مقدمة في علم النفس الإنساني

مقدمة في علم النفس الإنساني

  • ويمثل الاتجاه الإنساني كل من أبراهام ماسلو وكارل روجرز واريك فروم وبيرلز. (ابراهيم ,1985 ص59)
  • والمنطلق الأساسي لهذا التوجه ان الإنسان مدفوع بطبيعته لفعل الخير وهو ينطوي على دافع رئيسي للنمو والارتقاء والإبداع وتحقيق الذات.
  • الوظيفة الأساسية لعالم النفس هو مساعدة البشر على ان يكتشف كل منهم إمكانياته الحقيقية وإعانته على تحقيقها من خلال التوجيه والإرشاد.
  • يجب ان توجه الأبحاث النفسية نحو مشكلات الإنسان الهامة مثل: المسؤولية الشخصية، أهداف الحياة، الالتزام، تحقيق الذات، الابتكارية، التلقائية، القيم ….. الخ.
  • على علماء النفس السعي لفهم الأفراد العاديين وغير العاديين، والأسوياء وغير الأسوياء، بمعنى التأكيد على التفرد والفردية وليس القوانين العامة للسلوك
  • على علماء النفس الاهتمام بموضوعات الدراسة أكثر من الاهتمام بأساليب دراستها، لذا فان أساليب البحث المستخدمة في المدرسة الإنسانية تشمل: الطرق الموضوعية، دراسة الحالة، الاستبطان وتحليل الأعمال الأدبية. (دافيدوف, 1983 ص 38).

 

 

نظرية ماسلو في الشخصية

ملامح النظرية

  1. يمثل ابراهام ماسلو علامة بارزة في المدرسة الانسانية التي تقف بالضد من المدرسة السلوكية ومدرسة التحليل النفسي التي سلبت انسانية الانسان فالسلوكية ترى الناس اشبه بصناديق سوداء ذوي سلوك آلي بينما ترى نظرية فرويد ان الانسان كائن غير عقلاني سجين خبرات وتجارب وقوى بهيمية لا يمكن رؤيتها والسيطرة عليها.
  2. نظريته تشكل اضافة هامة وفريدة في العلاج النفسي فما يشغل بال ماسلو ليس السلوك الشاذ بحد ذاته انما فشل الفرد في التقدم نحو تحقيق ذاته.
  3. الفرد المضطرب وفقا لنظريته هو الذي حرم من الوصول الى اشباع او اكفاء حاجاته الاساسية فيشعر بالتهديد وانعدام الامن والاحترام القليل للذات وهذه الحاجات لا تشبع إلا بالاتصالات الشخصية بالآخرين بواسطة العلاج النفسي.
  4. البعض من المهتمين بنظريات الشخصية يرى ان الجمع بين نظرية ماسلو ونظرية سنكر يمكن ان يقدم اطارا نظريا مناسبا جدا لنمو سلوك الفرد وتطوره.

 

حياة ماسلو 1908 – 1970:

     من المعلوم إن ماسلو , الذي عاش طفولته تعتبر اليوم مفتقرة إلى مركز من الاحترام والرفعة , يعتقد بميل الذات أن تنمو وتتطور وتتحقق . ومن المعلوم أيضا إن ماسلو الذي تحدر من خلفية كان فيها الطعام والمأوى من الأساسيات المهمة للحياة اليومية سوف يكون نظاما تكون فيه الحاجات لها القدح المعلى إلى أن تشبع تلك الحاجات . فعندما كان طفلا ترك وحيدا ومنعزلا , وليس من الغريب إن الحاجات للانتماء والحب والاحترام هي مهمة , في نظريته , حيث تشبع الحاجات الفسيولوجية وحاجات الأمن .

      ولد ماسلو عام 1908 في مدينة بروكلن في نيويورك , كان أبواه مهاجرين ومن ذوي تحصيل بسيط وكانا ذوي حظ قليل من الارتفاع عن مستوى الظروف الهامشية التي عاشا في ظلها . وكبقية الآباء المهاجرين فأن آمالهما كانت معلقة بالجيل الجديد , لقد آملا بأن أولادهما سوف يحققون أعلى المراتب في الحياة . وعندما كان والد ماسلو في الرابعة عشر من العمر سار من روسيا عبر جميع اوروبا الغربية , وكان طموحه كبيرا لأن يهاجر إلى أمريكا . إن هذا الدافع في تحقيق النجاح يبدو انه استثمر من قبل ماسلو الصغير .

     إن طفولة ماسلو لم تكن بالطفولة الكسولة فانه كطفل يهودي وحيد في محيطه شعر بمركز جماعته الأقلية. وإذا ما أخذنا وصفه لذلك تراه يقول بأنه كان منعزلا وغير سعيد وشب دونما أصدقاء أو رفاق. كما هي الحال بالنسبة للآخرين الذين يعانون من مواقف متشابهة من العزلة والوحدة، نرى ماسلو ينصرف إلى الكتب مرافقا لها. وان الكتب والتعليم أصبحا الطريق الذي يقيه من الفقر والوحدة.

     وتحت تأثير إلحاح والده بدأ ماسلو دراسة القانون. ولكنه بعد أسبوعين قرر عدم مواصلته لهذه الدراسة لعد حبه لها. إن ما كان يريد فعلا هو أن يدرس (كل شيء) وهي رغبة كان من الصعب على والده أن يفهمها. إن حبه للتعلم كان مصحوبا بحبه وهو في السادسة عشرة من العمر، لفتاة كتب له أن يتزوجها ذات يوم وهي رغبة كان من الصعب أيضا على والده ان يتقبلها. ترك ماسلو بلدته وذهب أولا إلى كورنيل ومن ثم إلى جامعة وسكنسن حيث لحقت به المرأة التي كتب له فيما بعد أن يتزوجها.

    لقد تزوجا ـــ وهو في العشرين من عمره وهي في التاسعة عشرة وكان ذلك خطوة مهمة في حياة ماسلو. لقد بدأ بان الزواج أمده بالشعور بالانتماء والحب وكذلك بالهدف والاتجاه. لقد قال بأن الحياة لم تبدل فعلا معه إلى أن تزوج وبدأ دراسته في جامعة وسكنسن. بالإضافة إلى زوجته فأنه اكتشف بأنه تأثر بعالم النفس السلوكي بجون واطسون الرائد الأول في الثورة التي جعلت علم النفس علما للسلوك. لقد نظر ماسلو إلى السلوكية كبقية الآخرين في مطلع 1930 كبلسم لجميع مشكلات العالم

       وكانت خطوة جبارة تحول ماسلو بعد تدريبه بعد التخرج وإجراء البحوث على النمط السلوكي أن تحول إلى تحقيق الذات. من دراسة القردة ودراسة ذروة النضج في الإنسانية. وكان هناك عدد من التأثيرات التي اجتمعت لكي تحدث هذا التحول العميق. بعضها فكري والبعض الآخر شخصيا وانفعاليا إلى درجة كبيرة. وتراوحت من التعرض لتأثير فرويد، وعلم النفس الجشتالتي وفلسفات الفريد نورث وايت هيد وهنري بركسن إلى اليوم الذي اطل فيه طفل ماسلو الأول على الوجود قال عنها بأنها كانت قصف الرعد الذي حسم كل شيء … وقد شعرت بالضآلة والضعف والوهن أمام كل شيء وأقول بأن أي شخص يلد له طفل لا يمكن أن يكون من ((أصحاب المدرسة السلوكية)).

        حصل ماسلو على شهادة الدكتوراه من جامعة وسكنسن (1930) وعاد إلى نيويورك، أولا إلى جامعة كولومبيا ومن ثم إلى كلية بروكلن والتي بقي فيها حتى سنة (1951) وقد كان في نيويورك في وقت التسامح والصفح ـــ في أواخر الثلاثينيات وأوائل الأربعينيات ـــ عندما وصلت موجة هجرة الأدمغة من ألمانيا النازية. وقد التقى بتلهف وتعلم من ايرك فروم، وكارين هورناي، وماكس ويتهايمر عالم نفس بارز من المدرسة الجشطالتية. ومن الفريد ادلر بالإضافة إلى انه كان متأثرا كثيرا بعالمه الانثروبولوجية الأمريكية روث بيندكت والتي التقى بها أيضا خلال هذه الفترة. وفي الحقيقة كان إعجابه وتقديره بيندكت وماكس ويرثايمر هما اللذان قاداه لأبحاثه في موضوع تحقيق الذات والى نظرية الشخصية المشتقة منها.

      وخلال السنوات الأولى بعد حصوله على شهادة الدكتوراه، استمر ماسلو في بحثه في جامعة وسكنسن على السلوك الجنسي ولكنه تحول من دراسة القردة إلى دراسة الإنسان. وقد استمر البحث من سنة (1941) حيث تغيرت اهتماماته بسبب الحرب العالمية الثانية. وهي حدث آثار مشاعره بعمق. ومن ذلك الوقت كرس نفسه للبحث في أساليب تحسين الشخصية البشرية ولإثبات بأننا قادرون على سلوك أرقى وأنبل من سلوك الحروب والكراهية والتحيز.

     وقد كانت بداية الحرب تجربة انفعالية عنيفة وقد قال ماسلو بأنه عندما كان ينظر إلى مظاهره من الناس بعد الهجوم على بيرل هاربر والدموع تذرف على وجهه (( بأن لديه رؤية أو تصور لمائدة سلام , يجلس الناس حولها , ويتكلمون عن الطبيعة البشرية والكراهية والحرب والسلام والأخوة )) .

     والرغبة في جعل علم النفس علما إنسانيا ولفهم ارفع وأنبل لقدرات الإنسانية برزت من تلك التجربة وزودت ماسلو بشعور يجبره بأن عليه واجبا ورسالة يجب تأديتها ولم يفارقه هذا الشعور . وقد انتقل عام (1951) الى جامعة برانديز , حيث أصبح فيما بعد رئيس قسم علم النفس هناك وقد بقي في برانديز . يطور وينقي نظريته حتى سنة (1969) حيث انتقل إلى كاليفورنيا ( حيث قدمت له منحة ) من اجل مواصلة الجهود على نطاق واسع لوضع فلسفات سياسية واقتصادية وأخلاقية ناتجة عن فروع علم النفس الإنساني .

      وقد أصبح ماسلو في أواخر حياته شخصا محبوبا كثيرا ليس في مجال علم النفس فحسب وإنما بين قطاعات عديدة من الناس أيضا . وقد كان مرتبطا بحركة الجماعة المتحسسة * T. group    وكان مؤيدا ومساندا قويا لمعهد ايسالين في كاليفورنيا . وبعد ان عانى من نوبة قلبية , اندفع نحو عمله بشكل أكثر مما كان عليه سابقا . وتجنب الفعاليات التي كانت محببة لديه , مثل الألعاب وقراءة الشعر والتمشي لفترة طويلة في الغابات . وفي احد المقابلات الأخيرة قال ماسلو (( كيف استطيع أن أضيع الوقت سدى في هذه الأشياء في الوقت الذي هناك عمل يتطلب الانجاز , والإنسانية يجب أن تساعد وتنقذ )) .

وقد استلم ماسلو في حياته عدة جوائز وأوسمة شرف , بضمنها انتخابه لرئاسة الجمعية الأمريكية لعلم النفس في 1967 .

القوة الثالثة في علم النفس

   ان ماسلو شعر ان تدريبه وتكوينه في علم النفس لم يؤهله لفهم الخصائص الايجابية في الافراد الذين اعتبرهم بارزين ومرموقين  فدعاة التحليل النفسي نظروا الى الانسان باعتباره ضحية لغرائز حيوانية ولصراعات اثارتها الحضارة في نفسه فكانوا ينظرون لجانب واحد من جوانب الحقيقة وكذلك السلوكيين الذين نظروا الى الانسان باعتباره كائنا حيا شكلت البيئة سلوكه ولم يلقوا الضوء على غوامض الوجود البشري ولذلك اعتقد ماسلو ان علم النفس ركز على الجوانب المظلمة والسلبية والمريضة والحيوانية من الانسان وتأكيد على دراسة العجزة من الافراد ادى الى وجود علم نفس عاجز كسيح ويرى ماسلو ان دراسة غير الناضجين وغير الاصحاء والمقعدين والمعاقين يمكن ان يؤدي الى علم نفس كسيح والى فلسفة كسيحه .

   كان هدف ماسلو ان يصبح علم النفس اكثر اكتمالا وتوازنا بحيث يركز على الفرد السليم الذي يقوم بوظائفه على نحو متكامل واصبح هذا الجهد يمثل القوة الثالثة في علم النفس , اسس ماسلو (1962) مع عدد من علماء النفس الاخرين ومنهم كارل روجرز الرابطة الأمريكية لعلم النفس الانساني.

       ابراهام ماسلو شخصية معروفة في علم النفس المعاصر لما أمده من اتجاه جديد وحركة جديدة ظهرت في السنين المعاصرة في علم النفس الإنساني . إن هذه القوة الثالثة في علم النفس برزت تصطرع مع الضعف والفشل اللذين كانا من خصائص القوتين الاثنتين في علم النفس المعاصر ــ السلوكية والتحليل النفسي ـــ كما يرى ذلك دعاة البعد الثالث لعلم النفس.

     أن التأثير الإنساني الذي يرى بأن المدخل السلوكي لعلم النفس يدرس الناس كما لو كانوا آلات وهو منقص من مكوناتهم وغنى تركيبهم إلى المستوى المبسط من السلوك الذي يستثار عادة عند فأرة في متاهة . يناقش ماسلو إن الكائنات البشرية لا يمكن ان ينظر إليها على أنها مجرد فئران كبيرة أو حساسيات مقتدرة، حيث ان مفاهيم كهذه تسلب البشر- إنسانيتهم وتجردهم من جميع الخصائص المقترنة بالكائنات البشرية.

      إن ماسلو ــ وآخرين من علماء نفس البعد الثالث ـــ من بينهم كارل روجرز ــ ينقد بنفس الأسلوب المدخل إلى فهم الكائنات البشرية الذي اخذ به سيجموند فرويد وبدراسة الجانب الرديء من الإنسانية أي دراسة العصابيين والذهانيين ــ تجاهل علم النفس الانفعالات البشرية الموجبة كالسعادة والرضا وسجو العقل . إن أكثر عبارات ماسلو تكرار هي (( إن دراسة غير الأسوياء , والمتخلفين وغير الأصحاء لا يمكن أن تنتج سوى علم نفس غير سوي ))

     ويتهم ماسلو بأننا قد بخسنا الطبيعة البشرية حقها وذلك بعد دراستنا لأفضل النماذج البشرية الأكثر إبداعية , والأكثر صحة والأكثر نضجا , وهذا المثل أي دراسة ما يسميه بـ ( ذروة النفس البشرية ) التي هي أفضل تمثيلا للنوع البشري هو احد المداخل ذات الملامح المتميزة في نظرية ماسلو حول الشخصية البشرية . وكما لاحظ عندما تريد أن تقرر أقصى سرعة يستطيع البشر أن يجروا فيها فانك تدرس العدّاء المتوسط في عدوه وبالتأكيد لا تدرس العدّاء المعوق وإنما تدرس أكثر العدائين سرعة , وبهذه الطريقة فقط يكون من الممكن أن تقرر أعلى القدرات البشرية الممكنة .

      وهكذا فان نظرية ماسلو في الشخصية لا تشتق من المضطربين انفعاليا أو من القلقين الذين لديهم تضارب وإنما أكثر الشخصيات صحة . وكنتيجة لسنوات من البحث على مثل أولئك الناس تطورت نظرية في الشخصية يمكن ان نطلق عليها بسهولة نظرية الدوافع وذلك لأن الدوافع هي محور مدخل ماسلو والأساس الذي يقوم عليه هذا المدخل . وباستخدام تواريخ الحالة أساسا درس ماسلو بصورة مركزة مجموعة صغيرة من الشخصيات المتفوقة في صحتها وجودتها , الحية والتي قضت نحبها . وعلى سبيل المثال وباستخدامه عادة تاريخ الحياة درس ماسلو توماس جيفرسون وابراهام لنكن وشخصيات تاريخية أخرى . ومن دراساته هذه وتلك التي تتعلق بالأحياء توصل إلى نتيجة أن كل شخص يولد ومعه حاجات فطرية التي تدفع بالشخص لان ينمي ذاته ويطورها ويحققها ليكمل بذلك جميع إمكاناته .

      يضع ماسلو تدرجا في الحاجات , وسلما للدوافع , تلك الحاجات الموجودة في القاع يجب أن تشبع قبل أن تتحقق الحاجات التي تليها .وعندما تشبع الحاجة من المستوى الثاني , تكون الأفضلية إذ ذاك للحاجة من المستوى الثالث وهكذا . وفي المستوى الأدنى تهيمن الحاجات الفسيولوجية . وعندما تشبع هذه الحاجات تظهر حاجات الأمن , ومن ثم الحاجات المتعلقة بالانتماء والحب , والمتلوة بالحاجة للاحترام وأخيرا بالحاجة لتحقيق الذات .

      إن مدخل ماسلو للشخصية هو مثار نقاش حاد في علم النفس اليوم كما هو الحال بصورة عامة بالنسبة لعلم النفس الإنساني. ومع ذلك فان هذا المدخل شائع وبخاصة عند علماء النفس الشباب وطلبة علم النفس الذين يضطلع معظمهم بما قدمه ماسلو.

تصور ماسلو للطبيعة البشرية: 

لقد لاحظنا بان وجهة نظر ماسلو عن الشخصية البشرية بأنها نظرة متفائلة وإنسانية وان تركيزه كان على الصحة النفسية أكثر من تركيزه على العجز، وعلى النمو والتقدم بدلا من الركود، وعلى الفضائل الإنسانية للإمكانات وليس على الضعف والمحدودية. وبصورة أساسية كان لدى ماسلو شعور قوي في الثقة في قدرتنا على ان نصوغ بناء نمونا الايجابي وان نصوغ مجتمعا أفضل بذلك. وفي الواقع فان الثقة ظلت العقيدة التي تقوده في جميع أعماله.

     وإذ أنه يؤكد بوضوح أهمية خبرات الطفولة المبكرة في تيسير او إعاقة النمو المتأخر نراه لا يعتقد بأننا ضحايا لتلك الخبرات المبكرة. فالناس بإمكانهم ان يلعبوا أدوارا فعالة في شؤونهم الخاصة. ولقد اعتقد بان الإنسانية لها إمكانيات أكثر ما قدر لها ان تتحقق وأننا كأفراد ومجتمعات بإمكاننا ان نكون أكثر نتاجا وسعادة إذا كان بمقدورنا ان نتعلم كيف نحرر هذه الإمكانيات. ان تصوره عن تحقيق الذات هو انعكاس المعتقدة عن ان معظم الناس هم قادرون على تحقيق مستوى عال من الانجاز فيما لو توفرت لهم الظروف المناسبة.

     ولقد ماسلو بان طبيعتنا الموروثة (التركيب الخلقي) نولد مزودين به هو خير أصلا ومحتشم أصلا وعطوف ولكنه لا ينكر وجود الشر في العالم. ومع ذلك فان البشر ليس جزءا موروثا في الطبيعة البشرية ولكنه شيء تفرضه علينا بيئة غير مناسبة . ان تحقيق الذات كما شرحنا يكون ميل او حاجة ضعيفة نسبيا . انه موجود دائما ولكنه يصعب عليه ان يعبر عن نفسه بوجه الثقافة الكابتة او الأبوين الضاغطين.

   اهتم ماسلو بالناس عميقا. ان عطفه في كتاباته واضح، وان أمله في الإنسانية يعبر عنه بمعتقده الثابت الذي يرى فيه بأن كل فرد قادر على تحقيق إمكانياته الواسعة.

الدافعية-التدرج الهرمي للحاجات

كانت نظرية ماسلو في الدافعية تحتل مركز القلب في منهجه ومنحاه لفهم الشخصية وكانت الفكرة الاساسية في نظريته في الدافعية واضحة المعالم .وقد كتب ماسلو ان هناك عددا من الحاجات الفطرية التي تثير سلوك كل فرد وتوجهه. والحاجات نفسها غريزية ,حيث يرثها عند الولادة والسلوك الذي تستخدمه لإشباع الحاجات ليس فطريا ولكنه متعلم وهو عرضة لان يتباين باتساع بين فرد واخر. والسمة الاخرى لهذه الحاجات الشاملة هي تنظيمها في تدرج هرمي (شكل/4)وهي على النحو الآتي:

1-الحاجات الفسيولوجية

2-الحاجة للأمن والسلام

3-الحاجة للانتماء والحب

4-الحاجة للاحترام

5-الحاجة لتحقيق الذات

شكل(4) الترتيب الهرمي للحاجات وفق تصور ماسلو

كما يظهر من الشكل(4) ان الحاجات تتدرج بشكل هرمي ابتدءا من الاسفل الى الاعلى ووضع الحاجة في سلم الهرم يظهر عدة اعتبارات مهمة وفقا لتصور ماسلو منها:

  1. الهرم يضم عدة حاجات واي حاجة مهما كان موقعها في سلم الهرم يجب ان تشبع على الاقل بالحد الادنى.
  2. كل حاجة إن لم تشبع تسبب توتر للفرد تدفع الفرد لغرض للقيام بسلوك معين لإشباع تلك الحاجة.
  3. موقع الحاجة في سلم الهرم يظهر اهمية تلك الحاجة إذ كلما كانت في اسفل الهرم (قاعدة الهرم) كلما كانت اكثر اهمية.
  4. لايمكن للفرد الانتقال الى اشباع الحاجة التالية في سلم الهرم إلا بعد اشباع الحاجة التي قبلها.

فالحاجة الكائنة في اسفل درجات سلم الدفاعية (الحاجات الفسيولوجية ) يجب ان تشبع قبل ان تشبع تلك التي في قمة السلم (الحاجة لتحقيق الذات) وفي الحقيقة فان الحاجات الكائنة في قمة سلم الدفاعية لن تظهر الابعد ان تشبع الادنى منها في السلم ولو جزئيا .فالشخص الجائع او الذي يخشى تهديد امنه وسلامته ليس بحاجة الى الانتماء او الحب فالفرد مهتم او  بالأحرى يستحوذ عليه ويقلقه الخبز وليس الحب .

وعندما يمتلك الناس كمية من الطعام وتشبع بقية حاجاتهم الفسيولوجية وعندما يشعرون بالأمن والسلامة وعندئذ فقط يشعرون بحاجات الانتماء والحب , وعندما يمتلك الناس كمية مناسبة من الطعام وتشبع بقية حاجاتهم الفسيولوجية وعندما يشعرون بالأمن والسلامة عندئذ فقط يشعرون بحاجات الانتماء والحب .وعندما تشبع تلك الحاجات ينشد الناس اذ ذاك الاحترام .وعندما يحققون كل ذلك يسعون لتحقيق ذواتهم .والنقطة المهمة هي ان الناس لا تدفعهم وتسوقهم كل هذه الحاجات في نفس الوقت , البعض من هذه الحاجات تكون لها الغلبة في لحظة ما ولايهم لمن تكون الغلبة او الهيمنة فان ذلك يعتمد على اي منها قد يشبع واي لم يشبع بعد .ان رجل اعمال ناجح جدا لم تعد تدفعه او تسوقه  او حتى يشعر بالحاجات الفسيولوجية ,ان هذه الحاجات مشبعة بشكل جيد وقد يكون مدفوعا او مسوقا الان بالبحث عن الاحترام وتحقيق الذات.ومع ذلك فان اولوية الحاجات يمكن ان تتبدل او تعكس .فاذا حل كساد دائم في البلد وفقد الانسان عمله وابتدأ يجتر مدخراته فان الحاجات الفسيولوجية تصبح هي المهيمنة ,وسوف ينسى الانسان كل ما يتعلق بدافع الاحترام او تحقيق الذات .ان علبة فاصولياء مثلا اكثر اجزاء من جائزة تقدمها غرفة تجارة لرجل الاعمال هذا.

الحاجات العليا مقابل الحاجات الدنيا

ان الحاجة الدنيا في السلم الهرمي تكون قوتها او تفوقها او اولويتها اشد واقوى اما الحاجات العليا فهي كما يبدو اضعف. وقد وضع ماسلو عدة فروق اخرى بين الحاجات العليا والحاجات الدنيا، وكما يأتي:

1-الحاجات العليا تظهر متأخرة في تطور الجنس البشري .الكائنات الحية جميعها تحتاج للطعام والماء, ولكن البشر فقط لديهم حاجة لتحقيق الذات ,وللمعرفة والفهم وهكذا فان الحاجة العليا هي ما يتميز به الانسان .

2-تظهر الحاجات العليا متأخرة في حياة الفرد وان تحقيق الذات على سبيل المثال قد لا يظهر الا بعد ان يشارف الانسان على عمره المتوسط بينما نرى بان لدى الطفل حاجات فسيولوجية وحاجات تتعلق بالأمن .

3- الحاجات العليا اقل ضرورة لبقاء الانسان ,وهكذا فان اشباعها يمكن ان يرجا فترة طويلة من الزمن .ان الفشل في اشباع حاجة عليا لا يسفر عن محنة أنية كالفشل في اشباع حاجة دنيا. وهكذا فان الحاجات الدنيا تعرف بالحاجات القاصرة .وذلك لان الفشل في اشباعها يتمخض عن نوع من القصور الذي يصيب الفرد .

4- الحاجات العليا تعتبر اقل ضرورة للبقاء نراها تسهم في البقاء والنمو .ان اشباع الحاجة العالية المستوى يؤدي الى صحة افضل وحياة اطول وهي بصورة عامة تدفع الكفاءة البيولوجية. ولهذا السبب عرفت الحاجات العليا بانها حاجات نمو.

5- ان اشباع الحاجة العليا هو امر انتاجي ليس على المستوى البيولوجي فحسب وانما على المستوى السيكولوجي ايضا. و ذلك لان اشباع الحاجة العليا يؤدي الى سعادة عميقة وسجو في العقل واثراء في حياة الفرد الداخلية .

6- واشباع الحاجة العليا يشتمل على ظروف سابقة وتعقيد اكثر مما يشتمل عليه في اشباع الحاجة الدنيا. ان التفتيش عن تحقيق الذات مثلا له شرط مسبق مؤداه ان جميع الحالات الاخرى كانت قد اشبعت اولا وهو ما يشتمل في نفس الوقت على سلوك اكثر تعقيدا وتطورا له اهداف اكثر من البحث على الطعام .

7- يتطلب اشباع الحاجة العليا ظروفا خارجية (اجتماعية وسياسية واقتصادية) افضل من اشباع الحاجة الدنيا .فعلى سبيل المثال فان قدرا اكبر من حرية التعبير وفرصا اكبر يتطلبه تحقيق الذات اكثر مما يتطلبه الامن.

هناك نقطة اخرى يمكن اضافتها قبل ان نتحدث عن الحاجة الخاصة بتفصيل اكثر. فالحاجة لا يشترط فيها ان تشبع بشكل كامل ومطلق قبل ان تبرز حاجة تليها في التدرج الهرمي ,لقد تحدث ماسلو بدلا عن الاشباع الجزئي عن نسبة الاشباع المتناقصة في كل حاجة كلما ارتقينا صعودا في التدرج الهرمي وباستخدام الارقام المفترضة يصف ماسلو شخصا ,الذي اشبع حاجاته كما يلي( 85% ) من حاجاته الفسيولوجية و(70%) لحاجات الامن و(50%) لحاجات الحب والانتماء و(40% ) لحاجة تحقيق الذات .

 

الحاجات الاساسية

الحاجات الفسيولوجية:- ان الحاجات الواضحة للطعام والماء والهواء والجنس والنوم هي اكثر الحاجات اساسية وقوة .وهذه الحاجات برمتها بإمكانها ان تقف في سبيل اي حاجة اخرى .واذا ما قدر لك ان تخبر الصراع من اجل الهواء عندما تكون تحت الماء او عندما تبقى بلا طعام لعدة ايام فانك سوف تتأكد من ضالة شان الحاجات للحب او للاحترام او اي شيء اخر عندما تكون الحاجة الفسيولوجية غير مشبعة .لقد لاحظ ماسلو ان الشخص الذي يعاني غصص الجوع يفكر ويحلم ويريد الطعام فقط .وعندما تشبع هذه الحاجة نرى ان الشخص بعيدا عن الدراية بها ولا يعود مسوقا بها بعد الان .ان هذه الحاجة يتوقف توجيهها وسيطرتها على سلوك الفرد ولا تفترض اي اهمية لهذه الحاجة بالنسبة للفرد .واذ ان هذه الحالة بالنسبة للناس في الثقافة الغربية الصناعية نرى بان الحاجة الفسيولوجية عادة اكثر اهمية كقوة دافعة للناس الذين يهمهم مجرد بقائهم.

حاجات الامن:– ان الحاجة للأمن اكثر اهمية كما يعتقد ماسلو بالنسبة للأطفال والراشدين العصابيين .فالراشدون والاصحاء بصورة عامة والاسوياء يشبعون هذه الحاجة جيدا .ان اشباعها يتطلب طمأنينة واستقرار وحماية ونظاما وتحررا من الخوف والقلق .اما بالنسبة للأطفال الصغار فان حاجات الامن يمكن ان تبدو واضحة للعيان حيث ان الصغار يستجيبون ظاهريا وانيا الى التهديدات والخوف اكثر من الراشدين الذين تعلموا كيف يكفون مخاوفهم الى حد معين .هنالك مؤشر اخر منظور عن حاجات الاطفال للأمن ويتجلى في تفضيلهم للروتين الجاهز – حاجاتهم الى عالم واضح ومستقر ومنتظم. لقد شعر ماسلو بان التسامح والحرية – حيث يغيب النظام كليا – يؤدي الى القلق وعدم الطمأنينة عند الاطفال لان تهديد حاجات الامن عندهم .فالحرية يجب بطبيعة الحال ,ان تمنح للأطفال ولكن ضمن حدود يمكن ان يتعاملوا معها ,يجب ان يعطوا بعض التوجيه لانهم ليسوا بالقادرين على قيادة انفسهم وتوجيهها .ان الراشد العصبي غير المطمئن يحتاج ايضا الى درجة من التنظيم في بيئته وذلك لان حاجة الامن لاتزال عنده هي المهيمنة . الشخص العصابي يتحاشى الخبرات المختلفة الجديدة وغير متوقعة وتوجيه عالمه لكي يصبح واضحا ومستقرا تماما . ان حياة الشخص الكاملة تستقطب حول نظام روتيني صلب جامد-(في الساعة التاسعة سأقوم بكذا ,وفي العاشرة سأقوم بكذا) وينظم كل دقيقة من يومه وكذلك ينظم كل جانب من جوانب عالمه .فالأقلام يجب ان توضع في محل خاص والملابس يجب ان تعلق بأسلوب خاص .وقد اشار ماسلو الى انه بالرغم من ان معظم الراشدين الاسوياء يشبعون هذه الحاجة فانهم لايزالون ينشدون بعض الدرجة من الطمأنينة .ان معظمنا يفضل ما هو معروف على ما هو مجهول ,ويفضل النظام على الفوضى ,وهكذا فأننا ندخر للمستقبل ونبتاع وثائق التامين ونفضل البقاء في عمل امين اكثر من ان ننتقل الى عمل جديد او نغامر في عمل غير معروف . مع ذلك فان الحاجة الى هذا النوع من الطمأنينة ليست قسرية او الزامية في حياة الراشد السوي كما هي عليه الحال بالنسبة للراشد العصابي او الطفل .

حاجات الانتماء والحب: عندما تشبع حاجات الفرد الفسيولوجية وحاجات الأمن بدرجة معقولة , تتولد عنده الحاجات للانتماء والحب . ويمكن لهذه الحاجات ان تظهر او يعبر عنها بطرق عدة : من خلال علاقات الحنان مع الناس الآخرين بصورة عامة او من خلال علاقة مع صديق معين او محب او زوج او عن طريق تأمين محل او موقع في جماعة معينة , او في المجتمع بشكل عام .

     ويعتقد ماسلو بان الحاجة للانتماء يصعب إرضاءها في مجتمع كتغير بشكل مضطرد . وقليل جدا من الناس من يستقر في نفس المكان ويحتفظ بنفس الأصدقاء طوال حياته وحتى الإبقاء على نفس الأصدقاء لفترة زمنية لا تتجاوز البضع سنوات . ونحن نغير أعمالنا , ومدارسنا ومدن سكنانا بشكل متكرر جدا بحيث لا نتمكن من وضع الأسس التي تمكننا من تكوين الشعور بالأمن والانتماء ولذلك فإننا نسعى لإشباع حاجة الانتماء بطرق أخرى . اعتقد ماسلو ان الانتماء المتحمس لحركات جماعات المتحسسة  Sensitivity Groups      وفصول متطلبات النمو الشخصيPersonal-growth encounter semions                 والكومينات التي بدأت في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات تظهر الجهود لإشباع الشعور بالانفراد والاغتراب المشتقة من الفشل لإشباع حاجة الانتماء .

     والحاجة للحب , والتي تشمل الحاجة لإعطاء الحب فضلا عن نشدانه يمكن ان تشبع في العلاقات الدافئة الحميمة مع شخص آخر . ولم يساو ماسلو بين الحب والجنس ( وهو حاجة فسيولوجية محضة ) لكنه أدرك ان الجنس هو احد الطرق للتعبير عن حاجة الحب . والإخفاق في إشباع حاجة الحب في رأي ماسلو هو احد الأسباب الرئيسية لسوء التكيف في ثقافتنا . وقد كتب ماسلو ان الحب والجوع هما مرض من أمراض القصور .

حاجات الاحترام :- عندما يشعر الناس بانهم محببون ويمتلكون شعورا بالانتماء فتنشا عندهم الحاجة للاحترام .فهم يحتاجون للاحترام الان من كل من انفسهم على شكل الشعور بقيمة الذات ,ومن الاخرين على شكل منزلة وتقدير ونجاح اجتماعي وشهرة وما الى ذلك. وهناك اذن نوعان من حاجات الاحترام : احترام الذات والاحترام الذي يمنحه الاخرون . واشباع الحاجة لاحترام الذات يسمح للفرد بالشعور بالثقة بقوته وقيمته وكفاءته. وكنتيجة لهذه المشاعر, قد يصبح الفرد اكثر قدرة واكثر انتاجا في كل مجالات الحياة .ومن جهة اخرى عندما يفتقر الفرد الى احترام الذات يشعر الفرد بالضالة والعجز والتثبيط وتعوزه الثقة الكافية لمواجهة المشكلات .وقد اوضح ماسلو بان احترام الذات لكي يكون اصيلا يجب ان يبقى على تقييم واقعي لقدرات الشخص وكفاءته وعلى احترام حقيقي يستحقه الشخص من الاخرين .وشيء اساسي ان المنزلة والنفوذ والسمعة الطيبة التي يمنحها او يضيفها الناس على الشخص يجب ان لا تبنى كليا على مجرد امتداح لم يحصل عليه او لا يستحقه الفرد وانما يجب ان يقوم التقييم على كفاءة وقدرة حقيقتين.

تحقيق الذات :- وهكذا فان الشخص يكون مستعدا للانتقال الى المرحلة الاخيرة من نموه وتحقيق جميع امكانياته وقابلياته .الشخص الذي يجب ان يصبح او يكون ما هو عليه بحكم مما له ان يكون. حتى وان اشبعت الحاجات الاربعة السابقة ,فان الشخص الغير المحقق لذاته, وغير المستفيد من امكانياته ,سوف يصبح غير راض وقلقا سوف يحبط الفرد عندما يفشل في اشباع اي حاجة اخرى .

كتب ماسلو (يجب ان يضع الموسيقار موسيقاه ,والرسام يجب ان يرسم ,والشاعر يجب ان يقول الشعر ,اذا اراد ان يحيا بسلام مع ذاته في النهاية ) وتحقيق الذات يجب ان يأخذ عدة اشكال فريدة لا تنتهي كلها الى نتاج فني .اوضح ماسلو بان الناس في جميع دروب الحياة – المرأة التي تربي الاطفال او تقود شاحنة كبيرة او الرجل الذي يعمل في نظام التجميع او الذي يعمل كطباخ – يمتلكون الفرص لتحقيق امكانياتهم .

وهناك شروط ومتطلبات اساسية ضرورية لتحقيق الذات . احدهما التحرر من التقيدات التي تفرضها الثقافة او الفرد على نفسه . والشرط الاخر هو ان الفرد يجب ان لا تلهيه الاهتمامات بالطعام او الامن , كما يجب ان يكون امنا مطمئنا في تصوره عن ذاته ومع عائلته ومع الجماعات الاخرى , ويجب ان يحب من الاخرين .وفوق كل هذا يجب ان يعرف الفرد نفسه – يمتلك معرفة حقيقة لنقاط القوة والضعف فيه – عيوبه ورذائله ومناقبه .ومهاراته وقدراته .وبالرغم من كل شيء كيف يمكن للذات ان تحقق اذا لم تعرف وتفهم ؟

نشأت نظرية ماسلو في الشخصية من بحوثه على الاشخاص الذين حققوا ذواتهم وكما سنرى ,فان لديه الكثير ليقوله عن التركيب النفسي لأولئك الناس .

 

التدرج الهرمي الثاني للحاجات :

كان ماسلو واضحا تماما حول مجموعة اخرى من الحاجات البشرية. ومنها الحاجات للمعرفة والفهم والتي لم يضعها في التسلسل الهرمي الذي ناقشناه فيما مضى. وقد وضع حب الفضول والحاجات للمعرفة وللفهم على انها دوافع فطرية تدفع الفرد للإشباع. لاحظ ماسلو عددا من الشواهد تتجمع لتدعم وجود هذه الحاجات.

  • اظهرت الدراسات المختبرية على الحيوانات بانها تستقضي بشكل فعال وتستخدم البيئات لا لسبب اخر غير الفضول.
  • هناك شواهد تاريخية كثيرة لأناس يبحثون عن المعرفة على حساب تعريض حياتهم للخطر . وبذلك يضعون هذه الحاجة حتى فوق حاجاتهم الامنية .
  • هناك عدة دراسات توحي بان الشخص الراشد الصحي والسوي تجتذبه بقوة الاشياء المجهولة والغامضة ، والاشياء غير المنظمة وغير المفسرة او غير الواضحة .
  • وفي ممارساته الإكلينيكية وصف ماسلو على العكس من ذلك الاشخاص الاصحاء الذين يعانون من الملل ومن انعدام الحيوية والنشاط والبهجة في حياتهم وقد اشار اليهم بأنهم اشخاص اذكياء يقضون حياة بليدة في اعمال بليدة وقد وجد على انهم تحسنوا عندما شغلوا انفسهم في فعاليات معرفية متحدية .

اعتقد ماسلو بأن الحاجات للمعرفة وللفهم تظهر في وقت مبكر من الحياة _ وفي الرضاعة المتأخرة والطفولة المبكرة _ ويعبر عنها بالفضول الطبيعي للطفل والتي لا تحتاج لان نتعلمها ،ولو ان المدارس واولياء الطلاب قد يعلمون الطفل بان يكف هذا الفضول التلقائي ،والفشل في ارضاء هذه الحاجات مضر مثل الفشل في ارضاء أي من حاجات ماسلو , ويمكن ان تعرقل النمو والتطور والوظائف الكاملة للشخصية .

هناك طرق عدة تظهر فيما هذه الحاجات تتضمن هذه الحاجة للتحليل والى اختصار او اختزال الاشياء الى عناصرها الاساسية والحاجة الى التجريب لمعرفة “ما الذي سوف  يحدث اذا ما قمت بهذا الشيء ” او الحاجة الى التفسير لبناء نظرية او نظام تضفي معنى او تعطي معنى على احداث عالم الفرد وظروفه .

ومع ان هذه الحاجات جزءا من التدرج الهرمي الاساسي للحاجات ،الا ان ماسلو اقترح بانها تكون بنفسها تدرج هرمي صغير منفصل .

والحاجة للمعرفة اقوى من الحاجة للفهم . ويعمل هذا التدرج الهرمي بنفس الطريقة التي يعمل بها الهرم التدريجي الاكبر ، أي ان الحاجة الاولى يجب ان تشبع على الاقل جزئيا قبل ان تستطيع الثانية ان تظهر .

واخيرا اوضح ماسلو بان هناك تداخل وتفاعل لابد منه بين التدرجين الهرميين لهاتين الحاجتين . ان المعرفة والفهم وايجاد معنى لعالم الفرد شيء اساسي للتفاعل مع تلك البيئة من اجل العمل بشكل مناسب وبذلك نحصل على الحب والاحترام وتحقيق الذات .

الاستثناءات من التدرج الهرمي :

ففي الوقت الذي يعتقد فيه ماسلو بان تدرج الحاجات الرئيسية الهرمي هو امر وصفي للكثرة الكاثرة من الناس ، الا انه بين بانه لا ينطبق على كل انسان . فمن استعراض التاريخ مثلا نجد اناس يكرسون بصورة خاصة لقضية او لمثل يضحون عن طيبة خاطر بكل شيء  بما في ذلك حياتهم . فالا شخاص الذين يصومون حتى الموت ، او الذين يحرقون انفسهم في النار هم بكل تأكيد ينكرون على انفسهم حاجاتهم الفسيولوجية والامنية او الاشخاص المتدينون الذين يعزفون عن الحاجات الدنيوية ويعيشوا عيشة كفاف وحرمان قد يكونوا يعبرون عن كامل قدراتهم ، بالرغم من الاحباط الناجم في الحقيقة عن افتقارهم الى اشباع حاجاتهم الاساسية . ويمكن يقال نفس الشيء عن الفنانين الذين يضعون صحتهم وبقائهم في خطر من اجل عملهم .

وقد اوضح ماسلو ايضا تدرجا هرميا في الحاجات معكوسا في التدرج يضع بعض الناس اهمية اكبر على احترام الذات على الحب . هكذا اشخاص يشعرون بان باستطاعتهم اشباع حاجات الانتماء والحب فقط عندما يشعرون بالثقة العالية في انفسهم وبقيمتهم .

 

صفات الأشخاص المحققين لذواتهم :

إن البحث الذي أجراه ماسلو على أفضل واصح الناس الذي استطاع الحصول عليهم – ذروة النضج البشري تكون أسس نظريته الشخصية ومع  انه لم يستطع العثور على أشخاص كثيرين يمكن اعتبارهم محققين لذواتهم  (( قدر أنهم يكونون واحد بالمائة او اقل في المجتمع )) فانه درس العدد الكافي منهم ليبين بأنهم يظهرون بعض الخصائص المعينة :-

  • الإدراك العالي للحقيقة . يستطيع المحققون لذواتهم إدراك العالم الذي يعيشون فيه بما في ذلك الناس الآخرين بوضوح وموضوعية وإدراكهم هذا لا تحركه العوامل الذاتية مثل الخوف والحاجات. وهم يرون الحقيقة كما هي وليس كما يراد لها أن تكون. أطلق ماسلو على هذا الإدراك الموضوعي جدا وغير المتحيز كونه معرفةcognition or Being cognition يكون المحققون لذواتهم دقيقين جدا في أحكامهم على الآخرين وبإمكانهم أن يتعرفوا على الخطأ والدجل. وفي الخلاصة يرون العالم كما هو غير متأثرا بأي حكم مسبق أو تحيز.
  • تقبلهم لأنفسهم وتقبلهم للآخرين وللطبيعة بصورة عامة . إن المحققين لذواتهم يمكن أن يتقبلوا طبيعتهم الخاصة بهم – ضعفهم وقوتهم – دونما محاولة لتخطئة أو تحريف الصورة المتكونة لديهم ودونما شعور بالخجل المسرف أو لاثم متعلق بأي فشل (وهم يقومون بأعمال ناقصة) وهم ينحون نفس النحو في تقبلهم في تقبلهم لضعف وشرور الآخرين والمجتمع البشري بصورة عامة.
  • التلقائية والبساطة والطبيعة: إن سلوك المحققين لذواتهم واضح جدا ومباشر وطبيعي وليس قائما على الرياء الاجتماعي.  وبصورة عامة نرى بأن المحققين لذواتهم لا يخفون مشاعرهم او انفعالاتهم او يظهرون بغير ما هم عليه، هذا بالرغم من أنهم يقومون بذلك إذا كان ذلك يمنع أذى عن الآخرين أنهم فرديون جدا في أفكارهم ومثلهم وهذا لا يعني بأنهم غير طبيعيين في سلوكهم بالضرورة . إن أشخاصا كأولئك يعبرون عن أنفسهم أساسا دونما حاجة لان يكونوا ثائرين بصورة اعتدائية حول ذلك .
  • التركيز على المشكلات أكثر من التركيز على الذات : المحققون لذواتهم عادة يشعرون وكان لديهم رسالة يقومون بها – العمل خارج ذواتهم الذي يكرسون له معظم طاقاتهم في الواقع ان تكريسهم لعمل او واجب او مهنة – وهو شعور بالالتزام هو احد المتطلبات البارزة لتحقيق الذات من وجهة نظر ماسلو وبسبب من هذا الالتزام , يعمل المحققون لذواتهم كثيرا ولكنهم يجدون في ذلك متعة كبرى ونشاطا .وبغض النظر عن الاتجاه الخاص الذي يلتزمون فيه فان حياتهم مكرسة للبحث عما سماه ماسلو (( كونها قيما )) . ان هذه القيم الغائبة تشتمل على الكمال والعدالة والجمال والخير وروح الدعابة وكفاية الذات من بين القيم الأخرى تتزيأ هذه القيم بزي الحاجات المميزة , التي يطلق عليها ماسلو اسم الحاجات المثالية meta needs   وكما هو الأمر بالنسبة للحاجات الأخرى فان الفشل في تحقيقها يؤدي الى حالة مرضية ( الميتاباثولوجي )  MetaPathology   .
  • الحاجة إلى العزلة والاستقلالية: لا ينفرد الأشخاص الأصحاء فقط بقدرتهم على مقاومة العزلة عن الآخرين دونما تأثير مؤذ ولكنهم يحتاجون أيضا إلى الانفراد أكثر من الأفراد غير المحققين لذواتهم أنهم يعتمدون كثيرا على أنفسهم في إرضاء حاجاتهم وهم تبعا لذلك لا يحتاجون بمعنى أن يكونوا معتمدين عليهم . وبما أنهم مستقلون عن الآخرين كثيرا فإنهم يعتبرون في اغلب الأحيان غير اجتماعيين ومن الجمود بمكان، ولكن هذا ليس بمبتغاهم أو رغبتهم. أنهم بكل بساطة مستقلون ذاتيا أكثر من الآخرين وهم لا يطلبون من الآخرين العون أو الدفء.
  • التجدد المستمر للتذوق: المحققين لذواتهم لديهم القدرة على الاستمرارية لإدراك العالم وخبرة بشكل جديد وعجيب ومدهش وإذ أن الخبرة قد تصل إلى مستوى الابتذال بالنسبة للفرد الاعتيادي فأن المتفوق صحيا سوف يستمتع بغروب الشمس والأزهار السمفونيات كما لو كانت قضايا يخبرها الإنسان لأول مرة . وحتى الموضوعات الدنيوية وغير ذات شأن والخبرات يمكن أن يتم ذوقها عند مستوى عالي من البهجة وبضمن ذلك الممتلكات والمنجزات ان الأشخاص المحققين لذواتهم يستمرون على تذوق ما لديهم بشكل جديد ولا يأخذون الأشياء كأمور مسلم بها.
  • الخبرة الصوفية او الذروة : المحققون لذواتهم يمرون بلحظات من الوجد والعجب والدهشة والبهجة التي تشبه الخبرات الدينية العميقة التي تنصهر الذات فيها او تسمو . وأثناء هذه الخبرات يشعر الفرد بقوته وثقته القصوى وبقدرته على البث في الأمور . تكون الخبرة شديدة وانتشائية في قوتها Orgasmic  , وهذا يمكن ان يحدث في سياق أية فعالية . قال ماسلو بأن (اية خبرة ذات امتياز حقيقي وإدراك حقيقي لأي تحرك نحو العدل الكامل او نحو القيم الكاملة تميل إلى ان تنتج ذروة في الخبرة ) وفي أعماله الأخرى ميز ماسلو بين نوعين من تحقيقات الذات : المحققون لذواتهم في أعلى ذروة . والمحققون لذواتهم في أدنى ذروة . إنهما يشتركان في نفس الخصائص باستثناء ان عديمي الذرى في تحقيق ذواتهم لهم خبرات متسامية قليلة ويرى ماسلو أيضا بان البعض من غير المحققين لذواتهم قد يكون لديهم خبرات مرتفعة بالرغم من أنهم ليسوا كالكثيرين من المحققين لذواتهم .
  • الاهتمام الاجتماعي: – استخدم ماسلو عبارة ادلر ( الضمير الاجتماعي أو روح الجماعة) Gemins chafts Gefuhal لتبيان ما يملكه الأصحاء جدا من عاطفة وتقمص عاطفي نحو البشرية بصورة عامة . وفي الوقت الذي يستشعرون به او يتعرضون لضغوط سلوك الآخرين فأنهم مع ذلك يشعرون بالصلة والتفهم للآخرين . وإذ يستعير هذا ماسلو من ادلر فانه يصف الفرد المحقق لذاته بأنه يمتلك اتجاه الأخ الأكبر نحو الآخرين.
  • العلاقات الاجتماعية: في الوقت الذي نرى بان دائرة الأصدقاء المقربين للمحققين ذواتهم ليست واسعة (حيث يكون المحققون لذواتهم قلة) فان صداقات المحققين لذواتهم اكثر قوة وعمقا من ما هي عليه الحال عند الاشخاص الاعتياديين وكما نتخيل فانهم ينتقون اصدقاءهم المقربين من بين الاشخاص الاكثر صحة ونضجا كما هي الحال عندما نختار اصدقاءنا الذين تتشابه خصائصهم بخصائصنا . وقد وجد ماسلو ايضا بان المحققين لذواتهم يحصلون على معجبين بهم او حواريين . ان علاقات كهذه تكون عادة من جانب واحد حيث ان المعجب ينشد من المحقق لذاته اكثر مما هو قادر على ان يعطيه .
  • الإبداع:- ليس عجيبا أن يكون المحققون لذواتهم والذين درسهم ماسلو أفرادا مبدعين , هذا بالرغم من إن لم ينتجوا دائما نتاجا فنيا وبعبارة أخرى فإنهم ليسوا جميعا فنانين او كتابا ولكنهم يعبرون عن ابتكار وأصالة في جميع مظاهر حياتهم .وفي جميع فعالياتهم نرى بأن المحققين لذواتهم مرنون وتلقائيون ولا يهمهم ان يخطئوا . أنهم صريحون ومتواضعون بنفس الأسلوب الذي يكون فيه الطفل قد تعلم الخوف من ارتكاب الأخطاء او القيام بأعمال لا تنم عن ذكاء .
  • التركيب الشخصي الديمقراطي: وجد ماسلو بان المحققين لذواتهم متسامحون جدا ويتقبلون أي شخص ولا يعبرون عن تحيز عنصري او ديني او اجتماعي. إنهم يرغبون في الإصغاء والتعلم من أي شخص قادر على ان يعلمهم شيئا ما. إنهم لا يتصرفون بأسلوب استملائي بالنسبة لمن هم اقل منهم تعليما ولكنهم قادرون على أن يوصلوا أنفسهم بأي إنسان بشكل صريح ومتواضع.
  • رفض الضغط الثقافي: إن الأشخاص الأصحاء جدا , كما لاحظنا ذاتيون ومستقلون ومكتفون بذاتهم . ونتيجة لذلك فإنهم أحرار في مقاومتهم للضغوط الاجتماعية والثقافية ولا يميلون الى التذكير والسلوك المرسوم له. أنهم لا يتمردون بصراحة على المعايير الثقافية او إنهم يتحدون القوانين الاجتماعية قصدا وإنما نراهم يخضعون لطبيعتهم الداخلية وليس للقيم الثقافية .

 

    ان هذه خصائص تدعو صراحة الى العجب . فان المحققين لذواتهم يظهرون وكأنهم قديسون. وبكل تأكيد فانك قد تحتج فليس هناك من شخص على هذا المستوى من الكمال في جميع الأحوال . فمهلا قليلا . ان المحققين لذواتهم لهم نقائصهم فهم لبا يتميزون بالخير الثابت وقول الحقيقة والجمال . قبل كل شيء انهم بشر . لقد وجد ماسلو بأنهم يمكن ان يكونوا غلاظا في بعض الأحيان او حتى قساة الى حد متطرف ويعبرون عن برودة الجراح في العمليات في تعاملهم مع الآخرين. ان لديهم أيضا لحظات من الشك والخوف والخجل والإثم , وهم في بعض الأحيان نهبة للتضارب والتأزم . ولكن مع ذلك فان نقائص كهذه بكل تأكيد قضايا استثنائية أكثر من كونها أساسا في سلوهم وهي أقل تكرارا وذات استغراق أو استمرار أقصر واقل شدة مما هي عليه الحال عند الشخص الاعتيادي.

    لماذا لا يكون تحقيق الذات صفة شائعة اذا كانت الحاجة لتحقيق الذات كما يقترح ماسلو فطرية ( أي ليس هناك من حاجة لأن تكتسب ) فلماذا لا يكون كل شخص محققا لذاته ؟ ولماذا لا يكون الدافع الفطرية لتحقيق الذات لدى كل منا كما تنمو شجرة البلوط بصورة طبيعية من جوزتها ؟ ولماذا نجد بان اقل من (1% ) من المجتمع بالنسبة لماسلو يصلون هذه المرحلة من التطور ؟

    من بين الأسباب الوجيهة ان الحاجة كما كانت مرتفعة في سلمها الهرمي نجد بأنها اقل فعالية . ان تحقيق الذات كحاجة مرتفعة بالنسبة للحاجات الأخرى تكون من اضعف تلك الحاجات . وبما إنها ليست من القوة بمكان لان نبتدئ بها , فإنها من السهولة ان تكفها بيئة علمية انفعالية بحيث تجعل من الصعوبة إرضاء حاجات الحب والاحترام بواسطة الفقر المادي , الذي يتدخل في إشباع الحاجات الفسيولوجية والأمنية , او بتعليم غير مناسب وتربية للطفل فقيرة.

    يشير ماسلو على سبيل المثال الى إعداد الدور الجنسي في ثقافتنا الذي يتعلم فيه الفتى الصغير لان يكون رجلا ويعني هذا بطبيعة الحال كفا لخصائص مثل الرقة والعاطفة . ان جانبا من طبيعته لا يتاح له ان يعبر عن نفسه تماما . فإذا كان الطفل محميا بصورة مسرفة , وإذا كان الاهتمام به كبيرا بحيث لا يكون قادرا على تطوير مهاراته وقابلياته الجديدة , فأنه سوف يكف عن الارتياد والنمو عندما يكون راشد وهي فعاليات أساسية لتحقيق الذات .

     وسبب آخر في فشل تحقيق الذات ينسب الى ما يصطلح عليه ماسلو بعقدة يونا   Jonah  ( عقدة النحس ) وهذا يشير الى مخاوفنا وشكوكنا حول قدراتنا وإمكانياتنا . اننا نتهيب من إمكانياتنا العالية وفي نفس الوقت نتأثر بها ولكن الخوف غالبا ما يحظى بالأسبقية.

   والسبب الثالث الذي يبين ندرة تحقيق الذات هو ان تحقيق الذات يتطلب مقدارا كبيرا من الشجاعة . وحتى عندما نشبع الحاجات ذات المستوى الواطئ فان الفرد لا يمكن ان يتكئ ببساطة ويمهد بصورة سلبية الطريق الملكي لتحقيق الذات . ان الأمر على النقيض من ذلك تماما – انه يتطلب جهدا وضبطا وسيطرة ذاتية وعملا شاقا . وهو أحيانا مؤلم ونتيجة لذلك فانه قد يبدو أكثر سهولة وأكثر سلامة ان يبقى الإنسان في مكانه (كما يقال) من ان ينمو ويفتش عن تحديات جديدة بصورة قصدية . وان الشخص المحقق لذاته.

يختبر ذاته ويتحداها بصورة مستمرة لا بد له من شجاعة للتخلي عن الأمن والروتين والاتجاهات والسلوك الذي اعتاد الفرد عليه.

    ويبدو ان خبرات الطفولة لها أهمية خاصة في تسهيل او تعويق النمو اللاحق. وكما هو معروف فان السيطرة المسرفة قد تكون مضرة. كما ان السلوك المضاد – الإسراف في التساهل يمكن ان يكون مضرا بنفس الدرجة – وقد حذر ماسلو بان الحرية الزائدة عن حدها في الطفولة يمكن ان تؤدي الى القلق وعدم الطمأنينة والتي تقود بالتالي الى إعاقة في النمو اللاحق. ان المزيج الصحيح من التسامح والتقييد (أي إعطاء الطفل ما يسميه ماسلو (الحرية ضمن حدود) أمر مطلوب.

    ويؤكد ماسلو بأن الحب الكافي في الطفولة له أهمية حيوية كشرط من شروط تحقيق الذات . وقد لاحظ أيضا أهمية إشباع الحاجات الأساسية ضمن السنتين الأوليتين من الحياة . فإذا أريد للفرد ان يشعر بالطمأنينة والقوة في هذه السنين المبكرة فانه سوف يميل الى ان يبقى على هذه الشاكلة عندما يجابه بمشاكل الرشد وبدون الحب المناسب والأمن والشعور بالاحترام في مرحلة الطفولة فانه من الصعب جدا للذات ان تنمو في مرحلة الرشد الى الحد الذي يتحقق فيه الذات.

أساليب البحث

    ان دراسة ماسلو حول تحقيق الذات لم تبدأ على شكل برنامج بحث منظم لقد ابتدأت كما هي الحال بالنسبة لمعظم البحوث كمحاولة لإشباع فضولة الشخصي حول شيء ما – في هذه الحالة , حول شخصين أثرا فيه بعمق . إنهما العالمة الانثروبولوجية روث بندكت وعالم النفس الجشتالتي ماكس فيرتهايمر. لقد أحبهما ماسلو وأعجب بهما. ورغب في ان يعرف عنهما ما جعل منهما مختلفين عن الآخرين .

      لقد شعر بان إعداده وخبرته في علم النفس لم يكن كافيا لفهم شخصين متفرقين كهؤلاء .لقد لاحظهما واستنسخ من المجلات التي يكتبان فيها وأخيرا استنتج بأنهما يشتركان في أسلوب واحد في خصائصهما الشخصية . ولقد وجد لحد أثار عنده الاهتمام بأنهما كانا نوعا واحدا من الأشخاص ويمتلكان خصائص تميزهما عن الفرد الاعتيادي .

    وهكذا صمم ماسلو ان يرى فيما اذا كان هذا النظام من الخصائص يمكن ان يوجد لدى الآخرين . في البدء نظر نحو طلبة الكليات ودرس شريحة كبيرة منهم , ووجد منهم بان شخصا واحدا من ثلاثة آلاف يمكن ان يوصف بأنه شخص محقق لذاته . استنتج بان هذه الخصائص التي يشتمل عليها تحقيق الذات لاحظ لديها في ان تنمو عند الشباب في ثقافتنا, وهكذا توجه لدراسة المتوسطين في أعمارهم والكبار , وحتى مع أولئك الكبار وجد بان( 1%) فقط من المجتمع كان بإمكانه أن يتلاءم بمعاييره في تحقيق الذات .

       إن العينة التي درسها تألفت من دزينتين من حالات مؤكدة وجزئية وممكنة من حالات تأكيد الذات . واشتملت على أشخاص مبدعين اخذوا من بين أصدقاء ماسلو وشخصيات عظيمة من التاريخ. ان المجموعة الأخيرة تضمنت توماس جيفرسون و اينشتاين، والدوس هيكسلي و الينور روزفلت و بابلو كاسالز , ووليم جيمس من بين آخرين درسهم .

    من الصعب أن نصف الأساليب الخاصة التي استخدمها في دراسة هؤلاء الأشخاص . وكما أوضح ماسلو فانه استخدم أي أسلوب بدا له مناسبا في معالجة المشكلة التي بين يديه. وفي حالة الأشخاص التاريخيين استخدم سجلات تاريخ الحياة وحلل جميع التقارير المكتوبة المتيسرة عن كل شخص مفتشا عن الأنماط المتشابهة عندهم .

   أما بالنسبة للأحياء فقد اعتمد ماسلو كثيرا من أسلوب المقابلات والتداعي الحر واختبار رورشاخ لبقع الحبر واختبار تفهم الموضوع لهنري موري . وجد ماسلو بان العديد من الأشخاص الأحياء أصبحوا واعين بذواتهم ونتيجة لذلك كان من الصعب دراستهم وسبر غورهم ونتيجة لذلك فقد قال بأنه أصبح ضروريا دراستهم بصورة غير مباشرة ومستترة , ولكنه لم يبين كيف قام بذلك . وبما انه لم يكن بمقدوره ذكر أسماء الأحياء الذين درسهم وما قدموه من معلومات تفصيلية فأن البيانات الأصلية لم تكن متوفرة .

   كان ماسلو أول من بين بان دراساته تركت الكثير مما يرغب فيه بطريقة تنسجم مع متطلبات البحث العلمي . لقد قال ( مقارنة بالمعايير الاعتيادية للبحث المختبري أي البحث المضبوط , ان ما قام به لا يمكن ان يكون بحثا بالمرة ) ومع ذلك فانه لاحظ أيضا بان المشكلة عندما تكون غير قابلة لأن تدرس بالوسائل العلمية الدقيقة , فان البديل عن ذلك هو ان لا ندرسها بالمرة .

تعليق أخير :

     لربما إن ناحية وسبب تفاؤل وحنو ماسلو فان نظريته أصبحت شائعة إلى حد كبير وله أتباع كثيرون وبخاصة من الشباب. وإذ يقف كمحرك أساسي في علم النفس الإنساني نرى بان عمل ماسلو يجذب المعجبين والحواريين من بين الطلبة والمختصين الذين أصبحوا غير راضين عن المناحي السلوكية والتحليلية للشخصية وعلم النفس بصورة عامة. وكما ان علم النفس الإنساني في جملته لقي نقدا من ممثلي المدارس السيكولوجية الأخرى نرى بان نظرية ماسلو في الشخصية تعرضت لنفس النقد . ان احد أهداف هذا النقد ينصب على طريقته في البحث والبيانات التي أيدت نظريته ولقد اتهم بان العينة التي جاءت منها بياناته كانت صغيرة جدا . فكيف، كما يسأل النقاد يكون بمقدور تعميمات كهذه تحدث على أساس دزينتين من الأشخاص، اقل من نصفهم تم مقابلتهم واختيارهم (والباقون تم تحليلهم من تواريخ حياتهم)؟

    وكذلك اختار ماسلو أشخاصه وفقا لمعاييره الخاصة فيما يتعلق بالشيء الذي يكون شخصية المحقق لذاته. أما المعايير التي استخدمها في ذلك فلم تكن محددة ثم ان هناك شيء آخر، حيث وصفه لخصائص المحققين لذواتهم تنحدر من تفسيره السريري الخاص بالبيانات.

    ان التهمة الموجهة لطرق بحث ماسلو هي ان هذه الطرق ضعيفة من وجهة النظر العلمية. وكما لوحظ فان ماسلو يتفق مع هذا النقد، الذي أصبح مألوفا لديك الآن والقليل فقط منظري الشخصية لا يتعرض لمثل هذا النقد.

    والنقد الآخر كان موجها من مفاهيم ماسلو ومن ضمن ذلك الحاجات العليا والـ methapathalogy   وما وراء المرض وذروة الخبرة وعلى الأخص تحقيق الذات. وقد أشار النقاد على عدم ثبات وغموض ماسلو في استخدامه لهذه العبارات. وكذلك فيما يتعلق بتحقيق الذات، تساءل النقاد عن الأساس الذي ارتكز عليه ماسلو في افتراضه بأن هذا الدافع فطري. ولماذا؟ على افتراض ان هذه الحاجة موجودة , لا يمكن هذا السلوك متعلما او انه نتيجة تجمع فريد لخبرات الطفولة .

     ان دفاع ماسلو هو تقديره ويشترك به معه آخرون، هو ان نظريته التي لا يمكن ان تكون ناجحة في المختبر، تكون على مستوى عال من النجاح في الجانب الاجتماعي والإكلينيكي والشخصي ((إنها تنسجم جيدا مع الخبرة الشخصية للكثرة الكاثرة من الناس وهي غالبا تمدهم بنظرية تركيبية تساعدهم في تكوين معنى أفضل عن حياتهم الداخلية)).

   لقد قدم ماسلو وأتباعه دعما امبريقيا (تجريبيا) لهذه النظرية ولم يكن ذلك الدعم من المختبر وإنما من علم النفس الصناعي والتنظيمي. ان نظريته في تسلسل الحاجة وضعت لتستخدم في ذلك المجال، مع بعض التقارير التي فيها من التوهج ما فيها للبرهنة على هذه النظرية (وبعض التقارير، كما يلاحظ أخفقت في دعم هذه النظرية) ان الدراسات المؤيدة برهنت، على سبيل المثال بأن الإداريين ذوو المستوى العالي، الذين يفترض بأنهم اشبعوا جميع الحاجات الدنيا، هم أكثر اهتماما بتحقيق الذات من المستخدمين من ذوي المستوى الواطئ. والطائفة الأخيرة لا تزال جاهدة في إشباع الحاجات ذات المستوى الواطئ. وهنالك أمثلة أخرى , والتي قادت ماسلو لأن يستنتج بان نظريته تقتضي موقفا حياتيا حقيقيا – كما هي الحال بالنسبة للناس أثناء عملهم – لاختبارها أكثر من الموقف المفتعل في المختبر .

    إن نظرية ماسلو أنجبت الكثير من البحوث واستمرت على ذلك النشاط لبضع سنوات بعد موته . فاحد علماء النفس , ايفرت شوستروم , طور اختبارا من اختبارات الورقة والقلم – الموسم باختبار التهيؤ الشخصي – الذي يهدف الى قياس متغيرات تتعلق بتحقيق الذات . ان هذا الاختبار دفع الى الاهتمام بالبحث المتعلق بنظرية ماسلو. ان مفاهيم التدرج الهرمي للحاجة وتحقيق الذات ثم التأكد من فائدتها في العمل الإكلينيكي، حيث التأكيد المتزايد على إطلاق الإمكانيات الخفية عند شخص بدلا من ارتياد التضاربات الداخلية للطفولة. ان عددا من أنواع العلاج المتمركز حول النمو، وبضمن ذلك جلسات المتحسسة والــ   T-groups  تم وضعها في هذا الاتجاه .

    لقد تقبل الباحثون هذه النظرية جيدا، وهناك كل الدليل على أنها تنمو وتشيع بين علماء النفس والجمهور المتعلم , ويجب ان يضاف أيضا بان عدد من قادة الأعمال تبنوا مفهوم ماسلو عن تحقيق الذات كطريقة من طرق تحسين الدوافع والمعنويات والإنتاجية لدى العاملين عندهم . ان انتخاب ماسلو لرئاسة الجمعية النفسية الأمريكية 1967 يدل على ان عمله ذو شأن كبير لدى علم النفس.

     وقد وجه ماسلو نداء قويا ليجعل من علم النفس – على الأقل علم النفس الإنساني – وثيق الصلة بمشكلات الإنسان الحديث محاججا بان بقاء الحضارة يقوم على مقدرتنا في فهم أنفسنا وفهم كل منا للآخرين. 

 

x