دراسة أساليب وأنماط التعلم

    من الإجراءات التي اعتمدها الباحثون في تحديد أساليب معالجة الأفراد للمعلومات هو من خلال معرفة أساليب وأنماط التعلم, آذ يرون أسلوب المعالجة مرادفا لأسلوب التعلم كونهما يشيران إلى

الطريقة التي يستقبل بها الفرد الخبرة وينظمها ويخزنها ويدمجها في بناءه المعرفي (قطامي واخرون1994, ص41).كما إن أنماط التعلم تمثل القدرات الوسيطة ذات الفعالية والكفاءة والإمكانية والمهارة في استخدام القنوات التي يستقبل العقل البشري من خلالها المعلومات ويعبر وينظم من خلالها تلك المعلومات, حيث يحدد نمط التعلم الطريقة التي يدرك الفرد من خلالها  العالم من حوله, كما يحدد تعامله مع البيئة المحيطة به ,ومدى استفادته من الخبرات والتجارب التي يمر بها (الفقهاء,2002,ص5).

كذلك فأن أسلوب التعلم لم يظهر انطلاقا من خلفية تربوية بحته وإنما تبلور وتطور من خلال اهتمام الباحثين وعلماء النفس مع ما يجري داخل دماغ الإنسان ومديات تعـامله مع عملية الاستلام هــذه( مجدي, 1988, ص18).

 واعتمد أسلوب التعلم للدلالة على عمليات معرفية خاصة يمكن استثمارها في مواقف جديدة, إذ يتحدد أكثر بالعمليات المعرفية الدقيقة التي تجري داخل الدماغ, كما يعد تركيب مفاهيمي يحدد طرق الإدراك والتذكر وحل المشكلات (الفقهاء, 2002, ص 2).

  وقد عده (ميسيك) Messick الطريقة المفضلة التي يستخدمها الفرد في تنظيم المعلومات والخبرة, كما يراه (جريجوريك)Gergoric1986 بأنه مجموعة من الاداءات المميزة للمتعلم والتي تعد الدليل على طريقة تعلمه واستقباله للمعلومات القادمة من البيئة المحيطة به بهدف التكيف معها(قطامي وقطامي,2000,ص341 ).

   وطبقا لذلك يعتمد الأفراد على تقنيات أو مبدأ أو قاعدة تساعد على تسهيل اكتساب وضبط وخزن واسترجاع المعلومات التي تقدم في المواقف التعليمية المختلفة, فكل طريقة يستخدمها المتعلم هي إستراتيجية, وهذه قد تتناسب مع احدهم دون الأخر ووفقا لما يتمتع به كل منهم من فروقات في القدرات والميول, كما قد تتطور من مرحلة تعليمية إلى أخرى, أو قد تظل كما هي(خزام وعيسان, 1994, ص 335).

    ويتكون أسلوب التعلم من مجموعة من صور الأداء المميزة للمتعلم, والتي تعد دليلا على طريقة تعلمه, وطريقة تلقيه للمعلومات الواردة من البيئة المحيطة بهدف التكيف معها (الفقهاء, 2002, ص2).

      ويشير( بنتريش) Pintrich1988 إلى قضية انتقال اثر التعلم, وهل يحدث الانتقال في حالة الأساليب المحددة أم الأساليب العامة, موضحا أن المؤيديــن لكل رأي يحــــاول أن يوضح كيف يكتسب المتعلمون معلوماتهم, وما العمليات العقلية التي يكتسبون بها هذه المعلومات؟, وهناك من فرق بين معرفة الطلبة لأساليب تعلمهم واستخدام هذه الأساليب, أي لابد من تعليم الطلبة المعلومات عن أساليب تعلمهم وكيف يضبطون وينظمون العمليات العقلية في آن واحد(باعباد ومرعي, 1996 ص204).كما ينظر الكثير من التربويين وعلماء النفس إلى العلاقة بين نمط أو أسلوب التفكير والقدرة ,مشيرين في ذلك إلى أن النمط أو الأسلوب ليست قدرة ,بل هي طريقة ,فالقدرة هي الكيفية التي  يؤدي بها الشخص شيئا ما,أو الكيفية التي تمكن الشخص أن يفعل شيئا,في حين النمط يرجع إلى الكيفية التي يفضل أو يحب الشخص أن يفعل شيئا,إذ  أن معرفة الكيفية التي يعتمدها الناس في التفكير هي بذات أهمية التفكير نفسه, ويرى جاردنر إن معرفة قدرتنا ونوع الذكاء وحده لا يكفي, بل لابد من معرفة الكيفية التي يميل أو يفضل الشخص بها أن يستخدم ذكاءه وضرورة ربط القدرة بنمط التفكير أو أسلوب التعلم , إلا انه علينا أن لا نسلم بان أساليب أو أنماط التعلم هي التي تسيطر على طبيعة أنشط وأداء الفرد , كون الأثر الأكبر يعود لتداخل أو موائمة نوع القدرة العقلية مع نمط وأسلوب التعلم (السرور ,2005,ص218-221).

      وقد اعتمد كثير من الباحثين في تصنيف أساليب التعلم على منحى تجهيز ومعالجة المعلومات, حيث بحث مفهوم العمق في المعالجة من (كريك ولوكهارت) Craik&Lockhart 1972 اللذين بينا أن آثار الذاكرة هي نتاج من فعاليات معالجة المعلومات المتغيرة والمختلفة على طول سلسلة متصلة من السطحية إلى العمق, مفترضين أن المعالجة الأعمق تخزن آثار الذاكرة الطويلة الأمد والأكثر ثباتا(Craik & Lockhart, 1972,p671-6584). بمعنى أن دوام الذاكرة duration ينظر إليها كدالة على عمق المعالجة ,حيث أن المعلومات التي لا تلقي انتباها كافيا ويتم تحليلها على المستوى السطحي فقط,سرعان ما تتعرض للنسيان , أما المعلومات التي يتم معالجتها بشكل عميق ويتم تحليلها تحليلا تاما ,وتعزز عن طريق الارتباطات والصور فإنها تدوم طويلا في الذاكرة .

ووفقا لذلك توصل( شميك ,ورابخ ,ورومانيه)Schmeck,Ribich,Romaniah1977),) إلى قائمة عمليات التعلم Inventory of Learning Processes انطلاقا من مفهوم عمق المعالجة الذي يمثله الاتجاه المعرفي-التربوي, والذي يتعلق بالأساليب التي يتعامل بها الطلبة مع المعلومات الدراسية, وقد تم التوصل إلى هذه القائمة باستخدام التحليل العاملي , بعد عرضها على (503) من طلبة الجامعة في اختصاصات علمية مختلفة, ومن خلال تحليل استجاباتهم تم التوصل إلى أربعة أساليب لمعالجة المعلومات  هي:

1.أسلوب المعالجة المعمقة(Deep Processing Style) ويتمثل بقدرة الطلبة على تنظيم العمليات المتعلقة باستيعاب المادة العلمية, وتحليلها وتقويمها, واستثمارها في بناء أفكار جديدة.

2.أسلوب المعالجة الموسعة(Elaborative Processing Style) وتشمل قدرة الطلبة على تطبيق الحقائق وصياغة الأمثلة من الخبرة الشخصية.

 ويقيس أسلوب المعالجة المعمقة والمعالجة السطحية جوانب التعامل مع المعلومات الدراسية ابعد من مجرد التحضير لها.

3.أسلوب الاحتفاظ بالحقائق(Fact Retention Style) وتتمثل بالقابلية على خزن المعلومات واسترجاعها بفاعلية.

4.أسلوب الدراسة المنهجية(Methodical Study Style) ويتمثل بالقدرة على تنظيم الدراسة وجدولتها والمراجعة المنتظمة أو تنسيق المادة باعتماد الأساليب الدراسية النظامية.

(Schmeck & Ribich, 1978,p558).

وقد توصل( شمك )ومعاونوه من خلال أبحاثهم في أساليب معالجة المعلومات إلى أن كل من هذه الأساليب له علاقة بعدد من المتغيرات, إذ تبين أن لأسلوب المعالجة المعمقة علاقة ارتباطيه ايجابية بالقدرة اللفظية والاستيعاب القرائي, وحب الاستطلاع الأكاديمي, وتبين أيضا آن له علاقة سلبية مع القلق, كذلك أسلوب المعالجة المفصلة فقد ظهر أن له علاقة ايجابية بالقدرة التصويرية العقلية, إضافة إلى أن البيانات الأساسية المستمدة من أبحاث شميك لأساليب معالجة المعلومات أظهرت عدم وجود فروق عائدة للجنس, كذلك بينت دراسة(شميك ورابخ)(Schmeck & Ribich 1978) عن وجود علاقة ارتباطيه موجبة بين التحصيل الدراسي العالي والمعالجة المعمقة والاحتفاظ بالحقائق والمعالجة الموسعة, بينما كانت العلاقة مع أسلوب الدراسة المنهجية ليست ذات دلالة إحصائية,( Schmeck & Ribich 1978,p555-562), فضلا عن ذلك فقد بينت دراسة( وتكنز وهاتي)(Watkins&Hattie, 1981) عن وجود اختلاف بين الذكور والإناث في أسلوب الدراسة المنهجية  لصالح الإناث, وان هناك ميلا لدى الطلبة بعمر أكثر من(21 سنة) على تحقيق نتائج أعلى في أسلوبي المعالجة المعمقة والموسعة مقارنة بالطلبة الأصغر سنا(18-19 سنة), كما أظهرت الدراسة ارتباطا عاليا بين التحصيل الدراسي والأساليب الأربعة, كذلك تبين أن أسلوب الاحتفاظ بالحقائق كان متنبأ مهما للأداء في العلوم والاقتصاد, بينما أسلوب المعالجة المنهجية له علاقة ايجابية بالآداب والاقتصاد(Schmeck, 1983pp250-255).

وينظر (كريغورك)Gregorc إلى أسلوب التعلم على انه بمثابة نظام فكري, أو وجهة نظر منظمة تدور حول (كيف, ولماذا يؤدي العقل البشري وظيفته؟)ومن ثم يعكس ذاته من خلال ما يظهره من سلوك أو أداء خارجي مباشر,ويشير السلوك الظاهري إلى أن   الأداء العقلي عند بعض الأفراد غالبا ما يكون أفضل في المواقف الحسية المادية , وبعضهم الأخر في المواقف المجردة ,في حين يكون هناك أفراد يتحقق لديهم أداء  جيد في الحاليتين, كذلك هناك ممن  تسود لديهم تفضيلات تتابعية وآخرين ممن يظهرون تفضيلات غير تتابعية  (Gregorc,1979,p243).وفي ذلك أشار( كيربي وداس) Kirby &Das 1978 إلى وجود نوعين أو أسلوبين يعتمدهما الأفراد في معالجة المعلومات أولهما: المعالجة المتأنية Simultaneous وفيها تقدم المعلومات في رتب أو مجموعات بحيث يمكن عمل مسح شامل لها في آن واحد,والطبيعة الأساسية  لهذا النوع من المعالجة تتم في أن أي جزء من النتائج يتم فحصه في نفس الوقت ,دون الاعتماد على موضعه داخل الكل ,وثانيهما المعالجة المتتابعة Successive وفيها تقدم المعلومات في ترتيب تتابعي بحيث لا يمكن الاطلاع عليها جميعا في آن واحد (Kirby & Das 1978,p58-71).وخلص (داس ) وآخرونDas & et .al  1979 في دراسة عاملية إلى أن المعالجة المتأنية ترتبط بالقدرة المكانية والاستدلال اللغوي , بينما ترتبط المعالجة المتتابعة بالقدرة اللغوية , وان كلا النوعين يرتبط بالذاكرة ( Das, et.al ,1979,p78-103).

    ومن النماذج التي اعتمدت المبدأ نفسه في دراسة أساليب التعامل مع المعلومات هو

 أنموذج (ديفيد كولب)(David Kolb 1981), ويتألف النموذج من اثني عشر بندا يتضمن كل منها عبارة تدل على صفة أو ممارسة معينة يقوم بها الطالب لدى تعامله مع المعلومات, ويوجد مقابل كل عبارة أربعة بدائل يطلب من المستجيب بيان مدى تفضيله للبدائل بترتيبها, ويتماشى هذا الأنموذج مع الخصائص الشخصية للمتعلم, إذ صنف المتعلمين على أساس تعلمهم وخصائصهم الشخصية إلى أربعة أنماط للتعلم هي:

x