تمكين المرأة اجتماعيا

هو المقصود بالتمكين الاجتماعي للمرأة؟ من المعلوم بديهة أن المرأة هي نصف المجتمع وأي تعطيل لدورها يعني تعطيلا لنصف طاقة الأمة وما يستتبع ذلك التعطيل من انعكاسات سلبية على حركة المجتمع كي ينهض ويتطور.

المجتمع كل لا يتجزأ وكيان متكامل لا يمكن فصله عن بعضه بعضا بحال من الأحوال، وأي حال تشطير له يعني إعاقة حركته ومسيرته الاجتماعية نحو التكامل الإنساني.

المرأة هي مكون أساسي من مكونات المجتمع، لها حقوقها، وعليها واجباتها. حقوقها التي تحفظ كرامتها ووجودها كونها إنسانا بشريا، وواجباتها تجاه أمتها ومجتمعها في تنشئة الأجيال والاضطلاع بمسئوليات بناء الكيان الأسري بما يرتقي بالمجتمع وبما يسمو بحال الوعي في عقل وفكر الأمة.

ولكن، هل يقف دور المرأة عند هذا الجانب أم أن دورها يتعدى ذلك ليشمل وجود الأمة ككل، وكل جوانب الهموم فيها… السياسي، الاجتماعي، الديني، الاقتصادي… الخ. وأن دورها ومسئولياتها أكبر من أن تختزل في جنبة الأسرة، مع كون الأخير يعد لبنة وأساسا مهما وقويا في البناء الاجتماعي، وتأسيسا للماهية التي عليها ستكون ملامح المستقبل.

المطلوب اليوم من المرأة أن تمارس كل صلاحياتها وقدراتها في سبيل بناء أرضية ثقافية اجتماعية تنطلق من خلالها إلى فضاء العطاء الإنساني. نعم، هناك الكثير من الصعوبات والعقبات، وهناك الكثير من المحاذير والأعراف الاجتماعية التي تقف عائقا دون أن تمارس المرأة دورا تغييريا ينهض بوجودها وكيانها الرفيع، بقطع النظر عن صحة تلك الأعراف من عدمها. والأكيد أننا نتكلم ضمن الضوابط الشرعية التي أمرنا الشارع المقدس بها.

أين دور المرأة الاجتماعي في دوائر صنع القرار الأهلي؟ هل يتعقل أن يشطب نصف المجتمع عن مشاهد حياتنا العملية؟ كيف هو السبيل إلى إشراك المرأة وتمكنيها اجتماعيا لكي تبدع وتضطلع بمسئولياتها؟ ما الآلية الملائمة وكيف هي الأدوار؟

الذي يلوح من خلال استقراء وضع المرأة الاجتماعي أن هناك محاولات واعدة لكسر حاجز الجمود، وهناك أفكار ورؤى بدأت تطفح على السطح في مطبخ القرار النسوي، وهناك حركة شجاعة وجدّية تستحق التشجيع والدعم المعنوي من قبل مؤسسات المجتمع الأهلي، وهناك الكثير من النقاط المضيئة التي يمكن من خلالها استشراف مستقبل يبعث على روح التفاؤل والأمل.

المرأة اليوم تمتلك مؤسساتها ومراكزها وتجمعاتها الخاصة بها، وفي ثنايا تلك الأندية تقام فعاليات ومحاضرات وندوات ومباحثات تعنى بشئون المرأة وبشئون الأمة عموما، ونحن نشجع وندعم تلك الفعاليات ونشُّد على أياديهن نحو مزيد من العطاء والمثابرة. وبدورنا نحن، بوصفنا شريحة في هذا الجسد، يتحتم علينا أن نساعد تلك الجهود وننظر إلى ما تحتاج إليه من دعم أو غيره، ولا نقف موقف الناقد الذي «لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب».

المجتمع الأهلي بكل مكوناته وتوجهاته من مؤسسات دينية ومراكز ثقافية واجتماعية، ومن صناديق خيرية وهيئات دينية، معنية بدعم الجهود التي تدفع بواقع المرأة وتنهض بوجودها وكيانها اليوم، وليس أي وقت آخر. نحن بحاجة ماسة إلى دور المرأة في الواقع الاجتماعي لتوعية الجيل وتربيته التربية الصحيحة ولإفساح المجال لطاقات المرأة وإبداعاتها وخوض معترك البناء الاجتماعي جنبا إلى جنب مع الرجل، لدفع عجلة التطوير والتقدم في عقل وفكر وروح المجتمع الأهلي… ولا يتأتى ذلك إلاّ من خلال فتح باع المؤسسات المجتمعية للمرأة كي تسهم وتبدع من قدراتها وطاقاتها وإمكاناتها الجبِّارة التي لو صُيّر لها أن توجد وتأخذ مساحة على الأرض لكان الواقع مغايرا تماما عما هو سائد.

نحن نراهن على تلك الإمكانات الهائلة والمخزون الإيماني السامق الذي يسكن روح وضمير المرأة… نراهن على الوعي الذي يكتنفها في وجه التحديات والمصاعب التي تقف حائلا أمام تقدمها وحركة نهوضها… نراهن على تمسكها القوي بمنهج الدين، وبرسوخ عقيدتها بإسلامها العظيم… نراهن على اقتفائها لطريق العظماء والمصلحات من النساء، ونراهن على اتباعها لسبيل الإيمان والقرآن كونه منهجا واحدا لا بعده ولا قبله، فقط هو الخطُّ والرسالة والمنهاج.

أخيرا وليس آخرا، هل نحن أمام تغيير حقيقي وتفعيل لدور المرأة في الحياة بشكل فعلي، أو أن الأمور ستراوح مكانها، وما هذا الضجيج والعجيج سوى زوبعة في فنجان.

رحم المستقبل سيكون متخما بالإجابة عن كل الإشكالات والأسئلة التي طرحناها، والأمل كبير في أن نشهد حراكا اجتماعيا في مستقبل الأيام، يحمل تلكم الأمنيات والتطلعات كي تجسد على أرض الواقع.

x