تعريف الضبط الاجتماعي

يعد موضوع الضبط الاجتماعي من أهم الموضوعات التي تناولها العلماء والمفكرون ، واهتم به علماء التربية والاجتماع وعلم النفس لصلته الوثيقة بتنظيم المجتمعات وحياة الأفراد داخل هذه المجتمعات .

ولا يزال موضوع الضبط الاجتماعي يعاني كثيراً من الخلط والغموض ، ويرجع ذلك بالدرجة الأولى إلى اختلاف العلماء أنفسهم في مسألة تحديدهم لمفهوم الضبط الاجتماعي ، وعدم اتفاقهم على تعريف واضح محدد له ، وكذلك عدم اتفاقهم على ميدان الضبط الاجتماعي وحدوده بوصفه عملية تنطوي على كثير من المضامين والمفهومات التي تتدخل في تحديد أبعاده ووظائفه بالنظر إلى أسسه ومجالاته النظرية والعملية .

وقد وردت إشارات إلى مسألة النظام والقواعد المنظمة للسلوك والسلطة في كثير من الكتب القديمة ، حيث تعرض فلاسفة اليونان القدماء لمسالة الضبط الاجتماعي ، ولكنهم استخدموا مصطلحات أخرى : كالقانون أو الدين أو العرف أو الأخلاق .

غير أن أول رائد لمفهوم الضبط الاجتماعي هو العلامة العربي \” ابن خلدون \” الذي أشار في مقدمته إلى الضبط الاجتماعي بصورة أكثر وضوحاً وتحديداً في قوله : « إن الاجتماع للبشر ضروري ولابد لهم في الاجتماع من وازع حاكم يرجعون إليه ، وحكمه فيهم إما أن يستند إلى شرع منزل من عند الله يوجب انقيادهم إليه إيمانهم بالثواب والعقاب عليه ، أو إلى سياسة عقلية يوجب انقيادهم إليه ما يتوقعونه من ثواب ذلك الحاكم بعد معرفته بمصالحهم ، فالأولى يحصل نفعها في الدنيا والآخرة ، والثانية إنما يحصل نفعها في الدنيا فقط » .

كما يرى أن \” الإنسان بحاجة إلى سلطة ضابطة لسلوكه الاجتماعي ، وأن عمران المدن بحاجة إلى تدخل ذوي الشأن والسلطان من أجل فاعلية النوازع وحماية المنشآت . ووسائل الضبط التي تحقق هذه الغاية تتمثل في : الدين ، والقانون ، والآداب العامة ، والأعراف ، والعادات ، والتقاليد.

مَّا( تيرنر ) Turner فقد أكد على أنَّ الضبط الاجتماعي هو ذلك النشاط المعاكس لتلك العمليات التي تؤدي إلى الانحراف ومخالفة القواعد الاجتماعية والتي تدعم النظام القائم وتعيد المنحرفين إلى السلوك المنسجم مع القواعد الموضوعة وتعزلهم أو تقلل من حالات التمرد ضد المجتمع وتخفف من حالات الصراع الاجتماعي.

ويرى ( ماكيفر ) R.Maclver الضبـط الاجتماعي بأنـَّه الطريقة التي يتطابق بها النظام الاجتماعي ككل، ويحفظ بناءه، ويعد الضبط عامــلاً للتوازن في ظروف التغير الاجتماعي.

وقد أهتم ( جورج هومانز ) G. Homans بفكرة ( التوازن الاجتماعي ) Social equilibrium وبضرورة الضبط الاجتماعي لخلق التوازن في المجتمع. ولكنه يختلف عن ( ماكيفر ) في أنَّه لم يقتصر فقط على القول: بأنَّ الضبط الاجتماعي يؤدي إلى التوازن وأنمَّ الامتثال للمعايير الضابطة في المجتمع يدعم هذا التوازن، بل أكد أنَّه حينما تكون للضبط فاعليته القوية فأننا نحكم على المجتمع بأنَّه في حالة توازن، ومعنى ذلك أنَّه يرى أنَّ الضبط عامل يؤدي إلى التوازن وهو في نفس الوقت يظهر كنتيجة للتوازن.

ومن جهته يرى ( نيسبت ) Nisbet الضبط الاجتماعي بأنَّه العملية التي يستطيع بها المجتمع أنْ ينظم ويعيد تنظيمه لنفسه ويوجد ويكيف قواه الخلاقة. بعبارة أخرى إنَّ المجتمع يستمر في الحياة بسبب إعادة تنظيمه لنفسه عندما يجد أفراده بدأوا يتلمسون أساليب حديثة في السلوك تبعدهم عن الأساليب القديمة وذلك لأنَّ هذه الأساليب أصبحت ضرورية

x