نظرية الدور Role Theory

ظهرت هذه النظرية في مطلع القرن العشرين إذ تعد من النظريات الحديثة في علم الاجتماع . وتعتقد بان سلوك الفرد وعلاقاته الاجتماعية انما نعتمد على الدور او الادوار الاجتماعية التي يشغلها في المجتمع . فضلاً عن ان منزلة الفرد الاجتماعية ومكانته تعتمد على ادواره الاجتماعية . ذلك ان الدور الاجتماعي ينطوي على واجبات وحقوق اجتماعية . فواجبات الفرد يحددها الدور الذي يشغله ، اما حقوقه فتحددها الواجبات والمهام التي ينجزها في المجتمع . علماً بأن الفرد لا يشغل دوراً اجتماعياً واحداً بل يشغل عدة ادوار تقع في مؤسسات مختلفة ، وان الادوار في المؤسسة الواحدة لا تكون متساوية بل تكون مختلفة فهناك ادوار قيادية وادوار وسطية وادوار قاعدية . والدور يعد الوحدة البنائية للمؤسسة والمؤسسة هي الوحدة البنائية للتركيب الاجتماعي . فضلاً عن ان الدور هو حلقة الوصل بين الفرد والمجتمع .

ان علماء الاجتماع الذين يعتقدون بنظرية الدور هم ماكس فيبر الذي تناولها بالدراسة والتحليل في كتابه الموسوم ” نظرية التنظيم الاجتماعي والاقتصادي ” ، وهانز كيرث وسي رايت ملز في كتابهما الموسوم ” الطباع  والبناء الاجتماعي ” وتالكوت بارسونز في كتابه الموسوم ” النسق الاجتماعي ” ، وأخيراً روبرت ماكيفر في كتابه الموسوم ” المجتمع ” .

المبحث الأول :  الاسهامات العلمية التي قدمها بعض علماء الاجتماع لتطوير  نظرية الدور

أولاً : المساهمات التي قدمها ماكس فيبر لتطوير نظرية الدور :

يهتم العالم ماكس فيبر بالدور الاجتماعي اكثر مما يهتم بأي موضوع اخر اذ يشكل الدور الاجتماعي المهماز الرئيسي لنظريته الاجتماعية . ذلك انه يعّرف علم الاجتماع في كتابه الموسوم ” نظرية التنظيم الاجتماعي والاقتصادي ” بالعلم الذي يفهم ويفسر السلوك الاجتماعي . ويعني فيبر بالسلوك الاجتماعي اي نشاط او حركة يقوم بها الفرد والتي تكون لها علاقة مباشرة بوجود الافراد الاخرين في المجتمع . علماً بأن سلوك الفرد يعتمد على ثلاثة شروط رئيسية هي ما يلي :

1-  وجود الدور الذي يشغله الفرد والذي يحدد طبيعة السلوك الذي يقوم به الفرد .

2-  استعمال الرموز السلوكية والكلامية واللغوية المتعارف عليها من قبل الافراد عند القيام بالسلوك .

3-  وجود علاقة اجتماعية تربط شاغل الدور مع الآخرين عند حدوث السلوك .

والسلوك الذي يقوم به شاغل الدور يكون على ثلاثة اشكال هي ما يلي :

1-  السلوك الاجتماعي الغريزي او الانفعالي : وهو الحركة او النشاط الذي يقوم به شاغل الدور عندما تكون كل من واسطته وغايته لا اخلاقية وغير عقلية كالسرقة والقتل والشجار بين الناس والرشوة والاختلاس …الخ .

2-  السلوك الاجتماعي العقلاني المثالي :  وهو الحركة او النشاط الذي يقوم به شاغل الدور عندما تكون كل من واسطته وغايته اخلاقية وعقلية وشريفة كسلوك الطالب في الجامعة وسلوك المقاتل في القوات المسلحة .

3-  السلوك الاجتماعي التقليدي : وهو الحركة او النشاط الذي يقوم به شاغل الدور عندما يكون السلوك متأتياً من عادات وتقاليد المجتمع كالسلام والتحية بين الاحبة والاصدقاء واداء مراسيم الزواج او تشييع الموتى والبكاء عليهم او الالتزام بمراسيم الاعياد والاحتفالات والمناسبات الدينية والوطنية .

ومن الاضافات الاخرى التي قدمها ماكس فيبر لنظرية الدور توقع السلوك من معرفة دور الفرد اذ ان المريض يمكن ان يتوقع سلوك الطبيب من خلال معرفة دوره الاجتماعي ، وان الطبيب يستطيع توقع سلوك المريض من خلال معرفة دوره الاجتماعي . كما ان الابن يستطيع توقع سلوك ابيه من معرفة دوره الاجتماعي ، وان الاب يستطيع توقع سلوك ابنه من معرفة دوره الاجتماعي . وهكذا نستطيع ان نتوقع سلوك الافراد من معرفتنا لأدوارهم الاجتماعية . بمعنى آخر ان معرفتنا للدور الاجتماعي الذي يشغله الفرد تساعدنا على تنبؤ سلوكه اليومي والتفصيلي .

ثانياً : الاضافات التي قدمها تالكوت بارسونز لتطوير نظرية الدور :

وردت هذه الاضافات التي قدمها بارسونز لتطوير نظرية الدور في كتابه الموسوم ” النسق الاجتماعي ” اذ يمكن تحديد هذه الاضافات بما يلي :

1-  يعتقد بارسونز بأن الفرد لا يشغل في المجتمع دوراً واحداً بل يشغل عدة ادوار ، وهذه الادوار تكون عادة موجودة في نظم ومؤسسات المجتمع المختلفة . وان الدور الواحد الذي يشغله الفرد ينطوي على جملة واجبات وحقوق .

2-  تكون الادوار في المؤسسة الواحدة مختلفة اذ ان هناك ادواراً  قيادية وادوار وسطية وادوار قاعدية ، وعلى الرغم من اختلاف الادوار فأنها متكاملة اذ ان كل دور يكمل الدور الآخر في المؤسسة الواحدة .

3-  يمكن تحليل النسق الاجتماعي الى مجموعة مؤسسات ، ويمكن تحليل المؤسسة الواحدة الى ادوار اجتماعية ، ويمكن تحليل الدور الواحد في المؤسسة الى واجبات وحقوق اجتماعية .

4-  يحدث الصراع بين الادوار Role Conflict عندما تطلب المؤسسات من الفرد الواحد الذي يشغل فيها ادواراً مختلفة القيام بمهام وواجبات في نفس الوقت . والفرد لا يستطيع القيام بذلك للتضارب بين الاوقات او محدودية قدرات الفرد و قابلياته . وهنا يقوم الفرد بتنفيذ ما تريده منه مؤسسة واحدة كالأسرة مثلاً ويخفق في تنفيذ ما تريده منه المؤسسات الاخرى كالمدرسة او جماعة اللعب او النادي او الحزب مثلاً . وهذا لابد ان يعرض الفرد الى اللوم والعتاب مما قد يسبب تصدع شخصية الفرد وانفصالها وبالتالي عدم قدرة الفرد على التكيف للمحيط او الوسط الاجتماعي الذي تعيش فيه .

ان الوحدة الاساسية للنسق وما يكتنفه من علاقات وتفاعلات كما يرى بارسونز هي الدور . ذلك ان لكل فاعل اجتماعي دور وظيفي يحدد واجباته وحقوقه وعلاقاته الاجتماعية ، اي يحدد سلوكه الفردي والجماعي . لكن سلوك الفاعل تحدده المعايير الاخلاقية المشتركة التي يعتقد بها الجميع . علماً بأن الفرد منذ بداية حياته يتدرب على اشغال الادوار الاجتماعية عن طريق عمليات التنشئة الاجتماعية ، هذه الادوار التي تحدد مركزه الاجتماعي وتساعد الاخرين على فهم وتنبؤ سلوكيته مقدماً . وإذا ما ادى الفرد ادواره وتصرف بموجب معاييرها السلوكية والأخلاقية فأنه يكون قد نجح في سد حاجاته وتلبية طموحاته القريبة والبعيدة . وفي الوقت نفسه يكون قد نال رضا وقبول المجتمع له . فذا تصرف العامل مثلاً بموجب المعايير الاخلاقية لدوره الوظيفي ، اي قام بأداء واجباته الانتاجية في المصنع فأنه يكون قد نجح في سد حاجاته وطموحاته في كسب الاجور التي يستحقها ونيل الاحترام الكافي من الآخرين . والعكس هو الصحيح اذا فشل العامل في اشغال دوره الوظيفي ووقف ضد المعايير الاخلاقية الضابطة لسلوكه كعامل في المصنع .

x