نظام الحكم وانعكاس تأثيره على التركيب الاجتماعي

يمكن ان نميز المجتمع المصري القديم بين قسمين أساسيين :

القسم الأول : يضم الحكام والقسم الثاني : يضم المحكومين .

أما الحكام فيتمثلون في ثلاثة مستويات متدرجة :

المستوى الأول والأعلى يضم : الملك – الفرعون – الإله ، وأفراد أسرته وأخواته ( اللواتي كن في نفس الوقت زوجاته ) .

والمستوى الثاني يضم مستشاره الأكبر ( الوزير ) ، الذي كان يحمل لقب ( أمير ) إذا كان يمارس بعض أعمال السلطة التنفيذية نيابة عن الملك ، كما كان يقوم بالإشراف على بعض أجهزة ومرافق الدولة .

والمستوى الثالث – يضم ( مجلس العشرة الكبار ) الذي كان يتألف من موظفي الدولة عموماً ، الذين تدرجوا من مختلف وظائف السلك الإداري . كما يضم بعض الموظفين الذين عليهم لقب ( كاتم أسرار الملك ) ، والذين كانوا يقومون بتحضير القوانين لفرعون ، وما يعرض عليه من أمور الدولة .

أما القسم الثاني ( المحكومين ) ، والمؤلف من عامة شرائح المجتمع :

فكان يتسم بالتدرج ، وكان هذا التدرج يقوم على أساس ( مهنة الفرد ) حيث كّون هذا الأساس تدرجاً اجتماعياً يتخذ الأفراد وفقاً لموقعهم في المجتمع .

وفي أدنى مراتب السلّم الاجتماعي تكمن فئة ( الأرقاء أو العبيد ) وتشمل هذه الفئة : عبيد الدولة ( الفرعون ) ، وعبيد الجيش ، وعبيد الكهنة ، وعبيد الأثرياء . وكان ( العبد ) ، على الرغم من مكانته الاجتماعية الواطئة على السُلّم الاجتماعي ، يتمتع بحياة شبه مستقلة ، فله أسرة خاصة داخل المجتمع ، وله الحق في ان يتزوج بامرأة حرة ، وتترتب على هذا الزواج كافة الآثار القانونية ، من حيث ثبوت النسب والإرث . ويمكن للعبد أيضاً ان يكون شاهدا في أي دعوى ، وله الحق في ان يرفع دعوى باسمه . ويكون أيضاً طرفاً في الدعوى المرفوعة عليه . فموقعه المتدني في المجتمع ومهنته لا يحولان دون التمتع بالحقوق القانونية والمدنية .

يأتي بعد هذا الموقع ، موقع آخر أرفع منه نسبياً وهو موقع ( الفلاح ) الذي كان ( عبداً ) للأرض التي يعيش عليها وليس للإنسان . ولهذا كان الفلاح يرتبط ، على الدوام ، بأرض الفرعون أو بالأراضي التابعة للمعابد . وكانت تبعيته تبقى للأرض مدى الحياة ، فإذا ما ذهبت الأرض لأحد أو تم بيعها ، انطبق ذلك على الفلاح وأولاده . وكانت الدولة تحصل على النصيب الأكبر من محصول الفلاح ، أما عن طريق مقاسمته هذا المحصول أو عن طريق جباية الضرائب . وكان بؤس الفلاح وشقاؤه ، سببه إرهاقه بالضرائب والالتزامات الأخرى ، تحت ستار الواجب الديني تجاه الفرعون .

الموقع الثالث هو موقع ( العامل ) ، الذي يمارس مهنته في الأسواق أو الميادين العامة ، ويقوم بالتعامل المباشر مع عامة الناس . وكانت حالته في منتهى السوء وقليل الدخل . وهناك أيضاً عمال القصور الملكية ، وهؤلاء كانت حياتهم أفضل من الفئة الأولى – عمال السوق- ، وكانوا يتقاضون ( عيناً – على شكل ملابس ومواد غذائية وغير ذلك من الأشياء العينية الموجودة في المخازن التابعة للقصور الملكية أو المعابد ) . وهناك أيضاً العمال المهرة الذين يعملون في إنتاج الأعمال الفنية العظيمة التي نشهدها ضمن الآثار المصرية . وقد شغل البعض من هؤلاء العمال بفضل مهاراتهم مواقع اجتماعية مرموقة وتمتعوا بالثراء والرفاهية .

بعدها يأتي موقع ( المحاربين – الجنود والضباط ) ، حيث كان القتال والمساهمة الفعلية في تحقيق الانتصار في المعركة يمثل وسيلة سريعة لصعود درجات السُلّم الاجتماعي . فالجندي أو المحارب الشجاع القوي كانت أمامه فرصة التسلق بسرعة على درجات سُلّم المجتمع المصري .

ولكن في الوقت الذي كان فيه القادة والضباط الكبار يتم اختيارهم من بين أبناء العائلة المالكة ، أو من بين أوساط الأسر الارستقراطية ، وهؤلاء كانوا يربون تربية خاصة ويتدربون على تدريبات خاصة تؤهلهم لتولي مناصب القيادة في الجيش ، فأن الجنود كانوا من أبناء عامة الشعب وارتقائهم الى مناصب القيادة كان أمراً نادراً يحدث صدفة ، ولاسيما كمكافئة على أعمال بطولية عظيمة قد يقدم عليها هؤلاء الجنود .

ثم يأتي موقع ( رجال الدين – أو الكهنوت ) ، الذين كانوا يتميزون بأنهم قد نالوا حظاً كبيراً من الثقافة ، وتم إعدادهم خاصاً . حيث كانوا يدرسون منذ نعومة أظفارهم أساليب العمل الكهنوتي والعمل الإداري . وكانت سلطة رجال الدين تقوم على فكرة إلوهية الملك . وكان الملك – الفرعون يهبهم الإقطاعيات التي كانت معفاة من كل أنواع الضرائب .

وأخيراً ، يأتي موقع ( الكاتب ) وهو أهم وارفع المواقع الاجتماعية في المجتمع المصري القديم ، لأنه الأقرب الى فرعون ، ويتمتع بخيرات القصر الملكي ، ويحصل على شرف لم يحصل عليه إلا اقرب المقربين الى الملك . وتكون مكانته الاجتماعية مرتبطة بذكائه وعمله وتربيته ، ومدى تمكنه من خدمة أسرار الكتابة وعلم الحساب وشؤون الإدارة . وكانت السلطة له وليست عليه . وإجمالاً يمكن القول ان الانتقال أو التدرج عل السُلّم الاجتماعي في المجتمع المصري القديم كان أفقياً وليس عمودياً لأن الفرد المصري كان مرتبطاً بصورة أبدية بموقعه الاجتماعي ، لا يستطيع تغييره أو التحرر منه أبداً .

x