العقـل والقلـب والنفـس

   لمنبع السلوك الإنساني مصادر شتى ولكن أبرزها وأهمها ثلاثة : –

1 . العقل .

2 . القلب .

3 . النفس .

  أي أن تلك المصادر الثلاثة أعلاه تكاد تجمع بين المصادر الهامة الإرادة هي سمات الأنسان ومن خصائص تكوينه وحدة , لذا يوصف سلوك الأنسان دون سلوك سائر المخلوقات الأخرى , بأنه سلوك أرادي , ولذلك فهو محاسب على كل ما يأتيه في دنياه هذه .

   السلوك الإرادي لدى الأنسان يتدرج في أطار حل اشكالات علاقاتنا بأنواعها المتباينة ومنها : –

1 . البيولوجية .

2 . الاجتماعية .

3 . الوظيفية الحياتية .

4 . البيئية بضروبها المتفاوتة .

    أ . الفيزيقية .

  ب . الاجتماعية .

  ج . الداخلية .

  د . الخارجية .

فكأن الأنسان , كما يبدو مزود بجهازين , أحداهما تصدر عنه الألهامات والأخر تتندى منه الوسواس , والبيئتان الداخلية والخارجية توفران الفرص لظهور هذين النوعين من الخواطر في القلب في التصرف تتأثر بما فيه من العلم وما فيه من الهوى , وإدخال العلم وإخراج الهوى مهمة الأنسان ومسؤوليته . وهي المجاهدة , وذلك كله ينعكس على أحوال النفس فتنتقل من نفس أمارة الى نفس لوامة الى نفس مطمئنة . [ توفيق / 1998 ] .

والجانب الوظيفي { Functional Aspect } يمثل الدور الذي يؤدي الى نسيج وكل في الفسيولوجيا الانسانية من أجل استمرار الحياة فهو دور يقوم الكائن الحي بتنشيطه أو بإبطائه على وفق احتياجاته [سورنيا / 2002 ] .

   أما الوسط الداخلي للإنسان فهو المجمل { الفيزيو – كيميائي } الذي يغمر كل أنسجة الجسم , من داخل الأوعية الدموية ومن خارجها , بحيث أن أي تغيير في هذا الوسط في مكان محدد من الممكن أن يؤدي الى مضاعفات في عضو بعيد , فمن ناحية , تعتمد الحياة على تركيب هذا الوسط الداخلي ومن جهـــة أخــرى تمتاز الحيــاة بأليات { Mechanisms } متنوعــة من أجــل الحفــاظ علــى هذا التركيب ( المصدر السابق ) والى هذه المعجزات أشار قوله سبحانهُ وتعالى {{ سنريهم آياتنا في الأفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنهُ الحق }} . [ فصلت / أية 53 ] .

   أما التواشج النفسي – الجسمي {   Psychosomatic } فأنهُ لما يحير الألباب , رغم ما توصلت أليه العلوم النفسية والفسيولوجية من انجازات لكن معظم التأويلات لا تعدو كونها تعليلات تتحدث عن أن ما يصيب النفس من قلق واضطراب ينعكس على الجسم فتختل وظائفهُ التركيبية والوظيفية , والعكس صحيح , أي أذا أعتلت النفس أعتل الجسد وإذا اضطربت الوظائف الفسيولوجية للجسم قلقت النفس .

   ولهــذا تواتــرت دعوات الأطباء لمرضاهـم , فما كان يرددونه منذ القدم مثلاً { أضمد والرب يشفي }  { المسك والرب يشفي } { بعد هذا العلاج يشفي المريض بأذن الله } وهذا الدعاء المفعم بالتمني احتوته كل كتب الأطباء العرب في العصور الوسطى , وحتى الوقت الحاضر في أغلب الظن , وحتى أذا خلت منه الكتب المكتوبة بالعربية اليوم فأن ألسنة الأطباء لا تفتر عن تردده , أذ فيه نوع من التطمين وضرب من الإيحاء { Suggestion } أي لتطمين النفس وتهدئها وتعديل سلوكها أذ يجعل الايحاء الفرد في حالة استقرار نفسي – وجداني , مما يؤثر على مجمل سلوك الفرد ووضعه النفسي والجسمي لذا فأن المرادفات الثلاثة , { العقـــل , والقلـــب , والنفـــس } تتكرر في الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة ففي قولهِ سبحانهُ وتعالى {{ أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوبٌ يعقلون بها }} [ الحج / 46 ]

   عليه أن المرء يلحظ أن العقل فعل من أفعال القلب وما درج الاستعمال من انفراد العقل بالجانب التنظيري والتجريدي , واستقلال القلب بالجانب الوجداني ولكن هذا لا يلغي الأصل وهو أن القلب ليس بحال من الأحوال مقابلاً للعقل , لأنه أعم وأشمل منه [ توفيق / 1998 ] .

   لذا فأن النفس في الاستعمال القرآني جاءت بمعنى عام يراد كينونته الأنسان وسلوكه في مجملها لا سيما من الناحيتين ( الجسمية والروحية ) ووردت بمعنى خاص عندما تسكن الجسم وتوجهه , فالنفس بمعناها العام أعم من القلب , وبعناها الخاص ترادفه , ألا أن القلب والنفس أذا ذكرا معاً كان القلب محلاً للأرادات والنفس محلاً للشهوات واذا ذكر أحدهما دون الأخر أخذ معناه حسب السياق ( المصدر السابق )

   لكن ذلك وفي رأينا يدعو الى وحدة الأنسان في مجمل سلوكه وتصرفاته وانسانيته وتطلعاته نحو نفسه ونحو البيئة التي يعيش فيها وعلى وفق ما تربى وكيف يكون , لأن الأنسان في تركيبته النفسية والجسمية وحدة متكاملة كأشد ما يكون عليه التكامل , أذ المهم في ذلك أن يتسامى الأنسان في سلوكه , السلوك الذي يقتنع به المجتمع وعلى وفق ما جاء بالمنظومة الاجتماعية والقيمية { القـــرآن , السنة النبوية , سير حياة أهل البيت . ع . } وكل ما يخالف ذلك من سلوك فهو غير مقبول ويجب أن يعدل وربما نسميه سلوكاً لا سوياً , وحسب ما يمليه عليه الضمير الحي وحسبما وجه به خالق الضمائر والقلوب والنفوس أذ قال تعالى {{ ما جعل الله لرجلٍ من قلبين في جوفه }} [ الأحزاب / 4 ] .

   عليه فأن السلوك الذي يجتهر به الأنسان هو السلوك الذي بمقتضاه يمكن مشاهدة وملاحظة ذلك السلوك وتتحدد على ضوئه فضائل ذلك السلوك وقيمه وأصالته , ففي علم النفس منهجه الخاص في تحديد السلوك الانساني , فمن مناهجه الملاحظات المدربة العينية , والتعريفات الاجرائية وتطبيق النتائج التي تسفر عنها المعايير , لذا فهناك قواعد عقلانية تجمع بين العوم النفسية والاجتماعية والبيولوجية وكلها تقوم على أسس من :

1 . المراحل الاستكشافية .

2 . المراحل الوصفية .

3 . المراحل الشرحية والتفسيرية .

4 . المراحل التقويمية ….. الخ .

   وهذه كلها تنظمها منهجية علمية محكمة , غايتها الأعلاء من مكانة الأنسان والتسامي في جميع مرامي حياته , وأن الأعلاء والتسامي ينتج لنا تبريراً وتفسيراً للارتقاء بالوظائف الدنيا للإنسان لتبلغ ذروتها في مراقي الوظائف العليا في الحياة , لذا لا تسامي ولا علاقة ارتباطية ايجابية بين تسامي الأنسان في حياته وبين صحة نفسية وجسمية غير متكاملة , فكلما هون الأنسان على نفسه من صعائب الحياة ومتطلباتها المادية والمدنية قلق الهوس , الوسوسة , والقلق المضنى , كان بعيداً عن ما يمكن التعرض له والإصابة بأمراض العصر النفسية منها والجسمية .

   وأن رأينا في ذلك كلما وجه الأنسان عمله ونشاطه وأفكاره ومتطلباته الحياتية والمادية نحو غايات مبنية على أساس واقعي كان أجدر به أن تكون وظائفه النفسية والعقلية نحو التناسق الفكري والعقلانية وموجهه نحو غايات هادفة قد يصل الى الاتزان الانفعالي والذاتي

أذ قال الله سبحانهُ وتعالى {{ يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر }} [ البقرة / 185 ] , أي أن النفس الانسانية تستشعر بالراحة والاسترخاء عندما تدرك معنى اليسر وتتفهم على نحوٍ واضح معناه , وتستمرئ بشكل جلي , فاليسر يعني بالأمان من مخاوف المجهول وينشر في ثنايا النفس برد الاطمئنان , كيف لا وأنه من لدن الحنان الخالق المنان …

  لذا جاءت آيات القران الحكيم حافلة بأساليب دقة التصوير وحبكة التعبير لمشاهد الكون والطبيعة والحياة وكل ما خلق الله , ومخاطبة نفس الأنسان يعدُ بكل ما يفضي الى الاقناع وبكل ما يشبع في ثناياها , الأمل , والأيقان , والأيمان , لذا فأن التصوير هو الأداة المفضلة في أسلوب القران [ سيد قطب / 1963 ] .

   ولهذا جاء التصوير الفني في القرآن الكريم يجسد يجسد مشاهد النفس والسلوك ويجسم لها كل ما في الحياة لكي تطمئن النفس وترضى منها .

1 . سمات النفس الانسانية بانفعالاتها ووجدانها في سائر أحوالها وهي تعيش مختلف دقائق أوضاعها وسلوكها في أيام حياتها .

2 . أدق تصوير للمعنى الذهني والموقف النفسي للإنسان حيال ذاته وإزاء الحياة والسلوك والتعامل .

3 . استشارة الحس على أن يتأثر بالصور المشهودة يستقر في أعماق النفس ما يرد أليها من طريق العين والحس .

4 . تحذير من الحرمان والإهمال والأخرة لمن يوف أذانهم وقرٌ فيتصامون عن نداء الحق ويعرضون عن مشاهد وعظائم خلقه .

5 . تباين للفوارق فيما بين بني الأنسان , فوارق تتجلى في السلوك القويم لدى ذوي الأيمان , وأخرى تتراءى في تعرف ذوي العتو والبهتان , فوارق تتبدى بين ذوي الصلف والمستكبرين وبين المستعزين بأيمانهم الأوابين الى رب العالمين .

6 . التصوير المحكم للحالات النفسية والمعنوية حين توزعه الظنون , وتستحكم الحيرة بمن يتبع طريق الغي وأمامه طريق الحق لا صب فلا يبصره ولا يراه .

7 . تصوير محسن للحالات النفسية فيما يرسمه القرآن الكريم من نماذج للواقع الانساني , أذ يقع الأنسان في شرك الشيطان ويختل سلوكه ويقع في حبائل السخف , والنفور , والتكبر , والتغطرس , والخيلاء , وكل ما في كينونة الأنسان من ظاهر يغري , وباطن يؤذي كما في قولهِ سبحانهُ وتعالى في محكم كتابهِ الكريم {{ الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور }} [ الملك / 2 ] …

x