تطور السلوك السوي وغير السوي

أن السلوك من وجهة نظر (( كار كوف / Kirchhoff  )) متعلم سواء أكان هذا السلوك سوياً أو غير سوي وسلوك الشخص العام يعتمد على نوعية وكمية المهارات التي يتعلمها وبشكل عام يعتمد على الخبرة التعليمية .

   كل التعليم يبدأ بالإطار المرجعي للمتعلم , وبشكل عام فأن سلوك الشخص يعتمد على نوعية الخبرة التي تقدم له , فاذا كان المرشد أو المساعد غير كفوء وليست لديه المهارات اللزمة التي يستطيع أن يحدد بها نقاط القوة والضعف والمهارات أيضاً عند المتعلم فأنهُ يقدم لهُ برامج تساعدهُ لتحقيق هذه المهارات . وحتى ولو كان هذا الشخص يمتلك قدرات أو مهارات عالية ولكنه لا يستطيع أن يقدم هذه المهارات فأنه سيفشل في مهمتهُ ولن يستطيع أن يساعد المحتاجين بهذه المهارات , أن السلوك الغير سوي من وجهة نظر (( كار كوف )) لا يكون بسبب معركة نفسية داخل الشخص وإنما لافتقاره للمهارات التي يحتاجها ليكون شخصاً فعالاً في مجتمعه [ Shilling  / 1984 ] , واذا كانت المشكلة في عدم وجود مهارات سواء أكانت هذه المهارات شخصية أو مهارات هو بحاجة أليها في تعامله مع الأخرين فالحل طبعاً هو اكتساب هذه المهارات وتعلم كيفية اكتسابها . لذا نرى أن (( كار كوف )) جاء بنظام جديد ليكون بديلاً مبيناً أن التعلم هو الأساس التي يحتاج أليها ومن هنا يكون الفرد قادراًعلى التعلم والعمل وقد عرف ((كار يكوف)) طريقته على أنها{ فن تقديم طرائق العلاج والارشاد الانساني }.

** نمو السلوك غير السوي  : –

   أذا كان الميل الى تحقيق الذات فطرياً فلماذا لا يحقق كل راشد ناضج ذاته أذن ؟ , أن ((ما سلو)) يقدر الذين يحققون ذواتهم من الراشدين والناضجين يقدرون بنسبة { 1 % } ويفسر هذه الحقيقة على النحو التالي : –

1 . لما كان تحقيق الذات على رأس التنظيم الهرمي للحاجات فهو أذن أضعف هذه الحاجات وتسهل أعاقته , معظم الناس يخافون التواصل الى معرفة النفس التي يتطلبها تحقيق الذات فنحن نخاف معرفة أنفسنا كما يرى (( ما سلو )) .

2 . يمكن أن تقمع البيئة الثقافية قبل الفرد نحو تحقيق ذاته لأنها تفرض معايير معينه على قطاعات من المجتمع السكاني , فعلى سبيل المثال فأن تعريف الرجولة في ثقافتنا قد تمنع الطفل الذكر من تنمية سمات مثل المشاركة الوجدانية والشفقة وهي تميز الفرد الذي حقق ذاته .

3 . ولكي يحقق الفرد ذاته ينبغي أن يختار النمو على الأمان , ولقد لاحظ (( ما سلو )) ان الأطفال الذين نشأوا في بيوت دافئة امنة ودودة يغلب أن يختاروا خبرات تؤدي الى نموهم الشخصي وذلك بدرجة أكبر من الأطفال الذين ينشؤون في بيوت غير أمنة [ جابر / 1986 ] .

   ويرى (( لازا روس )) ان الاضطراب النفسي وسلوك عدم التوافق يرجع الى ظروف التعلم , أذ يحدث أثناء تعرض الفرد للمؤثرات الخاصة والظروف والترابط الشرطي , وكذلك التعرض للنماذج التي يتطابق معها ويقلدها , سواء عن تروٍ و قصد أو عن غير قصد , وأن اكتساب الفرد معلومات متصارعة أو معلومات خاطئة , وتحدث أنواع من الكف كما تنشأ دفاعات لا حاجة لنا بها .

   كما قد تنشأ الاضطرابات النفسية عن وجود تعلم غير مناسب أو غير كاف وهنا نجد أن المشكلات لا تنشأ من صراعات أو من أحداث صدمية أو من تأثير الأخرين أو الأفكار الخاطئة وانما من الفجوات الموجودة في ذاكرة الشخص والتي لم تزود بالمعلومات الضرورية والعمليات الخاصة بالتعامل مع الموقف , مما يجعلها غير مجهزة للتعامل مع المطالب الاجتماعية ويحدث الاضطراب النفسي بالشكل الآتي  :-

1 . يكون الشخص عند مولده محصلة من الإرث الجيني وتأثير البيئة وغيرها من المؤثرات البيئية .

2 . تمضي الحياة نحو المعيشة الاجتماعية المتوافقة .

3 . تحدث صراعات مختلفة واكتساب معلومات خاطئة أو مواجهة أحداث مؤلمة .

4 . يقوم عائق في طريق الشخص .

5 . ينحرف الشخص عن مسار التوافق وقد يتسم بمجموعة من الاستجابات الانهزامية للذات وغير المتوافقة  . [ Cony  / 2001 ] .

   ويرى (( أدلر )) أن تطور السلوك غير السوي { أن الفرد يضع لنفسه أهدافاً مستقبلية مثالية , وهي خيالات أخترعها ليجعل الحياة أكثر دلاله ومعنى مما هي عليه , ويرى بأن هنالك فرقاً مهماً بين الشخص السوي والعصابي , هو مدى السهولة التي يمكن بها للفرد أن يتخلى عن خطة حياته فالشخص السليم لا يفقد رؤية الواقع على الأطلاق بينما الشخص العصابي تصبح الخطة الخيالية لديه هي الواقع } . [ الشناوي / 1994 ] .

   ويعتقد (( أدلر )) أن الناس لا هم جيدون ولا هم سيئون فنحن نصبح كذلك خلال التطور الاجتماعي , فالطفــل يولــد وهو ضعيف وعاجز في عالــم من البالغيــن , ولعــل اسبــاب السلــوك السـيء كمــا ذكرها (( درا يكرز )) هي :

1 . الحماية الأبوية الزائدة , التي تجعل الطفل يشعر بعدم الكفاءة وعدم قبوله من خلال كونه محروماً من فرصته في الاستقلال وتحمل المسؤولية ,ولذلك يحاول التعويض عن هذا الشعور من خلال السلوك العدواني .

2 . الدلال الأبوي , الذي يساعد في تطوير اتجاه السيطرة لدى الطفل لأنه لم يحصل دائماً على ما يريد وعندما لا يحصل على ما يريد فأنهُ يصبح طفلاً عدوانياً متمرداً .

3 . الإهمال الوالدي , وهو يجعل الطفل يشعر أن الأخرين غير ودودين , وهذا يجعله غير قادر على التعاون مع الأخرين , فضلاً عن أننه تتكون لديه رغبة قوية بالحب والاحترام لكنه غير قادر على الحصول عليها من الأخرين .

4 . التميز الوالدي , مما يزيد من حدة المنافسة بين الأخوة .

5 . الإعاقة الجسدية غير المرغوبة , وهي تسيطر على حياة الفرد وتجعله ينسحب من الأخرين .

6 . السيطرة الوالدية , وهي تنتج أعراضاً مشابهة لأعراض الحماية الزائدة.[Shilling / 1984] .

7 . كما رأى ((أدلر)) بأن الشخصية غير السوية تظهر في جو العائلة في المنافسة وعدم الثقة والإهمال والسيطرة والإساءة أو الدلال , وكل هذا لا يشجع الاهتمامات الاجتماعية , والأطفال في مثل هذه العائلات من المحتمل أن يكافحوا ليكملوا الحياة على حساب التعامل والعلاقة مع الأخرين , ومن المحتمل أن يحبطوا ويختاروا واحداً من الاهتمامات الاجتماعية الأتية كأهداف ذاتية لتحقيق التفوق : –

1 . البحث عن الانتباه .

2 . البحث عن القوة .

3 . البحث عن الثأر .

4 . البحث عن الاستسلام .

   وعلى الرغم من أن (( درا يكرز )) رأى هذه الأهداف ككفاح فوري للأطفال الذين يسيئون التصرف فأنها يمكن أيضاً أن تصبح مميزات لنمط الحياة غير السوي { مثال } ( نمط الحياة المدلل يشجع من قبل الآباء عندما يقوم الآباء بمهمات يمكن للأطفال أن يقوموا بها وهم يقدرون عليها ولذلك يستنتج الأطفال أنهم غير مناسبين مما يجعلهم غير قادرين على عمل الأشياء بأنفسهم , وبالتالي فأنهم سيطورون الشعور بعقدة النقص الكاملة , مما يؤدي الى اكتسابهم لمفهوم عدم الكفاية لتجنب التمسك بمهمات الحياة من التعلم الى العمل , وبسبب النقص الملائم للاهتمامات الاجتماعية فأنهم يحاولون أن يعوضوا ذلك خلال البحث عن الانتباه , ولأنهم لن يحصلوا على الانتباه بسبب عدم قيامهم بمهمات تلفت الانتباه لعدم قدرتهم أو كفاءتهم فأنهم سيطورون القوة , وبالتالي يحاولون من خلال العمل على الانتباه لهم بأنهم أقوياء , ثم يطورون الانسحاب من المجتمع لأنهم ضعفاء وبالتالي يجربون مشاعر قاسية والتي تأتي من كونهم مسيطر عليهم ويبحثون عن نشاط قوي , ثم يصبح لديهم ثورة بمعارضة سلطة المجتمع للتغلب على الأخرين , وقد يصبحون عنيدين ولا أحد قادر على السيطرة عليهم , ويعانون لذلك من التوبيخ والسخرية وانتقاد الأخرين , مما يقودهم الى مشاعر نقص مركبة تقود في النهاية الى الشعور بأنه لا حول له ولا قوة لحل مشاكله الحياتية , لذلك يؤجل ويتردد في التصرف ويعود للاحتفاظ بالماضي وقد يلجأ الى شعائر دينية للتخفيف من التحرك للأمام وتصبح سلوكياتهُ كحماية ضد فقدان التعزيز .

   وهكذا فأن هؤلاء الأطفال الذين تساء معاملتهم أو يضربون بشدة يكونون أكثر احتمالية بأن ينتقموا من  المجتمع ويطوروا نمط حياة قاسي , ويظهر عليهم بواسطة الاعتداء على المجتمع وتبنيهم لأسلوب نمط الحياة العدواني وإيذاء الأخرين . كذلك الناس الذين يتم تجاهلهم يكونون قابلين للتصريح بالضعف وهم لا يكونون قادرين على تقبل أن النجاح يمكن أن يكون في المجتمع , ويريدون أن يظهروا بوضوح تفوقهم الشخصي للمجتمع بواسطة عزلتهم وهذا يقنعهم أنهم لا يخسرون أي شيء ,كذلك فأن التنافس بين الأخوة ربما يكون قاسياً ويشجع الانتقام أو الانسحاب والبعض يكافح للحصول على الانتباه أو القوة أو الثأر أو الاستسلام . [ Prochaska / 1994 ] .

*** السلوك السوي والسلوك الشاذ من وجهة نظر { هورني }  : –

أهتمت (( هورني )) بالبناء الطبيعي { Character Structure } الذي يكونه الطفل نتيجة خبراته واستجابته التي تزيد من نموه وتهدف لذات أفضل , وأيضاً تهدف الى تحقيق امكانيات الأنسان الكامنة فيه بتحقيقه لهذه الذات , وأن الطفل يبدأ حياته مع نمطين بدائيين هما : (( الإشباع والأمن )) وهدف الاشباع الإبقاء على حالة نفسية مشبعة , وهدف الأمن التقليل من الانماط الانفعالية السلبية للإبقاء على حالة الأمن .

   ولكل فرد قدرته الطبيعية التي تنمو وتتطور تحت الظروف البيئية وهذه الظروف هي التي تقرر هل يسير نحو السلوك السوي أم نحو السلوك الشاذ وأمنت (( هورني )) أن هناك استجابات تظهر نتيجة مختلفة فالاستجابات الملائمة والصحيحة تظهر عندما يقابل الطفل بالحب والتشجيع والدفء التي تجعله يفهم ذاته ويثق بها وذلك مع غياب السلطة والسيادة والحماية الزائدة واللامبالاة , وأطلقت عليه الاستجابات التبادلية , وهي التي يطورها الفرد منذ طفولته وتصبح معقدة ومتداخلة مع الكبر .

  وأكدت هورني على أن العوامل الموجودة فب البيئة المحيطة لها تأثيرها على تسيير الفرد نحو السلوك الشاذ كثيرة وأنها تدفع الفرد للنمو الصحيح أو النمو الغير صحيح .

   وترى (( هورني )) أن السلوك الشاذ لدى الفرد يسبب له أعراضاً مزعجة في حياته ويسبب له مشاكل نتيجة الاستجابات الانفعالية لها وتحيط به , وترى أن العصاب { هو استجابة انفعالية } موجه لمكونات الشخصية الاساسية التي تشمل (( الأفكار , المشاعر , الانفعالات , عادات التفكير والأدراك التي يطورها الفرد خلال حياته )) , وهي الأحداث الوسيطة التي تحدد سلوكه بشكل عام وتحدد الأغراض التي يمكن أن يطورها .

وترى (( هورني )) أن السلوك الشاذ هو تخلي الفرد عن الذات الحقيقية لذات مثالية لمحاولة أثبات الذات الزائفة بدلاً من الذات الإنسانية الموجودة والصراع المدو ينشأ بين الذاتين نتيجة محاولة الفرد والوصول الى الذات الخيالية التي رسمها لنفسه من ادراك اللامحدود وتخطيه ويبدأ بتحويل انتباهه لتحقيق الذات المثالية وعندما لا يستطيع تحقيق ذلك يبدأ باحتقار ذاته وتدميرها وهذا الاتجاه الخاطئ يتسبب في كثير من مشكلات الفرد وينتج عنه السلوك الشاذ . [ الهيتي / 1985 ] .

x