستقر بها إلى حين وفاته. يعود الفضل إليه في إدخال مفهوم الفراغ إلى علم الفيزياء. تأثر به كل من ابن سينا وابن رشد.

تنقل في أنحاء البلاد وفي سوريا، قصد حلب وأقام في بلاط سيف الدولة الحمداني فترة ثم ذهب لدمشق وأقام فيها حتى وفاته عن عمر يناهز 80 عاماً ودفن في دمشق، ووضع عدة مصنفات وكان أشهرها كتاب حصر فيه أنواع وأصناف العلوم ويحمل هذا الكتاب اسم إحصاء العلوم.

سمي الفارابي “المعلم الثاني” نسبة للمعلم الأول أرسطو والإطلاق بسبب اهتمامه بالمنطق لأن الفارابي هو شارح مؤلفات أرسطو المنطقية.

عكف في مسقط رأسة على دراسة طائفة من مواد العلوم والرياضيات والآداب والفلسفة واللغات وعلى الأخص التركية وهي لغته الأصلية بجانب معرفته للغات العربية والفارسيةواليونانية.

ثم خرج من بلده حوالي سنة 310 هـ , وهو يومئذ يناهز الخمسين ، قاصداً العراق ، حيث أتم دراساته . فيما بدأ فيه في مسقط رأسه وأضاف إليه مواد أخرى كثيرة ، فدرس فيحرّان الفلسفة والمنطق والطب على الطبيب المنطقي المسيحي يوحنا بن حيلان ، ودرس في بغداد الفلسفة والمنطق على أبي بشر متى بن يونس ، وهو مسيحي كان حينئذ من أشهر مترجمي الكتب اليونانية ومن أشهر الباحثين في المنطق ، ودرس في بغداد كذلك العلوم اللسانية العربية على ابن السراج ، وأتيح له فيها أيضاً دراسة الموسيقى وإتمام دراساته في اللغات والطب والعلوم والرياضيات ، ولا غرابة أن يتتلمذ في هذه السن المتقدمة ، فقد كان دأب العلماء في هذه العصور ، يطلبون العلم من المهد إلى اللحد.[4] كان الفارابي مولعاً بالأسفار في طلب العلم ونشره والإحاطة بشئون الجماعات ، فانتقل من العراق إلى الشام حوالي سنة 330 هـ حيث اتصل بسيف الدولة بن حمدان الذي عرف له فضله ، وأكرم وفادته ، وعاش في كنفه منقطعاً إلى التعليم والتأليف ، وكان في أثناء إقامته بالشام يتنقل بين مدنها وخاصة بين حلب (عاصمة الحمدانيين) ودمشق التي كانت في حوزتهم تارة وتخرج أخرى ، وقد سافر مرة من الشام إلى مصر ، وكان ذلك على الراجح سنة 338 هـ ثم رجع منها إلى دمشق حيث توفي سنة 339 هـ.[4]

للفارابي رسالة في آراء أهل المدينة الفاضلة ضمنها آراءه في السياسة، ويبدو فيها تأثره واضحا بجمهورية أفلاطون كما أنه يعتمد بنسبة أقل على الأخلاق النيقوماخية لأرسطو. فعنده أن الممسك بمقاليد الدولة يجب أن يكون رئيسًا فيلسوفًا، وهو يخلع عليه جميع الفضائل الي تتوفر للأنبياء وورثتهم. وفيما يلي مقتطف حول خصال رئيس المدينة الفاضلة عند أبو نصر الفارابي :
 
“فهذا هو الرئيس الذي لا يرأسه أي إنسان آخر أصلا. وهو الإمام وهو الرئيس الأول للمدينة الفاضلة، وهو رئيس الأمة الفاضلة، ورئيس المعمورة من الأرض كلها. ولا يمكن أن تصير هذه الحال إلا لمن اجتمعت فيه بالطبع اثنتا عشرة خصلة قد فطر عليها:
أحدها أن يكون تام الأعضاء، قواها مؤاتية أعضاءها على الأعمال التي شأنها أن تكون بها، ومتى هم بعضو ما من أعضاءه عملا يكون به فأتى عليه بسهولة.
ثم أن يكون بالطبع جيد الفهم والتصور لكل ما يقال له، فيلقاه بفهمه على ما يقصده القائل، وعلى حسب الأمر نفسه.
ثم أن يكون جيد الحفظ لما يفهمه ولما يراه ولما يسمعه ولما يدركه، وفي الجملة لا يكاد ينساه.
ثم أن يكون جيد الفطنة، ذكيا، إذا رأى الشيء بأدنى دليل فطن له على الجهة التي دل عليها الدليل.
ثم أن يكون محبا للتعليم والاستفادة، منقادا له، سهل القبول، لا يؤلمه تعب التعليم، ولا يؤذيه الكد الذي ينال منه.
ثم أن يكون غير شره على المأكول والمشروب والمنكوح، متجنبا بالطبع للعب، مبغضا للذات الكائنة عن هذه.
ثم أن يكون محبا للصدق وأهله، مبغضا للكذب وأهله.
ثم أن يكون كبير النفس، محبا للكرامة : تكبر نفسه بالطبع عن كل ما يشين من الأمور، وتسمو نفسه بالطبع إلى الأرفع منها.
ثم أن يكون الدرهم والدينار وسائر أعراض الدنيا هينة عنده.
ثم أن يكون بالطبع محبا للعدل وأهله، ومبغضا للجور والظلم وأهلهما، يعطي النصف من أهله ومن غيره ويحث عليه، ويؤتي من حل به الجور مؤاتيا لكل ما يراه حسنا وجميلا، ثم أن يكون عدلا غير صعب القياد إذا دعي إلى الجور وإلى القبي.
ثم أن يكون قوي العزيمة على الشيء الذي يرى أنه ينبغي أن يفعل، جسورا عليه، مقداما غير خائف، ولا ضعيف.
واجتماع هذه كلها في إنسان واحد عسر، فلذلك لا يوجد من فطر على هذه الفطرة إلا الواحد بعد الواحد، والأقل من الناس. فإن وجد مثل هذا في المدينة الفاضلة ثم حصلت فيه، بعد أن يكبر، تلك الشرائط الست المذكورة قبل أو الخمس منها دون الأنداد من جهة المتخيلة كان هو الرئيس”.

لتقشف فلم يتزوج ، ولم يقتن مالاً ، ولم يشأ أن يتناول من سيف الدولة إلى أربعة دراهم في اليوم – كما يذكر كثير من الرواة – ينفقها فيما احتاج إليه من ضروري العيش ، وقد اكتفى بذلك قناعة منه ، وكان في استطاعته وهو الأثير عند الملك الجواد سيف الدولة بن حمدان أن يكتنز الذهب والفضة ويقتني الضياع ، ويروى أنه قد بلغ به التقشف أنه كان يسهر الليل للمطالعة والتصنيف مستضيئاً بقنديل الحارس ، لأنه لم يكن يملك قنديلا خاصاً ، وأنه قد بقي على ذلك أمداً طويلا.[4]

وكان يؤثر العزلة والوحدة ليخلو إلى التأمل والتفكير ، وكان طول مدة إقامته بدمشق ، كما يقول ابن خلكان في «وفيات الأعيان» يقضي معظم أوقاته في البساتين وعلى شواطئالأنهار ، فلا يكون إلا عند مشتبك رياض ، حيث يؤلف بحوثه ويقصد إليه تلاميذه ومساعدوه .[5]

x