مفهوم الانتباه

تمهيد :

إنّ تعامل الإنسان الدائم مع بيئته وتفاعله معها يتطلب منه أولاً وبالضرورة أن يعرّف هذه البيئة حتى يتسنى له التكيف لها ، واستغلالها ، وحماية نفسه من أخطارها، واشتراكه في أوجه نشاطها. والشرط الأول لهذه المعرفة هو أن ينتبه إلى ما يهمه من هذه البيئة ، وأن يدركه بحواسه كي يستطيع أن يؤثر فيها ، وأن يسيطر عليها بعقله وعضلاته. فالانتباه والإدراك الحسي هما الخطوة الأولى في اتصال الفرد ببيئته وتكيفه لها ، بل هما الأساس الذي تقوم عليه سائر العمليات العقلية الأخرى ، فلولاهما ما استطاع الفرد أن يعي شيئاً . أو أن يتذكره أو يتخيله شيئاً ، أو أن يتعلمه، أو أن يفكر فيه. فلكي نتعلم شيئاً أو نفكر فيه يجب أن ننتبه إليه وأن ندركه. فالانتباه عامل هام من العوامل التي تساعد على إيجاد تعلّم فعّال .

تعريف الانتباه :

هناك تعريفات عديدة لمفهوم الانتباه منها :

  • تعريف ” ميلفن ماركس ” : ” أنه وضوح الوعي أو بؤرة الشعور ” وهذا التعريف يمثل وجهة النظر الاستبطانية .
  • ومنها أن الانتباه ” استعداد لدى الكائن الحي للتركيز على كيفية حسية معينة مع عدم الالتفات للتنبيهات الحسية الأخرى “.
  • الانتباه هو تركيز وانتقاء أو اختيار. (السيد وآخرون ، ص174-175 ، 1990)
  • ” الانتباه هو الاستجابة المركزة والموجهة نحو مثير معين يهم الفرد . وهو الحالة التي يحدث في أثنائها معظم التعلّم ، ويجري تخزينه في الذاكرة ، والاحتفاظ به إلى حين الحاجة ” تعريف لولسون ورفاقه .
  • يعرفه حلمي المليجي بأنه ” استخدام الطاقة العقلية في عملية معرفية ، أو هو توجيه الشعور وتركيزه في شيء معين استعداداً لملاحظته، أو أدائه أو التفكير فيه” (بلقيس ومرعي ، ص187 ، 1982).

نخلص من ذلك أن الانتباه يمكن تعريفه : بأنه تركيز الشعور على شيء معين أو فكرة معينة.

أهمية الانتباه في عملية التعلم :

يعتبر الانتباه من العوامل الأساسية المؤثرة في التعلم ، حيث إنه من الصعب، بل من المستحيل أن يحدث تعلّم دون انتباه ، فالانتباه شرط أساسي من شروط التعلم، ومرحلة ضرورية من مراحله ، والأطفال والتلاميذ يتعلمون فقط ما ينتبهون إليه ، لذلك من الضروري جداً أن يتقن المعلم مهارات استثارة اهتمام التلاميذ ، وجذب انتباههم للمهمات التعليمية وموضوعات التعلم الجديد ، إذا ما أراد إحداث التعلم ، أي تغيير سلوكهم في الاتجاهات المرغوب فيها .

فالانتباه مفتاح التعلم والتفكير والتذكر ، ولكي يتعلم المرء أي شيء ينبغي أن ينتبه إليه ويدركه بحواسه وعقله .

يعتبر “جانييه” أن الانتباه يشكل الحدث المهم الثاني في عملية تنظيم التعلم، وتعتبر استثارة الدافعية للتعلم الحدث الأول ، فيقول : ” إن الحدث الثاني هو اجتذاب انتباه التلميذ وتوجيهه نحو المعلومات المستهدفة في الموقف التعليمي/التعلمي، ويستطرد جانييه فيقول : إنّ المعلم يستطيع تحقيق ذلك بوسائل مختلفة كالتلوين ورسم الخطوط تحت العبارات المستهدفة ، أو تغيير نبرات الصوت ، أو التوجيه اللفظي بطلب الانتباه لأمر معين أو ناحية معينة ، كأن يقول : انتبه لكذا أو انظر إلى كذا ، اصغ .. الخ “.(بلقيس ومرعي ، ص189 ، 1982)

الانتباه محدود :

لقد أجرى علماء النفس تجارب عديدة على مقدار ما يمكن أن ينتبه إليه الفرد في المرة الواحدة ، فوجدوا أن الشخص المتوسط يمكنه أن ينتبه إلى 6 أو 7 أرقام دفعة واحدة، وفي حالة الكلمات يمكنه أن يستوعب معنى خمس أو ست كلمات في المرة الواحدة.

الانتباه دائم الحركة والتذبذب :

لقد دلت التجارب على أن الانتباه لا يثبت على حال ، بل هو دائم التنقل والتذبذب من شيء إلى آخر ، ومن فكرة إلى أخرى ، ويمكن للقارئ أن يجرب هذا بنفسه ، أن يحاول أن يركز انتباهه على صوت ساعة يده ، فيجد بعد لحظات أنّ فكره قد انتقل إلى أشياء أخرى .

لكن إذا كان الموضوع مثيراً أو شائقاً وممتعاً بالنسبة للفرد فإنه يمكن للفرد أن يحصر انتباهه لوقت طويل نسبياً وخاصة إذا كان الموضوع ذا معنى بالنسبة له، ونجح في استثارة حب الاستطلاع لديه ، إذا كان يعرف الكثير عن الموضوع ويرغب في المشاركة فيه والاستزادة من المعلومات .

فكيف يستطيع المعلم الاحتفاظ بالانتباه عند صغار التلاميذ ؟

إنّ مدى الانتباه عند الأطفال يتميز بقصره ومحدوديته ، ومن ثم يتعين على المعلم أن يجعل فترات الموقف التعليمي/التعلمي التي تتطلب الانتباه والتركيز ، قصيرة نسبياً وتتناسب مع أعمار التلاميذ وقدراتهم. (بلقيس ومرعي، ص191، 1982)

وينبغي أن يحرص المعلم على تنويع مثيرات التعلم وخبراته للمحافظة على استمرار انتباه تلاميذه ، ومواصلة اهتمامهم بموضوعات التعلم والمهام التعليمية .

والانتباه يرتبط بالاهتمام بدرجة كبيرة ، وكأنهما وجهان لشيء واحد .

 

أنواع الانتباه :

يقسم الانتباه من حيث منبهاته إلى أقسام ثلاثة :

  • الانتباه الإرادي .
  • الانتباه اللا إرادي .
  • الانتباه الاعتيادي (التلقائي).

وليس معنى هذا أنه يمكن فصل كل قسم عن الآخر ، وإنما لا توجد حدود فاصلة بين هذه الأنواع الثلاثة من الانتباه. إذ قد يتداخل بعضها في بعض الأحيان .

1- الانتباه الإرادي :

يحدث الانتباه الإرادي حينما نتعمد بإرادتنا توجيه انتباهنا إلى شيء ما ، ويتطلب هذا النوع من الانتباه مجهوداً ذهنياً ، كانتباه المنتبه إلى محاضرة أو إلى حديث جاف يدعو إلى الضجر ، في هذا الحال يشعر بما يبذله من جهد في حمل نفسه على الانتباه ، وهو جهد ينجم عن محاولة الفرد التغلب على ما يعتريه من سأم أو شرود ذهن ، إذ لابد له أن ينتبه بحكم الحاجة أو الضرورة أو التأدب ، ويتوقف مقدار الجهد المبذول على شدة الدافع أو الانتباه وعلى وضوح الهدف من الانتباه ، وهذا النوع من الانتباه لا يقدر عليه الأطفال في العادة ، إذ ليس لديهم من قوة الإرادة والصبر والقدرة على بذل الجهد ، واحتمال المشقة الوقتية في سبيل هدف أبعد ما يمكنهم منه ، لذا يجب أن تكون الدروس التي تقدم إليهم قصيرة شائقة ، أو ممزوجة بروح من اللعب .

2- الانتباه اللاإرادي (القسري) :

فيه يتجه الانتباه إلى المثير رغم إرادة الفرد كالانتباه إلى طلقة مسدس أو ضوء خاطف أو صدمة كهربية عنيفة ، أو ألم واخز مفاجئ في بعض أجزاء الجسم ، هنا يفرض المثير نفسه فرضاً فيرغمنا على اختياره دون غيره من المثيرات .

3- الانتباه التلقائي (العادي) :

هو انتباه الفرد إلى شيء يهتم به ويميل إليه ، وهو انتباه لا يبذل الفرد في سبيله جهداً ، بل يمضي سهلاً طيعاً .

العوامل التي تساعد على جذب الانتباه :

تنقسم العوامل المؤثرة في الانتباه إلى قسمين : قسم يتصل بخصائص المنبه الموضوعية ، وظروف الموقف والسياق الذي يرد فيه ، وقسم يتعلق بالعوامل الذاتية التي تتصل بشخصية الفرد ودوافعه وميوله واهتماماته وحالته البدنية ، وكثيراً ما يتفاعل هذان النوعان من العوامل معاً .

ولقد اهتم علماء النفس بدراسة العوامل التي تجعل بعض المنبهات أكثر من غيرها إثارة للانتباه ، وكان لنتائج هذه الدراسات أهمية تطبيقية في كثير من المجالات العملية وخاصة في مجال الإعلام والإعلان بصفة عامة ، والإعلانات التجارية بصفة خاصة ، بل وفي كل مجال آخر يتوقف نجاح الإنسان فيه على قدرته في إثارة وتنشيط انتباه الآخرين ، كما يحدث مثلاً في الانتخابات السياسية .

وسنعرض فيما يلي لكل من المنبهات الخارجية والداخلية لجذب الاهتمام والانتباه :

أولاً : العوامل الخارجية لجذب الانتباه :

1- شدة المنبه :

شدة منبه ما من شأنها أن تجذب الانتباه إليه دون غيره من المنبهات الأقل شدة، فالأضواء الزاهية والأصوات العالية والروائح النفاذة أجذب للانتباه من الأضواء الخافتة والأصوات الضعيفة ، والروائح المعتدلة .

 

2- الحركة :

النظر إلى الأشياء المتحركة يجذب انتباه الإنسان – بل وكل الكائنات الحية الراقية – فمن المعروف أن الإعلانات الكهربية المتحركة أجذب للانتباه من الإعلانات الثابتة ، وكذلك الحركة المفاجئة أو السريعة لطفل أو شخص أو حيوان تجذب الانتباه .

 

 

3- الجدة أو الحداثة :

المنبهات الجديدة التي تدخل في خبرة الشخص لأول مرة تجتذب انتباهه أكثر من المنبهات المألوفة لديه، وعلى ذلك فأي حدث شاذ أو مغاير للمألوف كفيل بأن يثير انتباهنا أكثر من غيره، فمثلاً استخدام الحرف الطباعي المائل في كتاب ما يلفت نظر القارئ إلى المفاهيم الرئيسة بطبع الكلمات الدالة عليها في هذه الصورة المغايرة، وكذلك استخدام الطباشير الملون في الكتابة على السبورة، وتقديم المادة الدراسية بمختلف الطرق والأساليب الممكنة من شأنه أن يجذب انتباه الأطفال إلى المعلومات المقدمة .

 

4- طبيعة المنبه :

يختلف انتباهنا باختلاف طبيعة المنبه ، ويقصد بطبيعة المنبه نوعه وكيفيته ، أي هل هو منبه بصري أو سمعي أو شمي مثلاً ؟ وهل المنبه البصري صورة إنسان أو حيوان أو جماد ؟ وهل المنبه السمعي قصة ؟ أو غناء ، أو قطعة موسيقية ؟ ولقد تبين من الدراسات التي أُجريت في هذا المجال أن الصورة أكثر إثارة للانتباه من الكلمات ، وأن كلمات الشعر أكثر إثارة للانتباه من كلام النثر .

 

5- تغير المنبه :

المنبه المتغير أكثر لفتاً للانتباه من المنبه الذي يظل على حالة واحدة أو على سرعة واحدة ، فمثلاً تغير إيقاع صوت المحاضر يساعد على انتباه الجمهور ، وكلما كان التغير فجائياً زاد أثره ، فنحن لا نشعر بدقات الساعة المنتظمة في حجرة المكتب، لكنها تجذب انتباهنا إذا توقفت فجأة ، والراديو بانطفائه أو ارتفاع صوته ، وأسلوب المخاطبة في المحاضرة أو الإعلانات (راجح ، ص181، 1970).

6- موضع المنبه :

تبين من عدد من الدراسات أن القارئ العادي أكثر ميلاً إلى الانتباه إلى النصف الأعلى من صفحات الجريدة التي يقرؤها منه إلى الانتباه إلى النصف الأسفل، وأن الصفحتين الأولى والأخيرة أجذب للانتباه من الصفحات الداخلية ، وقد استفاد من هذه النتائج متخصصو الإعلانات فجعلوا إعلاناتهم بارزة في هذه المواضع دون غيرها.. وكذلك تبين أن أحسن موضع للمنبه لإثارة الانتباه أن يكون موجوداً أمام العينين مباشرة ، فالإعلانات التجارية الموجودة على جانبي الطريق في مستوى البصر أكثر إثارة للانتباه من الإعلانات المرتفعة جداً عن مستوى البصر ، أو المكتوبة على الأرض (السيد وآخرون ، ص181 ، 1990) .

7- حجم المنبه :

تتأثر درجة الانتباه بحجم المنبه ، فالأشياء الأكبر حجماً أكثر إثارة للانتباه من الأشياء الصغيرة في حجمها كما هو الحال في الإعلانات الكبيرة ، والكلمات المكتوبة بحروف كبيرة أكثر إثارة للانتباه من الكلمات المكتوبة بحروف صغيرة .

8- التباين أو التضاد :

كل شيء يختلف اختلافاً كبيراً عما يوجد في محيطه من الأرجح أن يجذب الانتباه إليه ، فنقطة حمراء تبرز في مجال انتباهنا إن كانت وسط نقط سوداء ، كذلك وجود امرأة بين عدد من الرجال ، وقد فطن رجال الإعلان إلى هذه الحقيقة ، فاختصروا تفاصيل الإعلان وزحمتها إلى عدد قليل من الخطوط ذات الألوان الزاهية .

9- إعادة العرض :

إعادة عرض المنبه تؤدي إلى إثارة الانتباه ، ولذلك ، فإن تكرار الإعلان التجاري عدة مرات في اليوم يؤدي إلى انتباه الناس إليه ، وتكرار الإعلان على مسافات مختلفة في الطريق يثير انتباه سائقي السيارات ، غير أن التكرار الكثير قد يؤدي إلى الملل. ولذلك يلجأ المتخصصون في ميدان الإعلان إلى تكرار الفكرة في إطار مختلف لتجنب الملل . ويستطيع المعلم الماهر أن يستفيد من هذه العوامل الخارجية لاستثارة انتباه تلاميذه ، وتركيزه وتوجيهه نحو أهداف التعلم المنشودة بشكل يحقق الإثارة والمتعة والفائدة .

ثانياً : العوامل الداخلية :

هناك عوامل داخلية مختلفة ، مؤقتة أو دائمة ، تهيئ الفرد للانتباه إلى موضوعات خاصة دون غيرها ، فمن أهم هذه العوامل الداخلية المثيرة للانتباه : (راجح، ص182 ، 1970).

1- الدوافع :

دوافع الإنسان وحاجاته ورغباته المختلفة أهمية كبيرة في توجيه انتباهه إلى الأشياء والمواقف والأحداث الملائمة لإشباعها ، فالجائع في طريق عام يكون أكثر انتباهاً إلى لافتات المطاعم وروائح الأطعمة ، والعطشان أكثر انتباهاً إلى الماء والمشروبات الأخرى التي تروي ظمأه ، والأم التي تحتاج إلى شراء ملابس لطفلها تكون أكثر انتباهاً إلى الإعلانات الخاصة بملابس الأطفال ، والشخص العاطل الذي يبحث عن عمل يكون أكثر انتباهاً إلى إعلانات الوظائف الخالية .

2- التهيؤ أو الوجهة الذهنية :

إذا كنت تريد كتاباً محدداً فسيكون أول شيء يثير انتباهك عند دخولك المكتبة، كذلك نرى الطالب المجد حساساً للاتصالات والمناقشة ، والطبيب حساساً لسماع رنين جرس الهاتف ليلاً ، والأم النائمة إلى جوار طفلها قد لا يوقظها صوت الرعد ، لكنها تكون شديدة الحساسية لكل حركة أو صوت يصدر عن الطفل .

ومن العوامل الدائمة ، الدوافع الهامة والميول المكتسبة التي تعتبر تهيؤاً ذهنياً دائماً للتأثير ببعض المنبهات والاستجابة لها ، ونعرض لها فيما يلي :

مستوى الحفز والاستثارة الداخلية :

لابد من توافر مستوى من الحفز أو الاستثارة الحافزة التي تحرك طاقة الفرد لكي يتم جذب الانتباه لمنبه معين ، ويرتبط الحفز بالانتباه ارتباطاً منحنياً بمعنى تخفيض الانتباه إذا انخفض الحفز ، ويزداد الانتباه مع تزايد الحفز .

الاهتمامات والميول :

تعد اهتمامات الأفراد وميولهم ، ودوافعهم وقيمهم من أهم العوامل الداخلية للانتباه ، فانتباه الشخص لبعض موضوعات في البيئة المحيطة به أو الأحداث التي تحدث حوله إنما تتحدد من خلال اهتماماته ودوافعه وقيمه ، وعلى هذا فإن الشاعر الذي يهتم بمصطلحات الشعر ستختلف الجوانب التي تلفت انتباهه في تسجيلها عن تلك التي يهتم بها عالم اللغة الذي يهتم بطبقات الصوت وأساليب النطق ، فمثلاً عالم نبات وجيولوجي وسيكولوجي زاروا حديقة الحيوان ، الأول يلفت نظره غالباً وبوجه خاص الزهور والنباتات ، وأما الثاني فينتبه بوجه خاص إلى ما قد يوجد بالحديقة من أحجار وصخور ، وأما الثالث فيجذبه سلوك الحيوانات داخل الأقفاص، وسلوك من يتفرجون عليها خارج الأقفاص .

الراحة والتعب :

يرتبط التيقظ والانتباه بالراحة، على حين يؤدي التعب إلى نفاذ الطاقة الجسمية والعصبية ، وضعف القدرة على تركيز الانتباه ، فالطفل الذي لم ينل حظاً وافراً من النوم ، أو أنهكه نشاط بدني أو ذهني متواصل يكون أقل انتباهاً داخل حجرة الدرس .

مشتتات الانتباه :

يشكو بعض الناس من شرود انتباههم ، بدرجات متفاوتة أثناء العمل أو الحديث أو القراءة أو مذاكرة الدروس ، فهم يعجزون عن التركيز لبضع دقائق ثم ينصرف انتباههم إلى شيء آخر ، كما يجدون صعوبة في تركيز انتباههم من جديد، وكلما جاهدوا لعلاج ذلك لم يسعفهم الجهاد شيئاً ، وغني عن البيان ما يسببه شرود الذهن إن اصبح عادة مستعصية من عواقب وخيمة ، ويذكر كثير من الطلاب أنه كان العامل الرئيس في تخلفهم وتعثرهم مرة بعد أخرى ، هذا فضلاً عما تسببه هذه العادة من شعور صاحبها بالنقص والعجز عن إصلاح نفسه بل وسخطه أو نفوره من نفسه .

ويرجع العجز عن الانتباه إلى عدة عوامل بعضها يرجع إلى الفرد نفسه ، وهذه عوامل جسمية ونفسية ، وبعضها إلى عوامل خارجية ، طبيعية أو اجتماعية .

العوامل الجسدية :

قد يرجع شرود الذهن إلى التعب والإرهاق الجسمي وعدم النوم بقدر كافٍ أو عدم الانتظام في تناول وجبات الطعام أو سوء التغذية أو اضطراب إفرازات الغدد الصماء ، إن هذه العوامل من شأنها أن تنقص حيوية الفرد وأن تضعف قدرته على المقاومة بما شتت انتباهه ، وقد لوحظ أن اضطراب الجهازين الهضمي والتنفسي مسؤول بوجه خاص عن كثير من حالات الشرود لدى الأطفال ، فقد أدى علاج هذه الاضطرابات كاستئصال لوزتين ملتهبتين أو تطهير الأمعاء من الديدان إلى تحسن ملحوظ في قدرتهم على التركيز .

العوامل النفسية :

كثيراً ما يرجع تشتيت الانتباه إلى عوامل نفسية كعدم ميل الطالب إلى المادة وبالتالي عدم اهتمامه بها ، أو انشغال فكره وغرامه الشديد بأمور أخرى رياضية أو اجتماعية أو عائلية ، أو إسرافه في التأمل الذاتي واجترار المتاعب والآلام ، أو لأنه يشكو لأمر ما من مشاعر أليمة بالنقص أو الذنب أو القلق أو الاضطهاد ، وهنا يجب التمييز بين شرود في الذهن حيال مادة دراسية معينة أو موضوع معين ، وبين الشرود العام مهما اختلف موضوع الانتباه ، ذلك أن الشرود الاضطراري الموصول كثيراً ما يأتي نتيجة لأفكار وسواسيه تسيطر على الفرد ، وتفرض نفسها عليه فرضاً ، فلا يستطيع أن يتخلص منها بالإرادة أو ببذل الجهد مهما حاول ، كأن تستحوذ عليه فكرة فحواها أن الناس تضطهده أو أنه مصاب بمرض معين أو أنه مذنب آثم .. وفي هذه الحالة يكون شرود الذهن عرضاً لاضطراب نفسي ويكون علاجه على يد طبيب نفسي، أما بذل الجهد للخلاص من هذا العرض فلا يجدي شيئاً لأنه يجعل الفرد يركز على الجهد لا على العمل ، وفي هذا ما يصرفه عن العمل نفسه .

العوامل العقلية :

تتمثل في صعوبة الموضوع ، وعدم الاستعداد وعدم إتقان المتطلبات الأساسية للموضوع المطروح أو المهمة المستهدفة ، أو غموض الأفكار وتشابكها .

العوامل الاجتماعية :

قد يرجع شرود الانتباه إلى عوامل اجتماعية كالمشكلات غير المحسوسة ، أو نزاع مستمر بين الوالدين ، أو عسر يجده الفرد في صلاته وعلاقاته الاجتماعية ، أو صعوبات مالية ، أو متاعب عائلية مختلفة . مما يجعل الفرد يلتجئ إلى أحلام اليقظة يجد فيها مهرباً من هذا الواقع المؤلم ، ويلاحظ أن الأثر النفسي لهذه العوامل الاجتماعية يختلف باختلاف قدرة الناس على الاحتمال والصمود ، فمنهم من يكون أثرها فيهم كأثر الكوارث والصدمات العنيفة ، ومنهم من يستطيع الصمود لهذه الآثار وتخطيها بسهولة كأن شيئاً لم يكن .

العوامل الفيزيقية (البيئية) :

من هذه العوامل عدم كفاية الإضاءة أو سوء توزيعها بحيث تحدث “الزغللة”، ومنها سوء التهوية وارتفاع درجة الحرارة والرطوبة ، ومنها الضوضاء، وسوء معاملة الآخرين للفرد ، والفوضى ، وعدم الانتظار ، وتعقيدات الموقف وتشابك عناصره ، ونوع العمل الذي ينهمك فيه الفرد ، وسوء ارتباط المنبه بالموضوع وعدم انتمائه (السيد وآخرون ، ص184 ، 1990).

 

 

x