الفلسفة الواقعية

       تقوم هذه الفلسفة على اساس الاعتقاد في حقيقة المادة فالكون ليس خدعة بل انه يوجد حقاً وجوهرياً . والاشياء موجودة وجوداً مستقلاً عن العقل ، اي موجودة بحد ذاتها . وعلى الرغم من اتفاق الواقعيين حول المادة الا انهم يختلفون في امور اخرى ، فأنقسموا الى مدارس متعددة اشهرها : الواقعية العقلية ، والواقعية الطبيعية او العلمية ، والواقعية الجديدة .

       وتنقسم الواقعية العقلية الى واقعية كلاسيكية وتعرف باسم الانسانية الكلاسيكية ، والواقعية الدينية ومنها ( التوماوية ) ومنظرها توما الاكويني التي تؤكد ان كلا من المادة والروح قد خلقهما الله والمادة اكثر واقعية من الروح ، ولكن الروح نوع اعلى من الوجود لان الله نفسه روح وكامل من جميع النواحي .

       اما الواقعية الطبيعية او العملية فقد جاءت بعد قيام العلم الطبيعي في اوربا خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر وهي اكثر شهرة في الفكر الانكليزي ومن اشهر فلاسفتها فرنسيس بيكون (1561-1626م) وجون لوك (1632-1704م) ودافيد هيوم (1711-1776م) وجون ستيورات مل (1806-1873م) وفي مجال التربية كان اهم دعاتها المربي جان جاك روسو (1712-1778م) .

       من مبادئ الواقعية ، ان الكون ليس خدعة ، بل واقع حقيقي وجوهري ، وكل الاشياء المحيطة بنا موجودة وجوداً حقيقياً مستقلاً وليست مجرد افكار في عقول البشر مخالفين بذلك المثاليين والعقلانيين . تعتمد الواقعية كثيراً على الحواس وتثق بها وتخضعها لمقولات العقل واحكامه ، وفي الوقت نفسه تعترف الواقعية بخداع الحواس ، لذا تعتمد على المنهج التجريبي والاستقراء اي جمع المعلومات عن طريق قراءة الواقع وفحصه بدقة ، وليس الاكتفاء بالاستدلال العقلي .

       تنظر الواقعية التي الكون على انه دائم ومستمر ، والتغير يحدث وفقاً لقوانين الطبيعية التي تجعل الكون بنياناً مستمراً .

       اما الروح Spirit فهي قضية مشكوك فيها عند الكثير من الواقعيين ولا يمكن البرهنة عليها . ولكن هذا لا ينفي وجود تيارات واقعية تؤمن بالروح والدين ومنها (التوماوية) حيث تؤكد ان الروح اسبق من المادة وهي الجوهر والاصل ، والانسان مزيج من المادة والروح ، وان الجسد والروح يشكلان طبيعة واحدة .

       يؤكد بعض الواقعيين حرية الاختيار عند الافراد . في حين يعد البعض الاخر ما نسميه (حرية) يعده حرية (شخصية) فقط لان فرد محكوم بالغرائز والبيئية الطبيعية والاجتماعية التي يتفاعل معها ، وان كل فرد يميل الى الخطيئة التي ورثها عن ادم وتحكمه ، من هنا لابد ان ينال مساعدة الهية .

       ويفكر البعض الاخر من الواقعيين ان وجود حرية الارادة ويبرهنون على ان الفرد محكوم بتأثير البيئة الطبيعية والاجتماعية على الاصل الموروث وحرية الاختيار حرية ظاهرية فحسب .

       اختلف وتباين موقف الواقعيين من القيم فبعضهم نادوا بخلود القيم واستمرارها وعدم تغيرها ، فهي مطلقة وثابتة وخاصة في الجنس البشري واكد البعض الاخر من الطبيعيين ( اجتماعية القيم ) وهم ينكرون ان للقيم قانوناً فوقانياً بل انها نشأت من ظروف المجتمع وتغيراته ومن ثم فهي نسبية .

       ترى( الواقعية ) ان ( العمل ) يستمد قيمته الحقيقية من قدرة الانسان على تشكيل الواقع وتعديله على النحو الذي يجعله نافعاً للانسان ، وعلى الانسان ان يعمل كجزء من هذا العالم شأنه شأن اي نوع من الكائنات الاخرى ، فعمل الانسان يعد جزء من خطة عامة لعمل الكون وما يحويهمن انظمة متعددة .

       يمتاز عمل الانسان عن الكائنات الاخرى بكونه يتضمن عناصر التنظيم والتخطيط والعقلانية والتحكم والضبط نظراً لاعتماده على مناهج العلم ونتائجه ، ونظراً لاستناده الى التجربة الحسية المباشرة .

       وتؤكد الواقعية على الحواس بحسبانها مصدر المعرفة حيث لا يمكن ان ينطبع في الذهن شيء لم يأت من طريق الحواس ، فالعقل لا يملي اوامره على الواقع لهذا ارتكزت الواقعية على الدراسات الواقعية التي يمكن الوصول الى حقائقها عن طريق الحواس ومن طريق الملاحظة والاعتماد على التجارب والاستناد الى الشواهد ثم تحليلها بالعقل كمدخل اساسي للمعرفة .

x