مفردات عامة في الحقوق الانسان

حقوق الإنسان مصطلح مركب يتكون من ” حقوق ” و ” إنسان ” , وللتعرف على هذا المفهوم لا بد لنا أن نوضح مفردات هذا المصطلح .

أولا : تعريف الحق :

للحق في اللغة عدة معان يرجع معظمها إلى الثبوتِ والوجوبِ, فالحَقُّ: من أسماء اللهِ تعالى، أو من صِفاتِهِ، ويطلق على القُرْآنُ، وهو ضِدُّ الباطِلِ، وهو الأمر المَقْضِيُّ، ومن ويطلق على (والعَدْلُ، والإِسْلامُ، والمالُ، والمِلْكُ، والمَوجود الثابِتُ، والصِدْقُ

 فتقول: حقَّ الشيءُ حقا أي وجبَ .

ومما يلفت النظر: أن القرآنَ استعمل لفظة الحقَ وما اشتق منها للتنبيه إلى يوم القيامة، كما استعمله في بيان الحقوق المالية للفقراء على الأغنياء ؛ فالحاقة اسم ليوم القيامة سميت بذلك لأن فيها حواق الأمور, والجمع حِقاق وحُقوق , ومنه قوله تعالى :” ” ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين “,كما جاء القرآن “وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ”  , فالحق في القرآن ذو مفهوم اجتماعي وهو يستند إلى أساس ديني من الإيمان بالغيب ، وهذه نقطة فارقة بين أساس الحق في الفكر الغربي والفكر الإسلامي.  وتطلق لفظة الحق بمعنى الإحكام والإتقان , فتقول: ثوب مُحقَّقٌ إذا كان مُحكمَ  النسيج

وفي اصطلاح الفقهاء وعلماء الأصول تجدُ تعريفاتٍ متعددة في ألفاظها , إلا أنها كلها ترجع إلى المعنى اللغوي , فقد عرفه الجرجاني بأنه ” الحكم المطابق للواقع , وهو يطلق على الأقوال، والعقائد، والمذاهب باعتبار اشتمالها على ذلك “. وكذلك عرفه عبد العزيز البخاري هو من علماء أصول الفقه  بقوله :” الحق : الموجود من كل وجه الذي لا ريب في وجوده ” وهذان التعريفان – كما ترى – لا يخرجان عن المعنى اللغوي.

وقد عُنيَ الفقهاء المحدثون بتعريف الحق فعرفوه بعدة تعريفات بينها اختلافات بسيطة . ومن ذلك ما ذكره الشيخ علي الخفيف حيث عرف الحق بأنه “ما كان مصلحة لها اختصاص بصاحبها شرعا ” فالحقوق مصالح , والشارع الحكيم لا يحمي إلا ما كان مصلحة . وقد قيد التعريف الثبوت بإقرار الشارع , حيث أن الحق في شريعة الإسلام منحة من الله تعالى لعباده , ولا ينبثق إلا عن إرادة الشارع.

وممن عرفه أيضا الشيخ مصطفى الزرقا بقوله :” اختصاص يقرر به الشرع سلطة أو تكليفا ” , ولعل هذا التعريف أدق من سابقه لأمرين : الأول :  أن كلمة اختصاص أدق من كلمة مصلحة . لأن الحق في الحقيقة علاقة بين طرفين تتضمن مصلحة , أما المصلحة فهي الخير . والثاني : لما في كلمة ” ما ” من إبهام.

ولدى فقهاء القانون نجد للحق عدة تعريفات متقاربة المعنى , منها ” قدرة أو سلطة خولها القانون لشخص من الأشخاص في نطاق معين معلوم ” , ويعترض عليه بأن القدرة أو السلطة ليست حقيقة الحق , ولكنها بعض مضمون حقيقته , وهي العلاقة المعترف بها شرعا , وهذه العلاقة قد تخول صاحبها قدرة وقد لا تخوله . وإنما ترتب تكليفا على طرف لمصلحة طرف آخر .

لهذا نرى أن أدق التعريفات ما قاله الأستاذ الزرقا :” اختصاص يقرر به الشرع سلطة أو تكليفا .

و يتضح مما سبق  أن  الحق يمتاز بما يلي :

  1. أن الشريعة هي منشأ الحق وأساس اعتباره , وليس الحق أساس الشريعة
  2. أن الله تعالى إنما منح الحق لحكمة وهي مصلحة قصد الشارع تحقيقها بشريعة الحق ، ومن هنا فإن تقييد الحق الفردي بالمصلحة العامة أمر منسجم مع منشأ الحق في الفقه الإسلامي .
  3. أن الحق ليس غاية في ذاته بل وسيلة إلى مصلحة شُرع الحق من أجلها ومن هنا يراقب المشرع كيفية تصرف المكلف بالحق ، فإذا استعمل على خلاف مقصود المشرع كان متعسفاً وجاز منعه و تضمينه .
  4. أن من الحقوق ما يثبت للأفراد الذين يتمتعون بالحق مباشرة كحق الإرث ، ومنه ما يثبت للغير ، وقد يكون الغير فرداً أو جماعة, وكلا الحقين معتبر ومحافظ عليه شرعاً ، ومن صور المحافظة على الحق التفاتا إلى حق فردي للغير منعِ الإضرار من قبل من يمارس الحق كمنع الإضرار بالوصية ومنع الطلاق للفرار من الإرث ،ومن صور الالتفات إلى حق العامة حق الجماعة بعرض السلع التجارية التي يحتاج إليها الناس بالأسواق من غير احتكار لها .
  5. ويقسم الفقهاء الحق إلى قسمين رئيسيين هما :

القسم الأول : حق الله تعالى , ويلحق به ما كان حق الله فيه غالبا , ويطلق عليه حق المجتمع .

القسم الثاني : حق الفرد , ويلحق به ما كان حق العبد فيه غالبا .

ومن الدراسات الطريفة لأنواع الحقوق  في الفقه الإسلامي ما ذكره الدكتور الجابري نقلاً عن الفقيه الشافعي العز بن عبد السلام وهو يتناول حقوق الله وحقوق الإنسان، وحقوق الحيوان أيضا،حيث  يصنف ابنُ عبد السلام أعمال الإنسان، من حيث كونُها جلبا للمصالح أو درءا للمفاسد إلى أربعة أصناف: صنف يلبى به الإنسان “حقوق الخالق”، وصنف يقيم به حقوق نفسه عليه، وصنف يقيم الناس به حقوق بعضهم على بعض. وصنف يقيم به الإنسان حق الحيوان.

x