مناهج البحث في علم نفس النمو

اساليب جمع المعلومات :

1-الأستبطــــــــــــــــــــان

الاستبطان من الناحية التاريخية اقدم طريقة استخدمت فيما مضى في الفلسفة ومن ثم في علم النفس لجمع المعلومات او البيانات (Data) عن الخبرات الشعورية للشخص الذي يكون هدف الدراسة . ويعني الاستبطان هو الملاحظة الذاتية ، وقد يدعى ايضا نظرة الفرد من داخله ليصف ما يحس به وما يفكر فيه . وقد انشأ هذه الطريقة اصحاب النظرية التركيبية في علم النفس الذين اعتبروا علم النفس بأنه دراسة الخبرات الشعورية للفرد .

ومن ابسط صور الاستبطان واقلها تعقيدا عندما يصف شخص لصديق ما يشعر به من تعب او قلق او حين نخبر الطبيب ما نحس به من الالم .

لقد ظل الاستبطان الطريقة السائدة في الدراسات النفسية حتى اواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين .ثم وجهت اليه عدة انتقادات ، وقد امتنعت المدرسة السلوكية عن استخدامه وكانت حجتها في ذلك ان الحالات الشعورية التي يزودنا بها من الافراد عن طريق الاستبطان حالات فردية ذاتية لا يمكن ان يلاحظها إلا اصحابها .

سلبيات المنهج الاستبطاني:

– لا يصلح هذا المنهج للأطفال الصغار أو بعض فئات من ذوى الحاجات الخاصة ( التخلف العقلي مثلا أو ذوي صعوبات في التكلم(البكم) لانتـقاء القدرة على التعبير لفظيا(
– انقسام الفرد إلى ملاحظ وملاحظ قد يصرف انتباهه عما يلاحظ داخل نفسه، أو يضعف تعبير المشاعر عن الموقف المرتب بها.

– قد لا يكون الفرد صادقاً في التعبير عما يشعر به حقيقة بقصد عدم قدرته على مواجهة ذاته، أو بغرض تزييف الاستجابة.

غير انه بالرغم من الاعتراضات التي وجهت الى الاستبطان غير انه مهم للأسباب التالية :

1-هو الوسيلة الوحيدة التي نحصل منها عن بعض الظواهر والأحوال النفسية كالأحلام وشعور الفرد اثناء انفعال الخوف والغضب وغيرها .

2-يقوم بالدور الاكبر في بعض الدراسات التجريبية حين نسال الشخص الذي تجري عليه التجربة ان يصف لنا ما يسمع او يرى او ما يشعر به .

3-يعتبر الاساس في الاستفتاءات الشخصية عندما نطلب من الشخص ان يجيب تحريريا على مجموعة من الاسئلة ، لما لديه من ميول او رغبات او مخاوف ..الخ

4-اثناء العلاج النفسي لا بد ان يستمع المعالج الى ما يرويه المريض من مشاعر او مخاوف ..الخ ويسترشد بذلك في تشخيص المرض ومعونة المريض على الشفاء .

2-الملاحـــــــــــــــــــــظة

تعتبر من الأدوات الرئيسية في دراسة السلوك الانساني خاصة في المواقف التي يتعذر استخدام ادوات اخرى ، فهي ملاحظة الافراد موضوع الدراسة لجوانب سلوكية معينة او في مواقف الحياة الطبيعية اليومية كالمدرسة او مع جماعة اللعب وتسجيل القائم بالملاحظة المعلومات التي يراها لاستخدامها في تفسير الظاهرة المدرسية .

غير انه عند ملاحظة السلوك لمجموعة من الافراد من الافضل استخدام ادوات التصوير والتسجيل من اجل الدقة والموضوعية في عملية الملاحظة .

ان ابرز من قام بإرساء دعائم الملاحظة في دراسة سلوك الاطفال العالم النفسي (جان بياجيه) .

وقد تصنف الملاحظة الى عدة انواع منها :

1-الملاحظة العلمية المنظمة :

وتتم عن طريق المشاهدة من قبل الباحث لسلوك معين وفق خطة مدروسة ومنظمة ، لها اهداف واضحة ويتكفل القيام بها متخصص مدرب في هذا المجال ويسجل بكل دقة ما يلاحظه مستخدما الكثير من الوسائل التي تعينه في التسجيل ، وتتم عادة فق خطوات معينة .

2-الملاحظة العابرة :

وهي مشاهدة بعض الجوانب السلوكية بصورة غير مقصودة وتأتي بالصدفة ودون تحديد مسبق ، ولا يتم فيها التسجيل فالنتائج تكون غير دقيقة ، غير انه بالإمكان الاستفادة منها لأنها تعطي بعض المعلومات وتستثير بعض الاسئلة مما يؤدي في بعض الاحيان الى فهم اكثر .

3-المقابـــــــــــــــــــــــــلة

المقابلة عبارة عن علاقة اجتماعية تحدث وجها لوجه بين الباحث والمبحوث يسودها جو من الثقة المتبادلة بين الطرفين من اجل جمع المعلومات عن جانب من جوانب الدراسة ، وتعتبر نشاط مهني ذو هدف معين ويتم فيها المحادثة وفق اسلوب علمي دقيق بهدف الحصول على بيانات ومعلومات .والمقابلة فن وعلم يتطلب الخبرة ومهارات خاصة ، وتكون للمقابلة شروطا وقواعد وأساليب معتمدة على اسس علمية ومستمدة افكارها من العلوم الانسانية .

والمقابلة من وجهة نظر (فيليكس Felix) بأنها اداة ووسيلة للاتصال ، ويتطلب في المقابلة مشاركة شخصية للتفاعل بحرية تامة ويعتبر هذا التفاعل والانسجام بين الشخصين الجذور الاساسية في المقابلة ،

حيث يتمكن الباحث من الاخذ والعطاء والاسترسال مع المبحوث او المجيب وتوجيه المناقشة بما يوصله الى المعلومات المطلوبة وهي كذلك تتيح للباحث امكانية الوصول الى اعماق المشاعر والآراء والمعتقدات ، وتتيح له فرصة انشاء علاقة ودية مع المجيب او المبحوث وتحفيزه على الكلام بما يمكنه من الحصول على الكلام والمعلومات التي لا يتيسر الحصول عليها بأسلوب أخر كما انها الاداة المهمة لجمع المعلومات من الاطفال والأميين الذين يتعذر عليهم التعبير بالكلمة المكتوبة .

لكن المقابلة الشخصية من ناحية اخرى لها قصورها وحدودها فسهولة تكييفها وتوجيهها واعتمادها على التفاعل المباشر بين اثنين او اكثر يجعلها اداة اكثر ذاتية من ان تكون موضوعية ، ويؤدي بها الى الوصول الى معلومات متحيزة الى حد ما .

وثمة صعوبة اخرى تواجه القائم بالمقابلة وتحدد نجاحه في استخدامها حيث انها تحتاج الى تدريب كبير قبل الاقدام على استخدامها في البحث ومن اجل هذا فانه ينبغي للباحث ان يتزود بالمعارف الكافية عن كيفية المقابلة وان يتدرب عليها او يستعين بأفراد مدربين وإلا هبطت قيمتها كأداة علمية لجمع المعلومات في البحث .

 4-الأستبيـــــــــــــــــــــان

يعتبر الاستبيان (الاستخبار questionnaire) كما يسمى احيانا ، من الادوات الشائعة في جمع المعلومات اللازمة للأبحاث والدراسات المختلفة ، وقد صمم الاستبيان للتوصل الى معلومات وخبرات واتجاهات وآراء تفيد في اثبات صحة فرضية او في الاجابة عن مشكلة من المشاكل .

لذا يأتي الاستبيان بعد تحديد المشكلة وتحديد الفرضيات كأداة تكشف بما تجمعه من مادة عن معطيات تحل المشكلة او تلقي اضواء عليها او تثبت صحة فرضياتها او تعزز ما جاء به من مقترحات .

قد يكون الاستبيان ضروري في بحث من الابحاث لكن صاحب البحث لا يحسن تنظيمه ولا يقدر نوع المجيبين او ثقافتهم فيصبح بذلك اداة لا توصل الى معلومات ذات قيمة كبيرة في بحثه ، او قد يجيب الافراد على الاستبيان بعدم الاكتراث او بأسلوب يرضي الباحث بعيدا عن الحقيقة او يعطي المستجيب لنفسه صورة غير ما هو عليه ما يجعل نتائج الاستبيان غير جديرة بالاعتماد عليها والوقوف بها .

لذا على الباحث الذي يعتمد هذه الاداة في الحصول على المعلومات ان يتجنب هذه العيوب ليعد استبيان ذا قيمة ويمكن ان يعول عليه في الحصول على المعلومات موضوع الدراسة .

5-الأختبارات والمقاييس

 (Tests and measurements)

تعتبر الاختبارات والمقاييس من اهم الوسائل في جمع المعلومات ، وعليه فإنها وسيلة تشخيصية وتنبؤية .

ويعرف الاختبار عبارة عن عينة من المواقف في صورة اسئلة تستهدف القياس الموضوعي لسمة ما ، وهذا معناه ان الاختبار اداة للتنبؤ لمعرفة مدى توفر هذه السمة او تلك عند الفرد.

ان لكل اختبار قدرة معينة على التنبؤ وهناك امور تتحكم فيها لعدة اعتبارات منها المحك الذي اعدت على اساسه وحدات الاختبار ، ثم مدى شمول المواقف او الفقرات للاختبار لجوانب السمة المقاسة .

ويعرف ايضا بان الاختبار او المقياس هو مجموعة مرتبة من المتغيرات اعدت لتقيس بطريقة كمية او كيفية بعض العمليات العقلية او السمات او الخصائص النفسية ، والمثيرات هنا قد تكون اسئلة شفوية او تحريرية مكتوبة وقد تكون سلسلة من الاعداد وبعض الاشكال الهندسية او صور او رسوم وهذه كلها مثيرات تؤثر على الفرد وتستثير استجابته .

فالاختبار اذن يجب ان يقيس شيء مقصود كان يعطي درجة او قيمة او رتبة وعليه فالمقياس او الاختبار يجب ان يعطي نوعا من الدرجات او ان يقدم تصنيفا وصفيا او كلاهما معا .

أولا: المنهج التجريبي:

يعتبر أدق المناهج و أفضلها و ذلك لسببين رئيسين هما:
*-أنه أقرب المناهج إلى الموضوعية عكس بعض المناهج التي تتصف بدرجة عالية من الذاتية.
*- يستطيع الباحث الذي يتبع المنهج التجريبي السيطرة و التحكم في العوامل المختلفة التي يمكن ان تؤثر على الظاهرة السلوكية.
و الباحث الذي يستخدم المنهج التجريبي لا يقتصر على مجرد وصف الظواهر التي تتناولها دراستهن و إنما يدرس متغيرات هذه الظاهرة و يحدث في بعضها تغييرا مقصودان و يتحكم في متغيرات أخرى ليتوصل على العلاقات السببية بيت هذه المتغيرات.
و تسير الدراسة حسب هذا المنهج وفق التسلسل الآتي:
ظاهرة، هدف، فروض، تجربة، نتائج، حقائق، قوانين نظرية.
* الظاهرة: تدور الدراسة حول ظاهرة من ظواهر النمو يدور حولها سؤال أو مشكلة تتحدى تفكير الباحث و تدعوه إلى حلها و تعتبر المشكلة سؤال يحتاج إلى جواب مثلا: ظاهرة جناح الأحداث.
* تحديد المشكلة: يحدد الباحث المشكلة على أساس تعريف و بلورة الظاهرة بوضوح و تجميع علامات الاستفهام المحيطة بالظاهرة، مثلا: ما هي الأسباب الحقيقية لظاهرة جناح الأحداث؟
* تبيان الهدف: و عادة ما تكون أهداف البحث العلمي في مجال علم نفس النمو و علم النفس العام هي: التفسير، التنبؤ الضبط.
* فرض الفروض: الفرض عبارة عن تفسير محتمل أو إجابة مؤقتة لإشكالية يضعها الباحث و تكون قابلة للتحقق أو الرفض بعد التجريب.
* التجربة: يقوم بها الباحث هادفا إلى تحقيق فروضه كلها أو بعضها أو رفضها كلها أو بعضها، و يشترط إن تكون التجربة موضوعية و دقيقة و يقوم الباحث فيها بالتجريب على عينة تجريبية ممثلة لمجتمع أصلي بمعنى أن لها نفس خصائصه قبل تعميم النتائج النهائية.
* نتائج البحث: و هي ما يتم التوصل إليه بعد تحليل البيانات و تفسيرها ثم صياغة القوانين و على أساسها يضع الباحث نظرية حول الظاهرة التي عالجها بالدراسة.
ثانيا:المنهج الوصفي:

يتناول المنهج الوصفي الظواهر النفسية كالخوف، الغضب، القلق، الإنطوائية و التوتر، كما يتناول دراسة التاريخ التطوري لبعض مظاهر النمو في مختلف مجالاته.
و تتم الدراسة الو صفية بطريقتين هما:

الطريقة الطولية: و في هذه الطريقة يتبع الباحث الظاهرة النمائية عبر الزمن، فلو كان الباحث ينظر في النمو اللغوي لدى طفل من الميلاد إلى 5 سنوات، فإن عليه ملاحظة نمه اللغوي طوال هذه الفترة.
و تنطبق هذه الطريقة على عينات صغيرة جدا قد تصل إلى فرد واحد و تتطلب مزيدا من الوقت و الجهد و الصبر، لكن النتائج في الغالب يصعب تعميمها.

الطريقة العرضية: يحاول الباحث استخدام هذه الطريقة توفيرا للوقت و الجهد، و ذلك من خلال تقسيم الفترة الزمنية المراد تتبع الظاهرة عبرها إلى فترات عمرية يحددها الباحث ثم يأخذ عينات كبيرة كل عينة منها تغطي فترة عمرية فرعية ثم يحسب المتوسط الحسابي لمعدل وجود الظاهرة في كل فئة ليصل في النهاية إلى استخراج متوسطات كل فئة عمرية من الفئات التي حددها الباحث لتمثل المرحلة الكلية المراد تتبع نمو الظاهرة عبرها.
و أخيرا ينتظر من الباحث أن يقدم أوصافا دقيقة للظاهرة على شكل جداول النمو تصبح معايير للظاهرة المدروسة يمكن تطبيقها على أفراد آخرين، إضافة لذلك ينتظر من الباحث الوصفي أن يكشف عن المتغيرات أو العوامل ذات العلاقة بالظاهرة و نوعية العلاقات الوظيفية لهذه المتغيرات بالنسبة للظاهرة موضوع الدراسة.

 

 ثالثا :المنهج الإكلينيكي
بدأ استخدام هذا المنهج في دراسة وتشخيص الاضطرابات و الأمراض النفسية ، ومظاهر الانحراف ووصف العلاج لها. حيث أصبح وسيلة جيدة للبحث النفسي لدراسة طبيعة السلوك والشخصية وصراعاتها ومحاولة فهم الصراع وعوامله والأسباب الكامنة وراء، و من أساليب المنهج الإكلينيكي المقابلة و الملاحظة و الاختبارات…الخ.
يقوم المنهج الإكلينيكي على:
‌أ. الفحص الطبي: ويقوم به الطبيب.
‌ب. دراسة تاريخ الحالة: يحتاج الأخصائي في علم النفس وخاصة الإكلينيكي إلى معرفة الخبرات الماضية التي مرت على الفرد لفهم ما يجري معه الآن، وعندئذٍ يكون مهتماً بعدد من الخبرات الطفولية للفرد ووضعه العائلي ومركزه في العائلة وطريقة تنشئته والأمراض التي أصيب بها والخبرات المهمة في حياته وما إلى ذلك من أمور.
‌ج. الاختبارات النفسية: وهذه الأدوات ضرورية لاستكمال المعلومات التي لا يمكن الحصول عليها بطرق أخرى.
‌. وبعد ذلك يتم: تشخيص الحالة و وضع التصميم العلاجي المناسب لها

x