نحو توجه نظري جديد في علم الاجتماع الحضري

إن صيرورة البناء النظري ، لم تتوقف عند حد ما اشرنا إليه ، ولا نظن انه سيتوقف عند الحد الذي نقف عنده ، لذلك فان ثمة اتجاهين ، أو منظورين انبرى من جديد في مناقشة القضايا والمشكلات الحضرية ، وان لهذين المنظورين عود على بدء ما تم طرقه سابقا ، ولكن ليس بطريقة إحياء الإرث النظري كما هو ، دون تمحيص وتعديل وقراءة جديدة . فظهر علم اجتماع على خطى ماكس فيبر في بريطانيا بحلة جديدة ، معتمدا على تحليلات سوق الإسكان ، باعتباره احد المؤشرات الحضرية على فرص الحياة . أما المنظور الآخر ، فقد ظهر في فرنسا ، مستندا ومعدلا على وفي الأفكار الماركسية ، وفيما يلي فأننا نعرض لهذين الاتجاهين بشيء من التفصيل .

الاتجاه الفيبري الجديد :

لاشك ، ان هذا الاتجاه ، استوحى بعض افكاره من ملاحظات وتأويلات ماكس فيبر Weber ، ولا داعي لذكر ما قدمه فيبر هنا ، فقد تمت الاشارة اليه سابقا ( انظر الفصل الاول ) . ظهر هذا الاتجاه بناءا على ما قدمه جون ركس Rex وروبرت مور Moore في دراسة حملت عنوان ” السلالة والمجتمع المحلي والصراع في برمنجهام ” Race Community and Conflict [1] . وقد لاحظا ان اخضاع التمايز السكني وتفسيره وفقا لمتغير “الطبقة المهنية” لهو امر غير مقبول البتة ، لماذا ؟ لانه يفشل في تفسير لماذا (مثلا) كان السود اسوأ اسكانا من الجماعات الاخرى ومن خلال هذه الملاحظة ذهبا ليحددا لنا ان نمط الاسكان الذي يتجه اليه الافراد لا يتحدد في ضوء اعتبارات الطبقة المهنية ، وانما يعود ذلك ، الى ان الطبقة السكنية ـ كما أسمياها ـ  ترجع الى متغير ” العنصر او السلالة ” ، الذي من خلاله يستبعد ويمنع الملونين من شراء منازل يتعرضون فيها الى انواع التمييز ، ولعل التمييز العنصري ابرزها ، الى جانب المكانة الاجتماعية للمهاجر ، وكل هذه المشكلات ، نجد لها نفاذ في طبيعة الاجراءات والقواعد ، التي تفرض على المهاجر ، والذي يشترط اذا ما اراد الحصول على مسكن ، ان يقضي فترة تٌعد بالسنوات . ومن ثم فان هذه الملاحظات ، ذهبت بريكس ومور الى عزو المشكلات السكنية بوجود صراع طبقي على الاسكان ، لذلك لابد ان ينظر لهذا الصراع بوصفه العملية الرئيسية للمدينة ، ومن ثم ، فأن هذا يمثل مجال علم الاجتماع الحضري[2] (Ibid , p. 273) .

وعلى خطى فيبر ، حاول ريكس ومور ، ان يعدلا من وجهة نظر الاول ، حول سوق العمل ، وكانت وجهة نظر فيبر تتلخص في ان أي موقف للسوق بشكل عام هو عامل يؤدي الى ظهور جماعات ذات وضع ومصالح مشتركة بالنسبة للسوق ، مما يجعلنا هذا ، ان نتصور جماعات اجتماعية بانها طبقات اجتماعية . في حين اشار ركس ومور ، الى الجماعات التي تتمايز مكانيا ، مما دعاهم ذلك الى ما أسمياه بـ ” الطبقات الإسكانية ” على عكس ما طرحه فيبر . ولكن هذا المعنى قد يثير حفيظة بعض الماركسيين ، اذا ما وضعوا هذه الفكرة ضمن مجال الصناعة ، وكون هذا المجال ، يختلف في صراعه الطبقي عن المجال المحلي ، لكن ريكس ومور ، رفضا ذلك مشيران الى ان الصراع الطبقي بين الجماعات التي تتمايز مكانيا ، والتي يتحكم فيها متغير الطبقة الإسكانية ، لا يتجلى على المستوى المحلي فقط ، وانما يجر ذلك وبنفس القدر الى المستوى القومي .

هذا ، وقد اشر ريكس ومور خمس طبقات سكنية ، لكنها سرعان ما أعاد النظر فيها وجعلها سبعا :

  1. مالكو المساكن الكبيرة في المناطق المفضلة .
  2. دافعوا القروض الذين ( يملكون ) مساكن كاملة في المناطق المفضلة .
  3. مستأجرو مساكن بنتها السلطات المحلية .
  4. مستأجرو مساكن فقراء عاديتها الى السلطات المحلية وتنتظر الهدم .
  5. مستأجرو مساكن خاصة .
  6. مالكو مساكن يتعين عليهم استقبال مستأجرين لمواجهة النفقات .
  7. وأخيرا ، ساكنو الغرف[3] . (Rex , pp . 214-216) .

وهكذا ، فان عملية نمو المدينة كما يراها ريكس ومور ، تشبه ما أشار اليه بارك وبيرجس من قبل بـ ” قفزة ضفدع حضرية ” ، إذ إن كل الطبقات تحاول الحصول على مسكن جيد في الضواحي . وفي ضوء هذه العملية فان المهاجرين سرعان ما يجدون أنفسهم معزولين في أماكن بائسة من المدن ، ولا يشكلون أي مثيرا لدى السلطات الإسكانية ، لذلك هم ـ أي المهاجرون ـ يحاولون جاهدين الحصول وشراء شقق بفوائد اقراض عالية ، لكن هذا الأسلوب يؤدي من جهته الى مزيد من تدهور نمط السكن داخل المدن ، مما يجعل السلطة تتدخل للحد من انتشار ذلك . وهكذا تحت الظروف السكنية والمعيشية القاسية ، وتحت اهمال السلطات المحلية لاسكان الفقراء ( المهاجرون او الملونين ) ، تصبح الجماعات السوداء التي درسها ريكس ومور رهينة أحيائها الفقيرة .

إذا ، لابد ان نستخلص جملة من النتائج ، التي توصل اليها الباحثين المذكورين ، والتي يمكن فهمها من العرض الذي قٌدم في أعلاه . وفيما يلي نشير الى بعض النتائج :

  1. يشار للنمو الحضري في المجتمعات الصناعية المتقدمة الى انه يقسم الناس الى طبقات تتمايز مكانيا وفقا للمسكن.
  2. ينظر لمنطقة التحول بانها تلك المنطقة التي تعيش فيها اقل الطبقات السكنية تميزا ، ويندرج فيها ملاك ومستأجري المنازل ذات الغرف المفروشة للإيجار .
  3. وبناءً على النتيجة السابقة تتشكل في مناطق التحول صراعات قائمة بين الطبقات السكنية .
  4. تعمل تنظيمات الطبقة السكنية الأقل تميزا على إعادة توجيه الأفراد القادمين من مجتمعات ريفية او تقليدية اجنبية وتعمل على إعادة توافقهم للحياة الحضرية ( فلتر حضري )[4] (Ibid , pp.230-231 ) .

[1] . J.Rex and R.Moor

[2] . Ibid, p. 273.

[3] . Ibid, pp. 214-216.

[4] . J. Rex , op. cit, pp.230-231.

x