مرحلة المراهقة المتأخرة

 

تعد هذه المرحلة مرحلة الانتقال من المراهقة المتوسطة الى النضج ، أي القدرة على المواجهة المناسبة لمطالب حياة ألرشد ، ولعل ابرز ما تمتاز به هذه المرحلة يتمثل في محاولة الفرد التغلب على المصاعب والتحديات التي تواجهه واجتيازها بنجاح ، حتى يتسنى له التكيف مع متطلبات المرحلة التالية ، كما انها تتميز بتبلور اتجاهات الفرد ازاء الشؤون السياسية والاجتماعية والعمل الذي يرغب فيه

وفي نهاية هذه المرحلة تهدا سرعة النمو تماما ، مما يجعل حياة الفرد تعود الى الاستقرار والهدوء ، فيبدأ مرحلة الرشد ومكتمل النضج .

النمو الجسمي والفسيولوجي :

1-يستمر النمو في اتجاهاته في هذه المرحلة حتى يصل الى غايته في نهايتها وتتضح السمات الجسدية للفرد وتستقر ملامح وجهه .

2-تستمر الزيادة في الطول لدى الذكور الى حوالي 19 سنة كما تستمر الزيادة في الوزن لدى الجنسين ، ويلاحظ تفوق الذكور على الاناث في كل من الطول والوزن .

3-تظهر اضراس العقل الاربعة .

4-تتضح درجة القوة البدنية عند الذكور عنها لدى الاناث ، مما يجعلهم يتفوقون عليهن في الانشطة الرياضية .

النمو العقلي :

1-يتمكن المراهق من استيعاب المفاهيم والقيم الاخلاقية المتعلقة بالخطأ والصواب وفهم معنى الخير والفضيلة والعدالة وغير ذلك من القيم الاخلاقية .

2-يميل المراهق في حل مشاكله العملية والعقلية وتحليل المواقف تحليلا منطقيا منسقا ، وتزداد قدرته على التفكير المستقل واتخاذ القرارات .

3-يصبح المراهق اكثر قدرة على تقويم نفسه واستخدام المناقشة المنطقية والتمييز بين ما هو واقعي وما هو مثالي

4-تزداد قدرة المراهق على التحصيل وعلى الاحاطة بمصادر المعرفة كما تزداد سرعته في القراءة .

5-تتضح الميول المهنية في اطارها الاجتماعي الصحيح ، ومن المعروف ان الميول المهنية تتأثر بمعايير الجماعة ومستوياتها الاقتصادية والثقافية وبيئة الفرد المنزلية والمدرسية وخبرته واستعداداته ونواحي نضجه ونموه .

6-يستمتع المراهق استمتاعا كبيرا بالنشاط العقلي ويشعر بمتعة في قضاء وقت اطول في التفكير العميق بكت ما يحيط به .

النمو الاجتماعي :

1-يتبلور الاتزان الانفعالي لدى الجنسين في هذه المرحلة ويتجلى ذلك في محاولة الفتى التخلص مما كان يتصف به من اندفاع وتهور في المرحلة السابقة نتيجة لتغير نظرته الى هذه الامور واعتبارها اعمال صبيانية طائشة ، اما بالنسبة للفتاة فنه يتجلى في استجابتها للمعايير الاجتماعية في السلوك وفي زيها وأنماط حياتها .

2-تتطور لديه البصيرة الاجتماعية بمعنى انه يصبح اكثر قدرة على ادراك العلاقات القائمة بينه وبين الافراد الاخرين ، وعلى تلخيص اثار تفاعله مع الناس مما يزيد قدرته على تحقيق التوافق الشخصي والاجتماعي .

3-يسعى الى بلوغ الاستقلال عن الاسرة ، ويزداد اهتمامه  الى التعرف بالمهن التي يمكن ان يلتحق بأحدها ، ويلاحظ عليه التقليل الى حد ما من احلام اليقظة ويميل الى المهن التي تتفق مع قدراته وإمكاناته

4-يحاول التقليل من نزعاته  الفردية والميل للعزلة ويحرص على الاخذ والعطاء والتعاون مع الاخرين ، مما يؤدي الى اتساع دائرة علاقاته الشخصية وتفاعله الاجتماعي ، كما تزداد تقبله لعادات الكبار اليومية واتجاهاتهم النفسية وممارستها ، مما يؤدي الى اقتراب سلوكه من معايير الناس .

5-تقل درجة خضوعه لجماعة الرفاق (الشلة ) وتظهر لديه الرغبة في توجيه الذات

6-يصبح الفرد اكثر قدرة على التمييز لحاجاته وميوله الذاتية وبين حاجات الجماعة التي ينتمي اليها وخططها وأمالها نظرا لزيادة معرفته لذاته وإدراكه بأنه فرد في شبكة من العلاقات الشخصية والاجتماعية المتبادلة .

انماط المراهقة :

هناك اربعة انواع للمراهقة يمكن تلخيصها فيما يلي :

1-المراهقة المتكيفة /وهي المراهقة الهادئة نسبيا والتي تميل الى الاستقرار العاطفي وتكاد تخلو من التوترات الانفعالية الحادة وغالبا ما علاقة المراهق بالمحيطين به علاقة طيبة ، كما يشعر المراهق بتقدير المجتمع له وتوافقه معه ، ولا يسرف المراهق في هذا النمط في احلام اليقظة او الخيال او الاتجاهات السلبية أي ان المراهق هنا اميل الى الاعتدال .

2-المراهقة الانسحابية المنطوية /وهي صورة مكتئبة تميل الى الانطواء والعزلة والسلبية والتردد والخجل وعدم التوافق الاجتماعي ،ومجالات المراهق الخارجية والاجتماعية تكون ضيقة ومحدودة ، وينصرف جانب كبير من تفكيره الى نفسه وحل مشكلات حياته والتأمل في القيم الروحية والأخلاقية ، كما يسرف في الاستغراق في الهواجس وأحلام اليقظة وتصل احلام اليقظة في بعض الحالات الى حد الاوهام والخيالات المرضية .

3-المراهقة العدوانية المتمردة /ويكون فيها المراهق ثائرا متمردا على السلطة سواء كانت سلطة الوالدين او سلطة المدرسة او المجتمع ، كما يميل الى توكيد ذاته والتشبه بالرجال ومجاراتهم في سلوكهم كالتدخين مثلا والسلوك العدواني في هذا النمط قد يكون صريحا مباشرا يتمثل بالإيذاء او يكون غير مباشر يتخذ صورة العناد ، وبعض المراهقين في هذا النوع قد يتعلق بالأوهام والخيال وأحلام اليقظة ولكن بصورة اقل مما سبقها .

4-المراهقة المنحرفة /وحالات هذا النوع تمثل الصورة المتطرفة للنمطين المنسحب والعدواني ، ورغم ان كلا الصورتين السابقتين غير متوافقة او غير متكيفة ، إلا ان مدى الانحراف فيهما لا يصل الى خطورته الى الصورة البادية في هذا الشكل ، حيث نجد الانحلال الخلقي والانهيار النفسي ، حيث يقوم هذا المراهق بتصرفات تروع المجتمع ، ويدخلها البعض احيانا في عداد الجريمة او المرض النفسي او المرض العقلي .

المراهق والأسرة :

كلما تقدم الاطفال في النمو ، كلما ظهرت بعض التغيرات على العلاقات التي تربطهم بوالديهم ، فمن ناحية الوالدين نلاحظ قلة نسبية فيما يظهرونه من حب وعطف لأبنائهم من جهة وزيادة في الحزم والتشدد معهم من جهة اخرى ، وفد يكون ولادة اطفال جدد للعائلة احد الاسباب لهذا التغير في العلاقات ، لذا يميل المراهقين نحو اصدقائهم اكثر من ميولهم نحو افراد العائلة ، وقد يبدوا هذا واضحا في تفضيلهم صحبة زملائهم على صحبة اخوانهم وتفضيلهم اراء ورغبات هؤلاء الاصدقاء على رأي ورغبة العائلة ..

ان هذه الفجوة بين الاباء والأبناء تزداد وتتضح في فترة المراهقة ، حيث ان النضج الجنسي وما يصاحبه من تغيرات في السلوك تجعل المراهق يبدو عصبي المزاج حساسا وغير متعاون وميالا الى النزاع والخصام ، فإذا لم يكن الوالدين مدركين لطبيعة هذه المرحلة والتغيرات التي تحصل فيها ومتفهمين لطبيعة سلوك المراهق فتكون المشكلة حينذاك اكثر تعقيدا ، ويكون سلوك الوالدين الغير متجاوب في غير مصلحة ابنهما المراهق ولا يساعده على المرور بهذه المرحلة الصعبة بسلام ، كما يعزز فكرة المراهق بان (لا احد يحبني )التي تكون نقطة الانطلاق في تدهور العلاقات العائلية .

ان نوع العلاقة العائلية التي تربط المراهق بإفراد عائلته تلعب دورا مهما في تحديد درجة تكييفه بالأشخاص الاخرين خارج نطاق العائلة وكلما تقدم الطفل في العمر وخطا نحو المراهقة ، ازداد اتجاهه نحو الاشخاص الاخرين خارج نطاق العائلة ،حيث نجد المراهق يلجا الى مدرسيه او اصدقائه لإرشاده وتوجيهه اكثر من اتجاهه لوالديه ، وفي هذه الفترة لا يشعر المراهق كما كان في السابق باتجاه ايجابي نحو عائلته ويتضح هذا الاتجاه بصورة خاصة عندا يكون المراهق متوترا وعصبيا حيث يلقي اللوم والنقد على الوالدين دائما .

ان طبيعة العلاقات العائلية قد تؤثر على المراهق بصورة مباشرة او غير مباشرة اذ ان المراهق يتجه الى ممارسة نفس الاتجاهات السلوكية التي تظهر عند الوالدين حتى ولو كانت هذه الاتجاهات لا تلاقي صدى ايجابيا او قبولا حسنا من قبله فقد اكدت الدراسات على ان الاباء الذين يتصف سلوكهم بالعنف وإتباع النقد والتجريح والعقاب القاسي والرقابة الشديدة داخل البيت وخارجه يظهر ابنائهم المراهقون ميلا قويا للنزاع المستمر والعصيان والتوتر العصبي والثورة السريعة وخلق المشاكل في المدرسة .

ومن الواضح ان نمط سلوك هؤلاء المراهقين شديد الشبه والارتباط بنمط سلوك ابائهم معهم في البيت ، كما ان العلاقات العائلية قد تؤثر على سلوك المراهقين بصورة مباشرو او غير مباشرة ، حيث ان هذه العلاقات اذا كانت متسمة بالتشدد والحزم الزائد وفرض القيود التي تقيد الصلات الودية بين افراد العائلة فان المراهق يميل الى العزلة الاجتماعية وعدم الرغبة في مخالطة الناس الاخرين كنتيجة لذلك .

كذلك لوحظ ان التطرف وعدم الالتزام بالقيم الاجتماعية عند بعض الطلبة يعود الى الشعور بالنبذ من قبل الوالدين ، كما لوحظ ان الطلبة الملتزمين بالقيم هم الذين كانت علاقاتهم العائلية جيدة ، اما النزعة العدائية والمشاكسة فهي دليل على التنافر والخصام الموجود بينهم وبين والديهم .

ويتحدد اثر العلاقات العائلية في سلوك المراهق بمدى ما يشعر به من حب وحنان ورعاية او العكس ، كما يمكن قياس الترابط العائلي والعلاقات العائلية الايجابية بقدر ما يظهره الفرد من ثقة بوالديه وذلك باللجوء اليهما عندما يكون بحاجة الى نصيحة او توجيه او حل مشكلة او مساعدة في ظرف معين ، كما يتضح هذا الترابط بمدى ما يمنحه الاباء لأبنائهم من فرص للتعبير عن انفسهم ، وفرص اخرى لإبراز وتقدير ما يقوم به من انجازات اثناء اللعب والعمل ، ومدى ما يبذله الاباء من جهد لجعل الاسرة تسير بنظام معين دون الشعور بالضغط او الفرض او الاجبار في اتباع هذا النظام ، وخيرا بمدى الولاء والإخلاص الذي يكنه افراد العائلة بعضهم لبعض .

لكي يكون المراهق متكيفا تكيفا جيدا مع والديه يحتاج الى ان يشعر بأنه محبوب ومرغوب فيه من قبلهما ، ويحتاج الى ان يحب ويحترم والديه ويتبنى من الاتجاهات الخلقية ما هو مشابه لاتجاهات والديه وان يعتقد بان النظام المفروض في العائلة نظام مناسب ومعقول ، وان يشعر بثقة والديه فيه وإدراكهم انه لم يعد طفلا ،وان يكون جو البيت متسامحا بحدود معقول ، بحيث يستطيع تلبية رغباته كرغبته في استقبال زملائه في بعض الاحيان في بيته (على سبيل المثال )ثم اعطاء شيء من الحرية المعقولة دون افراط .

وقد يبدو اثر هذه العلاقات العائلية واضحا ومهما في سلوك المراهق في النواحي التالية :

1-التكيف العام :

عندما تكون العلاقات العائلية جيدة يكون المراهق شخصيا متكيفا للحياة تكيفا جيدا ، وعلى النقيض نجد ان المراهق الفاشل في تكيفه هو الذي نشأ في اسرة تفتقر الى العلاقات العائلية المترابطة الجيدة ليس في فترة المراهقة فقط وانما في فترات الطفولة ايضا ، وقد اشارت بعض الدراسات بان تكيف الفرد بصورة عامة او اعتماده على نفسه في حل مشكلاته الخاصة تعتمد الى حد كبير على طبيعة العائلة التي نشا فيها  وعلى رغبة الوالدين في فسح المجال له لكي يعمل شيئا ويتحمل ما يقوم به من عمل ، وعلى مدى مشاركته في اعمال المنزل ، وعلى مدى تشجيع الوالدين وعدم اللوم او التقريع على ما يقع فيه من اخطاء في اختيار الاشياء لنفسه وتقرير شيء يخصه .

ان المشكلات التي تحدث بين المراهق ووالديه او بينه وبين أي فرد من افراد العائلة تقود الى عرقلة تكيف المراهق مع  نفسه ، كما تؤدي الى اضعاف العلاقات العائلية واضطراباتها .

وعندما يصل المراهق الى مرحلة التعليم الجامعي ولا يزال يشعر بدم حبه لوالديه يكون هذا الشخص سيء التكيف بصورة عامة .

ووجدت احدى الدراسات في هذا المجال ، بان البنات اللاتي عشن في بيوت تفتقر الى العلاقات الودية الطيبة والتي ادت بالتالي الى صعوبة تكيفهن للحياة كن يتميزن بشدة الحساسية والشعور بالضالة والوحدة وتجنب الاختلاط بالآخرين والتعبير عن بغضهن للناس والأشياء والشعور بالاكتئاب والميل الى الاهمال والميل الى البكاء ، وإظهار الخوف ونقد الاخرين .

وعلى العكس من ذلك نجد البنات اللاتي وجدن في بيوتهن ما يساعدهن على التكيف الجيد لم يظهرن أي نوع من انواع السلوك المذكور ، وهذا يدل على ما لطبيعة الحياة العائلية من تأثير فعال في سلوك الفرد خارج المنزل .

2-العلاقات الاجتماعية :

ان المراهقين الذين لم يستطيعوا التكيف اجتماعيا بصورة جيدة في المدرسة ، ولم يستطيعوا تكوين علاقة صداقة مع اقرانهم هم من بيوت يسود فيها التسلط الابوي العنيف ، او من بيوت تسود فيها الخلافات والمشاكل بين الاباء والأبناء ، او تسوء فيها العلاقات وعدم الاحترام بين الوالدين ، او من بيوت تحطمت بالطلاق .

وغالبا ما يكون الانحراف بين هؤلاء المراهقين الذين عاشوا في بيوت لا تفكر في تلبية حاجاتهم الضرورية ، ولا يهما سوى فرض سلطتها المتشددة وقد يبدو تأثير العائلة ايضا في علاقات المراهق الاجتماعية مع اقرانه ومدى قدرته في تقبل ما هو سائد من عادات ونظم .

3-التكيف الانفعالي :

في دراسة لتأثير العلاقات العائلية على نمو شخصية المراهق وجد ان فقدان الحياة العائلية السعيدة له تأثير ملحوظ على التوازن الانفعالي للمراهق ، ان صفات الاب الشخصية كميله للانفعال بصورة مستمرة ومتكررة وسعيه الى طلب المزيد من الطاعة من قبل الابناء ، وكثرة استعمال العقاب في توجيههم يكون له التركيز في شخصية المراهق ، وعلى العكس من هذا فان شخصية الابوين المتزنة البعيدة عن التطرف في صفاتها تؤدي الى الثبات والاتزان الانفعالي عند المراهق والى ثقة عالية بالنفس .

4-الاستقلال والاعتماد على النفس :

هناك علاقة وثيقة بين مقدار الحرية التي يمنحها الوالدان للطفل في طفولته وبين الاعتماد على النفس في مرحلة المراهقة ويتضح هذا في حالات الرغبة بعدم الافتراق عن البيت وعدم القدرة على ادارة شؤون نفسه عند الابتعاد عن الاهل والالتحاق في الجامعة او أي عمل اخر بعيد عن الاهل ، وتكون هذه الحالات قوية عند الذين لم يتعودوا على في بيوتهم على الاعتماد على النفس والاستقلال عن والديهم .

5-اسباب تدهور العلاقة العائلية مع المراهق :

تقع تبعة التدهور في العلاقات العائلية على الوالدين في الدرجة الاولى ، وذلك لعدم تحوير سلوكهما وتعديله في معاملة المراهق واستمرارهما على نفس الاسلوب الذي كانا يتبعانه عندما كان طفلا ، الا ان اللوم هنا لا يقتصر على جانب واحد فقط ، فالمراهق بدوره يساهم في تدهور هذه العلاقات بما يتصف في هذه الفترة وخاصة المبكرة منها من تقلب في المزاج وعدم تحمل المسؤولية والميل للانتقاد وايجاد الاخطاء للاخرين .

ان العلاقة بين الاخوة من الجنسين المختلفين تصل الى ادنى مستوى لها في بداية النضج الجنسي ، وكذلك الخلافات والمشاكل بين الاخوة من نفس الجنس تكون اعنف واقوى ان الاخت الصغرى تتطلع الى اختها الكبرى وتريد ان تحصل على نفس الامتيازات التي حصلت عليها وكذلك الحال بين الذكور.

ان ظاهرة عدم انسجام المراهق مع افراد العائلة الاخرين تصل ذروتها عادة خلال فترة النضج الجنسي وتستمر هذه ولكن بعد سنة او سنتين تبدا العلاقة بالتحسن ، وبنهاية مرحلة الدراسة الثانوية يلاحظ تحسن واضح في علاقة المراهق مع افراد عائلته ، وياخذ هذا التحسن في الاستقرار كلما تقدم المراهق في العمر ، حيث يستطيع تفهم اخيه الاصغر بصورة اضل مما كانت سابقا في بداية المراهقة ، كما ان علاقاته بالاشخاص الكبار  في العائلة كالعم والجد والخال وغيرهم تاخذ بالتحسن ايضا بعكس ما كانت عليه في بداية المراهقة ،وبصورة عامة فالعلاقات العائلية في مرحلة المراهقة المتاخرة تكون افضل من أي وقت اخر قبلها وتعتمد درجة هذا التحسن في العلاقات العائلية الى حد كبير على طريقة معاملة المراهق من قبل افراد العائلة وخاصة الوالدين .

6-المراهق والأقران :

تلعب جماعة الاقران دورا مهما في تكيف المراهق وإعداده لحياة الاستقلال المقبلة ، وفي التأثير على سلوكه وآرائه بحيث يبذل المراهق جهودا كبيرة في هذه المرحلة للاستقلال عن البيت وترك الاعتماد على الابوين ، إلا انه في نفس الوقت يخاف من هذه الاستقلال الذي سيحرمه من الامن الذي اعتاده طوال فترة الطفولة ، وخلال الصراع بين الحاجة للاستقلال والحاجة الى الامن يجد المراهق من يوفر له هذا الامن ويشجعه على الاستقلال في جماعة الاقران التي تستهويه نحوها وتخضعه لولائها وتعده للحياة الانفعالية السوية وتنقذه من الكثير من التناقض النفسي والاجتماعي المحيط به .

ومع مرور الوقت يزداد الوضوح والصدق في علاقات المراهق مع اقرانه ومعرفته بشكل افضل مما يؤدي الى تعميق الانسجام بينه وبينهم في التطلعات والاهتمامات الحياتية والدراسية ،ان العلاقة مع الاقران دور مهم في حياة المراهقين حيث تؤدي الى تزويدهم بالفرص لفهم الذات وفهم الاخرين كما تساعد المراهقين في التعامل مع الضغوط التي يواجهونها في هذه المرحلة ونتيجة لذلك تنخفض مشاعر القلق والإحساس بالوحدة ويمكن ان تحسن اتجاهات المراهقين نحو المدرسة والتحصيل فعندما يستمتع المراهقون بالتفاعل مع اصدقائهم في الدارسة فأنهم يبدؤون بالنظر الى جميع جوانب الحياة المدرسية بايجابية بشكل افضل .

ويمكن تلخيص خمسة امور نفسية واجتماعية في علاقة المراهق بالأصدقاء والآخرين :

1-بناء الهوية : يبدأ المراهقون بتصنيف اراء الاخرين كالآباء والمعلمين والأصدقاء وآراء يحبها وآراء لا يحبها ، وعلى اية حال فأنهم ينجحون في بناء هوية امنة يعرفون جيدا مكانهم المناسب في البيئة التي يعيشون فيها .

2-الصراعات الداخلية : وهي الصراعات التي تطرأ من انتقال المراهق من مرحلة الطفولة الى مرحلة المراهقة وبالرغم من محاولات المراهق المستمرة نحو تحقيق الاستقلال وتحمل المسؤولية إلا انه يبقى محتاجا لمساعدة الاخرين

3-الضغوط الاجتماعية : ان المراهق في هذه المرحلة يسلك ويفكر لذاته في الحاضر والمستقبل ضمن معايير الجماعة وكذلك سعيه لإشباع حاجاته وتحقيق ميوله تكون ضمن هذه المعايير .

4-الاختيارات والقرارات : يبقى المراهق في اخذ اراء الاخرين وخاصة المقربين منه كالوالدين والأصدقاء ليطمئن على جودة قراراته وصحتها التي يتخذها لرسم حياته ومستقبله .

5-عدم الوضوح : الغموض الذي يملكه من اباء ومربين حول عدد من المفاهيم التي يسعى المراهق الى تحقيقها في هذه المرحلة مثل الحرية والسلطة والطاعة والديمقراطية وعدم قدرة هؤلاء الكبار من ايصالها حسب فهمهم لها الى ابنائهم مما يحدث تشويها واختلافا في وجهات نظر الطرفين .

المراهق والمهنة والعوامل المؤثرة في اختيارها :

ان العمل وسيلة من وسائل التعبير عن الذات ، يحاول بها الفرد ان يحقق اهدافه وان يشبع حاجاته وان يحول قيمه ومثله الى واقع يعيشه ، وهم في تفاعله مع الوسط الذي يعمل فيه ويتكامل بشخصيته ويشعر بقيمته وإنسانيته ، فالعمل يعطي فرصة للاندماج مع من حوله كما يزيد من معرفة الفرد بالناس وخصائصهم وأحوالهم الاجتماعية ، ويتيح للفرد اكتشاف ميوله المهنية ورغباته كما يفسح المجال لنشاطه وتصريف انفعالاته الزائدة ،

لا يواصل جميع المراهقين دراستهم الجامعية او حتى الثانوية بل الكثير منهم يتوجه الى الالتحاق بعمل ما احساسا منهم بان المدرسة لا تحقق له رغباته او لان والديه فشلا في تنمية الادراك الصحيح لقيمة التعلم في حياته المستقبلية او للحالة المادية المتدنية للعائلة او لان ميوله وقدراته توجهه بعيدا عن مواصلة التعليم وهذا لا يعني ان العمل لا يجدي نفعا للمراهقين بل على العكس من ذلك فهو ينمي لهم الشعور بالمسؤولية وإنهم اعضاء منتجين بالنسبة للأسرة والمجتمع حتى لو كان على مستوى الاعمال البسيطة في المنزل .

ان العمل خارج المنزل يتيح للمراهق فرصة الشعور بنفسه كعضو في مجتمع اكبر من الاسرة وهذا الشعور مهم جدا ، لان المراهق في هذه المرحلة يشك في مركزه الاجتماعي فانتمائه لعمل يشعره بالاطمئنان والأمن والإحساس بالذات ، كما ان الاجر الذي يتقاضاه مقابل عمله يشعره بالاستقلال الاقتصادي ، اضافة الى ان مجتمعنا المعاصر يتطلع فيه الفتيان والفتيات الى اليوم الذي يساهمون فيه بتحمل اعباء العائلة المادية والانتماء الى فئة العاملين ، غير ان المراهقين يتعرضون الى ضغوط من جهات مختلفة لاختيار هذه المهنة وقد صيغت هذه على شكل عوامل على النحو التالي :

x