القوانين العلمية

القانون هو عبارة عن علاقة ضرورية تقوم بين ظاهرتين او اكثر . فعندما نقول بأن الظاهرة ( أ ) سببت وقوع الظاهرة (ب) فأننا نعني بأن وقوع الظاهرة (أ) كان قبل وقوع الظاهرة (ب) اي ان الظاهرة (ب) تعتمد على ظاهرة (أ) . أذن توجد هناك علاقة جدلية ومنطقية بين الظاهرتين . والقوانين تقسم الى قسمين : القوانين السببية (Causal Laws) والقوانين الوظيفية (Functional Laws) . القوانين السببية هي الاحكام الموضوعية والعقلانية التي تفسر العلاقة الجدلية والمنطقية بين حادثتين او ظاهرتين . الحادثة المستقلة والحادثة المعتمدة التي يعتمد وقوعها على وجود الحادثة المستقلة . فالقانون الذي ينص على ان المطر يعتمد على التبخر والتبخر يعتمد على الحرارة هو قانون سببي عقلاني يربط بين ظاهرة مستقلة كالحرارة مثلاً وظاهرة معتمدة كالتبخر او المطر . اما القوانين الوظيفية فتعبر عن عن العلاقات بين الظواهر دون ان تشرح تلك الظواهر من الناحية السببية . وتعبر العلاقة الوظيفية عن كل ترابط بين ظاهرتين توجدان في آن واحد ، وتتغيران تغيراً نسبياً بحيث تعتبر كل منها شرطاً من شروط وجود الأخرى دون امكان القول بأن احداهما سبب والأخرى نتيجة . والقوانين الوظيفية تكثر في العلوم الاجتماعية وتكون صحتها اعلى نسبياً من صحة القوانين السببية وذلك لتعقد الظواهر الاجتماعية وكثرة الاسباب والمتغيرات التي تؤثر فيها . بينما تكثر القوانين السببية في العلوم الطبيعية كالرياضيات والفيزياء والكيمياء نظراً لوضوح ظواهرها وترابط الاشياء والمواد التي تدرسها ترابطاً عقلانياً وسببياً يمكن تفسيره بالسبب والنتيجة(Cause and Effect)  . فهناك الكثير من الظواهر الطبيعية يمكن ان تفسر بالسبب الواحد ، مثلاً تتقلص المعادن بانخفاض درجات الحرارة وتتمدد بارتفاع درجات الحرارة . بينما لا يمكن تفسير الظواهر الاجتماعية كالطبقية أو الجريمة أو السلوك الاجتماعي أو الانتحار أو ازدحام السكان في المدن أو التعاون أو التنافس أو المركزية واللامركزية بالسبب الواحد . فلو اخذنا ظاهرة الطبقية مثلاً لوجدنا بأن هناك عدة عوامل تؤثر في انتماء الشخص لطبقة أو فئة أو شريحة اجتماعية دون الطبقة أو الفئة أو الشريحة الاخرى . ومن اهم هذه العوامل الدخل والملكية ، الثقافة والتربية والتعليم ، المهنة ، المنطقة السكنية ، لقب العائلة ، اللغة والمظهر الخارجي ، القيم والمقاييس والمصالح والأهداف … الخ . جميع هذه العوامل مجتمعة تساعدنا على معرفة الطبقة أو الشريحة الاجتماعية التي ينتمي اليها الفرد في المجتمع العصري الحديث . بينما اللجوء الى السبب الواحد في تفسير ظاهرة الطبقية كاللجوء الى العامل المادي أو الاقتصادي مثلاً في قياس المكانة والفئة الاجتماعية التي ينتمي اليها الفرد لا يمكن ان يساعدنا في معرفة طبقته ومكانته الاجتماعية . حيث ان ظاهرة الطبقية هي ظاهرة معقدة وشائكة و يمكن فهمها وتعرية ملابساتها بدراسة العامل الواحد . وكذلك الحاللا بالنسبة لبقية الظواهر .

ان العلوم الاجتماعية لم تستطع لحد الآن اكتشاف القوانين السببية الثابتة التي تعرفها العلوم الطبيعية ولم تتمكن من بناء وتكوين القوانين الواضحة التي تستطيع تفسير ظواهرها والاشياء التي تدرسها تفسيراً منطقياً وعلمياً وذلك لصعوبة حقولها الدراسية وكثرة العوامل والمتغيرات التي تؤثر فيها ودراتستها لجوانب المجتمع المختلفة التي يلعب فيها الانسان الدور الاساسي والمهخم في عملية تنظيمها وتحديد قوانينها ونشاطاتها . فهي تستطيع وضع التعميمات السببية وليس القوانين السببية ، فالعالم الاجتماعي يستطيع القول بأن الحادثة (أ) تولّد الحادثة (ب) ولكنه لا يستطيع التكهن على ان الحادثة (ا) يجب ان تولد الحادثة (ب) طالما ان وقوع الحوادث التي تكمن في القانون تستلزم وجود نظريات ثابتة . والعلوم الاجتماعية في الوقت الحاضر تفتقد الى مثل هذه النظريات . لهذا تختلف التفسيرات السببية للعلوم الاجتماعية عن تلك التي تطرحها العلوم الطبيعية طالما ان للعلوم الطبيعية نظريات ثابتة تستطيع تفسير الظواهر والحوادث تفسيراً سببياً علمياً .

والقوانين الوظيفية الكونية في علم الاجتماع كثيرة ومتفرعة وتدخل تقريباً في جميع حقوله واختصاصاته الضيقة ، ومن هذه القوانين ما يلي :

      أ‌-      يتحول المجتمع البشري من مجتمع بسيط الى مجتمع مركب ومن مجتمع مركب الى مجتمع معقد .

    ب‌-    يستطيع المجتمع احراز التقدم الاقتصادي السريع اذا توازنت كمية الموارد الطبيعية مع كمية السكان .

    ت‌-    تزداد نسب الانتحار كلما تقدم المجتمع في الحقول المادية والحضارية والتكنولوجية والعلمية وتقل في المجتمعات المتخلفة والنامية .

    ث‌-    تزداد نسب الجرائم في المجتمعات التي يلعب فيها الدين دوراً هامشياً وثانوياً .

     ج‌-    كلما تقدم المجتمع مادياً وحضارياً وتكنولوجياً كلما اصبحت العلاقات الاجتماعية رسمية وضعيفة .

ومن الجدير بالملاحظة ان كثرة القوانية الكونية في العلم تشير الى نضوجه واكتماله وفاعليته في تفسير الظواهر والمشكلات التي تجابه نطاقه النظري أو العملي .

شروط القوانين العلمية :

لكي تعتبر القوانين علمية وقادرة على تفسير جميع الظواهر والحوادث والعلاقات التي يهتم العلم بدراستها وتحليلها في مختلف الاماكن والازمنة يجب ان تتوفر فيها الشروط التالية :

1-  يجب اتكون القوانين العلمية نسبية في صحتها وليس مطلقة اي يجب ان تكون مستعدة على التغيير والتبديل والتحوير تبعاً لتغير وتبدل الظروف والعوامل والملابسات المتعلقة بالمواد التي تدرسها وتتخصص في تحليلها وتفسيرها وتحديد مضامينها وابعادها .

2-  يجب ان تكون القوانين مكملة الواحد للآخر وفي حالة اكتشاف قوانين جيدة فأن القوانين القديمة يجب ان تحافظ على مكنزلتها وشكلها السابق وشريطة ان تكون كفوءة وقادرة على شرح وتوضيح حقائق الاشياء وملابساتها . ومن الجدير بالملاحظة ان زيادة قوانين العلم تعني قدرته وتعاظم امكانياته في مساعدة الانسان على التغلب على مشكلاته وسلبياته .

3-  ينبغي ان تكون القوانين العلمية قادرة على تفسير جميع الظواهر والظروف والعلاقات التي تهتم بدراستها ويجب ان تمون تفسيراتها وشروحها دقيقة ومركزة وشاملة ومستمدة من طبيعة الشيء الذي تفسره وتدرسه وتهتم به .

4-  قابلية القوانين على التنبؤ بالحوادث والظواهر قبل وقوعها . فإذا ظهر ان هذه التنبؤات صحيحة ودقيقة ازدادت القوانين قوة ويقيناً في كشف حقيقة الظاهرة او الحادثة قبل وقوعها .

وظائف القوانين العلمية :

1-  تساعد القوانين العلمية الباحثين والمختصين والعلماء على اشتقاق الفرضيات والنظريات الجديدة التي سرعان ما تتحول الى قوانين كونية شمولية اذا استطاع العلماء برهان صحتها ونتائجها من خلال اجرائهم البحوث الاكاديمية أو الميدانية . وهذا معناه بأن القوانين نفسها تساعد على خلق قوانين جديدة تلعب الدور الكبير في تطوير العلم واتساع افاقه النظرية والتطبيقية .

2-  تستعمل القوانين في حل المشكلات الطبيعية والاجتماعية التي تواجه الانسان حيثان الغرض الاساس من اكتشاف وانتشار القوانين العلمية هو استعمالها في فهم التناقضات والملابسات وكشف الحقائق التي توصل الانسان الى التقدم والرفاهية والسعادة والازدهار .

3-  تكشف لنا القوانين الكثير من الحقائق والمفاهيم والآراء والأفكار التي يكتنفها العلم . فبدلاً من دراسة وحصر وتعداد هذه الحقائق والمفاهيم المتفرقة والمتشعبة نستطيع استيعابها وإدراك مضامينها من خلال اطلاعنا على القوانين التي تكتنفها . لذا فالقوانين توفر لنا الوقت والجهد عند دراسة الحقائق والمفاهيم العلمية والإطلاع على تطورها وبلورتها .

4-  تساعدنا القوانين على تنبؤ ما سيطرأ على الظواهر من تغييرات في المستقبل وقد هيأت هذه المعرفة للإنسان سبيل السيطرة على الطبيعة وتسخيرها لخدمة البشرية والتنبؤ بالمشكلات قبل وقوعها ورسم الحلول لمواجهتها والتغلب عليها .

5-  لما كانت القوانين تتخصص في دراسة وتحليل ووصف مواد مختلفة لعلم واحد لأو مجموعة علوم فانها تلعب الدور الكبير في وضع الحدود الاكاديمية والنظرية بين مواضيع العلم الواحد من جهة وبين العلوم المختلفة من جهة اخرى . وهنا يعرف المختص او العالم حدود اختصاصه وعلمه ولا يتدخل في الاختصاصات والعلوم الاخرى . وتخصص العالم في حقل دراسي معين سيساعده على الابداع في هذا الحقل والبروز فيه بعد ان يتوصل الى اكتشاف نظريات او مفاهيم جديدة تضاف الى النظريات والمفاهيم المعروفة وهنا يستطيع العالم احراز التقدم والنمو المستمرين بسبب اعتماد نظام تقسيم العمل والتخصص فيه . ولكن اعتماد هذا النظام لا يمكن ان يكون حقيقة دون وجود القوانين العلمية التي تفصل بين الاختصاصات الدراسية والحقول العلمية .

x